التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (26) إلى (31) الدرس (56)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (26) إلى (31) الدرس (56)

مشاهدات: 479

تفسير سورة النساء من آية 26 إلى 31

لفضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري – حفظه الله –

الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد :

فكنا توقفنا عند قول الله عز وجل (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ) هذه الآية أتت بعد قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) والطَّول كما سلف هو السعة والغنى إذا لم يجد مهر الحرة فإنه يتزوج بالأمة إذا خاف على نفسه من الزنا وهذا هو القول الذي عليه الجمهور وهو ما يدل عليه سياق الآية خلافاً لمن قال من أن الطَّول المقصود من ذلك الحرة فمن كانت تحته حرة فلا يجوز له أن يتزوج بأَمه ولو خشي على نفسه من الزنا وكذلك خلافا لمن قال من أن الطَّول هو الحب والهوى بمعنى أن الإنسان لو هوى أمة وأحبها وتعلق بها ولو كان عنده قدرة على أن يتزوج بحرة ولكن خُشي عليه من أن يقع بها فإنه يجوز له أن يتزوج بها لكن ما قررناه سابقاً هو الذي عليه الجمهور و تدل عليه الآيات في سياقها وقوله عز وجل هنا (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) هنا إثبات الإرادة لله عز وجل بما يليق بجلاله و بعظمته و إرادة الله عز وجل نوعان : إرادة كونية قدرية وإرادة شرعية دينية ، فالإرادة الكونية القدرية : بمعنى أنه عز وجل إذا أراد أن يقع شيء فلا بد أن يقع سواء كان ذلك الذي وقع يحبه الله عز وجل أو لا يحبه هذا ما يتعلق بالإرادة الكونية القدرية كما أراد الله عز وجل أن يكون هناك في هذا الكون إبليس فهنا إرادة كونية قدرية مع أنه عز وجل لا يحب إبليس ، أما الإرادة الشرعية الدينية فهي التي لايلزم ما أراده عز وجل إرادة شرعية لا يلزم أن يقع وتلك الإرادة الشرعية يحبها الله عز وجل فالله عز وجل أراد من عباده مثلا أن يصلوا ومن ثم فإن الصلاة محبوبة عند الله عز وجل ولكن لا يلزم أن تقع مثل هذه العبادة من بعض الناس أو من أكثر الناس فقال عز وجل هنا (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ما تحتاجون إليه في أمور دينكم ودنياكم (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) ولذا قال عز وجل (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) لما ذكر في أواخر هذه السورة ماذا قال عز وجل لما ذكر ميراث الإخوة ؟ قال (وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ) (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) (َيَهْدِيَكُمْ) أي يوضح لكم ويبين لكم سنن من كان قبلكم فيما يتعلق بما يتعلق به من أمور الحق أو أمور الباطل فأمور الحق تأتون بها بأمور الباطل التي وقع فيها أولئك فأهلكهم الله عز وجل فلتجتنبوها  ومن ذلك ما يتعلق بالمحرمات من النساء ولذلك قال كثير من المفسرين من أن المحرمات السابقات كانت محرمات في الأديان السابقة التي أتى بها الأنبياء عليهم السلام (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ)  فالله عز وجل يريد من العباد أن يتوب عليهم إن هم أقبلوا عليه عز وجل وتوبة الله عز وجل هي توفيقه عز وجل للعبد أن يتوب وقبول تلك التوبة يقبلها عز وجل من هذا العبد وكل ذلك من باب التفضل منه عز وجل (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فهو العالم بكل شيء وهو الحكيم الذي وضع الامور في مواضعها المناسبة ومن ذلك ما ذكره الله عز وجل لكم وبيّنه من هدايته عز وجل في بيان تلك السنن وما مر في تلك الآيات السابقات وهو حكيم عز وجل إذ شرع لكم مثل هذه الأحكام التي بها تصلُح أحوالكم (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) هنا قدم اسمه عز وجل من باب ماذا ؟ من باب تعظيم هذا الأمر من أنه عز وجل يريد من العباد أن يتوبوا إليه وهو عز وجل سيتوب عليهم إذا أقبلوا عليه ولذا قال (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) كما أنه يريد أيضا أن يفرح بتوبة العبد كما جاء بذلك الحديث ” لله أفرح بتوبة العبد من أحدكم كان على راحلته في أرض فلاة وعليها طعامه فضَلَّت عنه فوجدها ” فقوله عز وجل (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) قال هنا مبينا أن هناك من أهل الزيغ والضلال من لا يريد أن تتوبوا إلى الله عز وجل وأن تُقبلوا عليه وهم من ؟ أصحاب الشهوات ومن كان ذا شهوة فإنه يحب أن يشاركه غيره في مثل هذه الشهوة ومن ثَم فليحذر المسلم من أهل الشهوات ولذا قال هنا (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) ليس ميلاً فقط وإنما يكون هذا الميل يكون ميلاً عظيماً مما يدل على حرصهم لأن من أراد أن يميل ذلك الإنسان عن الطريق المستقيم وأن ينحرف عن الطريق المستقيم اذا أراد منه أن يميل هذا الميل العظيم فإنه يستفرغ قوته وجهده بل ربما بذل ماله من أجل هذا الأمر ومن ثَم فإن علي أهل الخير والصلاح بل على أهل الاسلام أن يحذروا من هؤلاء وهذا يصدق في مثل هذا الزمن من وجود تلك القنوات الفضائية الفاسدة ومن وجود تلك الصفحات في وسائل التواصل التي تبث الشهوات وأعظم من ذلك أن يحرص المسلم على أن يحذر من أصحاب الشبهات  لأن الله عز وجل لما حذر من أصحاب الشهوات من أنهم يريدون من أهل الخير أن يميلوا عن الصراط المستقيم ميلاً عظيماً إذاً جانب الشبهات أعظم لأن الشبهة كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى أعظم من جانب الشهوة و لذا قال عز وجل (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ) يتبعونها اتباعاً دقيقاً بمعنى أن الذي يتبع يحرص على أنه يكون مُلِمًّا بهذا الشيء وهذا إن دل يدل على خطورة هؤلاء (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ) بما شرعه لكم من الأحكام أراد بذلك أن ييسر عليكم كما قال عز وجل (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) و كما قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ)  فالله عز وجل قال هنا (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ)  يخفف عنكم وهذا يدل على  ماذا ؟  يدل على أن الدين دين يسر ولذلك القاعدة الشرعية تؤخذ من هذه الآية ومن غيرها  كقوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)  من أن المشقة  تجلب  التيسير (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) الإنسان من حيث أصله ضعيف ضعيف  البنية ولذلك خُلق من ماء مهين  ولذا قال عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ)  فالإنسان  من حيث أصله ضعيف ومن حيث بنيته ضعيف ومن حيث شهوته  ضعيف ومن حيث  حياته وقوله وأفعاله ضعيف فإذا إذا كان ضعيفاً  فهو بحاجة إلى من ؟ بحاجة إلي عون القوي الجبار عز وجل ولا يكون ذلك إلا إذا أقبل على ربه إذ قال عز وجل في مطلع  الآية (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) ومن ذلك ما ذكره المفسرون  من أنه خُلق  وهو ضعيف باعتبار الشهوة فإنه ضعيف أمام النساء ومن ثم فإن بعض السلف كابن المسيب رحمه الله يقول : أتت علي ثمانون سنة  وإن إحدى عيني لا تبصر والأخرى بها عمش ومع ذلك فإن صاحبي يعني أن ذلك ذكره لا يتحرك  ومع ذلك فإني أخشى على نفسي من النساء ولا شك أن فتنة النساء عظيمة نسأل الله عز وجل أن يعصمنا وإياكم فالنبي صلى الله عليه و آله وسلم كما ثبت عنه قال : ” اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ” ومرَّ معنا قوله عز وجل في سورة آل عمران (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) فقدم النساء ومر تفسير هذه الآية (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)  نداء لأهل الإيمان من أنه لا يجوز لهم أن يأكلوا أموالهم يعني أموال غيرهم فيما بينهم لأن أهل الإيمان إخوة قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) لو قال قائل سبحان الله ! هذه الآية أتت هنا و تتعلق بأكل الأموال بالباطل فهناك مناسبة في ذكرها في هذه السورة والله أعلم لماذا ذكر عز وجل ما يتعلق بحقوق اليتامى المتعلقة بالأموال ، وبحقوق يتامى النساء المتعلقة بالمهور ، والمتعلقة أيضا بحقوق النساء اللواتي لسن يتامى وما يتعلق بالمال والترِكة بما يتعلق بالنساء ذكَّرهم الله عز وجل من أن من بين أنواع أكل أموال الناس بالباطل ما مضى فلربما أن الإنسان يهضم حق اليتيم وحق المرأة وقد ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم : إني أُحَرِّج – يعني أوقع الإثم يعني أُأَثم _ ” إني أُحَرِّج حق الضعيفين المرأة واليتيم ” (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) فقد مر معنا من أن أكل أموال الناس بالباطل قد يكون بالرشاوة وقد يكون أيضا  بالأسلوب الحسن الذي يقبل به الشخص الحاكم فلربما مثل ما قال صلى الله عليه واله وسلم كما ثبت عنه : ”  إنما أقضي على نحو ما أسمع فلربما أن يكون أحدكم ألحن بحجته – يعني أنه قوي في الحجة – ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له جمرة ” الحديث .. فهنا قال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)  مر معنا في سورة البقرة من أن بين الأساليب في أكل أموال الناس بالباطل أما عن طريق الرشوة وأما عن طريق الفصاحة والبيان قال عز وجل (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً) (إِلَّا) هنا بمعنى لكن ليست استثناء متصلا وإنما هو استثناء منقطع والاستثناء المنقطع يقدر بهذه الكلمة لكن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)  لكن (أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ)  لأن أخذ الأموال عن طريق التجارة والتي بها رضى ليست من أكل أموال الناس بالباطل (أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) فإذا وقعت تجارة بينك وبين شخص بيع وشراء عن طريق التراضي هنا دل هذا على ماذا ؟ دل على جواز أخذ هذا المال  لأنه عن طريق تجارة واضحة ولذا مما يدل على أن ما ذكره الفقهاء من أن  شروط صحة البيع سبعة  من بينها التراضي بين البيِّعين بين البائع والمشتري هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) دل على وجوب التراضي بين البيعين وقد ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ” إنما البيع عن تراضٍ ” ويدل أيضا هذا السياق يدل على أن خيار المجلس مما يدل على التراضي وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت قال : ”  البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ”  بمعنى أن الإنسان لو باع  لشخص مثلا باع  سلعتة مثلا كساعة أو باع له جوالاً في نفس المجلس واتفقا ما داما في المجلس  فلكل واحد منهما أن يعدل عن البيع وأن لا يجبره الآخر إلا إذا افترقا وخرجا من المجلس أو خرج أحدهما هنا يتم البيع لكن ما داما في المجلس فإن خيار المجلس يكون ثابتاً إلا إن أسقطاه في المجلس قال يا فلان نحن في المجلس ولكن هذه السلعة التي اشتريتها منك لا خيار لك فهنا يسقط الخيار بما أنهما اتفقا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) ولذا لو أن البيع تم عن طريق الحياء بمعنى لو أن الإنسان قال لشخص قال له أريد أن تبيعني هذه السلعة أو هذا الشيء فهو يعلم أنه ما باعها له إلاحياءً باعتبار أنه قريب له أو صديق له أو له منة سابقة عليه أو ما شابه ذلك فإن هذا البيع لا يجوز يقول النبي صلى الله عليه واله وسلم : ”  إنما البيع عن تراضٍ ” كما ثبت ذلك عنه ولأن النبي صلى الله عليه واله وسلم كما ثبت عنه قال : ” لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ” (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ) هذا يشمل ماذا ؟ يشمل قتل الإنسان لنفسه ولذا ثبت قوله صلى الله عليه واله وسلم ” من قتل نفسه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة ” ويشمل أن الإنسان يقتل غيره لمَ ؟ لأن أهل الإيمان إخوة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ)  بمعنى أنه لا يقدم أحد على قتل أخيه فإن ذلك يكون وزراًعظيماً وأيضاً (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ) بماذا ؟ بالذنوب ؛ لأن الوقوع في الذنوب يُعد قتلا للنفس لأن الإنسان سيخسر نفسه يوم القيامة (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ثم سبحان الله ! قال (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ) لما ذكر بما يتعلق بأكل مال بالباطل وما يتعلق بشأن النساء ما لو أن الإنسان انحرف و فعل الفاحشة فدل هذا على أن كذلك أيضاً مما يوقع الإنسان في قتل نفسه لأنه يعرضها للعقاب الشديد ويدخل في ذلك أيضاً في قتل النفس من أن الإنسان لو كان مثلاً في شدة برد أو في شدة حر وإذا بالماء لو استخدمه لوضوء أو لغُسل إذا به سيتضرر ضرراً واضحاً بيِّناً محضاً فإن مثل هذا يعدل إلى التيمم ولذلك عمرو بن العاص في إحدى الغزوات لمّا أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أميراً عليهم إذا به أجنَب فتيمم رضي الله عنه وغسل ما استطاع من بدنه و توضأ أنكر عليه أصحابه فلما أتَو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله : إني خشِيتُ على نفسي من شدة البرد فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرّه على ذلك واستدل عمرو بن العاص بهذه الآية (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وهذه الآية كسياق الآية التي مرت معنا في سورة البقرة (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ومرّ معا هناك من أن إلقاء اليد إلى التهلكة إما أن يكون ذلك بأن يقتل الإنسان نفسه أو كما قال المفسرون من أنه يترك النفقة في الجهاد في سبيل الله أو أنه يترك الجهاد في سبيل الله أو أنه يقنط من رحمة الله عز وجل فيقل إن الله لا يتوب علي ومن ثَمَّ يفعل الذنب تِلو الذنب حتى لولم يقنط فإن استمرار العبد عل الذنوب و لو لم يكن هناك قنوط يدخل في ضمن تلك الآية (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهنا مسألة يجب أن تحرر تحريراً واضحا بينا وهي أن قوله تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) من أن أبا أيوب رضي الله عنه كان في إحدى الغزوات وإذا برجل يقحم نفسه بالعدوّ فقال الناس ألقى بنفسه إلى التهلكة فقال رضي الله عنه كما ثبت عنه : ” لتأولون هذه الآية على هذا التأويل – يعني على هذا التفسير – وإنما هذه الآية نزلت فينا نحن الأنصار فقلنا إن الله عز وجل نصر دينه فلو جلسنا في المدينة وبقينا على أموالنا وعلى زروعنا فأنزل الله هذه الآية مبيناً أن إقامتنا في أموالنا وأن ترك الجهاد يُعَدُّ إلقاءً للنفس إلى التهلكة ” ومن ثَمَّ فإن هناك مسألة يجب أن تحرر تحريراً واضحاً وهو الانغماس في العدو بمعنى أن الإنسان يأتي إلى الأعداء فإذا به يدخل فيهم وإذا به يفجر نفسه أو ما شابه ذلك وهذه المسألة تحتاج إلى تحرير أولاً : إذا كان هذا الأمر لا بد أن يبين من أن بعض المسائل ليست داخلةً فيما قاله بعض العلماء ، قال بعض العلماء : لايجوز للإنسان أن يغمس نفسه في العدوّ إلّا إذا كانت هناك مصلحة عامة تعود على أهل الإسلام ، هذا الكلام يجب أن يُحرر تحريراً واضحاً بيِّناً وقد تكلم القرطبي رحمه الله في التفسير لكنه لم يحرر ما يريد تحريره لأن الواقع هنا يختلف عن الواقع في السابق إذاً انغماس الإنسان وتفجير الإنسان لنفسه في أهل الإسلام بدعوى تلك الشُّبَه التي يُقال من أنه يفجر نفسه في رجال الأمن سواء كان في هذه البلاد أو في أي بلد أخرى من بلدان المسلمين فإن هذا يُعد انتحاراً لأن هؤلاء مسلمون وهم معصومو الدم أيضاً وهو الأمر الثاني : من أن الانغماس في الكفار المعَاهدين  الذين بيننا وبينهم حرب فوقفت لمدة معينة أو الانغماس في الكفار الذميين الذين يدفعون لنا الجزية مع بقائهم في دينهم أو في المستأمنِين الكفار الذين يدخلون في بلدان المسلمين بأمان من ولي الأمر فإن الانغماس وتفجير هؤلاء سواء فجر الإنسان نفسه فيهم أو لم يفجر نفسه وإنما فجرهم فإن هذا يُعد مما ؟ يُعد من الأمور العظام ، ومما يعد من الصورة الأولى في التحريم قوله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) وأمّا ما يتعلق بالكفار المعاهَدين الذميين أو المستأمنين فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري : ” من قتل معاهَدا لم يرح رائحة الجنة ” ومن ثَمَّ فإن بعضاً من الناس ممن ينتسب إلى العلم فيقول إن الإنسان لا يجوز له أن يفجر نفسه إلا أخذ إذن من الجماعة أو من الحزب ، نقول أولاً : تلك الجماعات وتلك الأحزاب ليست من شرع الله عز وجل وقد ذم الله عز وجل ذلك في آيات كثيرة وبينَّا ذلك في مواطن كثيرة ، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ) وقال تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فإذا بطل ما يسمى بهذه الجماعات وهذه الحزبيات فكيف يكون هذا القول صحيحاً ؟ فهذا القول قول باطل ولا يصح بل يُتنبه لمثل هذا الأمر فقيل في المسألة التي يجب أن تُحرر وهي فيما لو أن أهل الإسلام قاتلوا الكفار في ساحة القتال الكفار هؤلاء ليسوا بذميين وليسوا بمعاهَدين وليسوا بمستأمنين يعني من أن الحرب قائمة بيننا وبينهم هل يجوز للإنسان أن يفجر نفسه أو أن يدخل نفسه في هؤلاء الأعداء ؟ هنا ذكر العلماء وذكر القرطبي – رحمه الله – أقوالاً ولكن من باب النظر في النصوص الشرعية وما تحدث به أهل العلم نقول أولاً : مثل هذا الأمر وهو الانغماس في العدو لا يجوز للمسلم أن يفعله إلا بشروط  أولاً : أن تكون له قوة بحيث يدخل في هؤلاء ، ثانياً أن تكون هناك فائدة عامة ومصلحة يكون بها النصر والغلبة لأهل الإسلام ولذلك أفتى بعض مشايخنا في هذا الزمن ، أفتوا من أن من فجر نفسه في هؤلاء الأعداء و إذا بأولئك الأعداء كاليهود مثلا إذا لم يأتون إلى أهل الإسلام بدل ما يقتل هذا الذي فجر نفسه قتل مثلاً عشرة إذا بهم يقتلون مئة أو ألفاً فإن هذا يُعد انتحاراً كما قال بعض مشايخنا رحمهم الله ، إذاً أن تكون له قوة ، ثانياً : أن تكون هناك مصلحة عامة تعود على أهل الإسلام ، ثالثاً : أن تكون هناك غلبة ظن على أنه سينجو  لكن لو تحقق من أنه سيهلك لا محالة فإن مثل هذا لا يجوز لأن النص صريح (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ) (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فإذا كان الإنسان ، لا شك أن الإنسان إذا انغمس في العدو ، طبعاً الانغماس بمعنى أن يقاتلهم لكن من يفعل الآن فيمن يضع حزاماً ناسفاً إذا به فجر نفسه سيهلك لا محالة فمثل هذا الفعل لا يجوز لكن الحديث فيما لو أنه انغمس ورجي أن ينجو لكن لو تحقق مئة بالمئة أنه سيموت فإن مثل هذا لا يجوز لهذه الآيات أما ما ذكره القرطبي رحمه الله من قول بعض أهل العلم ممن قال لو علم لو غلب على ظنه أنه سيموت وكان هناك نفع لأهل الإسلام فإنه يجوز فإن هذا القول به نظر للنصوص الواضحة ، أما إن كانت به قوة كانت بتلك الشروط فلا إشكال مثال ذلك : في تلك المعركة لما تحصن من تحصن من الكفار قال بعض أهل الإسلام لِتلقوا بي لأنهم أغلقوا باب الحديقة حتى لا يدخل أهل الإسلام فقال أُرموني حتى أدخل فرموه وكانت به قوة وهو يرجوا النجاة فقاتلهم حتى تمكن من فتح الباب أما إذا كان الإنسان سيهلك لا محالة فإن النصوص الشرعية تمنع ذلك أما ما يُستدل به من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في صحيح مسلم في غزوة أحد : كان معه بعد ما حصل من هزيمة لأهل الإسلام كان معه قرشيان وكان معه سبعة من الأنصار فلما أتوا بعض العدو قال في سياق الحديث ” فلما رهقوه – (رهقوه يعني : أوشكوا أن يدركوه وأن يوقعوا به الأداة ) – فقال صلى الله عليه وآله وسلم : من يكف القوم وهو رفيقي في الجنة فقام رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل حتى قام الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع فقال صلى الله عليه وآله وسلم على الرواية المشهورة ما أنصفنا أصحابنا – يعني نحن لم ننصف أصحابنا فلم نقم معهم ، لأنه بقي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه من ؟ معه القرشيان ” فهذا لا يدل على أن الإنسان سيهلك نفسه لأن هؤلاء رهقوه يعني سيؤذونه وسيقتلونه إن لم يقاتلهم فليس هناك حجة في مثل هذا فيما يتعلق بهذه المسألة فهذه المسألة إذاً لعلها اتضحت إن شاء الله تعالى في تحرير هذه المسألة وفي الشروط التي ذكرت والأصل أن الإنسان واجب عليه أن يحافظ على نفسه وأن لا يلقيها إلى التهلكة قال تعالى هنا (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى امرأة من السبايا تأتي إلى السبايا وتبحث عن الأطفال فلما رأت طفلاً أخذته وألقمته ثديها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتظنون أن هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قالوا لا يا رسول الله وهي تقدر على ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم لَله أرحم من عباده من هذه بولدها فدل هذا على سعة رحمة الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ومن رحمته عز وجل أن شرع لكم التوبة أي شرع لكم هذه الأحكام من رحمته عز ول أنه إذا حصل لأحدكم الضرر فيما لو فعل عبادة على وجه معين فيخفف عنه فإن كان قائما فيصلي قاعداً حال الضرر يلجأ إلى التيمم إذا كان به ضرر إذا كان استعمل الماء في طهارة الحدث الأكبر أو في طهارة الحدث الأصغر (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ) سبحان الله ! (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ) أي : ما تقدم ، من ماذا ؟ بعضهم يقول إلى قتل النفس لأنه آخر المذكور لكن الصحيح عائد إلى ما سبق (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ) من ماذا ؟ من قتل نفسه ومن أخذ الأموال بالباطل (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا) التعدي ، العدوان : هو مجاوز الحد ، ظلماً هو : وضع الشئ في غير موضعه المناسب (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا) يعني بمعنى أنه اعتدى على الغير وأيضاً هنا ظلم من ؟ ظلم نفسه وظلم غيره واعتدى أيضاً والعدوان حتى يكون بماذا ؟ يكون على النفس ولذا قال بعض المفسرين ذكر الظلم والعدوان مع أن المعنى واحد باعتبار إختلاف اللفظين من باب تعظيم ماذا ؟  تعظيم هذا الأمر وأن ذلك الأمر المشار إليه عدوان وليس عدوان فقط بل هو عدوان وظلم (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ) بمعنى أن هذا يُصلى ويُحرَّق ويُعذب ويتألم في النار (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ) ونكَّر النار من باب تعظيم هذه النار (وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) فهو يسير عليه عز وجل فهو عز وجل القادر على كل شئ (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) إن تجتنبوا : أي تبتعدوا (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) دل في ذكر كلمة كبائر أن هناك صغائر فكلمة كبائر تدل على أن هناك ذنوباً تُسمى بالصغائر وهذه الآية أتت بعد الآية السابقة (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) لأن قتل النفس كبيرة ، لأن أخذ أموال الناس بالباطل كبيرة فلما ذكر صنفين من أصناف الكبائر بيَّن أن هذا ليس محصوراً في هذين الأمرين بل إن هناك كبائر أخرى فعلى المسلم أن يجتنبها قال (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ما الفرق بين الكبائر و بين الصغائر إذا عُرفت الكبائر عُرفت الصغائر قال بعض أهل العلم إنها محصورة من حيث العدد بمعنى أن عددها سبع وقيل إنها سبعون قيلت أقوال فيما يتعلق بالكبائر والصحيح أنها محصورة بالوصف فكل ذنب أو معصية رتَّب الله عليها حداً في الدنيا أو لعنة أو غضباً منه  عز وجل أو ناراً فإنها تكون من الكبائر ما عداها تكون إذاً من الصغائر قال تعالى هنا (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) فأنتم نُهيتم عن هذه الكبائر ومن بين ذلك آثار أتت منها ما داء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله وسلم  ( اجتنبوا السبع الموبقات قلنا ما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقتل المحصنات الغافلات المؤمنات ) الحديث . فالشاهد من هذا من أن الكبائر بيَّن الشرع منها شيئاً ولكن نقول هي موصوفة بوصف ذلكم الوصف وما تقدم ذكره (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) مالفائدة مالثمرة إذا تُرِكت الكبائر ؟ (نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) نكفر الصغائر ذُكرت هنا السيئات باعتبار أنها الصغائر (نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) ومن ثَمَّ لما قال عز وجل هنا (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) دل هذا على أن من اجتنب الكبائر كُفِّرت عنه الصغائر ومن ثَمَّ فلو قال قائل أنتم تقولون مثلاً في بعض الأحاديث صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عشورا يكفر سنة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما ثبت عنه : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبار ) إذاً اجتنبت الكبائر وصُمت عرفة صُمت عاشورا فأي مزية هنا ؟ فنقول إنه كما قال ابن القيم وأشار إلى ذلك قال : إن السبب  إذا كان معه سبب آخر تقَّوى به فأصبح تكفير الكبائر أعظم وأعظم إن لم تكن هناك كبائر للإنسان ففعل هذه الطاعات تكون له ماذا ؟ تكون له حسنات تصور إذا لم تكن له كبائر وكانت عنده صغائر وصام هذه الأيام فإن تلك الأيام ماذا ؟ تكفر الصغائر لكن إذ لم يكن عنده صغائر وكان عنده كبائر وصام عرفة وصام عاشورا هنا قال بعض أهل العلم إذا قوي ما في قلبه من الإيمان قويت تلك العبادة من صيام عرفة وعاشوا أو على تكفير بعض الكبائر أو تخفيف شئ منها قال تعالى هنا (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) ومن ثَمَّ فإن على العبد أن يحرص على أن يدع الكبائر هو مأمور بأن يدع الصغائر والكبائر لكن ربما أنه يقع في الصغائر حتى لو وقع في الكبائر فليعد ولذلك ماذا قال عز وجل عن أولئك الذين أحسنوا قال عز وجل (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ) أي : الصغائر أو الكبيرة يلم بها ثم إذا به يتذكر عند الله فيتوب إلى الله عز وجل وتأمل عظمة الله عز وجل سبحان الله قال قبلها (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وذكر هذه الآية وهذه من رحمته عز وجل من أن العبد إذا اجتنب الكبائر هنا ما الذي يجري ؟ تُكفر السيئات بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه قال : ( لكل نبي دعوة مستجابة دعا بها إلا أنا خبأت دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله لمن لم يُشرك بالله شيئاً ) دل هذا على أن أهل الكبائر أيضاً يدخلون في ذلك لأنهم لم يُشركوا بالله عز وجل فهذا فضل عظيم منه عز وجل (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) تكفير السيئات بعدها زوال ماذا ؟ زوال المكروه هنا بعده (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) هذا حصول المطلوب المدخل  الكريم ووصفه بأنه كريم ولذلك قوله (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (مُّدْخَلًا كَرِيمًا) هل هو اسم مكان أو أنه مصدر بمعنى الإدخال وهو الفعل الصحيح أنه يشمل هذا ويشمل هذا بمعنى أن المُدخل من أنهم حال دخولهم الجنة حال الإدخال يكون هذا الإدخال كريماً وإذا دخلوا دخلوا إلى مكان كريم وهو الجنة فإذاً حال الدخول ، الدخول والإدخال هو الفعل كريم يعني يُكرمون إذا وصلوا إلى هذا المكان وهو الجنة فهو أيضاً كريم وأي كرم أعظم من أن يكون الإنسان في جنة ، في جنة عرضها السماوات والأرض فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويرون فيها أعظم النعيم وهو رؤية الله عز وجل (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) ولذا ماذا قال عز وجل (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) هذا إدخال فيه تكريم وفيه كرم (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) .