التفسير المختصر الشامل (170) تفسير سورة طه من الآية ( 1) إلى ( 41)

التفسير المختصر الشامل (170) تفسير سورة طه من الآية ( 1) إلى ( 41)

مشاهدات: 443

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة طه من 1 إلى 41 – ( الدرس: 170)

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

﴿طه﴾ (1)

سورةُ طه من السور المكية، ﴿طه﴾: من الحروف المقطعة وقد مر معنا توضيحها وتفسيرها في أول سورة البقرة، وأما ما ذكره بعض المفسرين من أن طه اسم رجل “يا رجل”، أو اسم للنبي ﷺ فليس عليه دليلٌ صحيح بل إن طه حالُها كحال {آلم} و {الٓمٓصٓ} وما شابه ذلك وكذلك الشأن في سورة {ٓيس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} فهي من الحروف المقطعة

﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ (2)

{لتشقى} ما أنزل الله عز وجل عليك يا محمد هذا القرآن لتشقى من ذلك من أنه ﷺ يحزنه صدود قومِه ولذلك قال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}

فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات، ويدخل في ذلك: إنكاراً لقول كفار قريش ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا من أجل أن يشقى؛

ويدخل فيه أيضاً: أنه ﷺ كان يجتهد في العبادة اجتهاداً عظيماً فأنزل الله عز وجل قولَه: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} وإنما هذا القرآن إنما هو خيرٌ لك ورحمة وبركة وهدى، ولذلك قال بعدها:

﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ (3)

تذكيراً لمن يخشى الله عز وجل أما هؤلاء الذين قالوا إنك تشقى بالقرآن أو هؤلاء الذين صدّوا وأعرضوا عنك فلا تهتم لحالهم ولا تحزن عليهم.

 

﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)﴾

{تنزيلاً} يعني: نزّل هذا القرآن تنزيلاً ممن؟ {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} يعني المرتفعة {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} إثبات صفة الاستواء لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته ومر معنا ذلك في سورة الأعراف.

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} من الأجرام والهواء وما شابه ذلك

 {وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ} يدخل ضمن الأرض لكن خصص ذلك من باب التأكيد.

{الثَّرَىٰ} وهو التراب المبلول، بمعنى أن المقصود بأنه عز وجل {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ} يعني تحت أطباق الأرض السفلى، فدل هذا على أنه له الأسماء الحسنى ولذلك ماذا قال بعدها؟

﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى(8)﴾

يعني إن تظهر القول {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} يعلم السر، والسر خلاف المناجاة، السر الذي يكون بين شَخصَين. {وَأَخْفَى} قال بعض المفسرين: يعني ما يُخفيه الإنسان عن غيره.

والذي يظهر كما في القول الآخر: أن كلمة {وَأَخْفَى} يعني أنه عز وجل يعلم ما سيتحدث به الإنسان في نفسه قبل أن يعلمَ الإنسان وقتَ حدوث ما سيحصل في نفسه من هذه الخواطر بمعنى أنه عز وجل كما قال: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} يعني:

 أخفى من ذلك فيعلم ما توسوس وما يَجولُ في خاطر الإنسان قبل أن يعلم الإنسان ما يجول في خاطره، فيعلمُ اللهُ عز وجل قبل علم الإنسان بما يكونُ في خاطره.

{الله} من له ما سبق مما ذكر يدل على عظمة الله ولذلك قال: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} لا معبود بحق إلا هو {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} والتي بلغت الحسن في الكمال ولذلك مر معنا قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ}.

 

﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ﴾ (9)

يعني هل جاءك يا محمد حديث وخبر وقصة موسى؟

وذُكِرَت قصةُ موسى من باب التسلية للنبي ﷺ لمّا أعرض قومُهُ ولذلك كان ﷺ يقول كما ثبت عنه “رحم اللهُ موسى لقد أُوذي بأكثرَ من هذا فصبر”.

﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ (10)

{إِذْ رَأَىٰ نَارًا} متى رآها؟ رأى هذه النار كما سيأتي معنا في سورة القَصص وأيضاً في سورة النمل، لمّا وفىّ ما وفىّ مع ذلك الرجل الصالح لمّا استأجره وتزوج بابنته وقضى تلك المدة أراد أن يرجع إلى مِصر ولذلك ماذا قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} (القصص 29)

هنا ماذا قال؟ {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ} {إِذْ رَأَىٰ نَارًا} هو رأى ناراً، أبصر ناراً يظن أنها نار لكن هي نور، هي في نظرِهِ أنها نار لكنها في الحقيقة هي نور، كما سيأتي بيان ذلك في سورة النمل والقَصَص بإذن الله تعالى.

فقال هنا {فَقَالَ لِأَهْلِهِ} لزوجته {امْكُثُوا} فقال هنا امكثوا مع أنها واحدة لأن الأهل يطلق ويراد منه الجمع {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} يعني أبصرتُ ناراً {لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ} بقبس يعني: قطعة من نار تكون في عود أو ما شابه ذلك من أجل أن يستضيءَ بها الإنسان أو أنه يستدفئ بها.

{أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي من يهديني إلى الطريق لأنه كان يسير هو وزوجتُه وأضلوا الطريق وكانوا في ليلةٍ باردة ولذلك في الآية الأخرى قال: { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}.

﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)﴾

أمره بخلع نعاله، قال كثير من المفسرين: “أنها كانت من جلد حمارٍ غير مُذكّى” لكن لا دليل على ما ذكروه، ولعل الأمر بخلع النعال من باب أن يكون في هذا المكان لأنه متواضع ولأنه في مكانٍ مقدس مبارك.

فقال هنا {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ} ولذلك علل {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} يعني المطهر {طُوًى} يعني: اسمُه طوى، خلافاً لما قاله بعض المفسرين من أن كلمة طوى بمعنى أنك تطؤه بأقدامك،

 والدليل على أن هذا اسم للوادي في سورة النازعات ماذا قال عز وجل؟

 {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (النازعات 29) فدل هذا على أنه اسمٌ لذلك الوادي.

﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)﴾

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} اخترتك للرسالة كما مر معنا {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (الأعراف 144)، فقال عز وجل: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} لأداء الرسالة {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ } لما يوحى إليك، وفي هذا بيان أن الله عز وجل كلَّمَ موسى وكلام الله عز وجل من صفاته الذاتية هو متكلّم عز وجل من حيث الأزل، وأيضاً من الصفات الفعلية فمن شاء الله عز وجل أن يُكَلّمَه كلّمه كما حصل لموسى عليه السلام فقال هنا {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ} مما يوحى إلى موسى مما أوحيَ إليه:

{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا} لا معبود بحق إلا أنا {فَاعْبُدْنِي} أمره بالعبادة، ودل هذا على أن الدعوة للناس إنما تكون بالتوحيد، وأي داعية لا يدعو إلى التوحيد ولاسيما في مواطن وأماكن الشرك فإن دعوتَه بها خلل بل لا بركةَ فيها، بل إن الناس محتاجة إلى التوحيد حتى ولو كان في بلد التوحيد.

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أفرد الصلاة مع أنها من العبادة لأهميتها، ولأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام؛ والركن الأول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

 {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أقم الصلاة لأن في إقامة الصلاة تذكر اللهَ عز وجل، يعني: تذكرني في هذه الصلاة، وأيضاً فيها أن الإنسان إذا فاتته الصلاة فإنه يُصليها في وقتها؛ ولذلك النبي ﷺ قال كما ثبت عنه “من نام عن صلاةٍ أو نسيَها فلْيُصلِها إذا ذَكَرَها”

 قال هنا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ} (العنكبوت 45) كما سيأتي معنا القول الصحيح، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يعني ذِكرُكَ لله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء و المنكر، وهنا يتوافق القول هذا مع ما ذكره عز وجل هنا {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.

{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} قال بعض المفسرين: أكاد أخفيها فلا أذكر علامات لها،

 وقال بعض المفسرين: – بل هم الأكثر – يقولون: أكاد أخفيها يعني أكاد أخفيها عن نفسي لأن من أراد أن يخفيَ شيئاً من باب التكتم عليه فيقول كدتُ أن أخفي هذا الشيء عن نفسي، مع أنه عز وجل عالمٌ بها ولذلك ماذا قال عز وجل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ} (الأحزاب 63).

فقال هنا: {لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ} كل نفس تُجزى بما تسعى من خير أو من شر {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} يعني عن الساعة {مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا} ممن يُنكرها {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} دل هذا على أن اتباع الهوى خطير {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ} فتكون من الهالكين فتهلك فتردى.

﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18)﴾

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} هنا اللهُ عز وجل استفهم مع أنه عالم بذلك من باب أن يطمئن موسى عليه السلام {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}

قال {قَالَ هِيَ عَصَايَ} لم يقل هي عصا وإنما قال هي عصايَ اضافها إلى نفسه {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} يعني أعتمد عليها في سيري {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي} يعني أنني أضرب بهذه العصا الشجر فيتساقط الورق فتأكله الغنم {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ} يعني حاجات {أُخْرَىٰ} ذكر أربعة أشياء مع أنه سُئل {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ} لأن موسى عليه السلام أراد أن يتشرفَ بكلام الله عز وجل لكن لما ذكر هذه الأشياء الثلاثة أجمل.

قال {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ} قال بعض المفسرين: أن هذه العصا لها عجائب أنها إذا نام موسى عليه السلام فهي تشع نوراً، وأيضاً هي تحرس الغنم بديلاً له، لكن كل هذا الكلام لا دليل عليه بل إنَّ ظاهر الآيات يرد ذلك لأن موسى عليه السلام لو كانت عصاه تأتي بهذه العجائب ما خاف منها لما انقلبت إلى حيَّة.

فقال هنا: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ} دل هذا على أنه ممسك عصاه باليمين { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ} وأهش بها على غنمي: ولذا قال ﷺ:مامن نبي إلا وقد رعى الغنم” وهذا يدل على أن من يرعى الغنم يكون به التواضع ويكون به الحِلم والصبر لأنه يحتاج مع هذه الغنم إلى صبر وإلى حلم وإلى رِفق.

﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى(23)﴾

{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ} {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ} الحيّة تطلق على الحيّة سواءً كانت كبيرة أو صغيرة على الذكر وعلى الأنثى، لكن في سور أخرى ذكر عز وجل كما مر معنا: أنها ثعبان والثعبان هو الضخم، وذكر عز وجل كأنها جان وهي: الصغيرة، فالجمع بينهما:

 أنه ذكر الحيّة هنا باعتبار اسم الجنس لكن هي ثعبانٌ مبين بمعنى الضخامة، لكن هي جان باعتبار السرعة باعتبار سرعتها {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ}.

{ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ } هنا فيه ما يتعلق بشيء لم يُذكر هنا ذُكِر في سور أخرى لأنه لما ألقاها فصارت حية ماذا قال عز وجل؟ { وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}( النمل 10)

{قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖسَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} {سيرتَها} منصوبة على نزع الخافض يعني إلى سيرتِها الأولى {سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ}  يعني إلى حالتها الأولى {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ} وهي هيأتها ولذلك بعض الناس يقال له ماهي سيرتك  يعني ماهي هيأتك يعني ما حالتك.

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ} الجناح يطلق على الجنب ويطلق على الإبط ويطلق على العضد

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ} يعني إلى جهة جنبك مع العضد إلى جانب الإبط {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} يعني مشرقة منيرة {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير علّة ومرض من برص ونحو ذلك {آيَةً أُخْرَىٰ} لأنه كان أسمر عليه الصلاة والسلام فتكون يده بيضاء مشرقة من غير سوء آيةً أخرى مع آية الحية.

{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} هذه من آيات الله الكبرى، دل هذا على أن من الآيات الكبرى: الحيّة واليد.

 

﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ (24) أي تجاوز لأنه ادعى الربوبية قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} (النازعات 24) وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} (القصص 38)

﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)﴾

{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} وهذا يدل على أن الإنسان إذا أراد أن يُقدِمَ إلى أمور عظيمة لابد أن يكون له انشراح في الصدر بأن يوسع الله صدرَهُ وأن ييسر أمره، ولذلك النبي ﷺ ماذا قال عنه؟

 { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الشرح 1)، هنا موسى طلب من الله أن يشرح صدره، أن يوسعه ليتلقّى الرسالة وليصبر على ما يكونُ من طغيان فرعون.

{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} لتكن أموري ميسرة في دعوة هذا الطاغية وفي أموري كلها أيضاً

 {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} هنا دل هذا على أن موسى عليه السلام كانت به عقدة في لسانه ولذلك في آية أخرى:

 {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} (القصص 34) هو فصيح عليه السلام لكن هارون أفصح منه.

{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} لم يقل واحلل عُقَد، دل هذا على أن موسى عليه السلام طلب من الوسيلة ما يُبلغ به رسالةَ ربه.

وقد ذكر بعض المفسرين: أن هذه العقدة بسبب جمرة حصلت معه مع فرعون، وهناك حديث يسمى بحديث الفتون أخرجه النَّسائي في الكبرى، قال سعيد بن جبير لابن عباس رضي الله عنهما:

 ” ما حديث الفتون؟ – لما أتاه في آخر النهار – قال: لتأتني في الصباح فإن له شأنا عظيما وله خبر طويل” فأتاه فقصّ عليه قصة موسى مع أمه وما سيأتي، ولذلك قال هنا: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}(طه40).

فمن بين ما ذُكِرَ في هذا: أن فرعون لما أُتي بموسى إليه بعدما ارجعته أمه بعد أن ارضعته وأرادت زوجة فرعون أن تنظر إليه فأُتي به، فأتت به إلى فرعون لكي يعطيه هدية فأمسك موسى بلحية فرعون فقال قومه أرأيت هذا هو الذي سيُهلك الله ملكك على يديه فأراد أن يقتله،

فقالت امرأته: لتأتِ بجمرتين وبلؤلؤتين، فإن أخذ اللؤلؤتين فإنه يكون عاقلاً وفاهماً، وإن أخذ الجمرتين فإنه يكون غيرَ فاهم وغير عاقل لهذا الفعل، فأخذ الجمرة فوقعت في لسانه إلى آخر ما ذُكِر حديث طويل جداً، لكن قال عنه ابن كثير رحمه الله في التفسير: “هذا حديثٌ طويل وهو من حديثِ ابن عباس رضي الله عنهما ورفعه إلى النبي ﷺ لكنَّ المرفوع منه قليل وأكثر ما فيه أخذه عن بني إسرائيل” قال هذا الكلام ابنُ كثير رحمه الله.

على كل حال قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} {يَفْقَهُوا قَوْلِي} لكي يفهموا قولي.

﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا(35)﴾

{وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} لأن من كان قريباً منك من أهلك فإنه أعرف بحالك فلا يخاصمُكَ قال: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} مَن؟ {هَارُونَ أَخِي}

{ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} يعني ظهري {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} في أمر الرسالة، سبحان الله فضلُ الله عز وجل عظيم، هارون في مصر وإذا بموسى يناجي الله عز وجل ويسأل ربَّه أن يجعل هارون نبياً، فسبحان الله جعله اللهُ عز وجل نبياً وهارون عليه السلام في مصر لا يدري ما هو الحال بين موسى وبين ربه

وهذا خيرٌ من الله عز وجل فإذا منح الله ووهب عز وجل للمخلوق شيئاً فهذه عطية من الله عز وجل {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} لم؟ {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} من باب التعاون على الخير

{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا}: كي ننزهك عما لا يليق بك مما يقوله فرعون من ادعاءه الربوبية والألوهية وما ادعاه قومه من العبودية لغيرك.

  {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} عطف العام على الخاص لأن التسبيح من باب الذكر، لكن أفرِد والعلم عند الله من باب تنزيهه عن ما لا يليق به مما فعله فرعون و قومُه {إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} يعني أنت بصيرٌ بأحوالنا.

﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(39)﴾

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ} أعطيتَ سؤلك، يعني: هذا السؤال أُعطِيتَه يا موسى.

 {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ} يعني مرة سابقة ،يعني: هناك منّة سابقة منا عليك قبل هذه المِنّة، أجبنا دعوتَك وسؤالك، وهناك منّةٌ سابقة مِنَّا عليك يا موسى {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ} متى؟

في أيام طفولتك {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ} ما الذي أوحاه؟

 عن طريق الإلهام يعني ألهمها الله عز وجل {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ}

{أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} {أن}: أن تفسيرية أوحى إليها أن تقذفه، {أَنِ اقْذِفِيهِ} والقذف هنا المقصود منه: هو الوضع، وليس القذف الذي هو المراد منه النبذ وبشدة لا

 { فِي التَّابُوتِ} وهو الصندوق المعروف.

 {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} يعني في اليم الذي هو البحر، وهو نهر النيل.

{ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} من جهةِ فرعون {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} و الضمائر كلها تعود إلى موسى عليه السلام {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} فَلْيُلْقِهِ: يعني موسى وهو في التابوت يعني لا تعارضَ بين القولين.

{يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } ولذلك ماذا قال تعالى؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحة:1] فمن عاداه الله فيجب أن تعاديَه.

 {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} يعني أن الله عز وجل ألقى المحبة على موسى فمن رآه أحبه، ولذلك لما رأته زوجة فرعون قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} فمن رآه أحبه.

{وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى} أي لتتربى على مرأى مني وحِفظ مني وأنت في بيتِ فرعون من طفولتك {وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى} ومر معنا ما يتعلق بإثبات صفة العين لله عز وجل والجمع بينها وبين التثنية وبين الجمع في قصة نوح عليه السلام.

 

﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي(42)﴾

{ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } لأن أمه وعدها الله عز وجل بأن يعود إليها فقال عز وجل كما في سورة القَصص:

 {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(10)} [القصص]

{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ } يعني تتبعي أثرَه انظري ما حاله، فبين هنا أن أختَه رأته:

 {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ} أي من يرعاه ويتولى أمره لأنه لم يقبل ثدي أي امرأة كما قال تعالى: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (القصص12) فقال هنا عنها:

 {فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} لتستقر عينها ويرتاح قلبها

{ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (القصص 10).

فقال هنا: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ} فَقَبِلَ ثديَها، وسبحان الله تأتيها الأجور من فرعون وهي في بيتها مع ابنِها.

{ وَقَتَلْتَ نَفْسًا}: كما سيأتي في سورة القَصص، {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} الغم: الهم العظيم الذي يغم الإنسان مثل الغمامة تغطي القلب من شدة الهم والحزن.

 {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} اختبره اللهُ عدة اختبارات في حديث الفتون، قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: “وهذا من الفتون” لما ذكر ما ذكر من أنه لما أمسك بلحية فرعون قال هذا من الفتون يا ابنَ جبير، وكذلك لما قالت أخته: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} فقال: وما يدريكِ أنهم ناصحون له؟ قال: هذا من الفتون… الحديث طويل جداً.

{ فلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} مع ذلك الرجل الصالح: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ} (القصص27) يعني ثمان سنوات {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ} (القصص27).

فلما أتم: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} وهي العشر على الصحيح كما جاءت بذلك بعضُ الآثار التي يؤيدُ بعضها بعضاً، فلم يلبث ثمان سنوات بل أتمَّ الكمال

 {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ} جئت على قَدَر قَدَّرنَاه في وقت لا تتجاوزُه ولا تتعداه كما قال عز وجل في أول السورة:

 {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13)}

{فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} (القصص 29)،

{فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ} قدَّرناه إذ أوحى اللهُ إليه بالرسالة.

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} اصطنعتك واخترتك لتبلغ رسالتي، {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} من أجل تبليغ رسالتي.

{اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} هل أطلَعَ اللهُ عز وجل هارون بذلك قبل أن يصل إليه موسى أم لا؟ قولان، بعضهم قال: لا وهذا هو الأظهر لأنه لم يأتَ دليل على أن هارون عليه السلام أنه علِمَ بأنه نبي إلا بعد قدوم موسى عليه السلام وهذا هو الأظهر فيما يتعلقُ بهذه المسألة.