التفسير المختصر الشامل (179) تفسير سورة الحج من الآية ( 30 ) إلى ( 48 )

التفسير المختصر الشامل (179) تفسير سورة الحج من الآية ( 30 ) إلى ( 48 )

مشاهدات: 537

[ تفسير سورة الحج]

من الآية(30) إلى الآية (48) الدرس (177)

لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

قال تعالى :

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ(31)﴾

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30]

{ذلك} أي ما مضى من ذكر تلك العبادات السابقة من إيفاء النذور ومن الطواف بالبيت العتيق وما شابه ذلك مما ذُكر في الآيات السابقة، تلك عبادات يجب أن تُعظم فإن تعظيمها من تعظيم الله عز وجل

قال {ومن يعظم} يعني والحال أن من يُعظم جميع حرمات الله عز وجل بحيث لا يُقدم إلا على ما يرضي الله عز وجل، ولا يفعل ما يُسخط الله {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} فذلك الخيرُ له في الدنيا وفي الآخرة عند ربه عز وجل.

{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} والأنعامُ هي بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وثَمَّ فإنه لما ذَكر ما يتعلقُ بحرمات الله، ومن حرمات الله عز وجل أي يجتنب المُحرِمُ الصيد في إحرامه؛ وكذلك على من كان في الحرم عليه أن يجتنب الصيد، بَين هنا أن هناك صِنفًا من الأنعام وهو بهيمة الأنعام لا بأس بذلك للمُحرم، {إلا ما يتلى عليكم} أي مما حرمه الله عز وجل علينا كما مر معنا في سورة المائدة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة:3] الآية

{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} هنا الأمر باجتناب والتباعد بحيث يكون الإنسان في جانس والرجس في جانبٍ آخر، وذلك الرجس هو الأوثان دل هذا على عِظم التوحيد، ودل هذا على أن الله عز وجل نهى عن الشرك أعظم نهي فقال هنا: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}؛ {من} بيانية يعني ما هو هذا الرجس؟

هو عبادة الأوثان، ودل هذا على أن الشرك بالله عز وجل رجس كما أن من اقترف الشركَ فإنه رجس ولذلك قال عز وجل كما مر معنا في سورة التوبة:

{فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [التوبة:95]، وقال هنا:

{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} و {قول الزور} هو كل ما هو مُحَرَّم، و{الزور} هو الميل، فدل هذا على أن القول والفعل المحرم هو الزور.

 

ثم قال: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} هذه الآيةُ تبعًا للآية السابقة {حنفاء لله} هذه حال

{غيرَ مشركين} هذه حال، يعني: فاجتنبوا الرجس من الأوثان اجتنبوا عبادة الأوثان حالة كونكم حنفاء لله “الحنيف”: هو المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام

{حنفاء لله} يعني موحدين ثم أكد ذلك بقوله: {غير مشركين به}

وبعض المفسرين قال: {حنفاء لله} حنفاء لله يعني حجاجا.

ولا تنافي بين ذلك وذلك لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله: استقرت الشريعة على مخالفة المشركين في شعيرة الحج، فالحج تظهر فيه معالم التوحيد

-ولا شك أن هذا القول داخل- لكن الآية هنا معناها: أنكم تكونون موحدين لله غير مشركين به.

 

{ومن يشرك بالله} وهنا بَيَّنَ أن حال المشرك في هلاكٍ سحيقٍ مُدمر، قال عز وجل: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} يعني سقط من السماء {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} يعني قبل أن ينزل إلى الأرض،

{أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} بمعنى أن الريحَ بعد سقوطه تذروه في مكان بعيد، دل هذا على أن حالَ المشرك في هلاك محتم ولذا قال هنا: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء} فحالُه كحال من سقط من السماء فهو بين: إما أن تأتي الطيور فتخطفه، وإما أنه يسقط وإذا بالريح تذروه في مكانٍ بعيد، فدل هذا على أن من ترك دين الله عز وجل، من ترك التوحيد فكأنما سقط من علو إلى الأرض! حينها لا تسأل عن هلاكه.

 

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ(33)﴾

{ذَلِكَ} يعني ما مضى من الأمر بتوحيد الله والنهي عن الشرك والأمر باجتناب الرجس من الأوثان، {وَمَنْ يُعَظِّمْ} أي والحال {شَعَائِرَ اللَّهِ} فكل ما أمر الله به عز وجل فهو شعيرة إذًا {ومن يعظم شعائر الله} وهي العلامات التي هي من دين الله كما ذكر عز وجل أنواع كما في سورة البقرة:

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158].

{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}: ومن بين الشعائر: الهدي، وذلك بأن يُحرَص على الثمين والسمين منها

{ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فتعظيم دين الله عز وجل يدل على أن القلوبَ بها تقوى، ولذلك  قال عز وجل:

{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3].

وقال هنا: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فدل هذا على ما جاء في الحديث الصحيح قال ﷺ:

“التقوى هاهنا، التقوى هاهنا”، فدل هذا على أن القلب إذا امتلأ بالتقوى تظهر على جوارح الإنسان، أما ما يقوله البعض إذا نُهيَ عن محرَّم قال يا أخي (التقوى هاهنا)! فيقال له: لو كانت تقواك سليمةً صحيحةً طيبةً في قلبك لظهرت على جوارحك.

{لَكُمْ فِيهَا} يعني الهدي { مَنَافِعُ} يعني من أن الهدي يجوزُ أن يُركَبَ بالمعروف يعني أن يركبه المحرم بالمعروف إذا اضطر إليه كما جاء في صحيح مسلم:

“اركبها بالمعروف إذا أُلجئت إليها” فله أن يركبها بالمعروف.

{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يعني إلى زمنٍ مسمى إذا ذُبحت في الحرم.

يعني أنكم تنتفعون بها بالركوب عليها وهذا كمثال إلى زمنٍ معين.

{ثم محلها إلى البيت العتيق} يعني أن محل ذبحِها عند البيت العتيق، يعني عند الكعبة، وليس المقصود أن الذبح يكون عند البيت وإنما المقصودُ الحرم.

{ثم محلها إلى البيت العتيق} والبيت العتيق مر معنا توضيح ذلك في الآيات السابقة

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، لماذا سمي بهذا الاسم.

 

 

 

﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(35)﴾

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} يعني من الأمم السابقة {جعلنا منسكا} المنسَك من حيث الأصل يطلق على العبادة لكن قد يطلق على الذبح؛ يعني أنما أُمرتم به من ذبح الهدايا فإنكم أنتم قد سبقكم الأمم السابقة فشُرعت لهم الهدايا، فهذا من باب التسلية والتيسير عليهم كما قال تعالى عن الصيام:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

فقال عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} من أجل ماذا؟ {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} دل هذا على أن تلك البهائم كأنها ما شُرعت إلا من أجل أن يُذكر اسم الله، لأن ذِكر اسم الله عز وجل على الذبيحة من التوحيد.

{على مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} من الإبل والبقر والغنم.

{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ على مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} وذكرَ ما يتعلق باسم الله مع أن المقصود العام هو تعظيم الله عز وجل {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} دل هذا على أن ما أمرتم به من اجتناب الأوثان دل على أن تلك الذبائح التي تذبحونها لأصنامكم هذا من الشرك، إنما التوحيد أن يُذكَر اسم الله على بهيمة الأنعام {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إذن إذا كان هو الإله الواحد {فَلَهُ أَسْلِمُوا} انقادوا واخضعوا لأمر الله عز وجل ووحدوه

{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} الذي به خبوت وتواضع، وذكر صفات هؤلاء المخبتين

يعني: إن انصرفتم عن التوحيد فهناك من هو مخبت، ودل هذا على أن التوحيد يجعل العبد في خبوتٍ وذلٍ وانكسارٍ لله عز وجل {وبشر المخبتين} ما صفاتهم؟

{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} يعني خافت قلوبهم إذا ذُكر وعيد الله وإذا ذُكر وعد الله

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28] كما جمعنا بين ذلك في أول سورة الأنفال، فقال هنا: {والصابرين على ما أصابهم}: من أقدار الله عز وجل المؤلمة، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} فدل هذا على أنه ذكر الصبر وذكر معه الصلاة، وهذا يدل على ما قاله عز وجل وبَينا ذلك مراراً:

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] {ومما} يعني من بعض.

 

﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ(37)﴾

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} يعني هذه البدن، والبدن تُطلق على الإبل وتطلق على البقر، لكن السياق هنا يدل على أنها هي الإبل، لأنه قال: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} دل هذا على أن الذي يُذبَح وهو قائم هو الإبل، فقال هنا: {والبدن} يعني جعلنا البدن، {والبدن} منصوبة بالفعل الذي بعدها يعني مقدرة على فعلٍ يدل عليه ما بعده

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}

{لكم فيها خير} هذه البدن شعيرة من شعائر الله إذا قُدمت لله عز وجل وذُبحت من أجل الله فهي خير للإنسان لأن أنفس ما لدى العرب الإبل، فدل هذا على أنهم إذا قدموا ذلك لله وذبحوا لله هذه البدن فإنه خير لهم في دينهم ودنياهم.

{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يعني أنها إذا ذُبحت تُذبح قائمة وقد عُقلت يدها اليسرى كما جاءت السنة بذلك، ومما يدل على ذلك {فَإِذَا وَجَبَتْ} يعني سقطت {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يعني هذه البدن إذا ذُبحت {فَكُلُوا مِنْهَا} الأكل هنا الأمر به هنا هل هو للوجوب؟ أم هو للاستحباب؟

خلافٌ بين أهل العلم، ولذلك على المسلم أن يأكل من هديه، وعلى المسلم أن يأكل من أضحيته فليحرص على ذلك، حتى إن بعض العلماء أوجب ذلك، ومما يقوي الاهتمام بالأكل: أن النبي ﷺ أهدى مئة ناقة ومع ذلك أمر أن يؤخذ له من كل بدنة قطعة من لحم فتُطبَخ حتى يأكلها ﷺ.

 

{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} {القانع}: هو الذي لا يسألُ الناس، و{المعتر}: هو الذي يسأل الناس، وهذا على قول {القانع}: يعني مأخوذ من القناعة إذا كان الفعل قنِع- بكسر النون -، ولذلك بعض المفسرين قال:

إن القانع هنا هو الذي يسأل، والمعتر هو الذي يتعرض للناس ولا يسأل، كيف؟

قال: لأنه مأخوذ من الفعل قنَع -بفتح النون-، ودل هذا على أنه قنوع يعني أنه ذليل يعني أنه يذُل نفسه بالمسألة وبالطلب، وعلى كل حال:

الأظهر أن القانع هو من حيث أصل الكلام يكون الذي هو لا يسأل الناس شيئًا، لكن حتى على القول الآخر يدل على أن هذه البهائم الهدي يأكل منها الإنسان ويطعم المحتاجين سواءٌ كان هؤلاء المحتاجين ممن يسأل وممن لا يسأل.

{كَذَلِكَ} أي كما شرع لكم هذه البدن {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني سخرها لكم مذللة، ولذلك قال عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس:71-73]

فترى الإبل العظيمة والكثيرة يسوقها الطفل الصغير، فهي مذللة

{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لعلكم تشكرون الله عز وجل إذ ذللها لكم وسخرها لكم إذ تصلون بها إلى أماكن بعيدة لا تبلغون تلك الأماكن إلا بشق الأنفس.

 

{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} فالله عز وجل غني عن هذه البهائم وعما تقدمونه

{ولكن يناله التقوى منكم} بمعنى: أنكم إذا ذبحتم هذه البهائم اتقيتم الله، وتقوى الله عمل صالح يُرفع إليه كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] وإلا فهو غنيٌ عز وجل {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6]

فقال هنا: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا} يعني مثل هذا التسخير السابق {سخرها لكم} كرر التسخير {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} لتعظموا الله عز وجل على ما مَنَّ عليكم به من هذه الهداية، ومن هذه الهداية: أنكم تتقربون إلى الله بهذه الشعائر، فقال عز وجل: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ثم ختم فقال: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:37]. فدل هذا على أن من قام بشعائر الله فهو المحسن، والمحسن يدل على أنه في أعلى مراتب الدين، وأي شيء أعظم من التوحيد! ليس هناك شيء أعظم من التوحيد، ولذلك من قام بالتوحيد كان محسنا، ولذا حتى إن بعض العلماء قال: إن من ثمرة الإحسان تحقيق الإخلاص، لأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا يتحقق به الإخلاص.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (38)

هذا شاملة كما أن كفار قريش لما اعتدوا على الصحابة رضي الله عنهم وضيقوا عليهم فالله يدافع عنهم، وهذا شامل فالله يدافع عن أهل الإيمان إلى قيام الساعة، فمن أريد من أهل الإيمان من أهل الشرك أو من أهل البدع أو من أهل الخرافات أو ما شابه هؤلاء من أهل الفساد والطغيان فالله يدافع عنه إذا كان إيمانه ليس إيمانًا مشوبا

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}

{خوان} يعني كثير الخيانة {كَفُورٍ}يعني من هو كافر

فدل هذا على أن الله عز وجل يكره الخونة ويكره الكفرة.

 

 

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} هذه أولُ آية نزلت فيما يتعلق بالجهاد، يعني إذنٌ من الله للصحابة لما كان الجهاد عليهم محرمًا في مكة بأنهم لهم أن يجاهدوا، أُذِنَ لهم بذلك أُذن ليس من باب التحتيم

{أذن للذين يقاتلون} بسبب أنهم ظلموا {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}هو قادر عز وجل على نصرهم من غير أن يجاهدوا أعداءهم، ولكن كما قال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]

وقال عز وجل: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4] فقال هنا:

{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}

 

هذه هي صفاتهم: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} حال المهاجرين الذين خرجوا من مكة

{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} يعني ما سبب إخراج الكفار لهؤلاء المهاجرين؟ لم يخرجوهم بحق وإنما أخرجوهم من أجل أنهم قالوا ربنا الله، ومثل هذا السبب لا يكون موجبًا لإخراجهم بل لتكريمهم، لكنَّ الفِطر إذا انتكست نسأل الله السلامة والعافية ضل صاحبُها وخاب،

 

فقال هنا: {ابِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} دل هذا على أن الجهاد ما شُرع إلا من أجل أن يدافع الأعداء حتى لا يقفوا في طريق الحق، وقد بَينت ذلك مُفصلا في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، وفي سورة الأنفال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:39] ماهي الأسباب التي شُرع من أجلها الجهاد.

 

فقال هنا: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} {بَعْضَهُمْ}: يعني الكفار، {ببعض} يعني بأهل الإيمان، ما الذي يجري {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}؟

 في سورة البقرة {لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:251]، يعني لو لم تكن هناك مدافعة يدافع أهل الإيمان أهل الشرك، ويدافع أهل التقى أهل المعاصي فما الذي يحصل؟ {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} هذا هو الفساد

 {لهدمت} يعني لاعتُدي على تلك الأماكن أماكن العبادات حتى في الأمم السابقة (لهدمت أماكن العبادات)، { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} وهي أماكن مخصصة لرهبان النصارى

 {وَبِيَعٌ} وهي أماكن معدة للنصارى من غير تخصيص الرهبان

{وَصَلَوَاتٌ} وهي أماكن عبادة اليهود

 {وَمَسَاجِدُ} وهي أماكن عبادة المسلمين

 { يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} ثم قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} الله عز وجل غير محتاج إلى نُصرَةِ أحد وإنما من نصر دينَ الله نصره الله {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]

{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} قوي وعزيز غالب لا ينال بالسوء فهو قادر على أن يهلك الأعداء، لكن هو عز وجل جعل هذا الجهاد ابتلاءً للفريقين {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4].

 

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)}

{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} دل هذا على أن أهل الإيمان إذا تمكنوا من الأرض ماذا يصنعون في الأرض؟ يفسدون كحال أولئك أم أنهم يصلحون؟

 وهذا يدل على أن أهل الإيمان إذا تمكنوا من الأرض وكان مسيطرين عليها فإنهم يصلحون فيها:

{أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} ولذا:

 {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} ودل هذا على أن التمكين في الأرض لا يحصل إلا بهذه الأمور

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)}

 {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الأمور كلها مردها إلى الله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}، {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]

 فإن أهل الخير لو اضطهدوا وضُيق عليهم فالعاقبة لهم {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} وأيضًا الناس يرجعون إلى ربهم في يوم القيامة فيحاسب كل إنسان بما عمل.

 

 

 

 

﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(44)﴾

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يا محمد فتسلَّ بالأنبياء السابقين {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} إذا كذبتك قريش {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} يعني أمهلتهم فإنهم استدرجوا بمعنى أن الله أمهلهم وأعطاهم، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} وهو العقاب الأخذ هو العقاب {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} فكيف كان إنكاري عليهم؟ الجواب أعظم إنكار إذ أنزل الله بهم أشد العقوبات.

 

 

﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾(45)

{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} (فكأي) تكثير للقرى {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَة}

{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]

{فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} العروش: السقف يسقط على الجدران، يعني من أنها خاوية فلم يبق فيها أحد {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} كم من بئر كانت لأقوامٍ يستقون منها ويزدحمون عليها فكفروا بالله فعاقبهم الله فأصبحت معطلة {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} يعني من أنه قصر عظيم مزين مجمل كان يسكنه من يسكنه ويستمتع فيه من يستمتع فيه فلما كفر بالله عز وجل أهلكه الله، {وقصر مشيد} فأصبح معطلا.

 

﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (46)

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} يعني كفار قريش {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} هم يسيرون لكن قلوبهم بها العمى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ولذلك بعض العلماء قال: قوله عز وجل:

 {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} والخلاف جارٍ بين العلماء: هل العقل في القلب أم في الدماغ؟

 بعض العلماء يقول: في الدماغ، وبعضهم يقول: في القلب، وهذه الآية تدل على أن العقل في القلب، ويكون الدماغ هو الذي يرسل الأشياء إلى القلب كأنه هو المهَيئ، يعني كما يقال -إن صح التعبير- ولا أدري هل هي عربية أو غير عربية “السكرتير”

{يَعْقِلُونَ بِهَا} ولذلك قال عز وجل مما يؤكد هذا الرأي “أن العقل في القلب”

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37] أي لمن كان له عقل

﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}

{أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} يعني أنهم لم يعقلوا ولم يتفهموا بقلوبهم وليس عندهم من الأسماع ما يستمعون به سمع اعتبار {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (46)

{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} هم يبصرون، ولذلك قال عز وجل:

 {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:137-138]

{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} القلب إذا عمي ضل صاحبه ولذلك قال تعالى:

{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26].

 

 

 

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)

 وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ(48)﴾

انظر إلى شدة النكران والطغيان يستعجلون عذاب الله،

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الملك:25].

{وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} ما وعد الله عز وجل سيأتي به ومن ذلك ما وعدكم به من العذاب {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} هل هذه الآية لها اتصالٌ بما سبق أم أنها منفصلة؟

قال بعض العلماء: إنها متصلة، بمعنى أن المعنى متصل بها وهذا ما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله

{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} يعني أن اليوم الواحد عند الله عز وجل كألف سَنة عندكم، لأن ما وعد به من العذاب هو قادر عليه في أي لحظة فيستوي عنده الزمن القريب والبعيد

 {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}: فلا تستعجلوا العذاب فإنه إن أخر ذلك أخره لحكمة أرادها، ولهذا مما يقوي هذا القول كما قال ابن كثير رحمه الله، ما الذي بعدها؟

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ(48)﴾

 {أمليت لها} يعني أمهلت لها.

وقال بعض المفسرين: (وإن يومًا) يعني هي غير متصلة بما سبق (وإن يومًا عند ربك) يعني اليوم الواحد الذي بنى فيه السماوات والأرض في ستة أيام كألف سَنة مما تعدون.

وقال بعض العلماء: (وإن يومًا عند ربك) يعني في يوم القيامة كألف سنة مما تعدون يعني من شدة العذاب الذي بكم فاليوم الواحد كأنه ألف سَنة من شدة العذاب.

وبعض العلماء يقول: الله أعلم بتلك الأيام لأن الله عز وجل قال: {وإن يومًا عند ربك} وما كان عند الله عز وجل فنحن لا نعلمه.

وعلى كل حال يدل هذا على أن الأمر جد خطير، والأقوال ما عدا من يقول إن الأمر قد استأثر الله بعلمه لا تعارض بينهما، فإن الآية تشمل كل ذلك، ولكن الأقوى:

 ما ذهب إليه ابن كثير؛ ثم قول من يقول: إن هذا يتعلق بيوم القيامة؛ ثم القول الذي يقول: هو اليوم الذي يكون من الأيام الستة التي خلق الله عز وجل فيها السماوات والأرض.

 

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} كرر ذلك مرةً أخرى {وكأين} يعني للتكثير {أَمْلَيْتُ لَهَا} يعني أمهلتها فلا تستعجلوا يا كفار قريش على هذا العذاب

 {وهي ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا} يعني بالعقاب، الأخذ هو العقوبة بشدة {وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} وإلي المرجع، يعني أن هلاكهم السابق لا يغني عنهم فسيرجعون إلى الله وسيعاقبهم كما قال عز وجل في السورة السابقة في سورة الأنبياء: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:95].