التفسير المختصر الشامل (189) تفسير سورة الفرقان من الآية ( 21 ) إلى ( 44 )

التفسير المختصر الشامل (189) تفسير سورة الفرقان من الآية ( 21 ) إلى ( 44 )

مشاهدات: 557

[ تفسير سورة الفرقان]

من الآية (21) إلى الآية (44) – الدرس (189)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ (21)

{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي لا يتوقعون، ويتضمن ذلك أنهم لا يخافون هذا اليوم العظيم

{ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} ليشهدوا لك يا محمد كما مر معنا في أول السورة:

 {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} كما قال عز وجل عن هؤلاء:

 {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء:92]

 {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ} دل هذا على أن الكبر قد تمكن من نفوسهم، ولذا قال عز وجل:

 {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:56]

 { وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} أي تجاوزوا الحد في الطغيان والعناد وإلا فكيف يقول هؤلاء هذا القول!؟

ولذا مع هذا كله كما اقترحوا هذه الأشياء، فإنهم لن يؤمنوا كما مر معنا تفسير ذلك في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام:111].

 

﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ (22)

﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ}: هنا سيرون الملائكة، ولكن ليس على حسب ما اقترحوا، ولذلك لم يقل يوم تتنزل الملائكة، وإنما قال هنا: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} يعني يوم يرى هؤلاء الكفار الملائكة وذلك حين قبض أرواحهم، وحين أيضًا خروجهم من قبورهم، ولذا قال عز وجل هنا:

 {لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} بمعنى أنهم لا يبشرونهم، فالملائكة لا تبشر هؤلاء بأي بشرى لا عند وفاتهم ولا عند بعثهم، لا كحال أولئك المؤمنين الذين قال الله عز وجل عنهم:

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]، وكما قال تعالى في البعث:

 {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء:103].

 

{لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}

{ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي مانعًا ممنوعًا، من القائل هنا؟

 قيل: إن القائل هم الملائكة يعني تقول الملائكة لهؤلاء إنه ممنوع عليكم ومحرم عليكم البشرى ومحرم عليكم النعيمُ والخير.

وقال بعض المفسرين: -ولا مانع من هذا القول من أن القائل هم: الكفار-

 {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} بمعنى: أن الكفار يقولون للملائكة إذا رأوهم يقولون: {حِجْرًا مَحْجُورًا} وهي كلمة تقولها العرب من باب الاستعاذة من شيء تخافه

 {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} يعني يقول الكفار لهؤلاء الملائكة ممنوع عليكم ونستجير منكم أن تؤذوننا، ولهذا مما يقرر ويؤكد أيضًا هذا الرأي قوله عز وجل:

 {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى} [النحل:28]

 فإنهم {يَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} يعني ممنوع عليكم فنحن لم نفعل شيئًا.

 

 

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (23)

{هَبَاءً مَنْثُورًا} والهباء ما يشبه الغبار مما يتطاير عند فتح النافذة حال فتحها

فقال هنا: إن هؤلاء إذا عملوا أعمالًا صالحة من بر للوالدين ومن إغاثة للملهوف فإنها أعمال لا يؤجرون عليها يوم القيامة لأنهم فقدوا التوحيد، ولذلك في صحيح مسلم قالت عائشة:

 “يا رسول الله إن ابن جدعان كان يقري الضيف ويغيث الملهوف فهل ينفعه ذلك يا رسول الله؟

قال: لا لأنه لم يقل في يوم من الأيام رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين”

 فقال عز وجل هنا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي متشتتا

ولذلك دل هذا على أن العمل الصالح لا يكون صالحًا إلا على أساس التوحيد.

 

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا }(24)

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ} أي في يوم القيامة {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} أي خير قرار

{وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} والقيلولة هي نصف النهار ولو لم يكن معها نوم، فدل هذا على أن الحساب على أهل الإيمان يكون يسيرًا يوم القيامة، فإنهم يكونون وقت القيلولة في الجنة بخلاف أولئك الكافرين

 قال عز وجل: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:1-4]. فهو قصيرٌ على أهل الإيمان

 {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} ولا يدل هذا على أن استقرار أهل النار به خير، فإن (أفعل) التفضيل هنا ليس على بابه، وإنما هو من باب التبكيت لهؤلاء الكفار.

 

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا }(25)

{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} في يوم القيامة حينما تأتي الملائكة وأيضًا حينما يأتي رب العالمين إتيانًا يليق بجلاله وعظمته

 { بِالْغَمَامِ} والغمام هو السحاب الرقيق الأبيض، بمعنى أن السماوات تتشقق وتتصدع عن هذا الغمام، ولذا قال عز وجل كما مر معنا تفسير ذلك في سورة البقرة:

 {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة: 210]

 

{وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} فالملائكة تتنزل مع هذا الغمام، كما قال تعالى:

{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة: 17]

 

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا(26)﴾

 { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} في يوم القيامة  { الحق} صفة للملك، أي ملك الله عز وجل الذي هو الحق الباقي الدائم المستمر، أما أملاكُ أهل الدنيا فإنها تزول، ولذا قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]،  { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4].

 {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} وذكر هنا اسمه الرحمن مما يدل على أن رحمة الله عز وجل تكون في يوم القيامة عظيمة وواسعة لأهل الخير والاستقامة ولأهل التوحيد، ولذلك قال هنا:

 {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: “سبقت رحمتي غضبي”

 وتأمل هنا ستجد أنه يُذكر اسم الرحمن في آيات تتعلق بيوم القيامة كما مر معنا في سورة طه قال:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 105- 108]

 وقال تعالى: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} [النبأ: 37]

وتأمل أيضًا ما ذكره عز وجل كما وضحنا ذلك في تفسير سورة مريم

 

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} لكن تلك الرحمة لا ينالها أهل الكفر {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} أي فهو عسير كما قال عز وجل {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10]

 

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)﴾

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} في يوم القيامة، يعض الإنسان على يديه من باب التحسر والندامة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} بمعنى أنني اتخذت طريقا مع الرسول ﷺ وهو طريقُ الحق، ولذا ذكر المفسرون من أنها نزلت في رجل يقال له عُقبة بن أبي مُعيط فإنه استضاف النبي ﷺ فقال له حتى تسلم فأسلم، فعيره بعض صناديد كفار قريش، وقال: فإنك مُعَيّر حتى تكفر بمحمد وحتى تؤذيَه فارتد عن دين الله عز وجل، فقال عز وجل هنا:

 {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} وهذا شامل لكل ظالم ولا يُحصر في مثل هذا السبب

 {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي} يتمنى {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَا} يعني ينادي الويل، الويل هذا أوانك فاحضر

 {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} الذي أضله عن طريق النبي ﷺ ولذا قال بعدها:

 {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} وهو القرآن وما جاء فيه من الحق

 {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} فالشيطان يوسوس لابن آدم ويغره، لكنه يخذله متى ما احتاج إليه كما قال عز وجل: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] فقال عز وجل عن هذا الرجل: {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} دل هذا على أنه اتخذه خليلًا وصفيًا في أعلى درجات المحبة، ولذا كما قال عز وجل:

 {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

 

 

 

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30)

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ } متى يقول هذا ﷺ؟ قيل إنه يشكو ربَّه في يوم القيامة، وقيل أنه يشكو ربه لحال هؤلاء في هذه الدنيا ولا تعارض بين القولين.

{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} يعني: هجروه، بعض المفسرين قال: من الهُجُر وهو الكلامُ البذيء الذي لا يليق بالقرآن كما قالوا شاعر كاهن ساحر، وهذا وإن كان داخلًا، فالأظهر من أن قوله {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} هجروا كما قال ابن القيم رحمه الله قال: هجر القرآن: هجر الإيمان به، وهجر التحاكم إليه، وهجر قراءته وهجر تدبره، وهجر الاستشفاء به، فكل هذه الأنواع داخلة.

 وهذا يدل على أنهم هجروا القرآن.

وأما ما قاله البعض في مثل هذا الزمن يقول

لا تقولوا سنة مهجورة! لأنك لا تدري هل هجرها الجميع أم لم يهجرها؟

فالجواب عن هذا: من أن هذا القرآن لم يهجره الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لما هجره هؤلاء وصفه تعالى بأنه مهجور، فدل هذا على أن قول من يقول (لا تقولوا سنة مهجورة) نقول:

 كلامك مردود عليك بهذه الآية، فمتى ما هُجِرَت السنة وقلَّ من يعملُ بها فيصح أن يوصف هذا الأمر بأنه مهجور أو أنه سنةٌ مهجورة.

 

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31)﴾

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا} يعني مثل ما جعلنا لك يا محمد أعداء من قومك جعلنا أعداء أيضًا للأنبياء السابقين {لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} فاطمئن يا محمد ولذا ماذا قال تعالى كما مر معنا في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]

 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} وهؤلاء مجرمون ولذا ماذا قال تعالى كما مر معنا تفسير ذلك، قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 123].

فقال هنا: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وكفى بربك يا محمد، فهو يكفيك فهو الهادي عز وجل لك وهو النصير لك، فلا تلتفت إلى هؤلاء {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا

وكذلك يشمل أهلَ الإيمان فعليهم أن يتوكلوا على الله فيما يتعلقُ بهدايتهم، فيما يتعلق بنصرتهم.

 

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (32)

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} انظر إلى التعنت من هؤلاء {لَوْلا} يعني هلَّا

{نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} كالكتب السماوية السابقة التي نزلت جملة واحدة،

 لماذا أتى مفرقًا هذا على حسب زعمهم!

 { كَذَلِكَ} يعني لم ننزله جملة وإنما نزلناه مفرقًا على حسب الأحداث،

 قال: {كَذَلِكَ} من أجل {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} كلما أتت آية كلما كان فيها تثبيتٌ لك، وهذا يدل على أن المستمر لتلاوة القرآن في ليله وفي نهاره وفي أيامه هو سببٌ بإذن الله لتثبيت القلب.

 

 {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} بمعنى أن جبريل عليه السلام كما قال تعالى:

 {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين ُعَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء: 193- 194]

وكما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 18-19].

 

{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} يعني: رُتِّلَ هذا القرآن بحيث تأخذه على مهل وتؤدة ولذلك قال عز وجل:

 {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} [الإسراء: 105].

 

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33)

فقال الله عز وجل: { وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} يعني: هؤلاء الكفار لا يأتونك بمَثل مما هو فيما تتفوه به أفواههم من الباطل، بمعنى أنه كالمثل يُرَوِّجونه ويُسَوِّقونه

{ إِلَّا جِئْنَاكَ} يا محمد في هذا القرآن { بِالْحَقِّ} في هذا القرآن الذي يدمغ هذا الباطل الذي هو مَثَل من أمثلة أباطيلهم مما قالوه في القرآن {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5]، أو كما قال عز وجل عن هؤلاء من أنه شعر أو سحر أو ما شابه ذلك.

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33)

 {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} دل هذا على أن ما في القرآن فيه التفسير الحسن الواضح لكل ما يريده الإنسان وأيضًا فيه ما يدمغ هؤلاء مما يأتون به؛

ودل هذا على أن من أراد الحق فهو في هذا القرآن، ومن أراد أن يدافع أهل الباطل وأن يرد باطلهم فهو في القرآن، وليعلم أنه ما من شبهة تُطرح على دين الله عز وجل حتى يضل أعداء الدين الناس عن دين الله إلا وفي القرآن ما يكشفها ويوضحها، لكن الموفق من وفقه الله وذلك لمن يتأمل ويتدبر.

 

{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا(34)﴾

هذا هو مصيرهم: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} ولذا مر معنا كيف يحشرون على وجوههم كما مر مفصلًا في سورة الإسراء: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ} [الإسراء: 97]، فقد وضحنا ذلك

 {إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} المكان الشر جهنم { وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أولئك هم في مكانةٍ هي شر

 وأيضًا ضلوا عن الحق وعن الهدى، فإنهم لو اهتدوا لوصلوا إلى النعيم.

ولذلك قال تعالى في الآيات السابقات: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}.

 

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا(39)﴾

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} (36)

في الغالب يُذكَر موسى عليه السلام مع النبي ﷺ من باب التسلية له، ولذلك قال ﷺ لما أوذي، كما ثبت عنه: ” قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ “

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} يعني التوراة {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} لما دعا ربه:

 {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي – هَارُونَ أَخِي} [طه: 29- 30]

 { فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} فَدَمَّرْنَاهُمْ: يعني أهلكناهم أشد التدمير وهم فرعون وآل فرعون، لكن ليُعلم أن قوله هنا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} يعني: التوراة،

 المقصود من ذلك بعد إغراق فرعون ومن معه كما مر معنا، فدل هذا على أن الآية:

 {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}

 لا يعني أنه أتى بالتوراة إلى فرعون كما مر مُوَضَّحًا.

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} يعني: وأهلكنا قومَ نوح، منصوبة لأنها مفعول به لأهلكنا

 {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} مع أن نوح أول الرسل، لكن لماذا جمعهم هنا؟

لأن من كذَّبَ رسولًا فقد كذَّبَ بجميع الرسل، لأن الرسل كلَّهم أتوا بالتوحيد، ولذا قال تعالى كما سيأتي معنا في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105

{ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ} كما مر ذكر ذلك في سورة هود:

 {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} علامة، ولذا قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]، وقال تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 15].

{وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} أيضًا ومنهم كفار قريش هيأنا له العذاب.

 

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} (38)

 { وَعَادًا وَثَمُودَ} يعني وأهلكنا بعد نوح عاد وثمود { وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} يعني: أهلكنا أصحاب الرس، والرس هو: البئر، قال بعض المفسرين: أُرسِلَ إليهم شعيب لكنهم كذَّبوه فدمَّر اللهُ عليهم البئر،

 ولكن الذي يظهر والعلم عند الله: أن شعيبًا قصته مرت معنا فيما يتعلق بأصحاب مدين وأصحاب الأيكة، -طبعا لم يأتِ تفصيل لهذا الرسول-

لكن كما قال بعض المفسرين: {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} بمعنى: أنهم قومٌ كانوا يعبدون غيرَ الله عند بئرٍ لهم فأتى إليهم نبيهم لكنهم كذبوه ورموا به في البئر، أو يكون العكس من أنهم أهلكهم الله في هذه البئر.

 

{وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} وقرونا بين عاد وثمود وأصحاب الرس تتابعت قرون،

{وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}: يعني هم كُثُر بين عاد وثمود وبين أصحاب الرس

 ما الذي جرى لهم لما كذبوا الرسل؟ أهلكهُم الله عز وجل، ولذا في سورة المؤمنون:

 {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 42-44]

{فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا}: يعني في العذاب.

 

 

 

 

{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا(39)﴾

{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} ضربنا لهم الأمثال يعني قلنا لهم انتبهوا إلى الأمم السابقة التي أُهلِكَت ممن سبقوكم، لكنهم مع ذلك كذبوا {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} فهي أمثال وعِبَر

{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} يعني أهلكناهم إهلاكًا عظيمًا بسبب تكذيبهم.

 

﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)

{ وَلَقَدْ أَتَوْا} يعني كفار قريش {عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} المطر السيء:

 {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء: 173]، وهم قوم لوط {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود: 82]، يعني: كفار قريش يمرون عليهم، لكنَّ قلوبَهم بها العمى ولذا قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُون}[الصافات: -138137].

 

{ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا} الجواب: يرونها {بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا} لا يرجون أن يُبعَثو وأن يُحييوا يوم القيامة فهم يرونها بأبصارهم لكن قلوبهم بها العمى قال تعالى:

 {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] كما قال تعالى في الآيات السابقات:

 {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا}.

 

{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)﴾

{وَإِذَا رَأَوْكَ} يعني يا محمد كلما رأوك يجعلونك محلًا للسخرية

 {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} يعني يقولون أهذا الذي بعثه الله فيكون رسولًا!؟

ولذلك قال الله عز وجل عنهم في أول الآيات: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} فقال هنا:

 {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} و قال في سورة الأنبياء: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36]

 

 

{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)﴾

{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} دل هذا على أنهم شهِدوا للنبي ﷺ بأنه كان حريصًا عليهم مرةً تِلوَ المرة من أجل هدايتهم فقد بلغ الرسالة {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} أعوذ بالله من انتكاس المفاهيم!

{لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} وهذا يدل على أنهم يتواصون على البقاء على الباطل:

 {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا} [نوح: 23] إلى آخر ما قال عز وجل في الآيات، ولذلك قال تعالى عن هؤلاء:

{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6]

فقال هنا: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}

{وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} أهم أو النبي ﷺ؟!  فهم الذين ضلوا السبيل، {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} يعلمون عذاب الله ويعلمون حقيقة ما كانوا عليه من الباطل.

 

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44)﴾

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أرأيت يا محمد وتعجب من حال هؤلاء الذين اتخذوا أهواءهم آلهة، لأنهم كانوا إذا مروا بحجر فرأوه أنه أفضل من حجرهم الذي هو الصنم السابق تركوه وأخذوا هذا كحجر آخر كإله، ويشمل هذا كل من اتخذ آلهة هواه حتى في هذا الزمن:

 فمن قدم هواه على دين الله عز وجل بحيث ترك التوحيد وترك الإيمان من أجل هواه فإنه داخل ضمن هذه الآية.

 

{ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} { أَفَأَنْتَ}: يا محمد {تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}: أأنت تحفظه من الضلالة؟ لا! فلست وكيلًا عليهم وعلى أعمالهم، إنما أنت نذير، ولذلك قال تعالى مبينًا سوء حال هؤلاء:

 {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية-23).

 

 

 

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44)﴾

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} أكثرُهم لا يسمع ولا يعقِل، ولذلك قال بعضُ العلماء:

إنه قال {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} لم يقل الكل، لأن هناك من يعرف أن محمدًا عليه الصلاة والسلام على الحق لكن منعه من ذلك العصبية القبلية وما كان عليه الآباء والأجداد من عبادة تلك الأصنام.

 

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} لا يسمعون سمع انتفاع وإن كان لهم سمع، ولا يعقلون عقل انتفاع {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ: ما هم إلا كالأنعام،

{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}: لأن البهيمة هي تعرفُ ما ينفعها وما يضرها من مأكل ومن مشرب،

 وأيضًا إذا اعتادت على صاحبها فإنها تنساق معه حيث أرادَها، لكن هؤلاء أضل من بهيمة الأنعام ولذا قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} [محمد: 12]

 وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]

 

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44)﴾

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ