الدرس ( 111 ) استقبال القبلة ( 2) ( من هو مستثنى في الصلاة نحو القبلة ؟ )

الدرس ( 111 ) استقبال القبلة ( 2) ( من هو مستثنى في الصلاة نحو القبلة ؟ )

مشاهدات: 393

بسم الله الرحمن الرحيم

من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة

الدرس (111) من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: قررنا فيما سبق:

 أنه يجبُ استقبالُ القبلةِ في الصلاة، وبالتالي هي شرطٌ؛ فلا تصح الصلاةُ مِن غيرِ استقبالها.

لكن لو قال قائل ألا يُستثنى أحد؟

فالجواب: أن هناك مَن هو مستثنى في الصلاة نحو القبلة:

أولا: العاجز، كمرضٍ ونحوِه

فإنه إذا عَجَزَ عن استقبالِ القبلة؛ فإنه يصلي على أي جهةٍ كانت، سواءٌ كان فرضاً أم نفلا، والدليل:

 جميع الأدلة التي جاءت برفع الحرج، كقوله تعالى:

{لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ] الأنعام -152[

{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} ] البقرة -233[

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ] البقرة -286[

وقوله ﷺ كما في الصحيحين: ” إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “

ولذا: ما يفعلُه بعضُ المرضى مِن تأخيرِ الصلاةِ عن وقتها إلى أن يأتيَ آتٍ ليوجهَه تجاه القبلة! فإنه مُخطئ، فإن الواجب على المسلم ألا يؤخر الصلاة عن وقتها؛ فيصلي على حسب حاله ولوكان غيرَ مستقبلٍ للقبلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحالة الثانية: حالةُ الخوف، مِن عدو أو من حيوان مفترس أو من سيلٍ جارف أو اشتداد الحرب إذا حصل فيها كَرٌّ وفَرّ أو حدوثُ زلزال

فيصلي سواءٌ كانت هذه الصلاة فرضاً أو نفلا، ولو كان غيرَ متجهٍ إلى القبلة

ومِن ثَم: نعرِف أنه في مثل هذه الأحوال لا يجوزُ أن تُخرجَ الصلاةُ عن وقتها، فيصلي على حسب حاله.

-وقد سبقت معنا- مسألة وهي: في حالة إذا اشتد الخوف في الحرب فلا يدري كيف يصلي، لا بقلبه ولا بفعله أيجوز أن يؤخر الصلاة أم لا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحالة الثالثة: تختص بالنفل -ما سبق في الحالتين السابقتين- (للفرض والنفل)

هُنا للنفل فقط؛ من هو؟ المتنفل السائر الراكب في سفر.

نأتي إلى هذه الحالة ونجزئها:

1/ المتنفل: يُخرِجُ المفترض، فلا يجوزُ له أن يصليَ إلى غيرِ القبلة إلا كما سبق في الحالتين.

ما الدليل؟ فِعلُ النبي ﷺ أنه كان يصلي على الراحلة، قال الصحابة -رضي الله عنهم- 

” غير أنه لا يفعل ذلك في الفريضة “

إذاً/ يصح النفل إذا كان بهذه الشروط.

2/السائر: يُخرِج النازل، فإن المسافرَ النازِلَ في مكان يجبُ عليه إذا أراد أن يصليَ صلاةَ النفل أن يصليها بجميع شروطها؛ ومن شروطها: استقبال القبلة، لقول النبي ﷺ -كما عند البخاري-:

 “صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي “

3/الراكب: يُخرِجُ الماشي، فقد يكونُ الإنسانُ متنفلاً سائراً لكنه غيرُ راكبٍ لراحلةٍ أو سيارة لكنه يمشي على قدَمَيه؛ وهذا اختلف فيه العلماء:

 قال بعضُ العلماء: لا تصح صلاتُه لأنه ليس براكب؛ والنبي ﷺ ما كان يصلي إلا وهو راكب؛

ولأن صلاته للنفل وهو ماشٍ سيُكثِرُ من الحركة، والحركةُ الكثيرةُ مُبطِلَةٌ للصلاة.

وبعضُ العلماء يقول:

-له أن يتنفل مع أنه يمشي، لكن بشرط: إذا أراد أن يركع أو يسجُد يقف فيركع ويسجد؛ لأن الركوع والسجود منه سهلٌ ليس بصعب كحال من هو يصلي على راحلة.

وبعض العلماء يقول:

-يجوز له أن يصليَ وله أن يومئَ وهو يسيرُ على قدميه، يومئ بالركوع ويومئ بالسجود قياساً على المتنفل على الراحلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

4/المسافر: فإنها تُخرِجُ الإقامة

ولذا: لو شاء الإنسانُ في بلدته أن يتنفلَ فليس له ذلك؛ لأن الأصل في الصلاة سواء كانت صلاة فرض أو نفل الأصل فيها وجوبُ استقبال القبلة، لكن السفر أُخرِج للدليل،

وذلك لأن المسافر لو أُمِرَ بأن ينزل ويصلي صلاة النفل لشق عليه ذلك؛ بينما في الإقامة لا يحصل مثل هذا.

والحديثُ عن هذا التنفُّل ليس خاصاً بالدواب كالبعير والحمار، وإنما هو شامل لكل مركوبٍ في كلِّ عصر

فلو شاء قائدُ السيارة أو قائدُ الطائرة أو قائد السفينة أو مَن هو راكبٌ فيها: أن يتنفل فله ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــ

والقولُ الصحيح: أن للسائر الماشي أن يتنفل وأن يومئ بالركوع والسجود.

 أما من قال: بأنه لا يتنفلُ مطلقاً، فيجاب عن هذا:

أن العلة التي مِن أجلِها رخَّص الشرعُ في تنفل المسافر على الدابة هي موجودةٌ في مسألتنا هذه،

وذلك لأن الشرع أراد من المسلم في سفره أن يشتغلَ بكثرة الصلاة

فالعلة هي: تشجيعُ المسلم على الإكثار من النوافل، وهذه العلةُ موجودةٌ في مسألتنا هذه.

ثم يقال: إن البعضَ من المسافرين قد لا تكونُ له دابةٌ يركبُها، فليس على سبيل التحتم أن يكونَ كلُّ مسافرٍ قد رَكِبَ دابة، ولذا في بعضِ أسفارِ النبي ﷺ كانوا يمشون على أقدامهم.

والشرع – كما سبق معنا في قاعدة ماضية – لا يُفرِّقُ بين متماثلين ولا يجمع بين مفترقين -والعلة هنا هي العلة هناك-

وهنا فائدة أصولية: في ضِمنِ هذه المسألة:

وهي أن صلاةَ النبي ﷺ في سفره متنفلاً على الدابة فيها أمران:

الأمرُ الأول: أن السُّنة خصصت القرآن.

الأمرُ الثاني: أن الفِعلَ خصص القولَ.

ويظهرُ هذا في بيان هذه المسألة؛ ما هي هذه المسألة؟

المسألة هي: أن النبي ﷺ كان لا يتجه إلى القبلة في حاله أثناءَ الصلاة

وهذا يخصص ماذا؟ يُخصص قول الله تعالى:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ] البقرة -150[

آية خُصصت بالسُّنة، الآية قول مِن كلام الله عز وجل، خُصصت بالفِعل؛ خُصص هذا القولُ بالفِعل.

ولو قال قائل: ما قبلةُ هذا المصلي؟

نقول: قبلتُه جهةُ سَيرِه،

 فإذا انحرفَ فيُنظَر إن كان هذا الانحرافُ إلى القبلة: فالصلاةُ صحيحة؛ لأنه رجع إلى الأصل، بل هذا هو الأولى لمن تيسر له.

وإذا انحرف عن جهة سيره إلى غير جهة القبلة: فإن صلاته لا تصح؛ لمَ؟ لأن الشارع أباح له أن يتجه جهةَ سَيرِه تخفيفاً له، فلمَّا انحرف متعمداً بطلت صلاتُه.

لكن لو قال قائل: لو أن الدابة عدلَت به؟

فيقال: إن ترَكَها فإن صلاته لا تصح إلا إذا كان الانحرافُ إلى جهة القبلة؛ وهذا إذا طال الفصل، أما إذا قَصر الفصل: فإن مثل هذا يُتَسامح فيه؛ وذلك لأن إرجاع الدابة ليس بتلك السهولة فتُسومِحَ في قِصر الفصل، إما إن طال الفصل فإن صلاته لا تصح.

لكن لو قال قائل: لو عجَز عنها؟

فصلاتُه صحيحة؛ لأنه يكونُ في مثل هذه الحال عاجزاً عن استقبال القبلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: هل يلزم هذا المتنفل إذا ابتدأ الصلاة أن يستقبل القبلة؟

قولان لأهل العلم:

القول الأول: أنه يلزمُه أن يفتتح صلاتَه باستقبال القبلة، فلو لم يفعل ذلك لم تصح هذه الصلاة.

ويستدلون على ذلك بما جاء في سنن أبي داود:

مِن فِعل النبي ﷺ من حديث أنس، وهو أن النبي ﷺ إذا أراد أن يتنفل استقبل القبلة وكَبّر ثم اتجه حيث كان.

 

القول الثاني: أنه لا يلزمُه أن يستقبلها عند افتتاحه للصلاة

ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين:

من أن النبي كان ﷺ يتنفل ” غير أنه لا يفعل ذلك في الفريضة “

ولم يُذكَر في هذا الحديث الثابت في الصحيحين أن النبي ﷺ افتتح الصلاةَ باستقبال القبلة

وهذا هو القولُ الراجح.

 

وأما الجواب عما استدل به أصحاب القول الأول وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد:

أن هذا فِعلٌ مُجرد لا يدل على الوجوب

كيف وقد جاء في الصحيحين ما يدل على أنه تَرَك ذلك في أكثر أحواله

ولذا قال الألباني -رحمه الله-:” كان في بعضِ الأحيان يفتتح الصلاةَ باستقبال القبلة “

ثم إن هذا الحديث أقوى ما يقال فيه ’’ إنه حديث حسن’’ فكيف يُعارَضُ به ما جاء في الصحيحين؟!

وهذا الحديث حسنه المنذري وسكت عنه أبو داود؛ والقاعدة عند أبي داود في سننه: ’

[أن ما سَكَت عنه فإنه حَسَنٌ عنده]

ومن ثَم لو قيل: أيجوزُ للمسافر المُفتَرِض أن يصلي على الدابة؟

فالجواب: لا يجوزُ له، إلا في حالة ما إذا عَجَزَ بسبب حربٍ أو سيلٍ أو حريقٍ أو نحوِ ذلك من الأسباب التي يُعذَرُ فيها بإسقاط استقبالِ القبلة.