الدرس ( 114 ) استقبال القبلة ( 5) ( حكم اتخاذ المحاريب الإسلامية )

الدرس ( 114 ) استقبال القبلة ( 5) ( حكم اتخاذ المحاريب الإسلامية )

مشاهدات: 460

بسم الله الرحمن الرحيم

من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة

الدرس (114) من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الفقهاء: من العلامات التي يُستدل بها على معرفة القبلة [المحاريب الإسلامية]

والمحراب معروف؛ لكنه وصِفَ هُنا عند العلماء بأنه محراب إسلامي؛ وذلك لأن هناك محاريب ليست بإسلامية؛ وهذه المحاريب غير الإسلامية لا يؤخذ بها؛ لأن المُخبِرَ عن جهة القبلة -كما اشترطنا سابقاً- أن يكون عدلا، فكذلك ما صنعوه لا يكونُ عدلاً ومقبولاً.

وقد اختلف العلماء في اتخاذ هذه المحاريب الإسلامية:

القول الأول: لا يجوزُ اتخاذها، ومَن يتبنى هذا القول في هذا العصر الألباني -رحمه الله- بل يرى أن المحاريب الموضوعة في المساجد- يرى أنها من البدع.

وأدلة هذا القول ما يلي:

1/ ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة أن النبي ﷺ قال:

” لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى “

2/ ما جاء عند البيهقي أن النبي ﷺ قال: ” اتَّقُوا هَذِهِ الْمَذَابِحَ “.

3/ أن كراهية اتخاذ المحاريب أُثِرَ عن ابن مسعود وغيره.

 

القول الثاني: فيقول بجواز اتخاذ المحاريب؛ وأدلتهم ما يلي:

1/ ما جاء عند البيهقي “أن النبي ﷺ نهض إلى المسجد فدخل المحراب فكبر ووضع يمينه على يساره”

2/ اتفاقُ الأمة بعد عصر ابن مسعود -رضي الله عنه- يدُل على جوازه؛

ولذا يقول البُهوتي: ’’ اتفاقهم على هذه المحاريب مع تكرار الأعصار والأزمان يُعدُّ إجماعاً عليها، فلا يجوزُ مخالفتها حيث إنه عُلِمَ أنها للمسلمين “

3/ أن فيها مصلحة شرعية، وهي تعليمُ الجاهل بجهة القبلة، ومعلومٌ أن كل ما يعين على القيام بالواجب فهو مأمورٌ به. (فهذه أدلة مَن قال بمشروعيّتها).

وأما أدلة من قال بالتحريم؛ نأتي على أدلتهم، دليلا دليلا، فنقول:

1/ الحديث: ” لا تزال أمتي بخير .. ” الحديث، هذا الحديث ضعفه الألباني، فهو لا يرى ثبوتَه، حتى لو ثبت فإن هذا النهي ليس نهياً منصباً على المحاريب المجردة، وإنما هو نهيٌّ عن محاريب تشبه محاريب النصارى.

2/ أما دليلهم الثاني: ” اتَّقُوا هَذِهِ الْمَذَابِحَ “، فهذا حديث حسن، ولكن هذه المذابح الواردة في هذا الحديث ليس المراد منها المحاريب؛ وإنما المراد منها: صدور المجالس، فالتصدر في المجالس قد يكونُ مذبحةً للشخص وهلاكاً لدينه ولاسيما إذا لم يكن أهلا لها.

3/ أما كراهية ابن مسعود، فنقول: هذا هو رأي لابنِ مسعود -رضي الله عنه- وجاء عن غيره أيضا، وهذا رأيٌّ لصحابي وقد يُسلَّمُ به، لكن قد يُراد مِن كراهية ابن مسعود لهذه المحاريب؛ قد يَقصد منها المحاريب التي يتخذها النصارى، لاسيما أن الأمة في جملتها قد احتجت بوضع هذه المحاريب، بل إن مَن بدّعَها وهو الألباني -رحمه الله- يقول بجواز اتخاذ المحاريب!

وهذا أرى أنه من التناقض، كيف؟

هو -رحمه الله- لمَّا ذَكر الأدلة على بدعيتها -ونحن أيضاً- لا نُسلِّم بأنها بدعة؛ لأن في هذا القول مجازفة -مع مكانة وقدر الألباني رحمه الله- فالقول ببدعيتها فيه مجازفة.

أما القول بأنها لا تجوز: هذا قابل للأخذ والرد، لكن تبديع ما عليه عموم الأمة هذا لا نُسلِّمُ به البتة.

س/ كيف التناقض؟

ج/ هو -رحمه الله- لمَّا ذكر الأدلة قال:

1/ ’’ أُثِرَ عن بعض السلف وذَكَر من بينهم ابَن مسعود’’

2/ وقال إن فيها مشابهة للنصارى في مساجدهم،

ولا نُسَلِّم بهذا لأن محاريبَنا تختلف عن محاريب النصارى.

ثالثا/ ما يقوله الكثير من أن هناك مصلحة بوجود المحاريب، وهي معرفة القبلة

قال -رحمه الله-” فإن المنابر تكونُ عوضاً عن المحاريب “

وهذا نُسَلِّمُ به.

4/ قال” يمكن أن يُجعل بدل المحاريب أن توضع عصى أو خشبة، فإن النبي ﷺ كما جاء عند الطبراني:

“غَرَزَ خَشَبَةً فِي الْقِبْلَةِ أَقَامَهَا فِيهَا “

وقد يُسلّم بهذا وقد لا يُسلم به فيما يتعلق ببدعية المحراب،

لكن مع صحة الحديث قد لا يسلم ببدعية المحراب بحيث نقول: إن غرز النبي ﷺ الخشبة يدل دلالة واضحة على جواز وضْع شيء يدل على القبلة؛ سواء كان خشبة أم غيرها.

5/ وهذا هو محل التناقض قال -رحمه الله-” أن من يقول – وهم عموم المسلمين – من يقول بجواز اتخاذ المحاريب للمصلحة قال:” يُمكن أن يُتخذ محراب صغير للدلالة على القبلة “

وهذا في الحقيقة فيه تناقض!

لأنه إما أن تثبت الجواز للمحاريب بأنواعها، وإما أن تنفيها.

وعلتُه في ذلك قال:

” وذلك لأن هذه المحاريب الموجودة قد زِيدَ فيها من الزخرفة والتجميل ما يُلهي المصلي “

ونحن نقول:

” نحن لا نسلم بهذه الزخرفة، ولا بالتوسع في المحاريب، هذا أمْرٌ خارج عن أصل المسألة، بل لا تؤيد هذه الزخارف

نحن نتحدث عن أصل المسألة: هذا المحراب أيجوز أن يُتخذ في المسجد أم لا،

بقطع النظر عن صِغَرِه، عن كِبَرِه، عن تجميله من عدم تجميله، فلا فرق في الحقيقة بين صغره وكبره.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أما أدلة من قال بجواز اتخاذ المحاريب:

1/ ما جاء عند البيهقي” أن النبي ﷺ ” دخل المحراب وكبر…. الحديث”، فهذا حديثٌ ضعيف.

2/ قولهم بأن اتفاق الأمة بعد عصر ابن مسعود: فهذا لا كلام عليه؛ لأنه ثابت والأمة أخذت به.

3/ الدليل الثالث لهم، قالوا: [أن في وجوده مصلحة شرعية] وهذا أيضاً نسلم به؛ فقد يكون أصل هذا المحراب هو حديث فِعل النبي ﷺ لما غَرز خشبة وجعلها في قبلة المسجد.

والخلاصة:

أن الأولى بالمسلمين أن لا يضعوا المحاريب، فإن المنابر كافية في معرفة القبلة

لكن لو وضعوها لا يُبدعون ولا يؤثمون.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا فائدة: مما يدل على أن قوله ﷺ: ” اتَّقُوا هَذِهِ الْمَذَابِحَ “

أن المراد به صدور المجالس: أن المحراب لم يُعرَف في عصر النبي ﷺ؛ فلم يكن موجوداً في عصره.­­­­­­