بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس ( 12 ) من شرح منهج السالكين ( باب ما يوجب الغسل وصفته )
شرح كتاب ( منهج السالكين ) ـ كتاب الطهارة الدرس ( 12 )
من باب المسح على الخفين حتى كتاب الصلاة
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
[باب ما يُوجِبُ الغُسل وصفته]
[ ويجب الغسل :من الجنابة وهى إنزال المنى بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين، وخروج دم الحيض، والنفاس، وموت غير الشهيد، وإسلام الكافر؛
قال تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } [المائدة:6] وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } [البقرة:222]، أي: إذا اغتسلن.
وقد أمر النبي ﷺ بالغسل من تغسيل الميت؛ وأمر من أسلم أن يغتسل]
الشرح/ موجبات الغُسل كثيرة، فكما أن هناك أشياء توجب الوضوء وهي النواقض المذكورة آنفا، أيضا هناك أشياء توجب الغُسل، ما هي هذه الموجبات؟
ـــــــــــــــــــــــــ
[ويجب الغسل: من الجنابة وهي إنزال المني بوطء أو غيره]
الشرح/ هذا هو الأمر الأول، إذا أنزَلَ المنيّ بوطءٍ أو غيرِه
نزل هذا المني باحتلام،
نزل هذا المني بفعله: سواءً كان هذا الفعل محرما أو جائزا،
نزل هذا المني بوطئه: سواءً كان هذا الوطءُ جائزا أم محرما،
فإنه إذا نزل منه المني فيجبُ الغُسل،
ولكن يشترطُ في إنزال المني إذا كان يقِظا: يشترط أن يكون بشهوة،
إما إذا نزل منه المني وهو نائم: فيلزمه الغُسل سواءٌ كان هذا الإنزال عن شهوة أو لم يكن، لقول أمِّ سُلَيم رضي الله عنها للنبي ﷺ:
” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ “
فمتى ما رأت الماء أو رأى الرجل الماء بعد استيقاظه من النوم فيجبُ عليه الغُسل،
أما إذا رأى المني أو نزل منه المني يقظةً مِن غيرِ شهوة: فإنه لا يُوجِبُ الغُسل وإنما يُوجِبُ الوُضوء ويُوجِبُ غَسْلَ الذَّكَر، فبعضُ الناس ربما بعد البول يَخرُجُ منه مَني مِن غيرِ شهوة فهذا يسمى ( وَديًا)
فحكمُه كحكم البول ولا يُوجب الغُسل، فالمقصود مِن إنزال المني في حال اليقظة: أن يكون بشهوة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[أو بالتقاء الختانين] الشرح/هذا هو الموجِبُ الثاني: أن يلتقي الختانان، لقول الرسول ﷺ:
” إذا التقى الختانانِ فقد وجب الغُسْلُ “
والمقصود من التقاء الختانين: أن يُغيِّبَ الحشفة – وهي مقدمةُ الذَّكَر- لورودِ روايةٍ: ” وَتَوَارَتِ الْحَشَفَةُ “
فإذا غابت الحشفة في الفرج ثم نزَعَ ذكرَه ولم يُنزِل منيًّا فقد وَجَبَ الغُسل،
متى ما أدخل حشفةَ ذَكَرِه في الفرج فقد وجب الغسل أنزل أو لم يُنزِل،
ولذا جاء في رواية عند مسلم: ” وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ “
وقد أجمع العلماء أن المقصود من التقاء الختانين: هو تغييب الحشفة، ولذا لو أن الرجل وضع مقدمةَ ذَكَرِه على ختان المرأة – وهي اللحمة التي على الفرج – فإنه لا يُوجِبُ غُسلا، إنما المقصود من التقاء الختانين هو أن يُدخِلَ حَشفَة ذَكَرِه، ولذا في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال كما في الصحيحين:
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ “
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ” – بين رِجلَيها وبين يديها،
“ثُمَّ جَهَدَهَا” أي: أنه أدخَل الحشفة “فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ” أنزل أو لم ينزل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[وخروج دم الحيض والنفاس]
الشرح/ فالمرأةُ الحائض والمرأةُ النفساء إذا طَهُرَتا فيجبُ عليهما الغُسل، لقول النبي ﷺ في المرأة المستحاضة قال: ” ثُمَّ اغْتَسِلِي “
والنِّفاس يُقاس على الحيض، لأن الحيض يسمى نِفاسا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[وموت غير الشهيد ]
الشرح/ موجِبٌ آخَر وهو: إذا مات الآدمي المسلم؛ فإنه يجبُ على المسلمين وجوبا كفائيا، إذا قام به البعض سقط الإثمُ عن الباقين، يجبُ على أحدِهم أو على بعضهم أن يغسلوا هذا الميت،
لقول النبي ﷺ في أحاديثَ كثيرة من بينها في حق من وقصته دابته في مكة قال: ” اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ “
وأما الشهيد: فكما هو معلوم يحرُمُ تغسيلُه، ولذا قيَّد فقال [غير الشهيد ] لأن الشهيد لا يُغَسَّل، فيبقى أثرُ الدم عليه حتى يكونَ وِسامًا له يومَ القيامة ” يأتي اللونُ لونُ الدم، والريحُ ريح المسك “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[وإسلام الكافر]
الشرح/ إذا أسلم الكافر فإنه يلزمُه أن يغتسل، وهذا هو الصواب من أقوال العلماء،
لأن بعض العلماء لا يُلزِمُه بالغسل، ولكن الصواب أنه يُلزَمُ بالغُسل، لأن النبي ﷺ لما أسلم بعض الكفار أمره بالاغتسال؛ ويتأكد ذلك فيما لو أتى موجبا من موجبات الغسل في حال الكفر، ومعلومٌ أنه لا يخلو من جنابة إذا كان كافرا.
قال تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } [المائدة:6] هذا دليل على أن مَن به حدثٌ أكبر يلزمه أن يغتسل وأن يتطهر { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } وهذا التطهير بينته السنة، وهو: الاغتسال.
وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } الآية [البقرة:222]
أي: إذا اغتسلن؛ فقوله: {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} يدل على أن المرأةَ – وهو القول الصحيح – على أن المرأة متى ما طهُرَت وانقطعَ دمُها وبقِيَ عليها الاغتسال، الصواب: أنه لا يجوزُ وطؤها، خلافا لمن قال: إذا انقطع الدم وطهرت فله أن يطأها وهي لم تغتسل،
ثم قال: {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} فبيّن أن التطهُّر الثاني هو الاغتسال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ وقد أمر النبيُّ ﷺ بالغُسل من تغسيل الميت]
وقد سبق ذكره قوله عليه الصلاة والسلام: ” اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قال المصنف رحمه الله:
[وأما صفة غُسل النبي ﷺ من الجنابة:
فكان يغسل فرجَه أولا، ثم يتوضأ وضوءا كاملا، ثم يحثي الماءَ على رأسه ثلاثا يُروِّيه بذلك، ثم يَفيضُ الماءَ على سائر جَسَده، ثم يغسل رجلَيه بمَحل آخر]
الشرح/ هذا هو الغُسل الكامل، لأنه غُسْلٌ ورد عن رسول الله ﷺ كما في حديث عائشة وحفصة -رضي الله عنهن- وصفتُه:
[ أن يغسلَ كفيه ثم يغسل فرجَه، ولا ينس أن يغسل الدبر، لأن الدبرَ داخلٌ ضِمنَ معنى الفرج،
ثم يتوضأ وضوءه للصلاة -الوضوء المعروف-،
ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات حتى يظن أن الماء قد أروى بشرته، فيأخذ حَفْنَةً فيغسل جانبَه، أي: جانبَ الرأس الأيمن، وحَفْنَة على الجانب الأيسر، وحَفْنَة في الوسط،
ثم يغسل سائرَ جسده، يبدأ بالجهة اليمنى ثم اليسرى] .
والسؤال الذي تنازع العلماءُ فيه وهو: هل يغسلُ قدَمَيه مرةً أخرى بعد أن يغتسل؟
أقوال متعددة في هذا، والصواب: أنه إذا لم يغسِل قدَميه في الوضوء فيجب عليه أن يغسلهما في آخِر الغُسل، بمعنى: أنه لو تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم ترك غَسْل القدمين، فلما مسح رأسه غسَل بدنه ثم بقي عليه غسل القدمين: فيلزمه أن يغسلهما،
أما إذا توضأ وضوءا كاملا فغسل القدمين ثم غسل سائل جسده، فالصواب: أنه لا يلزمه أن يغسل قدميه مرةً أخرى، فلربما كان غَسلُه عليه الصلاة والسلام لقدميه مرةً أخرى على اعتبار روايات أخَر أنه مِن أجل الطين الذي كان في المَحل فَلَوَّثَ قدَميه فأراد أن يعيد غَسْلَها مرةً أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قال المصنف رحمه الله:
[والفرض من هذا: غسل جميع البدن، وما تحت الشعور الخفيفة والكثيفة؛ والله أعلم]
الشرح/ وأما الغُسل المجزئ الذي يُجزِئ عن الغُسل الكامل هو:
أن يُعَمِّمَ بدَنَه بالماء، ولكن يُتَنَبّه إلى أمر وهو:
أنه في أول الأمر يغسل فرجَه، بمعنى: يغسل ذَكَره ودُبُرَه ثم يُعممُ بدَنَه بالماء ويتمضمض ويستنشق، فالمضمضةُ والاستنشاق واجبان على أصح القولين،
واجبان من واجبات الغسل، لأنهما داخلان ضمنَ الجسد،
ومَن كانت عليه جنابة عليه أن يتعاهد بالماء: إبطَيه وأن يتعاهد شعوره وأن يتعاهد فتحة سرته، ويتعاهد غضاريف أذنيه يتعاهد ذلك بالماء، وليس معنى هذا أن يبالغ الإنسان مبالغة كبيرة توصله إلى الوسواس، ولكن المقصود أن يتعاهد هذه الأماكن لأن الماء قد لا يأتي عليها أثناء تعميم البدن بالماء،
والدليل على هذا الغسل المجزئ:
قولُه تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة:6]، فأطلق،
والنبي ﷺ لما أجنب ذلك الصحابي ولم يجد ماءً، قال عليه الصلاة والسلام ” عليك بالصعيد ” يعني: بالتراب، فلما وجد ماء قال عليه الصلاة والسلام: ” اذهبْ فأفْرِغْه عليك ” ولم يبين له صفة الغُسل التي هو يفعلها عليه الصلاة والسلام، فهذا رجلٌ جاهل فهو لم يعرف التيمم فكيف يعرف الغُسل؟!
فلما قال عليه الصلاة والسلام: ” اذهبْ فأفْرِغْه عليك ” دل على أنه يكفي أن يغسل جميعَ بَدَنِه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ