الدرس ( 123 ) صفة الصلاة ( 4 ) ( السنة القولية والفعلية عند دخول المسجد وفي المسجد ـ إذا أقيمت الصلاة متى يقوم )

الدرس ( 123 ) صفة الصلاة ( 4 ) ( السنة القولية والفعلية عند دخول المسجد وفي المسجد ـ إذا أقيمت الصلاة متى يقوم )

مشاهدات: 584

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (123) من الفقه الموسع

آداب المشي إلى الصلاة

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإذا وصل إلى المسجد يُسنُّ له (فِعلٌ وقَول)

فأما الفعل: أن يقدمَ رِجلَه اليُمنَى؛ وذلك لقاعدة ٍمرت معنا، وهي: أن اليمين تقدم فيما هو من باب التكريم، وأما ما كان دون ذلك فتُقدم اليسرى، ودليلُ هذه القاعدة ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:” كان النبيُّ ﷺ يُعجِبُهُ التَّيَمُّنُ في تَنعُّلِهِ وتَرجُّلِهِ وطُهورِه وفي شأنه كلِّه “

وكذلك ما جاء في المسند عن حفصة زوج النبي ﷺ أنها قالت:

” كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ، وَثِيَابِهِ، وَأَخْذِهِ، وَعَطَائِهِ. وَكَانَ يَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ “

ــــــــــــــــــــــــــــ

وأما السنةُ القوليةُ عند الدخول: فهي أدعيةٌ واردةٌ عن النبي ﷺ وذلك أن يقول:

” بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم “.

 

نأتي إليها مفصلة ونعزو كل جملة إلى أهلها:

(الصلاةُ والتسليم) وردت عند الترمذي ويصححها الألباني -رحمه الله- وجاءت روايةٌ عند ابن السُّنِّي: “اللهم صل على محمد وأزواج محمد”

وجملة (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك) جاءت عند مسلم

وجاءت جملة (البسملة) عند ابن ماجه، وهناك مَن يضعفها، لكن الألباني -رحمه الله- يرى تحسينَها.

وأما جملة: ” أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” جاءت في سنن أبي داود: ” أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: ” أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ “

ــــــــــــــــــــــــ

 

وبما أن الخروجَ مِن المسجد قد لا يأتي له حديث، فإنه إذا خرج يُسنُّ له (قولٌ وفِعل)

أما الفعلُ فهو: تقديمُ اليسار.

وأما القول أن يقول: بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، اللهم إني أسألك من فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم

نأتي إليها مفصلة:

(الصلاة والتسليم) وردت عند الترمذي.

” اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ ” وردت عند الترمذي أيضا

جملة (البسملة) وردت عند ابن ماجه

جملة (اللهم إني أسألك من فضلك) جاءت عند مسلم،

بعض الناس يزيد من فضلك ((العظيم)) وأنا لم أرَ كلمة العظيم

وأما جملة ” اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” عند ابن ماجه

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلاة تحية المسجد:

فإذا دخل المسجد فإنه يصلي تحيةَ المسجد، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة:

 ” إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ “

س/ أهي واجبةٌ أم سنة؟

-سيأتي لها حديث إن شاء الله في باب صلاة التطوع-

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن كانت هناك سنةٌ راتبة فله أن يصليَ هذه السنةَ الراتبة وتدخل ضِمنَها تحيةُ المسجد.

وأما إن كان جالساً مِن قبل؛ وأُذِّنَ للصلاة: فإن السنة في حقه -إن لم يكن لهذه الصلاة سنة راتبة قبلية- أن يصليَ ركعتين؛ لما جاء في الصحيحين:

” قال رَسُول اللهِ ﷺ: بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ “

 قال في الثَّالِثةِ: ” لِمَنْ شَاءَ “.

 

والسنةُ في حقه -في هذه الصلاة وفي غيرها- أن يخشع فيها:

 فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قوله ﷺ:

” من توضَّأَ فأحسنَ وضوءَه ثمَّ صلَّى رَكعتينِ لا يسهو فيهما غُفِرَ لَه ما تقدَّمَ من ذنبِهِ “

وعند النَّسائي: ” مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ

وهذا شاملٌ لتحية المسجد ولغيرها، يقول النووي رحمه الله:

 ” إن السهو هنا يُخرِجُ العارضَ السريع الذي إذا خَطَرَ بالقلب دَفَعَه؛ وذلك لأنه لا يسلم أحدٌ من السهو “.

 

فإذا صلى فلْيَجلس وينتظر الصلاة؛ ولا يُكثر من الالتفات، ولا يستعجل أن يأتي الإمام أو أن تُقامَ الصلاة؛ لم؟ لأنه في صلاة -كما مر معنا- ما جاء في الصحيحين:

” وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ “

ولأن: ” الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللهمَّ ارْحَمْهُ “

وعليه أن يشتغلَ بالذكر وقراءة القرآن والدعاء.

 

ولكن ما حكمُ مَن يأتي إلى المسجد ويفعل هذا ثم إذا فرَغَ مِن الصلاة تحدث في أمور الدنيا؟

فقد يتجاذب طرف الحديث مع صاحبه في أمْرٍ مِن أمور الدنيا، ليس بيعاً وشراء؛ لأن البيع والشراء لا يجوزُ في المسجد، لكن قد يتحدث معه بأحاديث عامة تتعلق بالدنيا؟

الجواب عن هذا: أن بعض العلماء قال: لا يتحدث في أمر من أمور الدنيا، وقد أورد الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة؛ حديثاً عند الطبراني، لفظُ هذا الحديث:

” سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمانِ قَوْم يَجْلِسُونَ فِي الْمَساجِدِ حِلَقًا حِلَقًا، إِمامُهُمُ الدّنْيا، فَلا تُجالِسُوهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حاجَةٌ “

أورده ضِمنَ هذا الكتاب الذي أورد فيه الأحاديثَ الصحيحة، لكن أورد له شاهداً وضعّفَه؛ ولم يحكم عليه لا بصحة ولا بتحسين، وظاهرُ حديثِه في تحقيق المشكاة أنه يُضعفه، والحديث يضعفه شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.

ثم قال الألباني رحمه الله: وهناك حديث تتلقاه الألسنة وهو لا أصل له وهو:

” الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب “، قال: لا أصل له.

 

 فإذا نظر الإنسان إلى الحديث الأول فإن الأولى به ألا يتحدث بغير ذكر الله عز وجل حتى مع ضَعف الحديث؛ لأن الله عز وجل مدح المُعظمين لهذه المساجد فقال:

 {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}

{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} ]النور -36-37[

 

لكن لو عَرَضَ عارِضٌ يسيرٌ من حديثٍ عام، فلا حَرَجَ فيه؛ دون أن يكون راتباً؛ ودون أن يكون كثيراً، ودليلُه ما جاء في صحيح مسلم:

أن النبي ﷺ كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس حسنة

تتمة الحديث قال:

” كنا نتحدث بعد صلاة الفجر في المسجد بأخبار الجاهلية، والرسول ﷺ معنا، فنضحك ويتبسم “

وتبسُّمُه ﷺ مِن باب الإقرار؛ مع أن هذا الحديث فيما مضى من أمور الجاهلية ليس مِن الذكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

والسنة له أن يستقبل القبلة:

وقد مرت معنا- قاعدة ذَكَرَها ابنُ مفلح -رحمه الله- في الفروع إذ قال:

يستحب استقبال القبلة في كل عبادة إلا بدليل

فما جاء الدليل خلافَ هذا فإنه هو المعتبر، وذلك لأن النبي ﷺ كان إذا خطب ودعا في خطبته كان مستدبراً للكعبة ﷺ، فإذا أقيمت الصلاة وهو في صلاة

-سيأتي لها حديثٌ إن شاء الله في باب صلاة التطوع، لأن المسألة فيها خلاف طويل-

 

لكن إذا أقيمت الصلاة متى يقوم؟

اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: يقوم إذا قال المؤذن (قد قامت الصلاة) وذلك لأن قوله قد قامت الصلاة فيها إشعار بأمر لمن هو حاضر أن يقوم إلى الصلاة.

القول الثاني: يقومُ عند قول المؤذن (قد قامت الصلاة) شريطة أن يرى الإمام، ولعل هؤلاء جمعوا بين ما ذكروه مِن علة؛ وما ورد من قوله ﷺ كما في الصحيحين: ” لا تقوموا حتى تروني قد خرجت “

 

القولُ الثالث: يسن له أن يقوم إذا شَرَعَ المؤذنُ في الإقامة، ولعلهم يستدلون: بأن الإقامة هي إعلامٌ للحاضرين بِقُربِ الدخولِ في الصلاة، وهذا حاصلٌ مِن أولِ شروعِ المؤذنِ في الإقامة.

 

القولُ الرابع: يقوم إذا قال المؤذن حي على الصلاة، ولعلهم يستدلون بأن جملةَ (حي على الصلاة) دعوةٌ إلى الدخول في الصلاة؛ فناسَبَ ألا يتخلفَ المصلي عن الاستعداد للدخول فيها.

 

القول الخامس: إنه يقوم في أي وقت يشاء؛ وذلك لعدم الدليل.

 

القول السادس: إنه يقوم إذا كبَّر الامامُ للصلاة، ولعلهم يستدلون بأن التكبيرة هي مفتاحُ الصلاة.

 

القول السابع: إنه يقوم إذا رأى الامام؛ لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” لا تقوموا حتى تروني قد خرجت “

والناظرُ في ِمثلِ هذه الأقوال يَثبُتُ عنده أنه لم يثبت شيءٌ مِن السنة في مثل هذه المسألة، اللهم هذا الحديث، وبالتالي:

فإن الإمامَ إذا كان يدخُلُ في الصلاة مِن حين ما يدخُلُ المسجدَ كما هو حالُ النبي ﷺ، فإن بلالا رضي الله عنه إذا رآه أقامَ الصلاة، فتكونُ السنيةُ في حق المأموم أن يقومَ إذا رأى الإمامَ قد خرج.

لكن إذا كان هذا الإمامُ في المسجد؟ أو أنه إذا دخَلَ لم يشرع في الصلاة؛ وإنما يشرعُ في صلاةِ التطوع؟ فإن الأمرَ واسعٌ في هاتين الحالتين.

هذا من باب الشفقة من النبي ﷺ على أصحابه، ولربما قاموا قبل أن يروا النبي ﷺ؛ ويحصُلُ لهم حرجٌ ومشقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ومن الأدعية التي يستحبها بعضُ العلماء إذا خرج المسلمُ من بيته إلى الصلاة:

 

ولذا يقول العلماء ومن بينهم وكيع قال: ” كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ “

ولذا إذا أراد الإنسان أن يحفظ العلم فعليه أن يعمل؛ لأن العمل يجعلُ هذا العلمَ باقيا.

 

وهذا الدعاء لم نذكره في جمله ما ذُكِر من الأذكار التي يستحبُّ للمسلم أن يقولها المسلم إذا خرج من بيته إلى الصلاة، وهو ما جاء عند ابن ماجه ومسند الامام أحمد أن النبي ﷺ قال:

” من قال إذا خرج إلى المسجد اللهم إني أسألك بحق ممشاي هذا، وبحق السائلين عليك؛ فإني لم أخرج أشِراً ولابطراً ولا رياءً ولاسمعة، خرجت ابتغاء فضلك واتقاء سخطك، أسألك أن تدخلني الجنة وأن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إلا خرج معه سبعون ألف ملك “

فهذا الحديث يُضعفه شيخُ الإسلام كما في مجموع الفتاوى، وكذلك يُضعفه الألباني -رحمهما الله- وقد ذَكَره الإمامُ المجدد في كُتيب له سماه بـ(آداب المشي الي الصلاة) ولكنه حديثٌ ضعيف

وقد يَستدل به من يقول: إن التوسل بغير الله جائز؛ لأنه قال: “اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا” فيجوزُ إذاً أن يقول اللهم إني أسألك بحق النبي ﷺ وبحق فلان!

 فيقولُ شيخُ الإسلام -رحمه الله-: فإنه لو صح فلا حجةَ فيه؛ فإن حقَّ السائلين على الله أن يجيبهم، وحق الماشين إلى الصلاة أن يُثيبهم، وهذا حقٌّ أوجبَه جل وعلا على نفسه تفضلاً وكرما، فيكونُ من باب التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة -وقد مر معنا- هذا في التوحيد وأنه من التوسل المشروع، ولكنه حديث ضعيف ولا يصح الاحتجاج به

ولعل الشيخ المجدد -رحمه الله- ذَكَره لكونه صحيحاً عنده أو ثابتاً عنده ولا يتعارض مع ما هو مُقَرر عند أهل السنة والجماعة من النهي عن التوسلِ بحق فلان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ