الدرس (26 ) خصال الفطرة (2) ( الادهان والغب في تسريح الشعر والزيارة والاكتحال )

الدرس (26 ) خصال الفطرة (2) ( الادهان والغب في تسريح الشعر والزيارة والاكتحال )

مشاهدات: 609

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السادس والعشرون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

باب خصال الفطرة – الإدهان، والغِب في تسريح الشعر والزيارة، والاكتحال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [السنة أن يدَّهِنَ ويُسَرِّحَ شعرَه غِبًّا، وينبغي ألا يُفْرِطَ في الإرفاه،

أما الغِبُّ في الزيارة فهي الزيارةُ بعد أسبوع من الزيارة الأولى ما لم يرغب المزور بتكرار الزيارة ]

الشرح/ هذه المسألة وهي مسألة الإدَّهان وتسريح الشعر دليلها قول عائشة رضي الله عنها:

” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ “

فدل هذا الحديث على أن من سنته ﷺ الإدهان والترجُّل.

وأفاد هذا الحديث: أن ترجيل الشعر سواء كان شعرَ رأسٍ أو لِحية، أن السنة فيه أن يبدأ باليمين.

 وأفاد أيضا: أن النبي ﷺ كان له شعر، وهذا الشعر يزيد وينقص فقد يضرب منكبَيه وأحيانا إلى شحمة أذنيه وأحيانا بين وبين.

وقد كان ﷺ يسدِلُ شعرَه دون أن يفرقه، والفَرْقُ هو ما يكونُ في وسط الرأس، فكان ﷺ يسدله أولاً لمحبته التشبه بأهل الكتاب ما لم يأت نهي، ثم فَرَق ﷺ، وقد كان ﷺ يجعله ظفائر،

 وقد قال ﷺ كما في سنن أبي داود “من كان له شعر فليكرمه”

 

وقد اختلف العلماء في تربية الشعر:

القول الأول: يرى أنه سنة، وذلك لأن النبي ﷺ كان يربي شعره، ولقوله ﷺ “من كان له شعر فليكرمه” وقد قال الإمام أحمد رحمه الله : لو نقوى عليه لاتخذناه، يعني لو نقوى على العناية به،

ولأن النبي ﷺ أخبر عن الخوارج أن سيماهم التحليق.

القول الثاني:

يرى أنه من قبيل الأِشياء الجائزة أي المباحة، وذلك لأن النبي ﷺ قال عن الصبي الذي حُلِق بعضُ رأسه “احلقوه كله أو اتركوه كله” ولم يرشدهم ﷺ إلى تركِه، فلما ذكر الحلق دل على أنه من الأشياء المباحة.

 ولقوله ﷺ “من كان له شعر فليكرمه” ولم يحث ﷺ على تربيته، وإنما قال “من كان له شعر” فدل على أن هناك من الصحابة من لا يربي شعرَه.

 ولأن النبي ﷺ دعا للمحلقين في النسك دعا لهم بالمغفرة ثلاثاً، وللمقصرين مرة، فلو كان لتربيته فضل لكان التقصيرُ مرغباً فيه أو على الأقل أن يساوَى في الفضل بالحلق.

 ولأنه ﷺ قد حلق في النسك مع أن التقصير يحصل به المقصود في التحلل من النسك.

 

 والذي يظهر أنه من الأِشياء المباحة التي تخضع لعرف الناس، وقد جاء حديث:

 ( أن النبي ﷺ رأى أحد الصحابة وله شعر كثيف فقال ﷺ كلمة تنبئ عن عدم رضاه بهيئته وهي كلمة ذباب فذهب الرجل فحلق رأسه قال ﷺ “ما أردت هذا ولكنه أحسن” )

 فإذا كان للإنسان شعر فليحرص على العناية به، وذلك أن يدّهِنَه بِدُهن،

 قال بعض العلماء: يصدق الترجيل بما ليس بدهن مما يلين الشعر مثلُ الماء.

 

 ولكن الترجيل يُقيد بوقت: جاء في سنن أبي داود ( نهى النبي ﷺ عن الترجل إلا غبا)

ومعنى الغب: هو يوم بعد يوم،

وهذا النهي كما هي القاعدة في الأصول يقتضي في مخالفته التحريم، ولكن هذا النهي صُرِف بحديث أمَرَ فيه النبي ﷺ بعض الصحابة إذ كان كثيرَ الشعر أمَرَه أن يرجله كل يوم، وإن كان الألباني رحمه الله يضعفه؛ ولكن هناك من المحدثين من يراه صحيحا، ويؤيد صحته من حيث المعنى أنه جاء في سنن أبي داود (أن النبي ﷺ نهى عن كثير الإرفاه).

 وإذا نظرنا إلى العلة مِن ترْك الترجُّل يوماً وفِعله في اليوم الآخر، رأينا أن ترجليه كل يوم فيه زيادة ترفيه، وما أراد ﷺ أن تشتغل أمتَه بشعورها وبأجسامها اشتغالاً مبالغاً فيه، فكونُه ﷺ ينهى عن الترجل إلا غباً حتى لا يتوسع الناس فيه فيكون ديدن الرجل،

 بل إن عموم الحديث يُدخِلَ المرأة: ومعلومٌ أن المرأة بحاجة إلى التزين أكثر من الرجل، فيُحمَلُ أمْرُه ﷺ للصحابي لتسريح شعره كلَّ يوم، يُحمَل النهي على الكراهة أو لبيان الجواز،

 وقد ذكر ذلك المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي.

 

 وأيضا قوله ﷺ: ” مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ ” ” أطلق الإكرام، والإكرامُ يختلف باختلاف الأشخاص لأن شعورَ بني آدم مختلفة، فبعض الناس لو تركه أسبوعاً فكأنه مرجله من ساعة، بينما البعض الآخر قد يكون شعره جعدًا، فيكون هذا الإكرام بحسب حال صاحب الشعر.

 

 فهذا هو الغب في تسريح الشعر.

 

أما الغب في الزيارة فهي: أسبوع بعد أسبوع، فإذا زاره في هذا اليوم فعليه أن ينتظر أسبوعاً ليزوره مرة ثانية، لما جاء عند البزار قوله ﷺ ” زُر غِبًّا تزدَد حُبًّا “، وذلك لأن المزور قد يتضجر من تكرار زيارة الزائر، فحتى تبقى المودةُ يجعل هذا الفاصل الطويل بينه وبين الزيارة الأولى.

ويستثنى من ذلك ما وافق العلة التي في الحديث السابق:

 فالعلة هي إبقاء المودة والمحبة بل زيادتها، فإذا كانت زيادة المحبة تحصل بتكرار الزيارة فليزره، وذلك إذا رغب المزور في زيارته في أقل من أسبوع أو في كل يوم مرة أو مرتين أو أكثر، فتُربط بحال المزور ورغبته، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

والدليل على جواز الزيارة قبل الأسبوع ما جاء عند البخاري قالت عائشة رضي الله عنها

 (لم أعقل إلا وأبواي مسلمان وكان النبي ﷺ يزورنا كل يوم غدوة وعشية) وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه يرغب رغبة كبيرة جامحة في زيارة النبي ﷺ له في بيته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: يسن أن يكتحل بالإثمد في عينه اليمنى ثلاثا وفي عينه اليسرى مرتين.

الشرح/ دليل هذه المسألة وهي مسألة الاكتحال فعل النبي ﷺ لأنه جاء في المسند (أنه كان يكتحل وتراً)

 والوِتر: هو العدد الفردي،

 وكان ظاهر هذا الحديث أن يكون الوتر في كل عين، لكن جاءت رواية أنه ﷺ (كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى مرتين) فدل على أن الوترية تحصل بمجموع الاكتحال في العينين.

 

 أما المادة التي يُكتحل بها فهي: مادة الكحل المعروف، لكن الاكتحال بالإثمد وهو يميلُ إلى الحمرة أمْرٌ نَدَب إليه النبي ﷺ وذلك لتقويته للبصر ولإنباته للشعر.

 وهذا الاكتحال قال بعض العلماء إنه سنة مطلقة في حق الجميع الشاب والكبير في السن.

وقال بعض العلماء: إن الشاب الذي يُفتِن إذا اكتحل يُمنع منه وذلك خيفة الفتنة،

 والبعضُ يُفَرِّق في الاكتحال بين الاكتحال الذي يراد منه النفع الطبي على العين، وبين الاكتحال الذي يراد منه التزين.

وخلاصة القول: أن الاكتحال سنة ولا سيما بالإثمد، فإذا حصلت فتنةٌ بالاكتحال فالشريعة جاءت بدفع وتقليل الفتنة.