كتاب الطهارة ـ الدرس ( 3 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أما بعد :
ثم قال المصنف رحمه الله فصل )
الشرح :
ثم قال المصنف رحمه الله قال النبـي صلــى الله عليــه وسلــم ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله و أن محمد رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) متفق عليه .
الشرح :
فيستفاد من هذا الحديث :
الجواب : لأن هذه الأركان الخمسة لا تقوم لها قائمة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالجهاد في سبيل الله ثم فسر رحمه الله هذا الحديث.
ثم قال المصنف رحمه الله : ( فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ: عِلْمُ اَلْعَبْدِ وَاعْتِقَادِهِ وَالْتِزَامِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اَلْأُلُوهِيَّةَ وَالْعُبُودِيَّةَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه ُ.
فَيُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى اَلْعَبْدِ: إِخْلَاصَ جَمِيعِ اَلدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى, وَأَنْ تَكُونَ عِبَادَاتُهُ اَلظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ, وَأَنْ لَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا فِي جَمِيعِ أُمُورِ اَلدِّينِ).
الشرح :
محل الحديث عن الشهادتين في علم العقائد ولا أريد أن أستفيض في ذلك فكلامه رحمه الله مختصر و مغني -إن شاء الله- و إلا فشهادة أن لا إله إلا الله لها ركنان ولها شروط ثمانية :
الركنان :
النفي: في قولك لا إله.
الإثبات: في قولك إلا الله.
أما شروطها فجمعها البعض في بيت وجعلها سبعة شروط.
اذكر هذا البيت ونستغني به عن التفصيل المسهب.
قال الناظم: علمٌ يقينٌ إخلاصٌ وصدقك *مع محبةٍ و انقيادٍ والقبول لها.
وزاد بعضهم شرطاً ثامناً وهو (أن يكفر بجميع ما يعبد من دون الله) وكما قلت محلها علم العقائد و إلا فلها مراتب ويمكن لو استفاض الحديث في ذكر ما بتعلق بالشهادتين لأخذ منا دروساً متتابعة متلاحقة لكن نكتفي بهذا.
ثم قال المصنف رحمه الله وَهَذَا أَصْلُ دِينِ جَمِيعِ اَلْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ)
الشرح :
بمعنى ما الحكمة من إرسال الرسل عليهم الصلاة و السلام؟
الجواب: أن يدعو إلى عبادة الله عز و جل . فكل رسول أتى يقول [يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ] {هود:61} واقرأ كلام الله عز و جل وسترى , ثم ذكر رحمه الله الدليل.
ثم قال المصنف رحمه الله كَمَا قَالَ تَعَالَى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] {الأنبياء:25} وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ: أَنَّ يَعْتَقِدَ اَلْعَبْدُ أَنَّ اَللَّهَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا r إِلَى جَمِيعِ اَلثَّقَلَيْنِ – اَلْإِنْسِ وَالْجِنِّ – بَشِيرًا وَنَذِيرًا, يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اَللَّهِ وَطَاعَتِهِ, بِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ, وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ, وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ, وَأَنَّهُ لَا سَعَادَةَ وَلا صَلَاحَ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ, وَأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَحَبَّتِهِ عَلَى مَحَبَّةِ اَلنَّفْسِ وَالْوَلَدِ ([1]) وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ, وَأَنَّ اَللَّهَ أَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ اَلدَّالَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ, وَبِمَا جَبَلَهُ اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ اَلْعُلُومِ اَلْكَامِلَةِ, وَالْأَخْلَاقِ اَلْعَالِيَةِ, وَبِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ دَيْنُهُ مِنْ اَلْهُدَى وَالرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ, وَالْمَصَالِحِ اَلدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ
وَآيَتُهُ اَلْكُبْرَى: هَذَا اَلْقُرْآنُ اَلْعَظِيمُ, بِمَا فِيهِ مِنْ اَلْحَقِّ فِي اَلْأَخْبَارِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . )
الشرح :
كما قلت محل الحديث في علم العقائد لكن يمكن أن نعطي نبذ سريعة مختصرة .
شهادة أن محمدا رسول الله تكمن في أربعة أمور. إذا حققها العبد حقق هذه الشهادة:
الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي من الصفات الحميدة أعظمها وأكملها فكل صفة حميدة في الرسل عليهم الصلاة و السلام فهي في محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام أكمل .
ثالثاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم أُيد بمعجزات كثيرة جداً والناظر في السير يجد هذا وأعظمها هذا القرآن الكريم .
ثم قال المصنف رحمه الله فَصْلٌ )
الشرح :
يعني هذا فصلٌ مبتدأ وخبر
ثم قال المصنف رحمه الله وَأَمَّا اَلصَّلَاةُ)
الشرح :
لما ذكر رحمه الله الركن الأول ذكر الركن الثاني وهو الصلاة.
ثم قال المصنف رحمه الله وَأَمَّا اَلصَّلَاةُ : فَلَهَا شُرُوطٌ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا. )
الشرح :
يستفاد من هذا :
أن شروط الصلاة كما سيأتي بيانه إن شاء الله يشترط أن تكون موجودة قبل الصلاة إلى أن تنتهي الصلاة , فالشرط يجب أن يكون سابقاً للصلاة ويستمر إلى نهاية الصلاة.
ثم قال المصنف رحمه الله:( فَمِنْهَا: اَلطَّهَارَةُ:)
الشرح :
طبقوا هذا على ما ذكرت يجب على المصلي قبل أن يدخل في الصلاة أن يكون متطهراً أفيمكن أن يستغنى عن الطهارة داخل الصلاة ولو في جزء يسير منها ؟
الجواب: لا, إذاً الطهارة شرط فيجب أن تسبق الدخول في الصلاة وأن تستمر إلى نهاية الصلاة , ثم ذكر رحمه الله الدليل على شرط الطهارة.
ثم قال المصنف رحمه الله كَمَا قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ )مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . فَمَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ مِنَ اَلْحَدَثِ اَلْأَكْبَرِ والأصغر والنجاسة فلا صلاة له )
الشرح :
استفيد من هذا :
أن الطهارة التي ذكرها رحمه الله تشتمل على نوعين من أنواع الطهارة :
ثم قال المصنف رحمه الله والطهارة نوعان: أحدهما الطهارة بالماء وهى الأصل .)
الشرح :
فاستفيد من هذا أن كل مائع (سائل) صدق عليه وصف الماء فهو مطهر لو قلت هذا ماء صافي, هذا ماء فيه زعفران فطهور,هذا ماء فيه رائحة ورد فطهور وعلى هذا فقس لو قلت: هذا عصير فغير مطهر لمَ؟
الجواب ؟ لأنه لا يسمى ماءً.
ثم قال المصنف رحمه الله فكل ما نزل من السماء، أو خرج من الأرض: فهو طهور، يطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير طعمه أو لونه أو ريحه بشئ طاهر).
الشرح :
ويستفاد من هذا :
لو قال قائل ما الدليل على أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط وليس هناك قسمٌ ثالث يسمى بالطاهر على الصحيح ؟
قال المصنف رحمه الله قَالَ اَلنَّبِيُّ r : إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ( رَوَاهُ أَهْلُ اَلسُّنَنِ وَهُوَ صَحِيحٌ.
الشرح :
ذكر في الحديث نوعين من أنواع المياه :
وليس هناك ذكرٌ لطاهر ولذا يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه من أثبت قسماً ثالثاً من أقسام المياه يسمى بالطاهر فعليه الدليل.
قول المصنف رحمه الله:( أهل السنن وهو صحيح )
أهل السنن هم : أبو داود – الترمذي – النسائي – ابن ماجة هؤلاء هم أهل السنن وأحياناً يقال رواه الأربعة والمراد هؤلاء .
ثم قال المصنف رحمه الله فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِنَجَاسَةٍ فَهُوَ نَجِسٌ, يَجِبُ اِجْتِنَابُهُ)
الشرح :
يستفاد من هذا:
أن الماء الطهور كما سبق لو تغير أحد أوصافه ( اللون- الريح – الطعم ) فلو تغير أحد أوصاف الماء بشيء طاهر وأصبح يطلق عليه ماء فإنه طهور لكن إن تغير بنجاسة فهو نجس .
مثال ذلك : لو أن نجاسة وقعت في ماء طهور ولم تغير طعمه ولا لونه وإنما غيرت رائحته فحكمه نجس لو تغير لونه فقط فحكمه النجاسة أيضاً ولو تغيرت الأوصاف الثلاثة كلها فهو نجس و إن لم يتغير شيء بوقوع النجاسة فهو طهور ولو رأيت النجاسة في هذا الماء وهي لم تؤثر فيه لا في رائحته ولا في لونه ولا في طعمه فهو طهور.
لما تغير هذا الماء بالنجاسة قال قائل سوف أتطهر به فما الحكم؟
الجواب : يأثم ولذا قال رحمه الله وجب اجتنابه فلو استعمله يدخل في الوعيد الشديد الذي قال فيه عليه الصلاة و السلام (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) , و الأحاديث في هذا مشهورة معروفة كما في حديث ابن عباس في الصحيحين لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير أما أحدهما فكان لا يستبرأ من بوله) .
ثم قال المصنف رحمه الله والأصل في الأشياء : الطهارة والإباحة.)
الشرح :
الدليل هو قوله تعالى [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا] {البقرة:29} فلما خلق لنا ما في الأرض جميعاُ دل على جواز الانتفاع به و استعماله والذي يستعمل هو المباح والطاهر.
لو قال قائل لما لم يقل المؤلف الأصل في الأشياء الطهارة أو الأصل في الأشياء الإباحة لماذا جمع بين الأمرين جمع بين الأمرين لأنه ليس كل طاهر مباحاً .
السم طاهر لكن ليس مباحاً أكله وكذلك الذباب .
لكن الأصل عندنا أن كل شيء طاهر مباح إلا إذا جاء الدليل واستثنى واحداً من هذين الصنفين .
ثم قال المصنف رحمه الله فَإِذَا شَكَّ اَلْمُسْلِمُ فِي نَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ, أَوْ غَيْرِهَا: فَهُوَ طَاهِر)
الشرح :
عندك ماءٌ طهور ذهبت ثم رجعت فوجدت أنه تغير فشككت هل تنجس أم هو على طهوريته السابقة , فما الحكم ؟ طهور.
عندك ثوبٌ طاهر ذهبت فرجعت فوجدت به أثر لون صفرة فشككت هل هي نجاسة أم أنها غير نجاسة فما الحكم ؟ الأصل, الطهارة عندك سجادة وجدت بها أثراً فشككت أتصلي عليها على أنها طاهرة أو لا تصلي عليها لأنها نجسة ؟ تصلي عليها لأن الأصل الطهارة .
وعندنا قاعدة ( اليقين لا يزول بالشك )
ثم قال المصنف رحمه الله أَوْ تَيَقَّنَ اَلطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي اَلْحَدَثِ: فَهُوَ طَاهِرٌ )
الشرح :
صليت المغرب ثم بعد ربع ساعة أو عند أذان العشاء شككت هل أحدثت أو لم تحدث , عندنا يقين أنك طاهر فلا يلتفت إلى هذا الشك الطارئ , إذاً نقول أنت طاهر.
ثم ذكر الدليل على ما ذكرنا .
قال المصنف رحمه الله لقوله صلى الله عليه وسلم: الرجل يخيل اليه أنه يجد الشئ فى الصلاة قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً او يجد ريحاً”) متفق عليه
الشرح :
هذا هو حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أخذ منه العلماء قواعد وفوائد :
لو قال قائل قد يتيقن الإنسان أن وضوءه انتقض لكنه لم يسمع صوتاً ولم يجد ريحا؟
الجواب:طهارته منتقضة لأن الحديث نص على اليقين .
ما هو هذا اليقين في هذا الحديث؟ (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا)
لماذا الصوت أو الريح؟ لأنه هو الغالب .
لكن لو كان الرجل موسوسا نقول إلزم هذا الحديث لا تخرج حتى تسمع صوتاً أو تجد ريحا. ولذا علاج الوسوسة أن الإنسان إذا جاءه الشيطان وقال إنك أحدثت وقال خرج منك ريح فيقال له أأنت متيقن مئة بالمئة بأنك على وضوء جوابه نعم فيعكس عليه السؤال أأنت متيقن مئة بالمئة بأنه خرج منك ريح فإن قال نعم كما هو متيقن في الطهارة فنقول انتقض وضوؤك لكن لو قال تسعاً وتسعين بالمئة فنقول أنت طاهر هذا هو علاج الوسوسة من كان موسوساً في وضوئه فإنه يجري على هذه القاعدة متيقن مئة بالمئة بأنك على طهارة الجواب نعم إذاً لا تزول طهارتك إلا إذا تيقنت بنفس النسبة السابقة مئة بالمئة أنك أحدثت وإلا فالأصل الطهارة لأن الشيطان يأتي و يلبس على بعض الناس ويزعجه في عبادته فيمل منها ثم يدع هذا الخير كما هو حاصل عند البعض ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البزار يقول (يأتي أحدكم الشيطان فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) .
قوله:( متفق عليه )
المقصود منه أخرجه البخاري ومسلم , وبعض العلماء يقول متفق عليه يعني أن البخاري ومسلم اتفقا عليه من راوٍ واحد كحديث عبد الله بن زيد فإنه أخرجه البخاري عن عبد الله بن زيد وأخرجه مسلم عن عبد الله بن زيد لكن لو أخرجه البخاري عن طريق عبد الله بن زيد وأخرجه مسلم عن طريق أبي هريرة لم يتفقا على راوٍ واحد فيقال أخرجه البخاري ومسلم والأمر في هذا فيه سعة .