الدرس (32) باب الوضوء(3) صفة الوضوء (2) غسل الوجه واليدين

الدرس (32) باب الوضوء(3) صفة الوضوء (2) غسل الوجه واليدين

مشاهدات: 688

الدرس ( 32 )

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

 مسألة : وحد الوجه من منحنى الجبهة إلى ما استرسل من شعر اللحية طولاً ، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً ، فإن كانت اللحية خفيفة فيجب غسل باطنها وظاهرها ، والسنة تخليل اللحية ، وكذا تخليل الأصابع بختصره بأي صفة مع عدم المداومة ،ولا يأخذ ماء جديدا لأذنيه ، وكيفما مسح أجزاء ، والتقيد بالسنة أولى ، وحد الرأس من حد الوجه إلى القفا ، ويبدأ بمقدمة رأسه إلى المؤخرة ثم يرجع أو العكس ، ويدخل سبابتيه في صماختي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما . الشرح

هذه المسألة فيها بيان لعدة أمور

1/ بيان حد الوجه ، وذلك لان غسل الوجه فرض من فروض الوضوء ، ولذا بدأ الله به في آيه الوضوء ( فاغسلوا وجوهكم ) فيا ترى ما هو حد هذا الوجه المأمور بغسله ؟ حده العلماء فقالوا : أنه يبدأ من منحنى الجبهة إلى ما استرسل من اللحية طولاً ، ومن الإذن إلى الأذن عرضاً .

وقال البعض : إن بداية حده من شعر الرأس المعتاد إلى ما استرسل من شعر اللحية طولاً ، وقيد وشعر الرأس بالمعتاد ، حتى يخرج من ذلك الأصلع والمسترسل شعره على جبهته فلا عبرة بشعر الأصلع ، وهو الذي انحت شعر مقدمة رأسه ولا عبرة بشعر من نبت على الجبهة .

والأضبط : التعريف الأول وذلك أن تقيد البداية بمنحنى الجبهة وقولنا ( إلى ما استرسل من شعر اللحية طولا ) في هذا التقييد دفع لمن قال إنه ينتهي من حيث الطول إلى الذقن وبذلك يخرج شعر اللحية من الوجه وليس هذا بصواب فقياس اللحية على ما استرسل من شعر الرأس  قياس مع الفارق ، فقالوا أن النازل من شعر الرأس لا يمسح وجوباً وذلك لفعل ( عائشة ) فما كانت تمسحه فقالوا إذاً ما استرسل من هذا الشعر النابت في الوجه لا يجب غسله ، وهذا قياس مع الفارق إذ إن الرأس مأخوذ من الترأس ، وهو الارتفاع والعلو ، وما نزل من شعر الرأس لا يدخل في هذا الوصف الذي هو العلو ، وأما شعر اللحية فإنه داخل في ذلك لان الوجه ما تحصل به المواجهة فيجب أن تغسل هذه اللحية فإن كانت خفيفة غسل ظاهرها وباطنها وذلك لان ما ظهر من البشرة تحصل به المواجهة

ولأن الرأس جاء فيه التخفيف وهو المسح فلا يقاس عليه الوجه الذي جاء فيه الأمر بالغسل فالقياس قياس مع الفارق . ومن ثم / فإن الواجب أن تغسل هذه اللحية فإن كانت خفيفة غسل ظاهرها وباطنها وذلك لان ما ظهر من البشرة تحصل به المواجهة ، أما أن كانت كثيفة لاترى البشرة من ورائها فالواجب غسل ظاهرها لان هذا الظاهر هو الذي تحصل به المواجهة ، ولكن السنة في الكثيفة أن تخلل وأحاديث التخليل / قال عنها الإمام أحمد كلها ضعيفة ، فلا تخلو من عله , ولكن بعض العلماء يرى تحسينها باعتبار أن هذه الطرق يقوى بعضها بعضاً ، ولان تصنيف المتقدمين في درجة الحديث يختلف عن تصنيفه عند المتأخرين ، فالمتقدمون يرون أن الحديث إما صحيح أو ضعيفا ، ولذا فالمتقدمون يدخلون الحسن ضمن الضعيف باعتبار النظر إلى سنده ، لكن المتأخرين ينظرون إلى طرقه وشواهده فيجعلونه بين بين وهو ما يسمى بالحسن لغيره ، وممن اثبت هذه الأحاديث ( الألباني ) فقد جاء عند الترمذي أن الرسول ( كان يخلل لحيته ) وجاء عند أبي داود أن الرسول ( أخذ كفاً من ماء فجعله تحت حنكه وخلل به لحيته وقال ( هكذا أمرني ربي ) ولذا يرى بعض العلماء : أن لا يستمر العبد في تخليل لحيته ، وانما يفعلها تارة ويدعها أخرى ( وحده من حيث العرض : من الأذن إلى الإذن فيكون العارض وهو البياض الذي بين اللحية والأذن البياض الذي لم ينبت فيه شعر يكون من الوجه والشعر الذي يكون فوق العظم الناتئ  الذي عند الأذن ، وهو بداية اللحيين الشعر النابت فوقه من الرأس ، وقد ذكر ذلك الشيخ ( ابن عثيمين ) فالواجب تعميم هذا الوجه بالغسل وان يتعاهد الشعور التي فيه ولذا جاء في المسند أن ( علياً ) قال ( لابن عباس ) ألا أريك وضوء الرسول فأخذ كفاً من ماء بعد ما غسل وجهه وجعلها تسيل على وجهه ، وذلك لحاجة الوجه إلى زيادة الماء وليس المقصود الزيادة على ثلاث غسلات وإنما هذه داخله ضمن الغسلات والغسلة ضابطها : أن يعم الماء العضو مرة واحدة بقطع النظر عن عدد الغرفات ، فقد يأخذ ست غرفات أو أكثر أو أقل ولا يستوعب بها حد الوجه مرة واحدة ، فليس المقصود من الغسلة الغرفة الواحدة وإنما المقصود أن يعم المحل بالماء وهذا الفعل من (على ) في وصف وضوء الرسول ، إنما هو من جملة الغسلات ، لأنه عليه الصلاة والسلام كما جاء عند أبي داود والنسائي ، توضأ للأعرابي الذي سأله فأراه الوضوء ثلاثاً وقال (هذا الوضوء فمن زاد فقد اساء وتعد وظلم )فتكون الزيادة على الثلاث  محرمة وذلك للتعبير بالتعدي والإساءة والظلم ويجوز له أن يقتصر على غسلة واحدة أو غسلتين ، لأن الرسول كما جاء عند البخاري ( توضأ مرة مرة ) وعنده أيضا ( توضأ مرتين مرتين ) وجاء في الصحيحين ( توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين ورجليه مره )فهذا الفعل يدل على جواز الاقتصار على الغسلة الواحدة وهذا دلالته في الآية واضحة ، إذ إن الآية أطلقت والمطلق في النصوص الشرعية يصدق بمرة واحدة وأما رواية أبي داود( فمن زاد أو نقص فقد اساء وتعد وظلم ) زيادة ( نقص ) شاذة ، إذ خالف الثقة من هو أوثق منه ، ولا يجوز له على الصحيح أن يتجاوز محل الفرض فكما أنه لا يجوز له أن يزيد على الثلاث فكذلك لا يجوز له أن يتجاوز محل الفرض فلا يجوز له أن يغسل نصف أو ثلث أو مقدمة رأسه ولتعلم أنه ما يقال في الوجه من ضابط الغسلة ومن الزيادة على الثلاث ومن مجاوزة محل الفرض يصدق على الأعضاء الأخرى ، وأما ما جاء في حديث أبي هريرة ( أن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) فقوله ( من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) لا تخالف ما ذكرنا بالتحريم على مجاوزة محل الفرض وذلك لأن هذه الجملة من قول ( أبي هريرة ) فهي مدرجة كما ذكره المحققون كشيخ الإسلام وتلميذه وابن حجر وابن رجب وغيرهم ، بل قال شيخ الإسلام لا يمكن أن تكون هذه الجملة صادرة من أفصح الناس ومن ابلغهم عليه الصلاة والسلام وذلك لأن إطالة الغرة يلزم منها أن يغسل الرأس أو أن يغسل مقدمته ، والغرة بياض لا تكون إلا في الوجه ولا تكون في الرأس ، ولذا فقد روى هذه الجملة عن أبي هريرة قرابة العشرة ولم يذكروها ، إنما ذكرها ( نعيم المجمر ) ولذا قال نعيم ( ما أدري أهي من قول الرسول أم من قول أبي هريرة ) ولذا قال ابن القيم ، قال : أن أبي هريرة يتأول حديث الغرة فيتجاوز محل الفرض ، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه ومن ثم / فلا اعتداد بقول من يقول كالصنعاني إن التحجيل لم يذكر اكتفاء بالغرة لشرف الوجه إذ إن الجملة نصت على الغرة ، (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) فلا اعتداد بها لأنها ليست من قول الرسول وأما حديث ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )فلا دلالة فيه على مجاوزة محل الفرض ولذا قال شيخ الإسلام ، إن الحلية لا تكون في الكتف ولا في العضد إنما تكون في الساعد فهل رأيتم امرأة تتحلى في كتفها أو في عضدها , وإنما المراد من الحديث المبالغة والتأكيد على إسباغ الوضوء كما قال عند مسلم ، لما رأى قوما يتوضئون وقد لاحت أقدامهم أي لم يصبها الماء قال : ( ويل للعراقيب من النار اسبغوا الوضوء ) ومقابل هذا ما ذكر من وضوئه مرة مرة ومرتين مرتين وثلاث في الوجه واثنتين في اليدين وواحدة في القدم ، من الصفات التي ينبغي لنا أن نعمل بها ، وان كان الغالب الوضوء ثلاثا ثم إذا غسل وجهه مع التأكيد على تجنب الوسوسة والحذر منها ( يغسل يديه ) وغسل اليدين يبدأ باليمنى ثم باليسرى ، والسنة في ذلك التيامن ولو خالف فلا حرج ، وأما قول الرسول ( إذا توضأ فابدءوا بميامنكم ) فهو أمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب بدليل أن الآية أطلقت قال (وايديكم إلى المرافق ) ولم يذكر اليمنى قبل اليسرى ، ولأن الرسول كما روت عائشة ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره ) و السنة أن يبدأ من أطراف الأصابع لقوله تعالى ( وايديكم إلى المرافق ) فدلت ( إلى ) التي للغاية دلت على أن الابتداء يكون من أول اليد وأولها من أطراف الأصابع , ولذا يخطأ البعض خطأ فظيعاً فيغسل يده من الرسغ الذي هو منتهى الكف ، إلى المرفق ولا يغسل كفه ظنا أن الغسلة الأولى في الوضوء كافية وهذا الوضوء لا يصح لان تلك الغسلة في أول الوضوء سنة ، والغسلة هنا فرض ، ولا ينسى أن يغسل ظاهر وباطن كفه , ولا يقس أحدكم على ما يفعله الكثير إن لم يكن الكل في استخدام الصنابير ، فإن الماء قد يصل قطعاً أو ظنا غالباً إلى باطن الكف ، لكن من يستخدم الأواني ويقتصر في الماء  يحتاج إلى هذا التنبيه ، وضبط وضوء الرسول يصعب في هذه الصنابير إلا إذا كان المتوضأ كلما غرف غرفة اغلق الماء، فغسل اليد يكون من أطراف أصابعها إلى المرافق وبعض الشباب في غسل الوجه ، يغسل الوجه ويدع جانبيه أو شيء منها ، ومنتهى غسل اليد إلى المرفق وإلى هنا بمعنى ( مع ) وذلك من وجهين

1/ أن إلى التي لانتهاء الغاية يقول بعض العلماء إن كانت للحد فما بعدها يكون داخلاً فيما قبلها ، فالمرفق في سياق الآية بعد (إلى ) وهذا السياق سياق تحديد فيكون المرفق داخلاً في حكم غسل ما قبل المرفق

2/ أن الرسول كما عند مسلم ( توضأ فغسل يده حتى أشرع في العضد ) وهذا الحديث لا يدل على جواز مجاوزة محل الفرض إنما كما قال ( ابن القيم ) فيه بيان لاستيعاب محل الفرض ، فهو لتبيين أن المرفق داخل في اليد وأيضاَ ما جاء عند الدار قطني وفيه مقال ويصححه الألباني والنووي أن الرسول ( توضأ فأدار الماء على مرفقيه ) وقد جاء في المسند وصححه ابن خزيمة أن الرسول ( توضأ فجعل يدلك ذراعيه ) وقد قال بعض العلماء : ان الدلك واجب ومن لم يفعله فوضؤه غير صحيح ، ولكن الصحيح أنه سنه فدلك أعضاء الوضوء من السنن لان هذا مجرد فعل من الرسول وهو لا يدل على الوجوب ، أما حديث ( اسبغوا الوضوء ) فهو وارد على سبب ، وهو رؤيته لإقدام البعض وقد لاحت فقال ( ويل للعراقيب من النار اسبغوا الوضوء) لأن الآية إنما ذكرت الغسل ، والغسل يحصل بجريان الماء دون أن يكون هناك دلك .

ولو أن اصبعاً نبت زائداً في محل الفرض أو يداً نبتت زائدة فان الواجب عليه أن يغسل هذا المفروض مع ما نبت فيه ، وأما لو قطع بعض المفروض فإنه يغسل ما تبقى ، فلو قطعت مثلاً نصف يده فيغسل البقية ولذا لو قطع محل الفرض كله سقط الوجوب فلو قطعت يده مع مرفقه فإن الوجوب / أعني وجوب الغسل يسقط ، ثم بعد غسل يديه ( يمسح رأسه ) : ولتعلم أن اليد إذا أطلقت في النصوص الشرعية فإن المراد منها الكف ، والكف من أطراف الأصابع إلى حد الساعد ، يعنى إلى الرسغ ، والرسغ : هو المحل الذي بين الكوع والكرسوع ، فالكوع : هو العظم الذي يلي إبهام اليد ، والكرسوع: هو العظم الذي يلي خنصر اليد ، لأن الأصابع منها ما يسمى بالخنصر , وهو الإصبع الصغير ثم يليه البنصر ثم الوسطى ثم السبابة ثم الإبهام ،