الدرس ( 33 ) باب الوضوء(4) صفة الوضوء ( 3 ) مسح الرأس

الدرس ( 33 ) باب الوضوء(4) صفة الوضوء ( 3 ) مسح الرأس

مشاهدات: 517

الدرس (33 )

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

 

ثم بعد غسل يديه ( يمسح رأسه )

فبعد غسل يديه يمسح رأسه مرة واحدة ، ويأخذ ماء جديداً غير الماء الذي فضل في كفيه من غسل الوجه ، لما جاء عند مسلم ، أن الرسول ( أخذ ماء غير فضل يده ومسح رأسه ) وحد الرأس : من حد الوجه من أعلى ، الوجه كما سبق ، يعني من الشعر النابت المعتاد إلى ما نزل إلى القفا ، والقفا لا يدخل في حكم الرأس وما جاء من حديث ( أن مسح العنق أمان من الغل ) فضعيف جداً ، بل حكم عليه شيخ الإسلام بالوضع والبياض الذي أعلى الأذن وهو الذي لم ينبت فيه شعر من الرأس ، وكذلك الأذنان ، لقول الرسول ( الأذنان من الرأس ) وهذا الحديث يحسنه البعض ويضعفه آخرون ، ولذا فإن بعض العلماء يرى أن مسح الأذنين سنه ، وليس بواجب ، وهذا رأى شيخ الإسلام وقد يقول قائل ( أن رأى شيخ الإسلام يؤيد بحديث قوى وهو أن الساجد يقول في سجود التلاوة كما صح عن الرسول ( سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصره ) فجعل السمع من الوجه وليس من الرأس / والجواب أنما قاله الرسول هو الحجة والمعتمد ، ولكن فرق بين السمع والأذن ، فنقول أن السمع من الوجه ، أما الأذن فليست من الوجه ، ومما يؤكد على أنها من الرأس ، ما جاء في الحديث السابق ولفعل الرسول ولأنها عالية مرتفعة والرأس مأخوذ من الترأس وهو العلو وقد جاء في حديث صحيح قوله في فضل الوضوء ( إذا مسح رأسه خرجت خطاياه من أذنيه ) فهذا صريح في أن الأذنين من الرأس ، فإذاً تكون الأذنان من الرأس ، وكذا الصُّدغ على ما نقل ، وهو ما فوق العظم النأتأ الذي هو مبدأ اللحيين من أعلى ، على ما نقل أنه ليس من الوجه إنما هو من الرأس وقد ذكر الشيخ ( عبد الرحمن بن قاسم ) في حاشية الروض ، ما يتوافق مع قول الشيخ ( ابن عثيمين ) إذ قال ، ولا يغسل الصدع وبعد الرجوع إلى كتب اللغة فالصدغ : هو ما نزل من الرأس إلى العظم الذي هو حد ابتداء اللحيين .

والسنة : أن يمسح كما مسح الرسول وكيفما مسح أجزأ ، لكن فرق بين الأجزاء وبين السنية فهو جل وعلا  أطلق المسح فدل على أن ما ورد عن الرسول فهو من السنة وقد جاء في الصحيحين أن الرسول ( بدأ بمقدمة رأسه إلى المؤخرة ثم رجع مرة أخرى ) وهناك رواية أخرى في الصحيحين ( أقبل بهما وأدبر ) فأفاد ذلك أن هناك صفة أخرى ، وهو أن يبدأ من مؤخرة الرأس إلى المقدمة ثم يعود مرة أخرى إلى مؤخرة رأسه لفعله ( أقبل بهما وأدبر ) وان كان عليه عمامة فيمسح على ناصيته ويكون بقية المسح على العمامة ، وسيأتي لها حديث في بابها بإذنه تعالى والأذن كذلك لها صفه وكيفما مسح جاز لكن الوارد في سنن النسائي والترمذي وغيرهما (انه مسح باطن أذنيه بسبابتيه وظاهرهما بإبهاميه ) ولا يجزئ مسح بعض الرأس على الصحيح من قولي العلماء ، وقد استدل من أجاز مسح البعض بما يأتي :

1/ قوله تعالى ( وامسحوا برؤسكم )

2/ ما جاء عند مسلم أن الرسول ( مسح على ناصيته والعمامة والخفين ) فقالوا إن الباء في الآية تفيد التبعيض وقالوا إن مسح الرسول على ناصيته مكتفياً بها يدل على اجزاء مسح البعض ، لأن الناصية هي مقدمه الرأس ، ولكن الصحيح أن يمسح كل رأسه ، وليس المراد ان يمسح كل شعره بعينها إنما المراد استيعاب المحل بالمسح ، لأن تتبع كل شعرة بعينها يشق والشريعة تدفع المشقة، والجواب عما ذكروا فلا يسلم لهم بأن الباء في الآية للتبعيض ، وإنما هي للإلصاق ، وقد قال ( ابن برهان ) من قال إن الباء في اللغة تأتي للتبعيض فقد أتى لأهل اللغة بما لا يعرفونه ، ولأن فعل الرسول يؤيد أنها للإلصاق ، وعلى افتراض مجيئها للتبعيض فليست للتبعيض في الآية لفعل الرسول ، أما مسحه على الناصية والعمامة والخفين ، فإنه لم يكتف بمسح الناصية بل مسح معها العمامة ومن هذه حالته فله أن يقتصر على ما اقتصر عليه الرسول ، ومسح الرأس مرة واحدة ، وذلك على الصحيح وقد استحب الشافعي التثليث في الرأس ، واستدل بأدلة

1/ ما جاء عند مسلم ( توضأ ثلاثاً ثلاثاً )

2/ ما جاء عند ابن خزيمة وغيره ( من التثليث في الرأس ) والجواب عن حديث( توضأ ثلاثاً ثلاثاً )، الجواب أن هذا الحديث مجمل ، وهذا المجمل مفسر بالأحاديث الكثيرة في اقتصاره على المسح للرأس مره ، وأما التعبير بالثلاث في جميع أعضاء الوضوء دون إفراد المسح بالمرة الواحدة فهذا من باب التغليب ، وصور التغليب كما أخذنا في البلاغة يغلب الأكثر على الأقل ، والأكثر في أعضاء الوضوء التثليث بل الكل ماعدا الرأس ، قال ابن حجر إن مسح الرسول ثلاثاً ، قال : ثلاثاً باعتبار الغرفات لا باعتبار المسحات ، قلت ويشبهه هذا ،وصف عائشة لغسل الرسول ، اذأخذ غرفة فغسل جانب رأسه ثم الأخر ثم الوسط / ثم إن مسحه ثلاث مرات قد يخرجه عن صورة المسح إلى صورة الغسل ، والشريعة جاءت بالتخفيف في مسح الرأس وذلك لأن غسله قد يسبب أضرارا كثيرة على غاسله / وأما ما جاء عند ابن خزيمة فإن صح فإنه شاذ ، والشذوذ علة قادحة في الحديث ، لمخالفة الثقة من هو أوثق منه ولو قال قائل : لو أنه غسل رأسه يجزئه ؟ فالجواب إن المسألة فيها ثلاث أقوال فبعض العلماء قال : يجزئ وذلك لأنه أتى بماهو أكثر من المسح فهو لم يرد التخفيف على نفسه .

القول الثاني : أنه لا يجزئ ، وذلك لأن الله ذكر في هذا المحل المسح ، ولأن الرسول مسح ولم يغسله ، وقد قال ،كما قال عند مسلم ( من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد )

القول الثالث : يجوز إذا أمرر يده على رأسه ليصدق عليه أنه مسح ، ولاشك أن القوة في القول الثاني ، ويليه في ذلك القول الثالث أما القول الأول فهو ظاهر الضعف ، لأن علة التخفيف ليست منصوصة ، والسنة في الأذنيين : أن يقتصر على ماء الرأس ، وما استحبه بعض العلماء من انه يأخذ ماء جديداً لأذنيه فالاستحباب خلاف ما ذكروا وقد استدلوا بما عند البيهقي أن الرسول ( مسح أذنيه بماء غير ماء رأسه ) قال ابن حجر : ولكن المحفوظ ما جاء عند مسلم من ( انه مسح رأسه بماء غير فضل يديه ) والسنة إذاً أن يأخذ ماء جديداً للرأس ، ، أما أخذ ماء جديد للأذن فالسنة تركه / وان قطعت الأذن سقط فرضها ، وإذا قطع بعضها مسح ما تبقى منها وما ذكره العلماء من علة التخفيف في الرأس ، ذكروها بناء على قرائن شرعية ، وذلك أن الرسول كما جاء في الصحيحين ( حج وقد لبد رأسه ) أي جمع شعر رأسه بمادة تشبه الصمغ أو العسل أو نحو ذلك ، فهو حج قارناً والقران يطول ومع ذلك كان يمسح مع وجود هذا التلبيد ، ولذا لو أن المرأة وضعت حناء على رأسها فلها أن تمسح ، وأما ما تضعه النساء مما يسمى بالميش الذي له مواد أو أجرام تمنع وصول الماء الذي يظهر أنه لا يجزئ وذلك لأن هذه الصبغه تستوعب جميع شعر الرأس ، أعلاه وأسفله وجوانبه مع ما قد يكون فيه من التشبه ، وبعيد عندي أن يقاس على الحناء ، وذلك لان الحناء يتخلله الماء وإن كان لا يصل إلى الجميع ، لكن يصله من هذا الماء ما يصل ، ولو كان الإنسان كثيف شعر الرأس ومسح عليه ولم يصل الماء إلى أصوله ثم حلق ، فمسحه صحيح .