الدرس ( 40 ) باب المسح على الخفين (2) ( الأفضل ما وافق حال الرجل ـ مدة المسح للمقيم والمسافر)

الدرس ( 40 ) باب المسح على الخفين (2) ( الأفضل ما وافق حال الرجل ـ مدة المسح للمقيم والمسافر)

مشاهدات: 507

الدرس الأربعون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

مسألة: [الأفضلُ ما وافق حالَ الرِّجل:

 إن كانت مستورةً فالمسح أفضل، وإن كانت مكشوفةً فالغسل أفضل]

الشرح:

هذه المسألة قد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال

القول الأول :

إن الغسل أفضل، بمعنى إن كان لابسا للخفين فالأفضلُ له عند الوضوء أن يخلعهما ويغسل قدميه. وتعليلهم: بأنه هو الأصل ، فالغسل هو الأصل

القول الثاني :

يرى أن المسح أفضل وذلك لأن في المسح مخالفة لأهل البدع الذين يقولون بعدم إجزاء المسح على الخفين ، ومخالفةُ أهل البدع مطلوبة شرعا لإظهار هذه العبادة التي واظب النبي عليها وفعلها اصحابتُه الكِرام.

القول الثالث:

وهو رأي لشيخ الإسلام رحمه الله، يرى أنه لا أفضيلةَ للمسح مطلقا ولا أفضليةَ للغَسْلِ مطلقا

 وإنما يُنظَرُ إلى حال الرِّجلِ أثناء الوضوء، فإن كانت الرِّجْلُ مكشوفةً فالغُسْلُ أفضل

 وإن كانت مستورةً فالمسحُ أفضل

ولذا لم يتكلف النبي ﷺ ضدَّ حالِ رِجله، وإنما إذا كانت مكشوفةً غَسَل، وإذا كانت مستورةً مَسَح ﷺ

 وهذا هو القولُ الصحيح، وهو أعدلُ الأقوال.

 

وجوازُ المسح مِن حيثُ هو، وإلا فقد يجبُ المسح وذلك إذا ترتبَّ على تَرْكِ المسحِ تَرْكُ واجب أو فواتُ واجب؛ فلو أن الخفين في قدَميه ثم لو خلَعهما وغسَل قدميه لفاتته صلاةُ الجمعة أو صلاةُ الجماعة:

 فلا يجوزُ له أن يخلَعَ خُفّيه، وإنما يجبُ عليه أن يمسح، وذلك لأن حالَ رِجلِه مستورة، فإذا خلعها ترتّبَ على ذلك فواتُ واجب، ولذا إذا قيل بجوازِ المسح إنما المرادُ: من حيثُ الأصل، أما إذا وجد اعتبارٌ آخَر فإن هذا الحكمَ ينتقلُ مِن الجواز إلى الوجوب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة :

يسمح المقيم بعد الحديث يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن والمسح جائز ويجب إذا ترتب على تركه ترك واجب كجمعة

الشرح

هذه المسألة لها شقان

الشق الأول :

متى يبدأ المسح ؟
اختلف العلماء في وقت بداية المسح

القول الأول :

إن المدة تبدأ من حين  اللبس فمتى لبس الخفين فإن المدة تبدأ  فلو أنه لبس الخفين في الساعة التاسعة صباحا فإن الوقت بالنسبة للمقيم ينتهي في الساعة التاسعة صباحا من اليوم التالي

القول الثاني :

وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، إن المدة تبدأ من الحدث لا من اللبس فلو أنه لبس الخفين في الساعة التاسعة صباحا ثم لم يحدث إلا في الساعة الحادية عشرة صباحا فإن المدة تنتهي بالنسبة إليه في اليوم التالي الحادية عشرة صباحا وعلتهم بأن الحدث هو سبب للمسح ، وهذه علة يذكرها فقهاء الحنابلة في مسائل عدة فإنهم يقولون لا يجوز السفر مثلا يوم الجمعة عند الزوال ، ولا يجوز البيع عند الزوال من يوم الجمعة وذلك لأن الزوال سبب لبداية صلاة الجمعة وهذا هو السبب وكذلك قولهم إن الإنسان إذا باع نخلا قد تشقق فإن الثمرة تكون للبائع ولو لم يحصل منه تلقيح وذلك لأن بروز الثمر سبب للتلقيح ولا شك أن ما ذكروا فيه نظر

القول الثالث :

إن المدة تبدأ من المسح بعد الحدث وذلك لو أنه لبس الخف في الساعة التاسعة صباحا ثم أحدث في الساعة الحادية عشرة صباحا ثم لم يمسح إلا في الساعة الثانية عشر ، فإن المدة تبدأ من الساعة الثانية عشرة وتنتهي في الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي ودليلهم : أن الأحاديث جاءت بالمسح    ( يمسح المقيم ، مسح النبي )

وهذا هو القول الصحيح ، وذلك لأن النصوص جاءت معلقة المدة وبدايتها بالمسح وإنما قيل بالمسح بعد الحدث لكي تخرج صورة وهذه الصورة /
لو انه لبس الخف في الساعة التاسعة صباحا ثم لما جاءت الساعة الثانية عشرة ولم يسبق هذا الوقت حدث فمسح في الساعة الثانية عشرة بوضوء تجديد فإن المدة لا تبدأ من هذا المسح ، وإنما لو مسح هذا المسح في هذا الوضوء الذي للتجديد ثم احدث في الساعة الثانية ظهرا ثم مسح في الساعة الثالثة فإن المدة تبدأ من الساعة الثالثة وتنتهي في الساعة الثالثة من اليوم التالي ، مع أنه لبس الخف في الساعة التاسعة صباحا ولذا قد يظل الخف في قدم الإنسان ثلاثة أيام وهو مقيم وصورتها /

ستأتي في مسألة قادمة بإذن الله تعالى حتى تكون الصورة واضحة في جميع المسائل فهذا هو القول الصحيح  /  أن المدة تكون من المسح بعد الحدث .

 

 وأما من يقول : إن المدة تبدأ من اللبس فلا دليل له , وإنما هو استحسان رآه من رأى هذا القول ذلك باعتبار أن هذه القدم كانت مكشوفة فسترت فلما سترت انتقل حكم الغسل إلى حكم المسح فلما انتقل حكم الغسل إلى حكم المسح تبدأ مدة هذا المسح

 وأما القول الذي يقول بأنه يبدأ من الحدث فهو قول علق فيه الحكم على السبب ، وهذا ليس بصحيح ولذا قال تعالى في يوم الجمعة { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ……..الآية } وقد ينادي للصلاة من يوم الجمعة قبل الزوال ولذا صلى النبي صلاة الجمعة قبل الزوال ، كما في حديث جابر ، في صحيح مسلم

وهذا هو الصحيح ، من أن الجمعة كما سيأتي في بابها يجوز ان تؤدى قبل الزوال وأما تشقق الثمر سبب لملك البائع للثمرة قبل التلقيح فهو مخالف لقول النبي ( من باع نخلا قد ابر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المتباع ) أي المشتري .فيكون القول الصحيح هو المسح بعد الحدث ،وأما المدة فإنها تكون يوما وليلة وأما المسافر فثلاثة أيام بلياليهن كما جاء في حديث ( علي ) أن النبي قال ( يمسح المقيم يوم وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن ) واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة وثلاثة أيام بلياليهن اثنتان وسبعون ساعة بالنسبة للمسافر وأما ما يتناقل عند العوام من أن المسح لا يكون إلا في خمسة فروض فهذا لا دليل عليه وهذا هو القول المشهور ، من أن المدة للمسح محددة اليوم والليلة للمقيم والثلاثة أيام بالليالي للمسافروقد اختلف العلماء في هذه المسألة

القول الأول :

وهو رأي عند المالكية من أنه لا تحديد للمسح فمتى ما كانت عليك الخفان فامسح مقيم أم مسافر تمسح يوما وليلة تمسح ثلاثة أيام أسبوعا عشرة أيام

ويستدلون على ذلك بأدلة ،

الدليل الأول :

جاء عند أبي داود ( أن رجلا قال يا رسول الله / أأمسح يوما وليلة ؟ قال نعم ، قال يومين ؟ قال نعم ، قال : ثلاثة أيام ؟ قال : ما شئت  ) وفي رواية ( ما بدا لك )

الدليل الثاني :

ما جاء عند أبي داود( أن النبي لما حدد المدة قال : خزيمة : لو استزدناه لزادنا )أي لو طلبنا منه الزيادة لزادنا ،

الدليل الثالث :

ما جاء عند ابن ماجة  ( أن عقبة أتى إلى عمر من مصر ، فقال عمر : منذ كنت تمسح؟ قال من الجمعة إلى الجمعة ، فقال عمر : أصبت السنة )

القول الثاني :

إن المدة محددة ما لم تكن هناك ضرورة أو مشقة شديدة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله . فهو يرى ان المدة محددة بالنسبة للمقيم وبالنسبة للمسافر فإذا وجدت ضرورة أو مشقة تحصل على الإنسان فله أن يستبيح المسح بقدر هذه الضرورة ولو طالت ويستدل بما جاء عند ابن ماجة من حديث عقبة الذي قال له فيه عمر ( أصبت السنة) ولذا قال رحمه الله : البريد / وهو الذي يأخذ الرسائل ويوصلها من بلدة الى اخرى وقوفه للخلع مشقة عليه ومن ثم فيجوز له ان يمسح لهذه المشقة وكذا لو كانت هناك ضرورة هذا من باب أولى أما رأيه رحمه الله هو التحديد واستثنى ما ذكر والصحيح ان المسح محدد باليوم والليلة للمقيم وبالثلاثة أيام بالليالي بالنسبة للمسافر وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فإن هذا الرجل الذي سأل النبي وقال له  ( ما شئت أو ما بدا لك )  فإنه حديث ضعيف ضعفه المحققون من أهل العلم ، ولذا يقول رواية أبو داود هو ليس بالقوي قال ذلك في سننه ونقل ذلك عنه ابن حجر في البلوغ .وأما قول خزيمة ( لو استزدناه لزادنا ) فهذا ظن منه رضي الله عنه ، ولا يلزم من الظن أن يكون موافق لشرع الله فقد يظن هذا الظن ويطلب الزيادة فلا يوافقه عليه الصلاة والسلام عليها وأما صنيع عقبة فإنه موافق من عمر إذ قال له ( أصبت السنة ) ولكن هذا الرأي رآه عمر وعقبة وليس هو محل وفاق بين الصحابة وذلك حتى لا يقول قائل : إن قوله  ( أصبت السنة ) أن المقرر في علم الحديث أن الصحابي إذا قال من السنة كذا فإنه من قبيل الحديث المرفوع حكما ، ولكن الأحاديث التي جاءت عن الصحابة مع كثرتها لم يقولوا بهذا فدل على أن الصحيح هو التحديد
وشيخ الإسلام لعله بنى هذه المسألة على قاعدته في المسح على الخفين فإن قاعدته في المسح على الخفين ان المسح انما جاء للترخيص وللتخفيف فلا يشدد فيه ولذا فإن كثيرا من المسائل التي ذكرها الفقهاء وشددوا فيها خالفهم رحمه الله ولا شك ان هذه هي القاعدة في المسح على الخفين وهي الترخيص والتخفيف على الأمة لكن مجيء الأحاديث الكثيرة في التحديد تلزمنا بالقول بأن هذه المدة محددة ومن ثم إذا وجدت الضرورة فلم يستطع نزع هذين الخفين فإنه يعارض عن غسلهما بالتيمم وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان بإذن الله ثم ان كان حديث عقبة وهو ما ورد عند ابن ماجة ان كان هذا الحديث انما هو عند ابن ماجة فقط لأني لم أبحثه وتذكرة هذه الفائدة الآن ان كان غير موجودا في غير ابن ماجة فإن قاعدة العامة

أن ما انفرد فيه ابن ماجة ن أهل السنن فإن الغالب في ما انفرد فيه انه ضعيف ثم ان هذا الحديث لا يقوى على ما جاء في الأحاديث التي في الصحاح وليس معنى هذا ان قول الاسلام رحمه الله ليس قول قوي لا بل هو قول قوي لكن النفس تميل إلى التحديد وذلك لما ذكرت ثم ان قول عمر   ( أصبت السنة ) يختلف عن قوله ( من السنة ) ولعل المراد بقوله ( أصبت السنة ) السنة العامة وهي طريقة الرسول بالتيسير وليس ظاهر هذا اللفظة يدل على حكم الرفع