الدرس ( 41 )
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
مسألة شروط المسح على الخفين
1- ان يكون الجورب طاهرا
2- ان يبقى اسم الخف ولو وجد فيه شقوق فيجزئ المسح على الصحيح
3- ان يكون المسح في الحدث الأصغر
4- ان يلبسهما بعد كمال طهارة على الأحوط وأما ما عدا من الشروط فلا دليل عليها
الشرح
قول الفقهاء: شروط المسح وكذا قولهم شروط الصلاة وشروط وجوب الحج أو أركان الصلاة وما شابه ذلك قد يقول قائل : لم يأت دليل على هذا التوزيع فلماذا تصنف بهذا التصنيف مع ان النبي لم يقل ان شروط هذه العبادة كذا أو اركان هذه العبادة كذا 0
والجواب / ان الفقهاء يحصرون ما جاء في النصوص الشرعية من شروط فإذا حصروا هذه الأشياء كانت ألم في المعلومات التي يتلقاها الطالب ، فصنيعهم هذا ما باب تقريب العلم وتقريب العلم يحصل بأي وسيلة كانت وذلك لأن البعض قد يجازف ويقول ان صنيع الفقهاء من البدع وهذا قول في الحقيقة عند التأمل عار من الفقه والحكمة، والنبي في بعض الأحيان يجمع أصنافا في حديث واحد فيقول مثلا ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ( ثلاثة من كن فيه ) ( أربع من كن فيه ) وهلم جرا . ولو قيل بهذه المجازفة لانسحب الحكم على المعاهد والمدارس ونحو ذلك فليكن لدا الإنسان اتساع في النظر والوسائل لها أحكام المقاصد وكذلك الشأن في افتراضات مسائل يفترضها الفقهاء مع أنها قد لا تحصل أو قد تحصل في العمر مرة واحدة كل هذا من باب تمرين ذهن الطالب على الفقه وإلا فقد تكون هذه المسائل من المستحيلات وقوعها ولذا النبي يقرر بعض الأشياء باسلوب يستحيل ان يكون السامع او المسئول عالما بالجواب لقوله كما في الصحيحين ( أتدرون ماذا قال ربكم هذه الليلة ) ففعله واسلوبه هذا من باب استحضار الأذهان وإلا فمستحيل ان يعلموا ماذا قال الله إلا بوحي فهذه لفتة سريعة حتى لا يزل القدم ولا اللسان عند الوقوف في كتب الفقهاء
شروط المسح
الشرط لغة هو العلامة
اصطلاحا : هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجود وجود فإذا عدم الشرط انعدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود أي لا يلزم إذا وجد ان يوجد المشروط فمثلا من شروط صحة الصلاة اجتناب النجاسة وقد يجتنب النجاسة ولا يلزم أن يصلي في هذا الوقت وهذا تعريف سريع وإلا فالشرط له تعريف أوسع محله في أصول الفقه
والشرط من الأحكام الوضعية وليس من الأحكام التكليفية
وقولنا المسح يخرج الغسل
فلو غسل انسان خفه ولم يمسح فهل يصح وضوئه أم لا ؟
المسألة فيها أقوال :
القول الأول :
يصح الوضوء ، وذلك لأنه أتى بالأصل وقد رضي لنفسه المشقة وفي الغسل مسح وزيادة
القول الثاني :
أن الغسل لا يجزئ وذلك لأن النصوص الشرعية جاءت بالمسح وقد قال النبي كما في الصحيحين
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
وفي رواية ( من عمل عملا )
وحال النبي هو مسح الخفين لا غسلها
القول الثالث :
أن الغسل يجزئ إذا مر بيده على الخف فبفعله هذا تصدق عليه صورة المسح
وهذه المسألة شبيهة بمسألة غسل الرأس في الوضوء ،
ولا شك ان القول بعدم الصحة هو القول الصواب ، ويليه في ذلك القول الذي فيه امرار اليد مع الغسل
وما قيل هناك -في غسل الرأس في الوضوء- يقال هنا
فشروط المسح على الخفين :
الشرط الأول: ان يكون الجورب طاهرا ويستدل على هذا الشرط
الدليل الأول:
قول النبي ﷺ كما في الصحيحين للمغيرة بن شعبة لما أهوى لنزع خفيه قال: ” دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين “
الدليل الثاني :
أن المسح على النجس لا يزيده إلا تلويثا، وبالنظر إلى ما استُدل به نجد أن الاستدلال واضح في التعليل أما في الحديث – حديث المغيرة- فلا يسعفه وذلك لأن الرواية التي عند أبي داود قال النبي ﷺ ( دعهما فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان )
فصار لفظ الطهارة عائدا على القدم لا على الخف، فهذه الرواية تنفي الاستدلال بالحديث وهذا الشرط معتبر للعلة السابقة ،
ولو قيل: ماذا يصنع من على خفه نجاسة؟
فالجواب / عليه أن يخلع الخف ويغسل القدم
فإن قال: إن خَلْعَه للخُف تحصُلُ معه مشقةٌ كبيرة وضررٌ كبير؟
فالجواب /أنه لا يمسح، فإن كان لا يستطيع نزع الخفين النجسين فيستعيض عن المسح بالتيمم، فلا يحِقُّ له أن يمسَحَ على نجِس، ولذا قال الفقهاء: [ويتيمم معها لمستور] أي: يتيمم مع النجاسة عن مستور.
الشرط الثاني :
ان يبقى اسم الخف وهذا الشرط مختلف فيه ،أي مختلف وجود مسمى الخف فبعض العلماء : يرى ان الخف لابد ان يبقى اسمه كاملا بحيث لا يقال هذا خف مخروق
وبعض العلماء :
يقول يكفي وجود اسم الخف بقطع النظر عما فيه من خروق
ومن قال بالوجه الأول: قال لأن ما كان مستورا ففرضه المسح وما كان مكشوفا ففرضه الغسل وهذه القدم ان كان فيها خف فيه خروق صار في هذا القدم ما هو مستور وما هو مكشوف فيلزم ان يجمع بين المسح والغسل وهذا لم تأت به الشريعة
وأما من قال : بالوجه الثاني فقال :ان الأحاديث جاءت مطلقة ولم تحدد خفا دون خف فمتى ما بقي اسم الخف مسح عليه ومتى ما زال عنه هذا الاسم فلا يمسح عليه
ويدل لهذا ان الصحابة كانوا يلبسون الخفاف ويمشون بها على أقدامهم ولا شك أن المشي على الخف يوجب فيه خروق والدليل على انهم يمشون على خفافهم قول النبي كما عند أبي داود ( إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فليدلكهما بالتراب فإنه لهما طهور ) ولأن الصحابة كانوا في معظمهم فقراء ويدل لهذا ان غزوة ذات الرقاع ، سميت بهذا الاسم لأنهم لفوا على أقدامهم الخرق ، وهذا هو الصواب فمتى ما كان اسم الخف باقيا فيمسح عليه
أما قول من قال بالوجه الأول
قالوا : ان ما كان مستورا ففرضه المسح وما كان مكشوفا ففرضه الغسل
نقول لهم : أين الدليل على ما قلتم هذه قاعدة قعدتموها أنتم فلا يلتفت إليها
ومن ثم فإن الخف المخروق يجوزان يجوز أن يمسح عليه وهنا تطرأ مسألة :
وهي مسألة المسح على الجوارب الشفافة: فهذه الجوارب اختلف فيها بناء على هذا الشرط الذي هو مبني على شرط ذكره من قال بالوجه الأول إذ قالوا : ان يكون الخف صفيقا لا يصف البشرة فإن كان لون البشرة يظهر فإن المسح لا يصح وذلك لأن هذه القدم مكشوفة ففرضها الغسل وقد اختلف في هذه المسألة المعاصرون هل يجوز المسح على الشراب الخفيف الشفاف أم لا يجوز ؟
معظم المعاصرين أنه لا يجوز وذلك للتعليل السابق ، واختار الشيخ ابن عثيمين / جواز المسح وذلك لأنه يسمى جوربا ولأن العلة في هذا المسح دفع المشقة وهذا موجود حتى في هذه الجوارب الشفافة فإن بعض هذه الجوارب تسخن القدم بل ان كلها تسخن القدم لكن هذا التسخين يتفاوت من جورب إلى آخر والنبي كما في المسند ( أمر تلك السرية ان يسمحوا على العصائب والتساخين )
والتساخين / هي كل ما يسخن القدم وهذا عندي هو الصواب لعدم وجود المانع من المسح وما دام ان النصوص جاءت مطلقة بالمسح على الخفين والأصل في المسح على الخفين هو التيسير فلماذا يشق على الناس مع عدم وجود الدليل المانع
وحتى تتوافق المسائل هناك من يقول وقد سبق ذكر الخلاف هناك من يقول : ان المسح على هذا الشفاف لا يجوز لا لعلة ظهور القدم وانما لكون هذا الساتر جوربا والجورب عند بعض العلماء لا يصح المسح عليه سواء كان صفيقا ام خفيفا.
الشرط الثالث /
ان يكون المسح في الحدث الأصغر ودليل هذا الشرط ما جاء في المسند من حديث صفوان بن عسال أنه قال ( كان يأمرنا رسول الله اذا كنا سفرا الا ننزع خفافنا ثلاثة ايام بلياليهن إلا من جنابة لكن من بول أو غائط أو نوم ) فاستثنى النبي الجنابة في المسح ورخص المسح في الحدث الأصغر وذلك بذكر البول والغائط والنوم ، وم ثم فلو ان الإنسان احدث حدثا أكبر وعليه الخفان وكان قد لبسهما على طهارة فإنه إذا اغتسل لا يجوز له ان يكتفي بمسح الخفين بل عليه ان ينزع خفيه ويغسل قدميه فهذا الشرط دليله حديث صفوان
.الشرط الرابع: أن يلبسهما بعد كمال الطهارة
” وصورةُ هذه المسألة: أنه إذا مَسَحَ رأسَه فغَسل قدَميه كلتيهما، لَبِسَ الجَوربين، أما لو أنه غَسَل اليمنى ثم لَبِسَ الخُف ثم غسَل اليسرى ثم لَبِس الخف فقد لبِسَهما قبل كمالِ الطهارة “
وهذه الصورة هي الصورة المتنازع فيها:
فبعض العلماء وهو اختيار شيخ الاسلام يقول: بصحة المسح فلو غسل اليمنى ثم ادخل الخف ثم غسل اليسرى ثم ادخل الخف صح مسحه، ويستدل على ذلك بحديث المغيرة وهو قول النبي ( دعهما فإني ادخلتهما طاهرتين ) وهذا يصدق على ادخالهما بعد غسلهما أو بعد غسل كل واحدة منهما .
القول الثاني: أنه لا يصح المسح وذلك لأن الطهارة لم تكتمِل وهذا عندي هو الصواب، وذلك لما يأتي :-
أولا: جاء في صحيح ابن حِبان أن النبي ﷺ أمَرَ رجلا إذا توضأ فلبِسَ الخفين أن يمسح عليهما يوما وليلة؛ فقوله في ذِكْرِ الوضوء ثم التعقيب عليه باللُبس يدل على: أن اللُّبس جاء بعد الوضوء الكامل، أما إذا توضأ فلبِسَ الخفين – ولا يصدق على من غسل قدما واحدة أنه قد توضأ الوضوء الكامل- فجعل ﷺ اللبس بعد الوضوء، ولا وضوء إلا بغَسْلِ القدمين كلتيهِما.
ثانيا: أن الطهارة المذكورة في المسح إذا أُطلِقَت فهي الطهارةُ الكاملة.
الدليل الثالث: رواية أبي داود ” دعهما فإني أدخلتُ القدمين الخفين وهما طاهرتان ” فقوله: ” وهما طاهرتان ” جملة حالية تقتضي أن تكون القدمان قد غُسِلتا قبل إدخال الخُفين، بمعنى: أن حالة القدمين أدخلتا في الخفين طاهرتين.
وعلى هذا القول: ماذا يصنع مَن أخذ برأي شيخ الإسلام، فماذا يقولُ له أصحاب هذا القول، إذا رجَعَ إلى قولهم؟
يقولون له: لِتنزِع اليمنى ثم تلبسها مرةً أخرى ولا يلزمُك أن تخلَعَ اليسرى؛ فإذا نزع الخُف الذي في اليمين ثم لَبِسَه، صَدُقَ عليه أنه أدخَلَ الخُفين بعد كمال الطهارة.
وقد ذكر بعضُ الفقهاء شرطا وهو: أن يكون الخُف ثابتا بنفسه لا بغيره:
وهذا شرطٌ لا دليلَ عليه، وإخراج هذه العبادة -المُخفف فيها- إخراجٌ لها عن معناها بهذه الشروط التي لا دليلَ عليها، وإخراجُها عن مقصودها الشرعي الذي هو للتيسير والتخفيف لا المشقة والعناء،
وصورة هذا الشرط الذي لا دليلَ عليه: لو أن شخصا صاحب قدم نحيفة، لَبِسَ خُفا واسعا، وربَطَ هذا الخُف بخيط أو نحوه حتى لا ينزِلَ أثناء المشي:
فإنه على هذا القول لا يصح المسح، وعللوا بعلة قالوا فيها: لأن هذا لا يُسمّى خُفًّا في العادة، فإن الخف في العادة هو الذي يُلبَس ويُمشى به دون ربط، فإذا كان يسقُطُ أثناء المشي فليس بِخُف؛
ولكنه قولٌ لا دليلَ عليه -كما سبق- “.