الدرس ( 64 )
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
باب الحيض
الحيض لغة / هو السيلان ، يقال حاض الوادي إذا سال
وفي الاصطلاح : فهو دم جبلة وطبيعة يخرج من قعر الرحم أوجده الله لتغذية الولد فالولد يتغذى بهذا الدم عن طريق السر لأمه والحيض له أسماء منها / العراك – الفراك – الدراس – الاعصار – الاكبار – الضحك – الطمس – الطمث ،
قال تعالى { وامراته قائمة فضحكت } قال بعض المفسرين أي حاضت ولها تفسير آخر ، والحيض ليس على بنات آدم فقط قال الناظم
ان اللواتي يحضن قد جمعت في ضمن بيت فكن ممن لهن يعي
امرأة ناقة مع أرنب وزغ وكلبة فرس خفاش مع ضبع اللواتي يحضن ثمان ، المرأة والناقة والأرنب والوزغ والكلبة والفرس والخفاش والضبع وهذا الحيض قد كتبه الله على بنات آدم وقد ذكر ابن حجر عن ابن مسعود عند عبد الرزاق ( أن نساء نبي إسرائيل كن يصلين مع الرجال ويستشرفن لهم فسلط عليهم الحيضة ) وقد ورد بمثل هذا عن عائشة ولكن هذا الأثر يعكر عليه قول ابن عباس في قوله { وامرأته قائمة فضحكت } أي حاضت ، وإبراهيم سابق في الزمن ببني اسرائيل ويعكر عليه أيضا حديث النبي لما قال لعائشة وقد حاضت قال ( انفستي ؟ قالت نعم ، قال هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) وهذا المكتوب على بنات بني آدم بلى استثناء ويؤيده ما ورد عن ابن عباس وصححه ابن حجر ( أن الحيضة وقعت لحواء بعد ما هبطت إلى الأرض ) وبهذا نحن أمام أمرين / أما أن يقال أن هذا الأثر ضعيف وليس الضعف في سنده وانما للعلة القادحة في متنه فقد يصح السند ويطعن في المتن واما ان يوجه بتوجيه آخر وهو أن يقال : ان الحيض زيد على نساء بني إسرائيل أكثر من غيرهن ،والحيض / قد عقده بعض الفقهاء وأتوا بمسائل وأشياء الفقيه نفسه يعجز عن أن يضبطها إلا بعد جهد ومشقة فيكف بالنساء اللواتي في الحفظ أقل من الرجال ( أن تضل إحداهما فتذكر احداهما الأخرى } ومن ينظر إلى نصوص الشرع في الحيض يجدها قليلة ومن ثم فإن مسائلها من أسهل المسائل ولشيخ الاسلام فضل بعد الله في توضيح مسائله وتقريبه ورد ما لم ترد به الشريعة .
وبداية الحيض / اتفق العلماء على ان امارة بدايته الدفعة الأولى من الدم ولذلك احدى زوجات النبي إذا ذكرت الدم في أوله قالت : ( في فور حيضتها ) وصح عن أم سلمة أن النبي كان يعتزلها في فورة الدم ثلاثا )
وأولى مسائل الحيض /
مسألة : لا حد لأقله في السن ولا لأكثره
الشرح
هذه المسألة لفقهاء الحنابلة وغيرهم فيها كلام ولكن المذكور هو الصحيح وقبل ان أذكر ما ذكره الفقهاء في مسائل الحيض لتلتزم قاعدة في باب الحيض إذا التزمت بها وعلمتها سهلت عليك مسائل الحيض وهذه القاعدة [ أننا نحكم بأن هذا الدم دم حيض متى ما ظهرت وباتت علاماته في أي وقت يكون ] قال تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى }فإذا وجد هذا الأذى الموصوف بصفات كما سيأتي فلتحكم بأن هذا الدم دم حيض في أي حال تكون فيه المرأة وإذا عدم هذا الدم الموصوف بأنه أذى فلتعلم بأن هذا الدم ليس دم حيض
فهذه المسألة : لا حد لأقله ولا لأكثره في السن
قال فقهاء الحنابلة : لا حيض قبل تسع سنين ولا بعد خمسين سنة ، وعلى قولهم هذا فلو أن البنت عمرها ثماني سنوات ونصف ورأت هذا الدم الموصوف بأنه أذى فلا تعتبره حيضا وذلك لقول عائشة ( إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة ) والمرأة هي البالغة ومن علامات بلوغها وجود الحيض
وقالوا : لأن العادة لم تجر بأن تحيض الجارية قبل تسع سنين ، والمراد إذا بلغت التسع وفرغت منها فلو كانت تجرى في سن التاسعة ولم تكملها فنزل بها هذا الدم الموصوف بأنه أذى فلا تعتبره حيضا ،وأما قولهم بأن أكثره خمسون سنة لأن المرأة تبلغ سن الإياس إذا بلغت خمسين سنة وإذا أيست لم تحض فإذا أتاها هذا الدم بعد الخمسين بصفاته المعروفة بالأذى فلا يعد حيضا
والصواب / ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله من أنه لا حد لأقله ولا لأكثره فقد تحيض من هي بنت سبع سنين ولا مانع ان يجري هذا عادة وقد تحيض من هي في الستين ولا تمانع العادة في ذلك ، والقاعدة الفقهية تقول [ العادة محكمة لكن بشرط ألا تعارض النص ] والنص حكم فقال { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } فوصفه بأنه أذى والنبي قال كما عند أبي داود ( أن دم الحيض دما أسود يعرف ) ثم من قال ان عائشة تريد أن تنفي نزول الحيض بمن هي أقل من تسع سنين وإنما قالت هذا لأن النبي دخل بها وهي بنت تسع سنين والغالب أن لا يدخل إلا بمن هي امرأة ثم من قال أن الاياس يحد بخمسين سنة اين الدليل قال تعالى {والائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } ولم يقل والائي بلغن خمسين سنة ، وعلى هذا فمن نزل بها الدم المعروف بأنه أذى ولو كانت بنتا عمرها ثلاث او أربع أو خمس سنوات فإنه دم حيض وكذلك من نزل بها ولو بلغت أكثر من الستين والسبعين ،
مسألة :
لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره في الزمن ما لم يتجاوز أكثر الشهر ،
الشرح
هذه المسألة اختلف فيها العلماء
القول الأول : يرى أن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام وان أكثره عشرة أيام ، ومن ثم فلو رأت المرأة البالغة خرجنا من المسألة الأولى في السن فلا يلتبس الأمر فلو أن المرأة أتاها الحيض يوما واحدا أو يومين فإنها لا تعتبره حيضا ولو زاد معها هذا الدم المعروف بأنه أذى فتجاوز اليوم العاشر إلى الثاني عشر أو الثالث عشر فإن هذا الزائد ليس بحيض ويستدلون على ذلك بحديث ( أقل الحيض ثلاثة أيام واكثره عشرة ) ولكنه حديث لا يصح فلم يرد عن النبي تحديد لأيام الحيض ،
القول الثاني : ان قال مدة الحيض يوم وليلة وأن أكثره خمسة عشرة يوما وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد استدل بعض العلماء على هذا بحديث ( تمكث المرأة شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم ) فدل على أن أكثره خمسة عشرة يوما ، وهذا الحديث قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص قال عنه هو حديث لا أصل له ولذا فابن قدامة يستدل بمذهبه على العرف والعادة ، وعلى مذهب الإمام أحمد / لو ان المرأة رأت هذا الدم الموصوف بأنه أذى رأته في ثلاث وعشرين ساعة فلا يعد حيضا ولو رأت هذا الدم في اليوم السادس عشر فلا يعد حيضا ويترتب على هذا القول ان اقل مدة الطهر عندهم ثلاثة عشرة يوما
وصورتها / لو أن المرأة لما طهرت ظلت في هذا الطهر عشرة أيام ثم أتاها الدم بعد هذه المدة فليس دم حيض لم ؟ لأن أقل مدة الطهر ثلاثة عشر يوما فما رأته قبل ثلاثة عشرة يوما بعد طهرها فليس دم حيض
ولكن الصواب / انه لا حد لأقله ولا لأكثره واما العرف فقد وجد في العرف كما قال الأوزاعي من تحيض غدوة وتطهر عشية ، أي تحيض في أول يومها وتطهر في آخره وقد وجد في هذا العصر من ينحبس عنها الدم ثلاثة أشهر وينزل معها شهرا كاملا وعلى هذا فمن رأت الدم في أقل من يوم وليلة رأت هذا الدم الموصوف بأنه أذى فهو دم حيض ومن رأت هذا الدم بعد خمسة عشرة يوما فينظر هل هو عارض طارئ فتكون في مثابة المستحاضة وأن كان غير طارئ وانما هو مستقر منطبقة بأن تكون عادتها انطبقت على ستة عشرة يوما أو مستقرة على عشرين يوما فإنه بعد حيضا
وهذا الدم الموصوف بأنه أذى قال النبي كما عند أبي داود ( ان الدم الحيض دم أسود يعرف ) فقوله (يعرف ) أي يعرف بنتانته وغلظته مع اسوداده أو انه من العرف أي يعرف برائحته والعرف هو الريح قد جاء هذا كثيرا في السنة لم يجد عرف الجنة يعني ريحها ، فتكون صفات دم الحيض أنه اسود ثخين أي غليظ منتن الرائحة فمتى ما وجد هذا الدم بهذه الصفات او بأحداها فهو دم حيض ، ومن ثم لا يلتفت لا إلى سن ولا إلى زمن ما لم تضطرب العادة مع المرأة فيكون ما زاد على خمسة عشر يوما يكون دم استحاضة وقد أضاف الاطباء سمة أخرى لهذا الدم وهو عدم التجمد فإذا نزل فإنه لا يتجمد لأنه قد تجمد في قعر الرحم ، بينما دم الاستحاضة دم عرق ودم العرق إذا نزل من الإنسان فإنه يتجمد فهذه هي القاعدة في باب الحيض ثم تطرأ مسألة وهي
أتحيض الحامل ام لا تحيض ؟
الشرح
اختلف العلماء في هذا
القول الأول : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا حيض مع حمل فلو رأت هذا الدم الموصوف بأنه أذى حال حملها فإنه ليس بدم حيض ومن ثم فلا يترتب عليها أحكام النساء في الحيض ويستدلون على ذلك بأدلة منها
القول الثاني : أن الحامل إذا رأت الدم الموصوف بأنه أذى كما كانت تراه قبل حملها في وقته وصفته فإنه دم حيض والدليل ما سبق الآية والحديث قال تعالى { قال هو أذى } قال النبي ( ان دم الحيض دم أسود يعرف ) فاجعل هذين النصين نصب عينيك في باب دم الحيض
وأما استدلالهم بقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }
فالجواب / ان المعتدات ست حسب التتبع لنصوص الشرع واستقرائه وان ام العدد هي الحامل فإذا وجد الحمل فلا ينظر لا إلى الحيض ولا الى غيره ومن ثم فرق بين تقرير دم الحيض وتقريراحكام العدة ونحن نسلم لكم بأن هذا النص ببيان عدة الحائض لا لانتهاء وجود الحيض معها واما قول الامام احمد فهو موكول الا العرف والعرف قد ياتي بان الحامل تحيض ولذا فالامام احمد ذكر انه رجع عن قوله الاول فالراجح ان المرة الحامل متى ماوجدت هذا الدم الموصوف بانه اذاء فانه حيض يلزمها ما يلزم الحائض ويمتنع عليها ما يمتنع عن الحائض.
سؤال / ذكر الأطباء أن الحامل إذا حاضت فتكون اول علامة لسقط الجنين
الجواب / يرد عليهم بأن هذا النازل زائدا عن حاجة الجنين وهذا النازل ذكر الشرع متى ما وجد فهو حيض فنحن لا ننظر إلى حال الجنين والشرع مقدم على الطب