الدرس ( 67 ) باب الحيض (4) (حكم وطئ الحائض ـ وهل وطؤها بعد انقطاع الدم أم بعد اغتسالها ؟)

الدرس ( 67 ) باب الحيض (4) (حكم وطئ الحائض ـ وهل وطؤها بعد انقطاع الدم أم بعد اغتسالها ؟)

مشاهدات: 1010

الدرس السابع والستون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

مسألة :

يحرم وطئ الحائض في الفرج ان كان ذكرا عالما مختارا  فإن فعل لذمته الكفارة دينار أو نصف دينار والمرأة كهو إذا توفرت فيها الشروط السابقة

 

الشرح

هذه المسألة لها طرفان وواسطة وهذا التعبير هو تعبير الأصوليين ويريدون بهذا التقسيم وحصر الأذهان فيقولون لهذه المسألة طرفان وواسطة فأما الطرفان في هذه المسألة فهما محل اجماع الطرف الأول :

ان اتيان المرأة الحائض في فرجها محرم بالإجماع

الثاني : ان اتيانها في غير ما بين السرة والركبة جائز بالاجماع

الواسطة : اتيانها فيهما بين السرة والركبة من غير الفرج كالفخذين مثلا في محل نزاع بين العلماء فقد قال بعض العلماء بالتحريم لأمر النبي كما في الصحيحين لعائشة  ( أن تأتزر وهي حائض ) ولما سئل عن جماعها في غير الفرج قال ( ما فوق الازار ) وقد كان النبي يتقي كما قالت ام سلمة عند ابن ماجة ( يتقي ثورة الدم ثلاثا ) أي فوران الدم ( ثم بعدها يباشرني )

القول الثاني : انه يكره وذلك لأن الانسان عرضة إلى ان يقع في المحظور وهو الجماع في الفرج

القول الثالث : انه جائز ما لم يخش على نفسه الوقوع في المحرم وهذا هو الصواب والدليل ما يأتي :-

  • قال تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى } والمحيض هو مكان وزمن الحيض ومكانه هو الفرج لا الفخذان ولا ما جاورها
  • جاء عند مسلم ( ان اليهود اذا حاضت المرأة لم يجامعوها في البيوت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها فقال النبي : اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) يعني الجماع ، اما في غير الفرج فقد جاءت الاحاديث الكثيرة من فعل النبي ولذا قالت عائشة ( كنت مع النبي في فراشي فحضت فانسللت فقال انفستي ؟ قالت : فذهبت فأصلحت من شاني ثم أمرني أن ألتحف معه ) وأما فعل اليهود فظنا منهم ان الحائض نجسة ولكن لا عبرة بهذا الظن مع وجود هذه الأحاديث ولذا قالت عائشة كما في صحيح مسلم ( كنت أتعرق العظم فيأخذه النبي فيضع فمه على موضع فمي من العظم وكنت أشرب من الاناء وانا حائض فيضع النبي فمه في موضع فمي ) ويستحب للحائض ان تتخذ ثيابا تخصصها للحيض لقول ام سلمة في صحيح مسلم قالت  (فأخذت ثياب حيضتي )
  • ثبت عن النبي وقواه ابن حجر ( أنه إذا اراد ان يباشر الحائض ألقى على فرجها شيئا أما القول بالتحريم / فضعفه ظاهر مع وجود هذه الأدلة وكذلك القول بالكراهة إلا اذا خشي على نفسه من الوقوع في المحرم فيكون محرما لا لذاته وانما باعتبار غيره من باب سد الذرائع وقد جاء عند أبي داود عن عائشة انها قالت ( كانت احدانا إذا حاضت لم تدن من النبي ولم يقربها حتى تطهر ) فهذا الحديث قال عنه ابن حزم حديث ساقط ورد عليه ابن القيم فقال : انه غير ساقط يعني هو ثابت وقد حمله بعض العلماء حمل عدم القرب على عدم غشيانها في الفرج وهو الصواب جمعا بين الأدلة أما ما جاء عن عائشة انها قالت ( كانت احدانا تحيض في درعها فيصبه الدم فتبله بريقها ) فهو محمول على اول الامر من الضيق في المعاش

أما مسألة الاجماع في تحريم وطئها في الفرج فللأدلة السابقة قال تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى } قال النبي ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) ولما قالت اليهود ما يريد هذا الرجل إلا ان يخالفنا ، جاء بعض الصحابة إلى النبي فقالوا أنطأ الحائض في فرجها ؟ فتمعر وجه النبي غضبا ) فإن فعل الوطء في الفرج فقد أثم ، وكذلك تشاركه المرأة إذا توفرت فيهم الشروط الثلاثة:

  • الذكر 2- العلم 3-الاختيار

فأما إن كان ناسيا فلا شيء عليه وكذا لو كان جاهلا وكذا لو كان مكرها كأن تكرهه زوجته او كانت مكرهة بأن يكرهها زوجها فلا شيء عليها فإن اتى المرأة وهو ذاكر عالم مختار فإنه آثم وتلزمه الكفارة وهي دينار أو نصف دينار والدينار : يقدر بنصف جنيه سعودي من الذهب أو يقدر بأربعة جرامات وربع ،وقد اختلف العلماء في هذه الكفارة ، قال بعض العلماء عليه كفارة ككفارة المجامع في نهار رمضان وهي عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فقاس كفارة الحيض على كفارة الجماع في نهار رمضان لاشتراكها في الوطء وفي الحرمة وذلك لأن الحديث الآمر بهذا لا يصح وهو امر المجامع زوجته في الحيض بأن يكفر ( دينار أو نصف دينار )

وقال بعض العلماء : عليه ان يستغفر الله ولا يلزمه شيء

وقال بعض العلماء : يستحب له مع التوبة أن يكفر هذه الكفارة

وقال بعض العلماء : يجب عليه مع التوبة أن يكفر هذه الكفارة .

وهذا الخلاف مبناه على اختلافهم في ثبوت هذا الحديث فقالوا : انه مضطرب اذ جاء وهو عند أبي داود وغيره جاء انه عليه ( دينار ) وفي رواية ( نصف دينار ) وفي رواية ( دينار فإن لم يجد فنصف دينار ) وفي رواية ( بخمس دينار ) وفي رواية ( ان كان دما عبيطا فدينار وان كان اصفرا فنصف دينار ) وفي رواية ( ان كان قبل انقطاع الدم فدينار وان كان بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فنصف دينار )

فقالوا : ان هذا يعد اضطرابا قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي قال ان هذا اضطراب لكن الاضطراب فإما اذا ترجحه احدى الروايات فلا تعل الراجحة بالمرجوحة ولذا فالرواية الراجحة ( عليه دينار أو نصف دينار ) ولذا فإن الرواة فيها مخرج لهم في الصحيح وأبو داود لما ذكر هذا الحديث ( عليه دينار أو نصف دينار ) قال هذه هي الرواية الصحيحة وهذا هو القول الراجح وقال رحمه الله في رواية ( خمس دينار ) قال هو معضل ، والمعضل / ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي ، أما إذا سقط راويان من سنده ليس على التوالي فهو المسمى بالمنقطع ،

والمعضل من أقسام الضعيف .فالقول الصحيح : ان عليه دينار أو نصف دينار ) وكلمة ( او ) هل هي للتخيير أو للتقسيم ؟

فإن قيل هي للتخيير فهو مخير بين الدينار ونصف الدينار ، وان كانت للتقسيم فان الدينار محمول على حالة اليسر ونصف الدينار محمول على حالة العسر وقد جاءت رواية في هذا لكنها ضعيفة كما قال الألباني رحمه الله.أو تكون على اعتبار التقسيم ان الدينار إذا واقعها قبل انقطاع الدم ، وان نصف الدينار اذا واقعها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل وورد فيه حديث ، قال عنه الألباني انه ضعيف ومن ثم فالقول بالتخيير هو الأصوب وهذا من باب التيسير فإن لم يجد فما هو الحل  ؟

الجواب / تبقى في ذمته معلقة حتى ييسر الله عليه ،

وهذا الحكم فيما يتعلق بالكفارة يحصل بمعرفته للحكم الشرعي وهو تحريم وطئ الحائض حال حيضها حتى ولم يكن يعلم ان عليه الكفارة وذلك لأن العلم بالكفارة وعدمه لا يترتب عليه شيء فمتى كان عالما بالحكم جاهلا بما يترتب عليه فإن ما يترتب عليه يكون لازما له نظيره الزاني المحصن فلو كان يعلم ان الزنا حرام لكنه لا يعلم ان الزاني المحصن يرجم بالحجارة فإن هذا الحد لا يسقط عنه والدليل على هذا الضابط أو على هذه القاعدة قول النبي ( ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه ) فيشترط إذا مع وجوب الكفارة أن يكون عالما فإن كان جاهلا بالحكم لا بالكفارة فإنه لا يلزمه شيء

ثانيا :أن يكون ذاكرا ، فإن كان ناسيا فإن الجناح والإثم قد رفعه الله تفضلا عن عباده ,

ثالثا : أن يكون مختارا فلو ان المرأة اكرهت أو انه اكرهها فلا أثم على  المُكره ولا كفارة

 

لو قال قائل : متى يجوز وطئها أبعد انقطاع الدم أم بعد اغتسالها ؟ لتعلم انه إذا انقطع الدم لا يجوز إلا أمران الصيام والطلاق ، أما بقية الأشياء فلا تجوز إلا بالاغتسال ، ودليل استثناء الصيام قوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فدلالة اللزوم تقتضي ان يجامع الإنسان إلى قبيل الفجر لأن الله أباح له المفطرات ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني ، ومن ثم فإن اغتساله لابد ان يقع بعد طلوع الفجر الثاني ، وقد كان النبي كما في الصحيحين ( يصبح صائما من جماع من غير احتلام فيغتسل ويصوم ) فليس للغسل تأثير في صحة الصيام ، ودليل استثناء الطلاق : قول النبي كما عن مسلم ( مره فليطلقها طاهرا أو حاملا ) وقول النبي ( مره فليراجعها ) وذلك لما طلق ابن عمر زوجته في الحيض ، أتى عمر إلى النبي فقال ( مره فليراجعها ) والجائض تطهر بانقطاع الدم ، ومن ثم ان رغب الزوج أن يطلق زوجته فله ذلك بعد انقطاع دم الحيض ولو لم يحصل غسل ،وأما بالنسبة إلى الجماع قبل الاغتسال وبعد انقطاع الدم :

فقد اختلف العلماء /

القول الأول : لابن حزم رحمه الله يقول ان الجماع يجوز ولو غسلت المرأة فرجها من غير اغتسال ، ويختار هذا الألباني رحمه الله كما في كتابه آداب الزفاف ويقول : ان المرأة لو غسلت موضع الدم أو توضأت أو اغتسلت جاز ان يجامعها ، فبأي فعل من هذه الأفعال حصل منها جاز جماعها ودليلهم قوله تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله }وقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } يعني بانقطاع الدم { فإذا تطهرن } هذه كلمة عامة تصدق على تطهير موضع الدم وتصدق على الوضوء وتصدق على الغسل والدليل على صدقها في غسل موضع الدم ما جاء عند أبي داود أن النبي قال لأهل قباء ( لما أثنى عليكم في قوله { ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } فقالوا كنا نغسل فروجنا بالماء ) ودليل صدقها على الوضوء أحاديث كثيرة بل قبلها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسوا وجوهكم ………} إلى أن قال { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } ومن السنة قول النبي ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة  ، والدليل على صدق كلمة التطهر على الاغتسال قول النبي لأم سلمة كما عند مسلم ( ثم تفيضي عليك الماء فإذا أنت قد طهرتي )

القول الثاني : وهو قول جماهير العلماء : أنه لا يجوز ان يأتيها في فرجها إلا بعد الغسل ويستدلون بهذه الآية { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } فحصروا التطهر في الغسل لا في غيره ولذا فالقائل بالقول الأول من سلف هذه الأمة إنما هما اثنان فهذا ما ذكر من دليل للجماهير وهو الراجح في نظري ، ولم أر من تعرض لهذه الأدلة وهو الراجح لأمرين

الأمر الأول : إن قوله تعالى { فإذا تطهرن } سياق الآية يدل على التطهر من الحدث الأكبر وذلك لأن الحديث عن الحيض ليس عن استنجاء وليس عن وضوء ،

الأمر الثاني : ان كلمة التطهر شاملة فإذا قلنا ان التطهر يكون بالاغتسال أخذنا بجميع المعاني لأنه إذا تطهر بالغسل لزم أن يتطهر من موضع الدم ومن الحدث الأصغر وان قلنا ان التطهر هو غسل موضع الدم  ألغينا الزائد ولا دليل لنا على إلغاء الزائد فبراءة الذمة ان تحصل بالغسل لا بغيره

ومن هذه الآية وهو قوله تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى} أخذ العلماء تحريم الوطء في الدبر فإما تحريمه في شأن الذكور فمعلوم ولذا جاءت العقوبة الصارمة من الله لقوم لوط لما كانوا يأتون الذكران قال تعالى { فجعنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك } ثم ختم الآية بالتهديد لهذه الأمة ولغيرهما ممن سيحذو حذو قوم لوط فقال { وما هي من الظالمين ببعيد } وقال النبي (من وجدتموه يعمل عمل قول لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) والصحابة لم يختلفوا في قتله وإنما اختلفوا في طريقة قتله ، أيحرق بالنار ، أم يرمى بالحجارة أم ينظر إلى شاهق عال في البلد فليقذف على أم رأسه كقوم لوط  ؟

ومن ثم فإنه لا يجوز للزوج أن يطأ زوجته في دبرها فإن الله حرم الوطء في الحيض لأنه أذى والأذى فيه محدد بوقت وزمن يسير فما ظنك بالدبر الذي لا ينقك عنه الأذى ، وقد جاءت أحاديث فيها شيء من الضعف تلعن من يأتي امرأة في دبرها ، منها ( ملعون من أتى امرأة في دبرها ) ولعل بعضها يشد بعض فترتقى لدرجة الحسن لغيره ، ومن الأدلة على تحريم الوطء في الدبر  قوله تعالى { نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم }

وموضع الحرث هو القبل وليس الدبر ، ففهم من ذلك أنه لا يجوز ان يجامعها في دبرها لأن الدبر ليس موضع حرث ، وأما قوله تعالى { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فليس معناها حرية اتيانها في أي موضع وإنما المراد في موضع الحرث ، سواء كان من أمامها أومن خلفها أو جنبها ، ولذا لما تزوج أحد المهاجرين بامرأة من الأنصار وأراد أن يجامعها من الخلف في فرجها أبت لأنه غير معتاد عند الأنصار لكنه معتاد عند المهاجرين ولذا قال عمر ( كنا نشرح النساء شرحا ) والشرح في الجماع أي أن يأتيها من الخلف في فرجها ، فأبت حتى تسأل النبي فأباح النبي وقال ( اتق الدبر )