الدرس ( 74 ) باب الأذان والإقامة ( 1 ) ( الأذان تعريفه ومتى شرع وفضله وهل الأذان أفضل من الإمامة )

الدرس ( 74 ) باب الأذان والإقامة ( 1 ) ( الأذان تعريفه ومتى شرع وفضله وهل الأذان أفضل من الإمامة )

مشاهدات: 551

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الرابع والسبعون- من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

باب الأذان والإقامة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الأذان : لغة من أذّن يؤذن أذانا

وهو في اللغة:  الإعلام قال تعالى:{ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ }

وقال تعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا }

وأما في الشرع / فهو التعبد لله بالإعلام بدخول الوقت بذِكْر مخصوص

وأما الإقامة: فهي من أقام يقيم إقامة

وفي الاصطلاح: هي التعبد لله بإعلام الحاضرين بإقامة الصلاة بذكر مخصوص.

 

وقد شُرع الأذانُ في السنة الأولى من الهجرة، على ما رجّحه ابن حجر، وهناك قول آخر بأن الأذان شرع قبل الهجرة؛ وهناك قول بأن الأذان شرع في السنة الثانية من الهجرة.

والدليل: على أنه مشروع بعد الهجرة في السنة الأولى: ما جاء في المسند وأبي داود من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، أن النبي ﷺ لما قدم المدينةَ، أمَرَ بناقوس أن يضرب لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة …..الحديث ) وسيأتي إيرادُه بإذن الله تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

والأذان جاءت أحاديث كثيرة في فضله:

قال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا } [فصلت:33] فمن دعا إلى الله على أحد وجوه التفسير هم المؤذنون

 

ومن الأدلة على فضله: قوله تعالى: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ  } فشرّفَ الأذان بوصف مَن استهزئ به من أنه من غيرِ العُقلاء

 

ومن فضائل الأذان:

ما جاء عند البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

” لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ ولَا إنْسٌ ولَا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيَامَةِ “.

 

 

ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود قال في المؤذن: ” وله مِثلُ أجرِ مَن صَلَّى معه “

 

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم:

” الْمُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْنَاقًا يَومَ القِيَامَةِ “.

 

ومعنى أطول الناس أعناقا: قيل هو على ظاهره فتطولُ أعناقُهم حين يشتد الكرْبُ على الناس بدنو الشمس، فتطول أعناقهم حتى لا يصيبهم العرق

وقيل : هم أكثرُ الناس أعمالا

وقيل : هم اكثر الناس أتباعا

قال القاضي عياض ضُبطت:(( أطْوَلُ النَّاسِ إعناقا )) فأعناقا تختلف عن إعناقا فكلمة إعناق: مأخوذ من العنق وهو ضرب من السير السريع، بمعنى: أنهم أسرع الناس دخول إلى الجنة.

 

 

ومنها قول النبي ﷺ: ” إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ ” ثُوِّبَ: يعني الإقامة، ” فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلَا يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ : اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى “.

 

وشيء ينفر منه الشيطان لا شك ان له فضلا ومزيةً، ولذا جاء في رواية مسلم: ” يدبر حتى يبلغ الروحاء “

والروحاء تبعد عن المدينة ستة وثلاثين ميلا، وهذا يدل على أن الشيطان جِسم وأنه يضرُط، ولا يعارض هذا ما جاء عند مسلم ( أدبر وله حُصاص )

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ “.

والحُصاصُ الإسراع، فيكون الشيطان جامع بين السرعة والضراط.

 

ومنها: أن النبي ﷺ إذا أراد أن يغزوَ قوما انتظر، فإن سمِعَ أذانا كَفَّ عنهم، وإلا أغار، عليهم فدل على أن الأذان من شعائر الإسلام.

 

ومنها: أن النبي ﷺ لما سمِع مؤذنا يؤذن قال: ” على الفطرة “، والفطرة: أن الإنسان مفطور على التوحيد قوله عليه الصلاة والسلام:

” ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ أوْ يُنَصِّرانِهِ أوْ يُمَجِّسانِهِ “

ولم يقل (يُسلِمانِه) وإنما كان الأذان فطرة وتوحيد لأن جُمَلَة تدل على التوحيد، التكبير والشهادتان ابتداءً، ثم التكبيرُ والتهليلةُ اختتاما

ولذا جاء في الحديث الذي اختُلف فيه ولعله يصل إلى درجة الحسن أن النبي ﷺ ” أذّن في أُذِنِ الصبي ” الحسن أو الحسين، لكي يقرَع سَمْعَه أولَ ما يَقْرِعُه كلماتُ الأذان المشتملةُ على التوحيد، فتكون البدايةُ في هذه الحياة بالتوحيد، كما أن النهايةَ لمن وفّقه اللهُ عز وجل أن يختم حياته بالتوحيد:  

” مَن كان آخِرُ كَلامِه لا إلَهَ إلَّا اللهُ دَخَل الجَنَّةَ “.

 

 

ومنها : قولُه عليه الصلاة والسلام  كما عند أبي داود:

” الإمامُ ضامِنٌ، والمُؤَذِّنُ مُؤتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرشِدِ الأئِمَّةَ، واغْفِرْ للمُؤَذِّنينَ “.

 

وفي رواية عند البيهقي: ” قال رجل: يا رسول الله، تركتنا نتنافس في الأذان؟ فقال: يكونُ بعدي قومٌ سِفْلتُهم مُؤذِّنُوهم “

وهذا يدل على وجوبِ القيام بهذه العبادة على أتم قيام

والأحاديث والنصوص في فضله كثيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ولِفَضْلِ الأذان اختُلِفَ: أهو أفضل من الإمامة أم أن الإمامة أفضل؟

القول الأول: أن الإمامة أفضل، لأن النبي ﷺ وخلفاءَه الراشدين قد تولّوها، ولا يتولّون إلا ما هو أفضل، ولعلهم يستدلون بقوله تعالى: { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}

 والإمامة في الصلاة لا شك أنها نوعٌ من أنواع الإمامةِ والاقتداء.

 

القول الثاني: أن الأذان أفضل، لكثرة الأحاديث في فضْلِ الأذان، وهذا هو اختيارُ شيخِ الإسلام رحمه الله وهو الصواب

 لكنّ الإمامةَ باعتبار بعض الأشخاص أفضلُ في حقِّهِم مِن الأذان، كمن يكونُ حافظا لكتاب الله مِن الدعاةِ والعلماء فيكونُ نَفْعُه في الإمامة أكثرَ مِن نَفْعِه في الأذان، فتكونُ الإمامة في حقِّه أفضل، ولذا تولّاها النبيُّ ﷺ وخلفاؤه الراشدون، قال شيخ الإسلام: ولم يمكن لهم الجمْعُ بين الإمامة والأذان، فكانت الإمامةُ في حقِّهِم أفضل.