الدرس ( 77 ) باب الأذان والإقامة ( 4) (الصحيح والضعيف فيما يقال في ثنايا الأذان وبعده مع الشرح )

الدرس ( 77 ) باب الأذان والإقامة ( 4) (الصحيح والضعيف فيما يقال في ثنايا الأذان وبعده مع الشرح )

مشاهدات: 520

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع والسبعون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

باب الأذان والإقامة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مما يُذْكَرُ بين ثنايا الأذان:

” وأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ باللهِ ربًّا وبمحمَّدٍ رسولًا وبالإسلامِ دينًا “

 

ويختارُ هذا بعضُ العلماء لروايةٍ في مسلم، والروايةُ الأخرى نَصُّها:

” مَن قال حينَ يسمعُ النداءَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ “

 

فقال بعضُ العلماء: إنها تُقال بعد المتابعة.

 والبعضُ يقول: إنها تُقال في ثنايا الأذن، فإذا فَرَغ مِن الشهادتين، يقول:

” وأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ” الحديث.

ولو عَمِلَ الإنسانُ بهذا مرة، وبهذا مرةً أخرى لوجود الروايتين لكان حسنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقد قال الألبانيُّ رحمه الله: إن بعضَ النُّسَّاخ زاد فقال: ” وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ” فزاد لفظَ الصلاةِ والتسليم، والقولُ قول الألباني: جاهلا أن الأوراد مبنية على التوقيف لا على الاجتهاد،

 كما أشار رحمه الله إلى: أن هناك زيادة وهي قَول: ” لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم ” إذا تابَع المؤذنَ في الحَيعَلَتَين، وقال: ” لا اصلَ لها ” وتحسين الهيثميِّ لها ليس بحسن.

 

و(الحوقلة) وهي قول: ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” تُناسِبُ الحيعلتين، وذلك لأن الانسانَ مَدْعُوٌّ إلى الصلاة، فإذا لَبّى هذه الدعوةَ نال الفلاح، وهذه الدعوةُ إن لم يُعِن اللهُ عز وجل العبدَ على تَلْبِيَتِها، عَجَزَت نَفْسُه، ولذا قال النبي ﷺ كما في الصحيحين لأبي موسى الأشعري:

” ألَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هي مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ، فقال أبو موسى: بلى، فقال ﷺ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ “

 

وقال ﷺ كما في مُسْتَدْرَكِ الحاكِم:

” لا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ، إذا قالها العبد، قالَ الله: أسلمَ عبدِي واستسلمَ “.

 

 

وسبق الحديث عن فضل الأذان، وأن جُمَلَه داعيةٌ إلى التوحيد، وإلى تعظيمه وأن الفلاح في هذا التوحيد.

ولْتعلَم: انه ليس هناك ذِكْرٌ قبل الأذان، فلا يُزادُ فيه ما ليس منه.

 

 وأما في ثناياه مِن غير المتابعة: فقد ذُكِرَ لكم ما جاء في رواية مسلم:

” وأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ ….الحديث “.

 

 وأما بعد الأذان: فيجب أن يُتَقَيَّدَ بما جاء به الشرع، ولا يُوصَلُ هذا الأذان بِذِكْر ولا دعاء إلا ما جاء به الشرع ، ومما جاء به الشرع، قولُ: ” اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ “

وهذا قال عنها النبي ﷺ كما في صحيح البخاري:

” مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وعَدْتَهُ، حَلَّتْ له شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ “.

 وقد يُعتَرَضُ على هذا القول بأن ظاهرَه لا يدل على أن هذا الذِّكْرَ يُقال بعد الأذان، وإنما يقال من حين سماع النداء؛ ولكن هذا الظاهر ليس مَعنِيًّا، لما عند مسلم قال:

 ” إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ ” وهذا هو موضع الشاهد، ويستفاد من هذا:

 أنه بعد المتابعة يقول:

” وأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ باللهِ ربًّا وبمحمَّدٍ رسولًا وبالإسلامِ دينًا ” على الرواية المشهورة، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يقول هذا الذكر:

” اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ” لظاهر هذا الحديث الذي أوردناه عند مسلم:

” إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ ” ثم قال بعدها: ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ “

و(ثم) تفيد الترتيب والتعقيب.

 

والوسيلةُ هي: منزلةٌ في الجنة، قال ﷺ كما عند مسلم:

” ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِى الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِى إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِىَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ “.

 

ومعنى: ” اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ” أي: صاحبُها، فالربُّ هنا بمعنى الصاحب، وذلك لو قيل إن الرب هو الخالق، لكانت هذه الكلماتُ مخلوقة، وهي متضمنةٌ لأسمائه عز وجل، إلا ان يقال أن الرب هنا هو الخالق، أي: خالِقٌ لِفِعلِ المؤذن وهو القول.

 

وهذه الدعوةُ التامةُ هي دعوة المؤذن بهذا الأذان، وهي تامّةٌ لا يعتريها نقص، قال تعالى:

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 15]

 

 ومعنى “الصلاة القائمة”: أي الصلاة التي ستُقام، وهذا باعتبار ما يكون.

 

 ” آتِ محمدا “: وهنا مِن باب الإخبار، فيجوزُ أن يُذْكَرَ باسمِه ﷺ، أما في مَقام مُناداته مِن قِبَلِ الصحابة فلا يجوزُ لهم هذا، قال تعالى: {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور:63]

والمسألةُ فُصِّلَت في درس التوحيد.

 

ولم يرد ” آتِ سيدَنا”: قال الألباني رحمه الله: هذه لم تَرِد.

 

” آتِ محمدا الوسيلة”: الوسيلةُ فسّرَها النبي ﷺ كما عند مسلم وهي: منزلةٌ في الجنة.

ومعنى ” الفضيلة “: اختلف العلماء، فقيل: هي منزلةٌ أخرى تكون في الجنة، وقيل: هي مرتبةٌ تفوقُ مرتبةَ الخلائق، وقيل: هي تفسيرية للوسيلة، فالوسيلةُ هي الفضيلة، ولكن الأصل عدمُ تفسيرِ الشيءِ بالشيء حتى لا نُلغي بعضَ الكلماتِ الواردةِ في النصوص، فهي مرتبةٌ أخرى.

 

 وأما زيادة ( والدرجة الرفيعة أو العالية من الجنة ) فهذه لا تصح، كما قال الالباني في إرواء الغليل.

 

وكذلك قول ( يا أرحم الراحمين ) وكذلك قول ( أسألك بحق هذه الدعوة )

 

ومعنى ( المقام المحمود  ) هي المقاماتُ التي يُحمَدُ فيها النبي ﷺ في يوم القيامة، لأن يوم القيامة فيه مواقف، وأعظمُ المقامات المحمودة للنبي ﷺ هي الشفاعةُ العظمى، فقد جاء في مسندِ الإمام أحمد:

 ( الشفاعة العظمى هي المقام المحمود )

 

والرواية المشهورة ( وابعثه مقاما محمودا ) بدون تحليتها بـ (أل) قال النووي:

 جاء في كتب الفقهاء أو في بعضها بزيادة (أل) ، ( وابعثه المقام المحمود ) وليس في طرق الحديث، فينبغي أن يُتَقَيّدَ بما جاء به القرآن، قال تعالى:

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79]

وقد تعقّبه ابن حجر في الفتح فقال: هي ثابتة،

 ومِن ثَم: فإن الإنسان ُيَنوِّع، فيقول مرة ( مقاما محمودا ) ومرةً يقول (المقام المحمود).

 

 وهناك زيادة يُختم بها هذا الدعاء، وهي جملة ” إنَّكَ لا تُخلِفُ الميعادَ ” :

 وهي زيادة يرى الألباني في إرواء الغليل أنها شاذّة،

 وابنُ باز رحمه الله يرى أنها ثابتة، وليست من الشذوذ في شيء، لأن الراويَ لها ثِقة، وهي لا تُخالف وزيادة الثقة مقبولة.

 

 وأريد أن أنَبِّه إلى مسألة تتعلق بزيادة الثقة – وان كان محلها في علوم الحديث لكن كفائدة عرضية -:

 ان الزيادة اذا كانت لا تخالف اصل الحديث الذي رواه الثقات فهي زيادة من ثقة، فتكون مقبولة، واما اذا  خالفت فإنها تكون شاذة، كما في رواية ابي داود لما أرى النبي ﷺ الاعرابيَ الوضوءَ ثلاثا قال ( فمن زاد فقد تعدى واساء وظلم ) أحد الرواة وهي من الثقات قال ( او نقص ) وهنا فيه مخالفة فتكونُ شاذة ، وأما هذه الجملة فلا تُعارَض لأنه ليس هناك مخالفة بل إن النصوص العامة تدل عليها، فهي مما يُختَمُ بها الدعاء كما قال تعالى عن أولي الألباب في دعوتهم:

{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194]

وقول الراسخين في العلم:

{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9]

 

وقد تكون الزيادة في الظاهر لا تُخالف الأصل لكنها تخالف أصولا أخرى، كما في رواية في صحيح البخاري ( ان الله يخلق للنار خلقا فيدخلهم فيها ) مع ان الحديث وارد في اهل الجنة، فالناظر هنا يقول:

 ما المانع ان يخلق خلقا للنار كما انه يخلق خلقا للجنة؟ لكن النصوص العامة تُخالف هذا، وتأبى حكمةُ الله عز وجل وعدْلِه ورحمته، قال تعالى ( وما ربك بظلام للعبيد )

 بل لا يريد ظُلْمَ العباد كما قال تعالى ( وما الله يريد ظلما للعباد ) ولذا فورود هذه الجملة من الثقة لا تكون في مرتبة الشذوذ.

 

 ومتابعة المؤذن لها فضْلٌ، من الفضائل الواردة في ذلك:

 ما جاء في حديث عمر عند مسلم والذي قال في آخره فإذا قال المؤذن لا إله إلا الله فقال:

” لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِن قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ “

 

ومنها ما جاء في سنن أبي داود: ” أنَّ رَجلًا قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ المُؤذِّنينَ يَفْضُلونَنا، فقال رسولُ اللهِ ﷺ:

” قُلْ كما يَقولونَ، فإذا انتَهَيْتَ فسَلْ تُعْطَه.