الدرس ( 9 ) من شرح منهج السالكين ( باب المسح على الخفين والجبيرة الجزء الأول )

الدرس ( 9 ) من شرح منهج السالكين ( باب المسح على الخفين والجبيرة الجزء الأول )

مشاهدات: 699

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الطهارة ـ الدرس (9) باب المسح على الخُفّين

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .. أما بعد

قال المصنف رحمه الله: ( باب المسح على الخفين)

الشرح/ المسحُ على الخفين لم يُخالف فيه إلا الروافض

فإن الرافضةَ منعت المسحَ على الخفين ولم تره، ولا اعتدادَ بخلافِهم، فهم يرون المسح على القدم ولكن من غير حائل أو ساتر، وليس على القدم كلِّها وإنما على ما تكعّب منها!

 ولذا يقول الإمام أحمد رحمه الله:

 ” ليس في نفسي شيءٌ من المسح على الخفين، فيه أربعون حديثاً عن النبي ﷺ “

ومقصوده من هذا: أن يَرُدَّ الريبَ والشكَّ الذي ربما يحدث في النفس من قول الروافض؛

فقوله: ” ليس في نفسي شيء”: أي ليس في قلبي أدنى شك من مشروعية المسح على الخفين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 والمسح على الخفين من رحمة الله بهذه الأمة:

 وذلك لأن الناسَ يحتاجون إلى المسح على الخفين، إما لمرض أو لبرودةِ جوٍّ أو ما شابه ذلك من هذه الأسباب؛ ولكن لتعلم: أن الإنسان لو لَبِسَ الخفين بعد اكتمال الشروط من غيرِ أن يكون هناك مُوجِبٌ لِلُبسِ الخفين فإن له أن يمسحَ ولو لم يكن لشدة برد ولو لم يكن لمرض، فبمجرد ما يُلبس الخُف بعد اكتمال الشروط فإن له أن يمسح سواءٌ كان في فصل الشتاء أو في الصيف.

 

 ثم لا تُشترط النيةُ في المسح على الخفين:

كما لا يشترط نية سَتْرُ العورة في الصلاة، فلو أن الإنسان أراد أن يصليَ وعليه ثوبُه، فهل تشترط نيةُ لُبسه للثوب مسبقاً ليصليَ فيه أو لا تصح صلاتُه!؟ لا يُشترط، فيُمكن أن يلبس ثوبَه من أجل أن يخرُجَ إلى السوق مثلاً ثم بدا له أن يصلي،

هل نقول لمّا لبست الثوب لم تلبسْهُ من أجل ستر العورة في الصلاة! فلا بد أن تخلعه وتنوي مرة أخرى!؟ الجواب: لا، كذلك لُبس الخف،

فلو أن الإنسانَ كان مثلاً على طهارة ثم دَهَن قدمَيه وقال ألبس هذا الخُف من أجل أن أرطِّبَ قدمي، فلبِسَ على هذه النيّة، ثم أراد أن يصلي بعد أن انتقض وضوؤه، أو بعد ما استيقظ من نومه أراد أن يصلي صلاةَ الفجر وأن يمسح على الخف، هل له ذلك؟

نعم، لأن النبي ﷺ لم يشترط النية، ولذا قال في حديث المغيرة رضي الله عنه:

” كُنْتُ مع النبيِّ ﷺ في سَفَرٍ، فأهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقالَ: دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْن، فَمَسَحَ عليهمَا “

ولم يقل نويت كذا أو كذا، وإنما قال: ” دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْن “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: ( فإن كان عليه خُفان ونحوُهُما مسح عليهما إن شاء يوماً وليلة للمقيم، وثلاثةَ أيام بلياليهن للمسافر)

الشرح/قال (ونحوُهما): أي: نحو الخُف،

فالخُفُّ ما كان مصنوعاً من جلد، وأما ما كان من غير الجلد فإنه يسمى جَورَبا.

إذاً (الجِزَم) التي في عصرنا هذا إذا كانت قد غطّت الكعبَين يُمسَحُ عليهما، وتسمى (بُسطارا عند العسكر) لكن تُسمى (خُفًّا) لأنها مصنوعة من جلد.

 وهذه (الشُّرَّاب) التي نلبسُها الآن تسمى (جورَب)

 إذاً ما كان مصنوعاً من جلد فإنه خُف، وما كان مصنوعاً من غير الجلد فإنه يسمى جَوربا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولْتعلم أن الخفَّ لا يمكن أن يكون خُفًّا له هذه الأحكام حتى يُغطيَ الكعبين:

 فما كان دون الكعبين لا يُسمى خفاً تنطبق عليه هذه الأحكام،

 ولذا النبيُّ ﷺ في أول أمرِه لمّا حَرَّم على المُحرِم أن يلبس الخفين -كما سلف معنا في الحج – ماذا قال؟

 ” إلا ألا يجد نَعلين فلْيلبس الخفين ولْيقطعهما دون الكعبين ” مما يدل على أن ستر الكعبين من الضرورةِ بمكان في هذه الأحكام، ولذا يقولُ شيخُ الإسلام رحمه الله:

[اتفق العلماء على أنه لا يُمسَح على ما دون الكعبين]

 

إذاً/ أهلُ السنة اتفقواْ على المسح على الخفين، لكنهم اختلفوا في المسحِ على الجَورَبين:

  فجملةٌ منهم لا يرون المسحَ على الجَورب؛ يعني: هذه الشُّرَّاب التي نلبسُها مُخْتَلَفٌ في المسح عليها، ولكن الصواب: أنه يُمسَحُ عليها، لأن الأدلة جاءت في السنن أنه ﷺ مسَحَ على الجوربين؛ ولأن المعنى المقصود الذي من أجله شُرِعَ المسحُ على الخفين موجودٌ في الجَورب؛

أليست الحكمة هي التخفيف في المسح على الخف؟

 بلى، فهي كذلك في الجورب، سواءً بسواء.

 

 ولْتعلم أنه جاءت أحاديث بأن النبي عليه الصلاة والسلام مسَح على النعلين:

 فمن يرى ضَعف هذه الأحاديث فلا إشكال في ذلك، مَن يرى الأحاديث التي جاءت في مسح النبي ﷺ على نَعلَيه ضعيفة: لا خلاف في هذا ولا إشكال، لكن الإشكال:

 فيما لو صححت هذه الأحاديث (وهي صحيحة) فكيف تُوَجّه هذه الأحاديث؟

 تُوَجّه على أن النبي مسح على النعلين وبهما جوربان، يعني: المسحُ كان على النعلين مع الجوربين؛ ولذا الإمام البخاري رحمه الله في كتابه صحيح البخاري: ردَّ قولَ مَن يقول بأن المسح على النعلين جائز، لمَ؟

 لأن النبي ﷺ قال: ” وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ “

فلو كان المسحُ على النعلين جائزا لما جاء هذا الوعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 ثم لْتعلم أن أيَّ جوربٍ أو أيَّ خُفٍّ قد غَطَّى الكعبين يجوزُ المسحُ عليه ما لم ينتقل اسمُه عن اسم الخف أو عن اسم الجورب:

كما لو قيل هذا ليس بجورب لكثرة الخروق التي فيه أو لكثرة الشقوق التي فيه، ومِن ثَم:

 فإن الجورب أو الخف إذا كان به خروق فإنه يمسح عليه وليس هناك دليلٌ يمنع المسح عليه،

 أين الدليل؟

الدليل إنما هو قولٌ قاله بعضُ الفقهاء: ” أن ما ظهر من القدم ففرضه الغَسْل، وأن ما خَفِيَ من القدم ففرضه المسح”! لكن أين الدليل؟ لا يوجد، هو قَولُهم.

 ولذا الصحابةُ رضي الله عنهم كانوا يمشون على خِفافهم كما هو ظاهر الأحاديث الكثيرة كما قال ﷺ: ” إذا وَطِئَ أحدُكم الأذَى بخُفَّيه، فطَهورُهما التُّرابُ “

 

وكثرة المسح والمشي على الأرض تُشقق الخف، ومِن ثَم فإن الخروقَ إذا لم تُخرِجْ الخفَّ عن أو الجوربَ عن مُسَمَّاه فإنه يُمسَحُ عليه، وهذا هو ما عليه تدل الحكمة من مشروعية المسح على الخفين، أليست الحكمة هي التسهيل أم التشديد؟

 فإذا شددنا أخرجنا مقصودَ الشرع من مشروعية المسح على الخفين،

 

 ومن ثَم: فإن الشُّرَّاب الشفاف التي تُظهِرُ لونَ البشرة منه ينبني على ما قيل مُسبَقًا:

 (ما ظَهَر فَفَرضُه الغَسل، ما خَفِيَ أو سُتِرَ فَفَرضُه المَسح)

 ولذا الفقهاء لا يرون المسحَ على الشفاف، لم؟

 لأنهم يقولون يجب أن يكون الخف ساترا لمحل الفرض فلا يصف البشرة، فإن وَصَفَ البشرة لعدم غلظته أو لرقته أو لوجودِ خروق فإنه لا يُمسح عليه، والصواب: كما هو رأي ابنُ عثيمين رحمه الله: أنه يُمسَحُ عليه، لأنه جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي ﷺ لما أرسَلَ سريّةً وشَكَوا البردَ أمرَهَم أن يَمسحوا على العصائب (وهي العمائم) وعلى التساخين (هي ما سَخَّنَت القدم) وهذه تُسَخِّن القدم، ومن قال إنها لا تسخن القدم فقد أخطأ! ولكن التسخين تختلف نسبتُه، ولذا من تَرَك قدَمَه مكشوفةً أحالُه في الدفء كحال من لبس هذه الشراب الشفافة!؟ لا، فهناك فرق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 وقد َّنص هنا رحمه الله على أنه يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيما، ويمسح ثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافرا: وهذا ما جاءت به أحاديث كثيرة كحديث عليّ رضي الله عنه عند مسلم:

” جَعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ولَيالِيَهُنَّ لِلْمُسافِرِ، ويَوْمًا ولَيْلَةً لِلْمُقِيمِ “

والمقصود من هذا الزمن وليس المقصود (الصلاة – الصلوات)

 لأن البعضَ إذا قرأ هذا الحديث، وهذا ظنُّ كثيرٍ مِن الناس يقول:

 إن كنتُ مقيماً فأمسحُ خمسةَ فروض، لأنه في اليوم والليلة خمسة فروض، وإن كنتُ مسافراً فأمسح خمسةَ عشر فرضاً! وهذا ليس بصحيح!

 وإنما يومٌ وليلة مقدارُه: أربعٌ وعشرون ساعة، والثلاثةُ الأيام مع لياليهن: اثنتان وسبعون ساعة.

 

ومِن ثَمّ/ متى تبتدئُ هذه المدة؟ من حين لُبس الخف أو من حين المسح؟

 ج/ من حين المسح،

 فلو قال قائل: ما الدليل على أن المدةَ تبتدئ من المسح؟

 نقول: الأدلة نصّت على المسح ” يمسحُ المقيمُ يومًا وليلةً “

وحديث صفوان بن عَسَّال:

” كان رسولُ اللهِ ﷺ يأمُرُنا إذا كنَّا سَفْرًا أن لا ننزِعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ ولياليهِنَّ إلَّا مِن جنابةٍ، ولكن مِن غائطٍ وبَولٍ ونَومٍ “

أمر السريّةَ: ” أن يمسَحوا علَى العَصائبِ والتَّساخينِ “

 حديثُ علي رضي الله عنه: ” رأيتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يمسَحُ على ظاهرِ خُفَّيهِ “

هذه كلُّها أدله تدل على أن المدةَ متعلقةٌ بالمسح لا باللبس

 مثالُ ذلك: لو أنه لبِسَ الخُفَّ في الساعة التاسعة صباحاً بعد أن توضأ، ثم مسح الساعة الثانية عشرةَ ظهرا، بدايةُ اللبس: من الساعة التاسعة، وبداية المسح: من الساعة الثانية عشرة،

متى ينتهي مسْحُ الخف؟ الثانيةَ عشر ظهرا من اليوم الآتي.

 مثال آخر: لو أنه لبِسَ الخُفَّ الساعة التاسعة صباحاً، فبقيَ على طهارته فصلى به الظهر ولم يمسح إلا في الساعةِ الثالثةِ عصرا،

 فبداية اللبس: في الساعة التاسعة صباحاً، متى مسح؟ الساعة الثالثة عصرا،

متى ينتهي وقتُ المسح؟ الساعة الثالثة عصرا من اليوم التالي.

مثال آخَر: لو أنه لبس الخف الساعة التاسعة صباحاً، ثم لما جاءت الساعة الثانية عشرة ظهراً توضأ فمسَحَ على الخف (وهذا الوضوء ليس عن حَدَث وإنما عن تجديدٍ له) لما جاءت الساعة الثالثة عصر أحدَثَ فتوضأ فمسح عليه، متى تبتدئُ المدة؟ من الثالثة عصرا،

 لماذا لم نقل تنتهي المدة الساعة الثانية عشرة -وهو قد مسح في الساعة الثانية عشرة ظهرا-؟ لأن هذا المسح ليس مسحاً بعد حَدَث، إنما هو مسْحُ تجديد.

إذاً/ المدة تبتدئ من المسح بعد الحدث.

 

يقول بعض العلماء: يمكن للمقيم أن يبقى الخفُّ في قدَمَيه ثلاثة أيام بلياليهن، كيف؟

 الجواب يسبِقُه جواب عن سؤال الأخ، سؤال الأخ يقول:

لو أنه ابتدأ المسح الساعة الثانية عشرة ظهرا، متى ينتهي المسح؟

في الساعة الثانية عشر ظهرا من اليوم التالي،

 يقول السائل: هل له أن يصليَ الظهر في اليوم الثاني أم لا؟

نقول: إن مسَحَ قبل الساعة الثانية عشرة ظهرا من اليوم التالي –فمَسَح قبل انتهاء وقت المسح-

 فبعض العلماء يقول: إن انتهت مدة المسح وكان على طهارة بطلت طهارتُه،

 إذاً على هذا القول: لا يصلي؛ وبعض العلماء يقول: -وهو الصواب- يقول:

 متى ما كان طاهراً وانتهت المدة فإن صلاتَه صحيحة، وذلك لأن النبي ﷺ ما بيّنَ وقت المسح إلا ليبين انتهاء المسح لا انتهاء الطهارة لمّا قال: ” يمسحُ المقيمُ يومًا وليلةً “

من أجل أن يبين انتهاء وقت المسح

 ومِن ثَم: على ما رجّحناه قال بعض العلماء:

يمكن أن يبقى الخف في قدمي المقيم ثلاثة أيام بلياليهن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

شرح كتاب ( منهج السالكين ) ـ كتاب الطهارة الدرس ( 10 )

من باب المسح على الخفين حتى كتاب الصلاة

فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:

[باب المسح على الخفين]

المسحُ على الخفين، هذا ما عليه أهلُ السنة والجماعة خلافا للروافض الذين لا يرون المسحَ على الخفين، ولا يرون غَسْلَ القدمين، إنما يرون أن تُمسَحَ القدم بالماء وهي مكشوفة على أعلى القدم،

 وما ذهبوا إليه هو خلافُ صريحِ كلام الله سبحانه وتعالى، وخلاف صريح السنة المطهرة،

ولا اعتدادَ بخلافهم ولا بشذوذهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المؤلف رحمه الله : ( فإن كان عليه خُفَّان ونحوهما مسح عليهما إن شاء :يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر )

الخفان يُمسح عليهما، قال رحمه الله ( ونحوُهما ) يعني الجوارب.

 والخف: ما كان مصنوعا من جِلد، وأما ما صُنع من غير ذلك فإنه يسمى جَوربا، ولذلك الشُرَّاب الذي نلبسه يسمى جوربا.

والصحيح من قولَي العلماء: أن الجوربَ يُمسَحُ عليه كما يُمسح على الخف ولا فرق بين هذا ولا هذا، خلافا لمن منع المسح على الجوارب لعدم صحة الأدلة عنده، ولكن الصواب أن الأدلة صحيحة وصريحة وثابتة عن رسول الله ﷺ، فمن على قدَمَيه خُفّان أو نحوهما فإنه يمسح .

 

والمسح يكون من بعد الحدث:

فيحسب المقيم يوما وليلة، يعني: أربعا وعشرين ساعة.

ويحسب المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، يعني: اثنتين وسبعين ساعة.

وبدايةُ مدة المسح: من المسح الذي يكون بعد الحدث،

 فلو أن المسلمَ توضأ فلبِسَ خفيه، ثم أحدث ثم توضأ، البداية تكون من هذا الوضوء الثاني،

 فلو أنه لبس الجوربَ أو الخف الساعة الخامسة فجرا، ثم أحدَثَ في الساعة التاسعة صباحا، ثم مسح في الساعة الثانية عشرة ظهرا:

فإن المسح يبدأ من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلى الساعة الثانية عشر التي تأتي من اليوم التالي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(مَسْحَ عَلَيْهِمَا إِنْ شَاءَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ – وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهنَّ لِلْمُسَافِرِ)

ويدل لهذا ما جاء في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه:

عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: ” أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ:

” جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ “.

وحديث عليٍّ رضي الله عنه هذا يرد على الروافض، لأنهم يرون أن أعظم الأئمة عندهم هو علي رضي الله عنه، ومع ذلك علي رضي الله عنه روى هذا الحديث عن رسول الله ﷺ ولم يأخذوا به، فدل على أنهم خالَفوا أعظمَ أئمتهم، وهذا يدل على خُبثِ طريقتهم وسلوكهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قال المؤلف رحمه الله: ( بشرط أن يلبسَهما على طهارة  )

الشرح/ إذا أراد أن يمسح على الخفين أو الجوربين يلزم أن يلبسَهما بعد طهارة،

فلو لبسهما على غير طهارة: فإن المسح غيرُ صحيح، ومن ثَمَّ فإن صلاتَه غيرُ صحيحة،

 فلا بد أن يكونَ بعد طهارة، لأن النبي ﷺ كما في الصحيحين لما أهوى المغيرة لخلع خفيه قال:

” دَعْهُمَا، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْن “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

( ولا يمسحهما إلا في الحدث الأصغر )

الشرح/ المسحُ لا يكونُ إلا في الحدَث الأصغر، فلا يكونُ في الحدَثِ الأكبر،

 بمعنى: أنه لو كان عليه الخُفّان ثم أحدَثَ حَدَثًا أكبر كأن يُجنِبَ، فإنه لو شاء أن يغسِلَ جميعَ بَدَنِه، وقال: القدمان مستورتان بالجورب فأنا أمسح عليهما، نقول: هذا المسحُ لا يصح،

لأنه مسْحٌ في الحدث الأكبر، وإنما المسح المجزئ يكونُ في الحدث الأصغر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

( عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ” إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة ” رواه الحاكم وصححه ) .

فهذا دليل يدل على ما ذُكِرَ من اشتراط الطهارة في المسح على الخفين، ومن اشتراط صحة المسح في الحدث الأصغر دون الحدث الأكبر.

 وإذا قال الراوي ( مرفوعا ) فمقصودُه: أن هذا القول من رسول الله ﷺ ، فهو يرفعُه إلى رسول الله ﷺ، فليس من قول الراوي أو الصحابي، وإنما هو من قولِ النبي ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( فإن كان على أعضاء وضوئه جبيرة على كسر، أو دواءٌ على جرح، ويضره الغسل : مسحه بالماء في الحدث الأكبر والأصغر حتى يبرأ ) .

الشرح/ لما ذكر المصنف رحمه الله ما يتعلق بالمسح على الخفين، ذكر ما يتعلق بالجبيرة.

 والجبيرة: هي عبارة عن أعواد ويُلفُّ عليها بِخِرقَة على العضو المكسور، وهي تسمى ( كسيرة ) لكنها سُمِّيت ( جبيرة ) من باب التفاؤل بأن يَجبُرَ اللهُ سبحانه وتعالى كَسْرَ هذا الكسير.

 

فالجبيرة تأتي فجأة، ويدخُل ضِمنها ما يسمى بـ [ الجِبْس ] الذي يوضع في المستشفيات.

فإن هذه الجبيرة تأتي فجأة ومن ثَم: لا يشترط لها طهارة،

 ويكون المسحُ عليها في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر

ويكون المسح عليها من جميع الجوانب دون جهة، وإنما من جميع جوانبها، فلا يدع شيئا منها.

 

ومما يدل على صحة المسح على الجبائر:

 قول النبي ﷺ: ” لما كان هناك رجل بين طائفة من أصحابه فأجنب وكان قد أصابه جُرح، فسألهم: هل يجدون له رخصة في التيمم؟ قالوا: لا ، فاغتسَل فأثَّرَ فيه هذا الغُسل فمات ، فقال النبي ﷺ: شفاء العي السؤال، وإنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جُرحه خِرقة ، ثم  يمسح عليها “

 وهناك حديث عن علي رضي الله عنه يؤكد ويقرر هذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله ( أو دواء على جُرح ) كذلك ما يشبه الجبائر: الدواء الذي يكونُ على الجروح، فإن الجبيرةَ إذا لم يتمكن الإنسان من خَلْعِها أو خاف بخَلْعِها الضرر، وكذلك الجُرح الذي يكون عليه دواء، لو أزال الدواء لتأثّر بالغَسْل، فهنا: يمكن أن يمسح على هذا الجرح الذي عليه دواء أو الذي عليه خِرقة ولا بأس بذلك،

 أما إذا كان هذا الجُرح لو أزيل عنه الدواء وغُسِلَ لم يتأثر:

 فيلزمه أن يُزِيلَه وأن يَغسِلَه، فالقضية متعلقة بالمشقة من عدمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قال المؤلف رحمه الله:أ

 ( وصفة مسح الخفين: أن يمسحَ أكثرَ ظاهرهما ) .

المسح على الخفين أتى رُخصة وتوسعة من الشرع على المسلم، ومِن ثَم فإن المسح لا يكونُ على جميع الجورب بخلاف الجبيرة فإنه يكون على جميعها- كما أسلفنا- بينما الخف: يكونُ على ظاهره،

 تكون يداه مبلولتين بالماء، ثم يضع يدَه اليمنى على رِجْلِه اليُمنى، ويدَه اليُسرى على رِجْلِه اليُسرى مِن فوق، ثم يضع يده من أطراف أصابع القدم إلى الساق، يمسحُ الظاهر الأعلى، أما مَسْحُ باطن الخف أو العَقِب فإنه لا يدل عليه دليلٌ صحيحٌ ولا سيّما باطن القدم، ولذلك قال علي رضي الله عنه:

” لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخفِّ أولَى بالمسحِ من أعلاهُ، وقد رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ يمسحُ على ظاهرِ خفَّيهِ “

ولذا لو اقتصر على مسح باطن الخف أو على العقب ولم يمسح الظاهر: فإن مسحه غيرُ صحيح.

 

وتكونُ الأصابع متفرقة أثناء المسح على ظاهر الخفين: لورود آثار موقوفة تدل على هذا الفِعل،

 وهذا يدل على: أن الأمر في المسح على الخفين يدل على السَّعَة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

( وأما الجبيرة : فيمسح على جميعها )

الشرح/ ( وأما الجبيرة : فيمسح على جميعها ) لم؟

 لأنها ليست رخصة وإنما هي عزيمة، لأنها أتت فجأة، فلما أتت فجأة فإنها لا يُشترط فيها ما يشترط في المسح على الخفين،

فإن المسحَ على الخفين يشترط فيه:

أولا/ [ التوقيت ] فيكون ( يوماً وليلة للمقيم وثلاثةُ أيام بلياليهن للمسافر ) بينما الجبيرة لا يشترط هذا.

ثانيا/ المسح على الخفين يكون في الحدث الأصغر، بينما المسح على الجبيرة يكون في الحدَثين كليهما.

ثالثا/ المسحُ على الخفين يكونُ على أكثرِه وعلى ظاهرِ الخف، بينما الجبيرة يكون على جميع جوانبها.

رابعا/ المسح على الخفين يُشترط أن يسبقَه وُضوء – يكونُ متطهرا – بينما الجبيرة لا يشترط ذلك،

 لأنها تأتي فجأة فيحتاجُ الإنسان بل يضطر إلى أن يُعالَجَ في حينِه ولا يكونُ عندَه وقتٌ للوُضوء.