الدرس ( 97 )باب شروط الصلاة ( 19) ( حكم لبس الذهب المحلق للنساء وحكم ثقب آذانهن لذلك )

الدرس ( 97 )باب شروط الصلاة ( 19) ( حكم لبس الذهب المحلق للنساء وحكم ثقب آذانهن لذلك )

مشاهدات: 423

بسم الله الرحمن الرحيم 

باب شروط الصلاة – سَتر العورة

الدرس السابع والتسعون من الفقه الموسع 

لفضيلة الشيخ زيد البحري 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على النقيض -مما ذكرنا في الدرس السابق- يأتي الألباني رحمه الله فيرى أن الذهب المُحَلَّقَ مُحرم على النساء، والذهب المحلق، مثل: الخاتَم، مِثلُ: السوارة التي تُوضَعُ في اليد، مِثلُ: القِلادة التي تُوضَعُ في الرقبة، فيرى رحمه الله أن هذا النوعَ محرمٌ على النساء، ويستدل بما يأتي، وقد ذَكَر رحمه الله هذه المسألةَ في كتابه آداب الزفاف، وذَكَر أدلته وأدلة مَن قال بالجواز، وأجاب عنها بأجوبة؛ لكنني ألحَظ أن بعض أدلة من قال بالجواز لم يذكُرها حسب ما رأيت في كتب الحديث، ثم إن في بعض أجوبته فيها ما فيها، وعلى كل حال سنورِدُ ما ذَكَرَه رحمه الله، وما أجاب به، ونذكُرُ ما يعضُدُ قولَه:

الدليلُ الأول/ وقد مر معنا في مسائلَ سابقة: ما جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قولُ النبي ﷺ:

” مَن أحبَّ أن يُحلِّق حَبيبَه حَلْقةً من نار فلْيحلِّقْه حَلْقةً من ذهب، ومن أحبَّ أن يطوِّقَ حبيبَه طوقًا من نار فلْيطوِّقْه طوقًا من ذهب، ومن أحبَّ أن يسِّورَ حبيبَه سِوارًا من نارٍ فليسوِّرْه سِوارًا من ذهبٍ “.

الدليلُ الثاني/ ما جاء في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي: أن النبي ﷺ دخل على بنت هُبَيرَة، وفي يدها خاتَمٌ مِن ذَهَب، فقال ﷺ وهو يضربُ الخاتم بعود، قال: خاتَمٌ من نار، فشَكَت إلى فاطمةَ رضي الله عنها، فدخل النبي ﷺ ذات يوم على فاطمة وإذا في يدها سِوارٌ مِن ذهب، فقال ﷺ: أيَسُرُّكِ أن يُقال إن في يد فاطمةَ بنتِ محمد سِواراً من نار، فلامها ﷺ لوماً شديداً، ثم قامت رضي الله عنها ببيع هذا السوار فقال ﷺ ” الحمد لله الذي أنقذ فاطمةَ بنت محمد من النار “.

الدليلُ الثالث/ ما جاء عند النسائي: عن عائشة رضي الله عنها: ” رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي يَدِيَ قُلْبَيْنِ مَلْوِيَّيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ ﷺ: أَلْقِيهِمَا عَنْكِ، وَاجْعَلِي قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَفِّرِيهِمَا بِزَعْفَرَانَ “.

الدليلُ الرابع/ ما جاء في المسند عن أمِّ سَلَمة رضي الله عنها: أنه النبي ﷺ رأى عليها شعائر من ذهب ” أي: في رقبتها مِثلُ حبة الشعير قد علقَتها في رقبتها، فَذَكَر نحواً مما ذكره عن عائشة رضي الله عنها.

الدليلُ الخامس/ ما جاء في سنن أبي داود قوله ﷺ: ” يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ بِهِ ؟ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ “

الدليلُ السادس/ ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه: ” أن ابنته شكت اليه: ” يَا أَبَتِ، إِنَّ الْبَنَاتَ يُعَيِّرْنَنِي يَقُلْنَ: لِمَ لَا يَحْلِيكِ أَبُوكِ بِالذَّهَبِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، قُولِي لَهُنَّ: إِنَّ أَبِي يَخْشَى عَلَيَّ حَرَّ اللَّهَبِ “.

الدليلُ السابع/ ما صح عن عمر بن عبد العزيز أن ابنته أرسلت اليه بلؤلؤة، وقالت له: ألا تُرسل إليّ مثلَها، فأرسل إليها جمرتين وقال: إن استطعتِ أن تتحلي بهما أرسلت إليك بأخرى.

الدليلُ الثامن/ ما جاء عند أبي داود: ” نَهَى النبي ﷺ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلاَّ مُقَطَّعًا “

فقال: إن المقطّع خِلافَ المُحَلّق.

ــــــــــــــــــــ

القولُ الثاني: أنه يجوز لُبس الملّحق، وأدلة الجماهير وليس الجمهور:

الدليلُ الأول/  الإجماع على جواز لبس الذهب للنساء بجميع أنواعه وأشكاله، وقد نقل الإجماعَ البيهقي رحمه الله وابنُ حجرٍ في الفتح.

الدليلُ الثاني/ عموم الأدلة التي جاءت بجواز لبس الذهب للنساء مِن غير استثناء، والأدلةُ كثيرة منها:

حديث أن النبي ﷺ رفع الذهب والحرير وقال: ” هذان حِلٌّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِها “

الدليلُ الثالث/ ما جاء عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن امرأةً، وفي رواية النسائي: “أنها من أهل اليمن”، ” أن امرأةً دخلت على النبي ﷺ وفي يد ابنتها مَسَكَتان ” يعني: سوارين من ذهب، فقال ﷺ:

” أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال ﷺ: أتحبين أن تسوري بسوارين من نار يوم القيامة؟ “

وسؤالُه ﷺ إنما هو للزكاة فلم يُنكِر عليها.

الدليلُ الرابع/ ما جاء عند أبي داود: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ” كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ “

أوْضَاحًا: وهي التي توضع في اليد.

الدليلُ الخامس/ وهذا لم يذكره الألباني رحمه الله: ما جاء عند أبي داود:

“عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حِلْيَةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ أَهْدَاهَا لَهُ، فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، قَالَتْ : فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعُودٍ مُعْرِضًا عَنْهُ، أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ ابْنَةَ أَبِي الْعَاصِ ابْنَةَ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فَقَالَ : ” تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ “.

الدليلُ السادس/ ما جاء عند البخاري: ” أن النبي ﷺ لما خطب بالرجال، أتى إلى النساء و وعظهن وأمرهن بالصدقة، فكانت المرأة تلقي قُرطها وخُرصَها ” والقُرط: هو الذي يُعَلقُ في الأذن.

الدليلُ السابع/ أن عائشة رضي الله عنها استعارت قلادةً من أسماء، فافتقدتها فنزل بسبب هذا آية التيمم، ولذا بوب البخاري فقال رحمه الله ( باب استعارة القلائد ) ( باب السخاب والقلائد ) فيشير رحمه الله إلى أنه جائز للنساء.

الدليلُ الثامن/ ما جاء عند البخاري مُعَلَّقاً أن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس خواتيمَ الذهب.

الدليلُ الثامن/ الذي يستدل به جماهيرُ العلماء على جواز الذهب المحلّق ( أن القاسَم بن محمد ) وهو ابنُ أخي عائشة، محمد بن أبي بكر، قد روى: أن عائشة رضي الله عنها تلبس خواتيم الذهب، كما جاء عند البخاري مُعَلّقاً، وَوَصَله ابنُ سَعْد، وسَكَتَ عنه ابنُ حجر، وحسنه الألباني رحمه الله .

فهذه أدلةُ كلِّ قول، ولا شك أنها أدلة قوية لمن قال بالقول الأول، ولمن قال بالقول الثاني،

 نأتي على المآخذ على كل دليلٍ استدل به أصحابُ كلِّ قول:

نأتي إلى القول الأول: الذي يراه الألباني رحمه الله وهو تحريمُ الذهب المحلق على النساء:

الدليل الأول: حديث ” مَن أحبَّ أن يُحلِّق حَبيبَه حَلْقةً من نار فلْيحلِّقْه حَلْقةً من ذهب …” الحديث.

مر معنا هذا الحديث فيما سبق، وقلنا: إنه حديث منسوخ، وذلك بأن الذهبَ بجميع أنواعه كان محرماً على النساء فأبيح لهن بعد ذلك الذهب، والذي أبيح وقتَ التحريم إنما هو الفضة، لقوله في آخر الحديث:

” وَأما الْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا”

وكنا قد ذكرنا هذا الحديث في مسألةٍ تقول:

 إن الأصل في الفضة التحريم على الرجال، خلافاً لما ذهب إليه شيخُ الإسلام رحمه الله وابنُ عثيمين، فيكون الجواب عن هذا الحديث: أنه منسوخ، وبما أنه منسوخ فإنه لا يؤثر في الحكم.

وأجاب الألباني رحمه الله: بأن هذا الحديث ليس منسوخاً، وإنما هو مُحكَم لم يَجرِ عليه نَسخ، وقد قال رحمه الله: إن ابن القيم لمّا ذَكَر الأحاديثَ المنسوخة، قال: ولم يتفق العلماء على نسخ عشرةِ أحاديث ولا على شَطْرِها كما في اعلام الموقعين، ولم يذكر من جملتها هذا الحديث، فيكون هذا الحديث محكماً.

والجواب عن هذا: أن ابن القيم رحمه الله لا يرى صحةَ هذا الحديث، هذا فيما فهمته حينما ذكر مسألة الذهب المحلّق، فقال في تهذيب السنن، عارضاً للأدلة: ذكر رحمه الله أن ابن القطان أعلّ جميع هذه الأحاديث، التي جاءت بتحريم الذهب المحلّق،

 وبالتالي: فإنه لا وجه أن يَذكُرَه رحمه الله من أنه من الأحاديث المنسوخة.

 وأما الجواب عن تضعيف هذا الحديث، فإنه يقال: إن ابن القطان أعلّ هذه الأحاديث وصححها غيرُه، وقد ذكر المحدثون أن ابن القطان رحمه الله كان متشدداً في الرجال، فلعله من هذه الحيثية أعل هذه الأحاديث؛ لكن العجب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض لكلام ابن القطان،

 ولو قيل بصحة الحديث وبما ذهب إليه الألباني رحمه الله من عدم النسخ، فإنه يهدِمُ علينا مسألتَنا السابقة وهي مسألة: أن الأصل في الفضة التحريمُ على الرجال إلا ما جاء به الدليل، وهذه مشكلة،

 وقبل الجواب نقول إن كلمة: ” مَن أحبَّ أن يُحلِّق حَبيبَه ” ليست للذكر، وإنما هي تكون للذكر والأنثى، لأن ما على وزن فعيل يصلح للرجال وللنساء

كما يقال: رجل قتيل، وامرأة قتيل. ولا تقل: امرأةٌ قتيلة

ويؤيد هذا ما جاء في مسند الإمام أحمد: ” من سَرَّه أن يُحَلِّقَ حبيبتَه ” وإذا كانت هذه الرواية بلفظ:

” من سَرَّه أن يُحَلِّقَ حبيبتَه ” فنقول: إن هذه الرواية تبين أن الحبيب في الرواية الأولى هو الأنثى، لأن حبيبه مطلقة، تُطلق على الذكر والأنثى فتُقيد بهذه.

فلو قال قائل: جاء في معجم الطبراني قوله ﷺ: ” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ وَلَدَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ “؛ والولد: يشمل الذكر والأنثى ، فما هو الجواب؟

الجواب كما قيل فيما سبق: أن الولد يطلق على الذكر والأنثى ويُقَيّد برواية: ” حبيبتَه ” وهذا على افتراض صحة الحديث لأن الحديث فيه رواية: ” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ وَلَدَهُ ” حديثٌ ضعيف كما ذَكَر ذلك الهيثمي في مَجمَع الزوائد.

ولو قال قائل: لم قيدتم مع أن ظاهر الروايتين الجمع، فيكون محرما على الذكور والإناث، وبالأخص الإناث، والقاعدة في الأصول: أن ذِكْرَ بعض أفراد العام لا يدل على التخصيص، كما لو قيل: أكرِم المصلين، ومن بين هؤلاء المصلين محمد، فلو قيل: أكرِم المصلين، وقيل: أكرم محمدا وهو من المصلين، أيُفهم من هذا أن محمداً يُخَصُّ بالإكرام دون غيره من المصلين؟ أم أن الإكرام يكونُ للجميع ولكن يُخَص محمد بمزيد اهتمام؟ فتكون رواية ” حبيبتَه ” من باب الاهتمام، وعدنا إلى أيضاً مسألتنا السابقة وما زلنا فيها:

والجوابُ عن هذا: على افتراض ما ذُكِر، وهذا من باب التسليم:

 أن هذه المذكور من الإشكالات الواردة على هذه الروايات، نقول: إن النص لا يحتمل أن يدخُلَ الذكر حتى ولم لم تأتِ رواية ” حبيبتَه ” فضلاً عن هذا الكلام كله، فلو لم يرد إلا كلمة: ” حَبيبَه ” فإننا نحملها على الأنثى دون الذكر، لمَ؟

لأن الحَلْقَةَ والسِّوَارَ والطوقَ، مِن مَلبوسات النساء لا من ملبوسات الرجال، وبهذا نسلم وتسلم مسألتُنا.

ولو اعترض معترض: في مسألة أن الأصل في الفضة هو الجواز للرجال، لو اعترض بحديث أنس عند أبي داود قال: ” كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ فِضَّةٍ “؛ فما هو الجواب؟

 الجواب: أننا لا نُحَرِّمُ لُبسَ الفضةَ على الرجالِ مطلقاً، وإنما نقول بالجواز حيثُ ورد دليلُ الجواز،

 ثم إن قبيعةَ السيف يُجاب عنها بما أجبنا بما أُثِرَ عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:

” كَانَ لَهُ سَيْفٌ فِيهِ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَب “

وهو: أنه يجوز في حال الحرب ما لا يجوز في حال السِّلْم، ولذا جاز الكذبُ في الحرب،

 وجاز لُبس الحرير في الحرب، وجاز الخُيلاء في الحرب.

أما هذا الحديث وهو دخول النبي ﷺ على بنت هُبَيرة، ثم دخولُه على ابنته فاطمة:

 فإن هذا الحديث يُجاب عنه بما أجاب عنه ابنُ القطان وهو الضعف، على التسليم بقوله،

 وعلى عدم التسليم بقوله: فيكون هذا الحديث منسوخاً، ما الذي نسَخَه؟ حديث أن النبي ﷺ رفع الذهب والحرير وقال: ” هذان حِلٌّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِها “

 

أما ما جاء عند النسائي: أن النبي ﷺ رأى على عائشة قلبين من ذهب، فقال ﷺ: ” أَلْقِيهِمَا عَنْكِ، وَاجْعَلِي قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَفِّرِيهِمَا بِزَعْفَرَانَ “، هذا الحديث يجاب عنه بما أجاب عنه ابن القطان، وعلى عدم التسليم فيكون الحديث منسوخاً، لكن الألباني رحمه الله يرفض مسألة النسخ، ويقول:

 لم لا تُحمَل الأحاديث المطلقة على المقيدة؟

فيكونُ الجائز من الذهب غير المحلق، وهذه الأحاديث في المحلق، ولا داعي -على قولِه- للنسخ، ولا دليل عليه من حيث التاريخ،

 لكن يُجاب عن هذا: بأنّا نرى هذه القاعدة وهو ( أن الأصل عدمُ النسخ ) لأن القاعدة في الأصول ( أن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما )

لكن يقال: بأن هذ الحديث وقع لعائشةَ رضي الله عنها، وعائشةُ كما ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه أنها كانت تلبس بعد وفاة النبي ﷺ خواتيم الذهب

 يأتي الألباني رحمه الله ويقول الأصح منها رواية: ” كانت تلبس المذهب والمعصفر “

ويجاب عن هذا: بأن الروايتين صحيحتان، فنَعكِسُ عليه، ونقول: قلتَ فيما سبق تُحمَل الأحاديث المطلقة على المقيدة، ففي الرواية التي رأيتَ أنها أصَح وهي رواية أنها (كانت تتختم بالمُذَهّب والمُعصفَر) نقول: هذا المُذَهَّب هي الخواتيم.

أيضاً حديث أم سلمة يُجاب عنه بما أجيب عنه مسبقاً: مِن كلام ابن القطان، أو من النسخ.

أما ما جاء عند أبي داود وهو قوله ﷺ: ” يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ بِهِ ؟ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ “

فالجواب عن هذا الحديث: أنه حديث ضعيف، ويضعفه الألباني رحمه الله، وهذا الدليل يصلح أن يُقال إن تحريم الذهب المحلق على امرأةٍ اظهرته افتخاراً، لكن هذا الحديث ضعيف، فلا يصلح للاستدلال به على تحريم المحلق أو على جوازه.

ولذلك لو صح هذا الحديث لكان فيه نهياً للمرأة أن تُظهِرَ زينَتَها وهذا مخالف للآية في قوله تعالى:

 {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}

أما الأثر المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: لما شكت اليه ابنته فقالت: ” يَا أَبَتِ، إِنَّ الْبَنَاتَ يُعَيِّرْنَنِي يَقُلْنَ: لِمَ لَا يَحْلِيكِ أَبُوكِ بِالذَّهَبِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، قُولِي لَهُنَّ: إِنَّ أَبِي يَخْشَى عَلَيَّ حَرَّ اللَّهَبِ “.

هذا يستدل به الألباني رحمه الله على أن الإجماعَ مخروق، الذي استدل به مَن قال بالجواز كما نقله البيهقي وابن حجر،

 ولا شك أن الإجماع الذي استدل به سيأتي له كلام، لكن يجاب عن هذا الأثر:

 بأنه لا ذِكْرَ للمحلق هنا، وإنما هو شامل، ومن ثَم فإنه رأيٌ يراه أبو هريرة رضي الله عنه، فلو قيل بعمومه لما جاز المحلّق ولا غير المحلّق.

أما أثر عمر بن عبد العزيز مع ابنته لما أرسلت إليه بلؤلؤة، فقالت: إن شئت أن تبعث الي بأخرى فأرسل إليها بجمرتين، وقال: إن استطعتِ أن تتحلين بهما بعثت إليك بأخرى

فالجواب عن هذا: أن اللؤلؤة لا يَلزم منها أن تكون مُحَلّقَة، فقد تكون لؤلؤة مُقَطّعَة تُوضَعُ في الثوب، لكن يقول الألباني رحمه الله: إنها لما طلبت منه أخرى دل على أنها تُوضَعُ في الأذنين.

ويجاب عن هذا: بأنه ليس هناك تصريحٌ قوي أو قرينة قوية لمَ؟

لأنه ربما أن توضع لؤلؤتان في اللباس ويكون الجمال بهما في هذا اللباس أظهر من واحدة،

 ثم يقال: أين التنصيصُ على أنها من ذهب؟ فيقول رحمه الله: يظهر أنها مِن ذهب بناءً على إرساله للجمرتين، لأن الجمرتين شبيهتان في المنظر بالذهب.

والجوابُ عن هذا: أنه ليس فيه تصريح قوي ولا قرينة قوية، ومُعَوَّلُه رحمه الله ليس على هذه الآثار وإنما على الأحاديث السابقة،

لكنه أراد بهذين الأثرين أنه ليس هناك إجماع على جواز لُبس الذهب المحلق

أما حديث: ” نَهَى النبي ﷺ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلاَّ مُقَطَّعًا “، فيجابُ عن هذا الحديث بما يأتي:

أولا/ أن هذا الحديث ليس مُجمعا على صحته، ولذا فإن الإمام أحمد رحمه الله يقول: ” إن فيه رجلاً لا يُعرَف “، وأظن أن البخاري أعَلّه بالانقطاع، وإذا ضَعُفَ هذا الحديث فإن مسألةَ شيخِ الإسلام رحمه الله في لُبس أربع أصابع من الذهب على الرجال فما دون جائز، تكونُ مسألةً ظاهرة في التحريم، وأنها مسألةٌ مرجوحة.

والجواب الثاني/ على افتراض صحته: أن الألباني رحمه الله اضطرب في حمْلِ هذ الحديث، فإنه رحمه الله قال في موضع قال: إنه في المُقَطع، مثل السن ومثل الأزرار ومثل الكبك، فهذه تتجملُ بها المرأة،

 وفي موضع آخر قال: إن هذا الحديث يُحمل على ما دعت إليه الضرورة، فهنا: اختلف الرأي.

وأما أدلة جماهير العلماء:

 الدليل الأول/ الإجماع، أما الإجماع فإن الإمام أحمد رحمه الله وهو يتحدث عن الإجماع بعمومه ليس في هذه المسألة يقول: ” وما يدريك أنهم اجتمعوا لعلهم اختلفوا وأنت لا تعلم “

ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الوسطية: الإجماعُ المنضبط هو ما كان في صدر هذه الأمة لما كان الصحابةُ رضي الله عنهم في الحجاز وأما بعد تفرقهم في البلدان فإنه ليس منضبطاً، لأنهم لما كانوا في الحجاز تُسمَعُ أقوالُهم، وبعضُهم قريبٌ من بعض، لكن لما تفرقوا وما يدريك لعل أحدهم رأى برأي أخر، ومن ثم: فإن في هذا الاستدلال قد يكون فيه نظر، لكن ناقله البيهقي وناقله أيضاً ابن حجر، لكن ابن حجر كان دقيقاً في العبارة، أظن أنه قال حكي بالإجماع أو ما شابه ذلك، ليس بعبارة صريحة وبالتالي فإنه لا يعول على هذا الدليل تعويلاً كاملاً.

الدليل الثاني: عموم الأدلة التي جاءت بإباحة الذهب بجميع أنواعه للنساء، لكن الإشكال الذي قد يورد عليه ما أورده الألباني رحمه الله من أنها أحاديث مطلقة فتُحمل على المقيد.

وما جاء في السنن من قصة تلك المرأة التي دخلت ومعها ابنةٌ لها وفي يد ابنتها مَسكتان، يعني: سوارين من ذهب، فقال ﷺ: ” أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال ﷺ: أتحبين أن تسوري بسوارين من نار يوم القيامة؟ “

الألباني يرى صحته، وأجاب الألباني عن هذا الحديث بقوله: إنها قضية عين أفادت وجوبَ الزكاة لا غير

ويجاب عن جوابه رحمه الله: لو سلمنا بأنها قضية عين في هذه المسألة، لأن قضية العين التي لا عموم لها كما يذكرها بعض العلماء لا تؤخذ على إطلاقها حتى لا نُبطل أحكاما، وإنما نذهب إلى الجمع بين الأدلة، وعلى كل حال لو سلمنا بهذا فنقول: ماذا تصنع بحديث أم سلمة رضي الله عنها قَالَتْ: ” كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ “؟!

وماذا تصنع بقوله ﷺ لأمامة بنت ابنته إذ قال: ” تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ “؟! وليس فيه ذِكْرُ الزكاة

فخلاصةُ القول: أنه يجوز للنساء أن يلبسن الذهب المحلق لما يأتي:

قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} فإن أعظمَ ما تتجملُ به المرأة هو المُحَلق فإذا مُنِعَت مِن المحلق، فأي زينةٍ تتزينُ بها المرأة؟ أتتزين بِزِر؟ بِكَبَك؟

ثانيا/ عموم الأدلة التي جاءت بإباحته.

ثالثا/ فِعلُ عائشة رضي الله عنها.

ثم في نهاية المسألة الألباني رحمه الله انفرد في هذا العصر بهذا القول، وقد نقل عن البغوي رحمه الله أنه قال: وكرهه قوم، ولم يُفصِح البغوي مَن هم هؤلاء، فقال الألباني رحمه الله ينبغي أن تحمل الكراهة هنا على كراهة التحريم.

ثم إن في تصحيحه لحديث: ” نَهَى النبي ﷺ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلاَّ مُقَطَّعًا “، يقال: إن هذا الحديث لم يُتفق فيه على معنى واحد شيخ الإسلام رحمه الله: يرى أنه أربعُ أصابع فما دون للرجال، ومرت المسألة،

 وآخرون: يرون أن الذهب المقطع يجوزُ القليلُ منه دون تقييد للرجال والنساء،

 والألباني رحمه الله: يرى أنه محصور في النساء مرةً ومرةً أخرى يرى أنه للضرورة،

 ولذا تبويب البخاري رحمه الله يدل على الجواز، وقد بوب أبواباً متنوعة في الذهب المحلق ( باب استعارة القلائد )( وباب لبس خواتيم الذهب ) ( وباب القلائد والسِّخاب )

فإذا خلصنا من هذه: أيجوز أن تَثقُب المرأة ثقبا في أذنها لتتحلّى بالقرط أم لا؟

إن ذهبنا إلى ما ذهب إليه الألباني رحمه الله: فلا يجوز،

 وإن ذهبنا إلى خلاف ما ذهب إليه وهو الذي عليه جماهير الأمة، فإن العلماء اختلفوا في هذا:

قال بعض العلماء: يحرم أن تثقب المرأة اذنها، هكذا ذكره ابن حجر رحمه الله في الفتح ولم يذكر دليلاً لهم، ولكن قد يُستدل لهم بما جاء عند البخاري أن النبي ﷺ ( نهى عن المثلة ) وهذا فيه مثلة،

وقال بعض العلماء: يكره.

وقال بعض العلماء: يجوز، وهو الراجح؛ وأدلة هذا القول كثيرة منها:

ما جاء عند البخاري ( أنه ﷺ وعظ النساء فجعلت المرأة تلقي بقرطها ) وأجيب عن هذا: بأن هذا الثقب قبل الإسلام فهو موجودٌ في آذان هؤلاء النساء قبل الإسلام، بدليل ما جاء في حديث أم زرع في الصحيحين: ” أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ” يعني: أن أبا زرع أعطاها من الحلي ما جعلها تتحلى في أذنها بحلي لكثرتها يُسمع لها صوت وحركة إذا مشت.

والجواب عن هذا / أن هذا الحديث وهو حديث أم زرع ذَكَره ﷺ ولم ينكره فدل على الجواز ولو كان محرماً لبينه النبي ﷺ للنساء، لأن هذه عادة على حسب قولهم: هذه عاده موروثه في الجاهلية، فلو كانت محرمة لبينها ﷺ كما بين ﷺ أمور شتّى كانت موجودةً في الجاهلية، فلو كانت هذه مما استُورِثَت من الجاهلية لبينها ﷺ ،لأن القاعدة الأصولية تقول: (إن تأخير البيان منه ﷺ عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه ﷺ )

ومِن ثَم: فإن بعض العلماء قال بالكراهة.

 إذاً نخلص من هذا إلى أن القول الراجح في هذه المسألة:

 أنه يجوز تثقيب أذن المرأة، والأفضل أن يكون هذا في الصغر لأنه أسرع في البَرء.

 ومما يدل على الجواز: ما جاء في معجم الطبراني الأوسط أن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

 أمور من السنة ذكر منها ( ثَقْبُ أذن الصبي ) وهذا ذكره ابن حجر رحمه الله في الفتح ولم يتعرض له، وقاعده ابن حجر في الفتح أنه إذا سكت عن الحديث كما قال في المقدمة أنه مما يُحتج به إما أن يكون حديثاً صحيحاً أو حديثاً حسناً عنده رحمه الله.

 ولكن المُشكِلَ على هذا أنه ذَكَرَ الصبي: ومعلوم أن الصبي ليس من لبسه القُرط، لكن إن صح هذا الحديث: فإن المرأة أولى بهذه السنية التي ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما من الصبي، لأنها محتاجة إلى الجمال.

 وأما ما جاء عند البخاري من ( نهيه ﷺ عن المثلة ) فإن المُثلة قد تجوز مع الحاجة المُلِحَّة، ولذا هو ﷺ في أمْر النسك أجاز أن تُشْعَرَ الإبل، فكان ﷺ يأتي بالسكين ويَسلُت سنامَها من أجل أن يُعلَم بأنها هديٌ، فانغمرت مفسدة المُثلة في هذه المصلحة، ويُقال في هذا ما يُقال في أمر الاشعار، مع أن الثُّقْبَ ليس كالإشعار، فالإشعارُ أشد لأن فيه طعناً وسَلْتاً للدم، بينما هنا إنما فيه تثقيبٌ.

 وقال من قال بالتحريم: قال: لماذا يُقدَمُ على هذا مع أن المرأة يمكن أن تتجمل بهذا القُرط بأن تجعل أصله في شعرها ويتدلى عند أذنها؟!

 هذا ما ذُكِرَ حول هذه المسألة، مع أن النصوص السابقة التي جاءت بجواز الذهب المحلق تدل على الجواز.