الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
ثم قال رحمه الله :
( اعلم – رحمك الله – أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل ، والعمل بها ) .
قوله ( اعلم ) ما ذكرناه هناك يُذكر هنا ، ثم أتى بعبارة رقيقة ( رحمك الله ) وهذا أسلوب كما قلت ينبغي للداعية أن يأخذه .
( يجب ) الوجوب هنا كما أسلفنا وجوب عيني ، يعني يجب على كل شخص بعينه ، ما هن هذه المسائل الثلاث ؟
( الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا ، بل أرسل إلينا رسولا ، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ) .
هذه هي المسألة الأولى ( خلقنا ) قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 ( ورزقنا ) ما الذي بعد هذه الآية ؟ { مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } الذاريات57 ، وإذا ذُكر خلق الله سبحانه وتعالى والأمر بالعبادة تجد أنه سبحانه وتعالى غالبا ما يذكر الرزق ، يدل على ماذا ؟ يدل على أنك – يا عبد الله – لا تشقى ولا تتعب عليك أن تبذل السبب في طلب الرزق ولا تلهث وراءه لأنك مخلوق لعبادته سبحانه وتعالى وبما أنه خلقك لعبادته فسيأتيك رزقك ما دمت حيا لكن بفعل السبب ،{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{16} إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون } والآيات في هذا المعنى كثيرة {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }البقرة29 ،من أجل أن نعبده سبحانه وتعالى فهو خلقنا ولم يتركنا هملا بل نحن مأمورون بطاعته سبحانه وتعالى ، وأقام علينا الحجة إذ أرسل إلينا رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، والآيات في وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة قال تعالى{ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } النساء80 { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }النساء69 ، فهذه لابد أن تعلق بذهنك أن الله خلقك ورزقك ولم يتركك هملا .
( والدليل : قوله تعالى : { إنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً{15} فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } [ المزمل : 16،15] .
أي الدليل على هذه المسألة ، كما أرسل سبحانه وتعالى إلى فرعون الرسول وهو موسى عليه الصلاة والسلام ليكون شاهدا عليه وعلى قومه كذلك أرسل إلى الناس رسولا شاهدا عليهم فلما عصى فرعون الرسول وهو موسى عليه الصلاة والسلام أخذه الله أخذا وبيلا أي مهلكا شديدا فظيعا فكأنه يحذرنا نحن إذا عصينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَحل بنا مثل ما حلَّ بالإمم السالفة مثل فرعون .
( الثانية : أن الله لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل )
قد يقول قائل : أنا عبدت الله لما خلقني ورزقني ولم يتركني هملا هذه المسألة أثرت فيّ فعبدت الله أيجوز لي أن أُشرك أحدا مع الله في هذه العبادة ؟
الجواب / لا ، ولذا أتت المسألة الثانية ( أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد ) قد تعبده بناء على المسألة الأولى لكن عبادة خالصة له سبحانه وتعالى ( أن الله لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ) إذا كان لا يجوز لنا أن نشرك مع الله لا ملكا مقربا ليس أي ملك ( لا ) ملك مقرب ، ولا هو أي نبي بل نبي مرسل فمن دونهما من باب أولى .
( والدليل ) أي على هذه المسألة الثانية
( قوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18)
( أحدا ) نكرة في سياق النهي فتعم أي أحد لا ملك ، لا نبي لا ملِك ، لا ولي ، لا صنم ، لا وثن ، لا شجر ، لا صديق ، لا أب ، لا أم .
وقوله{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } هي أماكن العبادة وقيل هي مواضع السجود وهي ( الجبهة والأنف واليدان والركبتان وأطراف القدمين ) فلا يجوز لأحد أن يشرك مع الله في أماكن العبادة ولا أن يسجد لغير الله بأعضاء سجوده .
( الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حادّ الله ورسوله ، ولو كان أقرب قريب )
أثرت فيك المسألة الأولى عبدت الله ، أثرت فيك المسألة الثانية فلم تُشرك مع الله أحدا ، تأتي المسألة الثالثة المهمة وهي أن نحب مَنْ أحب الله وأن نعادي من عادى الله لأن هذا من كمال الإيمان ومن أسس الإيمان ولو كان هذا المشرك أقرب الناس إليك، فالقرابة الحقيقة هي قرابة الدين أم قرابة النسب ؟ قرابة الدين ، ما الدليل على هذه المسألة؟
( والدليل : قوله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ } يحبون { مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } يعني قبائلهم { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ } والشيء المكتوب يبقى كثيرا ويدل على أن من طبَّق المسألة الثالثة يدل على أن الإيمان قد وقر في قلبه ، ما الثمرة الثانية ؟ { وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } بقوة { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ } هذه الثمرة الثالثة { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } الثمرة الرابعة { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } الثمرة الخامسة { أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة 22.
فمن أراد المحبوب وأن يزول عنه المكروه فعليه بتطبيق المسألة الثالثة.
ثم قال رحمه الله :
( اعلم – أرشدك الله لطاعته – أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 )
قوله ( اعلم ) ما قيل فيما مضى يقال هنا ، ثم أتى بدعوة رقيقة واختلفت في الأسلوب عن الأسلوب الماضي قال ( أرشدك الله لطاعته) لأنه قد أقام عليك الحجة بذكر المسائل الأربع ثم بذكر المسائل الثلاث فما عليك إلا أن تطيع الله فهو يدعو الله أن يرشدك الله لطاعته سبحانه وتعالى ( أن الحنيفية ملة إبراهيم ) ما هي ؟ ( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ) كل يتمنى أن يكون من أتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن الأمم السالفة تدعي مثل اليهود والنصارى تدعي أنها على ملة إبراهيم فرد الله سبحانه وتعالى عليهم ، لم ؟ لأنهم لم يتبعوا إبراهيم عليه السلام ، قال تعالى{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران67 ، ولذلك أُمر النبي صلى الله عليه وسلم وأُمرنا باتباع ملة إبراهيم { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، فإذا أردت أن تعرف ملة إبراهيم الملة الحنيفية الطيبة فما هي ؟ ( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ) ما الدليل على أن الله خلق الخلق لأن يعبدوه العبادة الحنيفية ؟ قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 ، هذا هو المغزى وهذا هو المقصود من خلقنا نحن البشر ، بل ما خُلق في الكون إنما خلق لنا من أجل أن نلهو ؟ أن نعرض ؟ أن نعصي الله ؟ ( كلا ) ما خُلق في الكون إنما خُلق لنا لنستعين به على طاعة الله ، حتى العقارب والحيات ، هذه خُلقت لنا ، ما الفائدة من خلقها ؟ أن نعتبر بها ، أن نتعظ بها ، فهي للعبرة والعظة .
قال رحمه الله :
( ومعنى يعبدون : يوحدون )
فالعبادة هي التوحيد ، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما ( كل عبادة في القرآن معناها التوحيد ) يدل على ماذا ؟ يدل على أن مَنْ قال أنا موحد ، نقول له أين عبادتك ؟ يأتي إنسان ويقول أنا موحد من الموحدين ، نقول : أين العبادة ؟ فإذا لم تكن له عبادة فليس بموحد ، إذاً لماذا فسر يعبدون : يوحدون ؟ ليدل على أن التوحيد هو أن يُعبد الله وأن عبادة الله هي التوحيد وأن ما كان من العبادات التطوعية من نوافل الصوم أو الصلاة أو الزكاة تكمل التوحيد ، بل قال بعض العلماء وهو ابن أبي العز الحنفي [ كل آية في القرآن تدل على التوحيد ] لم ؟ لأن الآية إما أن تكون أمرا بالتوحيد أو أمرا بمكملات التوحيد أو أمرا بواجبات التوحيد أو ذكرا لثواب الموحدين ، وإما أن تكون نهيا عن الشرك الذي هو ضد التوحيد وإما أن تكون نهيا عن مبطلات التوحيد وإما أن تكون ذكرا لعقوبة الله سبحانه وتعالى في المشركين ، فهي إما أن تكون نهيا عن الشرك أو نهيا عما يضاد التوحيد أو ما ينقص التوحيد أو ذكرا لما فعله الله سبحانه وتعالى بمن أعرض عن التوحيد .و اأو
ثم قال رحمه الله :
( وأعظم ما أمر الله به التوحيد )
هذا هو أعظم المأمورات ، ما تعريف التوحيد ؟ ما ذكره رحمه الله بعد ذلك قال رحمه الله :
( وهو إفراد الله بالعبادة )
إذاً العبادة هي التوحيد ، ولكن أي عبادة ؟ خالصة أم مشوبة ؟ خالصة ولذا قال ( إفراد الله بالعبادة )
ثم قال رحمه الله :
( وأعظم ما نهى عنه الشرك ) ما تعريف الشرك ؟ ( هو دعوة غيره معه ) فإذا صرف العبد عبادة لغير الله سبحانه وتعالى يكون بذلك مشركا ، والدليل على أن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد وأن أعظم ما نهى عنه هو الشرك .
( والدليل : قوله تعالى { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }النساء36)
هذه الآية تسمى بآية الحقوق العشرة لأن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها عشرة حقوق ، وأتى المؤلف رحمه الله بما يدل على كلامه ولم يذكر الآية كلها .
{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ } هذا أمر بالتوحيد ، وقدمه على الحقوق الأخرى فدل على أنه أعظم المأمورات ، ثم نهى عما يضاده ، ما الذي يضاده ؟ الشرك ، ولذا قال { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } ، و{ شَيْئاً } تدل على ماذا؟ تدل على أنه لا يجوز أن يشرك مع الله أي شيء ، لأن{ شَيْئاً } نكرة في سياق النهي فتعم أي شيء .