شرح ثلاثة الأصول موسع
تتمة الأصل الثاني (3 )
دليل الحج
الإيمان وأركانه
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله :
(( وأركانه ستة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق معنا بيان الركن :
وهو :
ماهية الشيء الذي بانعدامه ينعدم هذا الشيء
وأركان الإسلام كما سبق خمسة
أما أركان الإيمان فقال هنا :
ستة
وقوله ” ستة ” بهذا التحديد لأن النص النبوي أتى بها
وقوله : (( أن تؤمن بالله ))
هذا هو الركن الأول : الإيمان بالله عز وجل :
وذلك أن تؤمن بتفرده بالربوبية وفي الألوهية وأن له أسماء حسنى وصفات عليا تليق بجلاله وعظمته
لا تماثل صفات المخلوقين
وملائكته :
ـــــــــــــــــ
هذا هو الركن الثاني من أركان الإيمان :
أن تؤمن بالملائكة :
ويكون الإيمان بالملائكة أن تؤمن بكل ما أتى به الشرع عن هؤلاء الملائكة
جملة وتفصيلا :
وذلك أن تؤمن بأنهم ملائكة
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
وأنهم خلق من خلق الله
لا يفترون عن عبادته
وأنهم مخلوقون من نور
ونؤمن بما جاء من نصوص بأسمائهم
وبما أوكلوا به من أعمال
ونؤمن بأن هناك ملكا اسمه جبريل
وميكائيل و إسرافيل
خلاصة هذا :
أن الإيمان بالملائكة أن تؤمن بكل ما جاء به الشرع عنهم جملة وتفصيلا
(( وقوله :
وكتبه )) :/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تؤمن بجميع الكتب السابقة جملة وتفصيلا
فتؤمن بأن الله جل وعلا أنزل كتبا :
كالتوراة
والإنجيل
والزبور
والصحف
وأنها منزلة من عند الله
وأعظم هذه الكتب هو القرآن
وأنه هو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام المعجزة الكبرى
وقوله : (( ورسله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نؤمن بأن الله أرسل رسلا
وهؤلاء الرسل نؤمن بكل ما جاء من الشرع بصفاتهم وأسمائهم وفضائلهم وأنهم يتفاوتون في الفضل
وأن منهم كما سيذكره المصنف في آخر هذا المؤلف أنهم منهم أولو عزم
ونؤمن أيضا بعددهم وقد جاء في المسند وصححه الألباني في المشكاة :
أن عدد الرسل : ثلاث مائة وخمسة عشر
وأن عدد الأنبياء : مائة وأربعة وعشرون ألفا
وقد تتبع بعض العلماء عدد المذكورين في كتاب الله فوجدهم خمسة وعشرين نبيا
وسيأتي للمؤلف حديث عن الرسل
وقوله : (( وباليوم الآخر )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجب ان نؤمن باليوم الآخر
واليوم الآخر ابتداؤه من حين الموت فما يجري بعد الموت فهو من اليوم الآخر
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( القبر أول منزل من منازل الآخرة ))
وقد ذكر شيخ الإسلام في الواسطية :
أن اليوم الآخر هو ما يكون بعد الموت
فيجب الإيمان بما يجري في القبر من نعيم أو عذاب سؤال الملكين الموازين الصراط الحوض الجنة النار
كل ما أخبر به الشرع مما يكن بعد الموت فهو من اليوم الآخر
وبما أن هذا اليوم وذكره يدعو النفوس إلى الطاعة ويرهبها من المعصية يقرن كثيرا بالإيمان بالله عز وجل
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ))
(( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ))
وسمي باليوم الآخر :
لأنه لا يوم بعده
وقد قال بعض المفسرين :
أنه اليوم العقيم لأنه لا ليلة بعده على أحد وجوه التفسير قال تعالى :
{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }الحج55
ولا يعني أن هذا هو الأقرب
هذا اليوم العقيم هو ما قال بعض المفسرين يوم بدر في غزوة بدر : ما أجراه الله على الكفار أصبح عليهم يوما عقيما
وإنما قلنا هذا : أقرب لأنه جاء ذكر الساعة : {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }الحج55
يجب أن نؤمن بهذه الأصول
وليعلم الجميع :
أن من أنكر جزئية يعتبر كافرا
لو أنكر مثلا أن هناك ملكا يسمى بإسرافيل كفر
أو أنكر رسولا مثل أن ينكر نوحا يكون كفرا
أي جزئية من هذه الأصول إذا أنكرت كفر منكرها
ولذا قال تعالى – : {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }
هل هناك رسل قبل نوح أو مصاحبون له ؟
لا
إذاً :
لما كذبوا نوحا كذبوا جميع المرسلين
وقد قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81
فقد أخذ الله الميثاق على النبيين وعلى أتباعهم إذا جاء رسول من بعدهم مصدق لما جاءوا به وحضورا زمنه أن يؤمنوا به
وقوله : (( وتؤمن بالقدر خيره وشره )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القدر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو كل ما يجريه الله في هذا الكون
والقدر :
جاء التأكيد عليه من النبي عليه الصلاة والسلام
وذلك لأهميته ولعلمه بأن هناك من سيضل في القدر
وبالفعل فقد ضل في أصل القدر طوائف فأصبحت لهم مفاهيم متعددة في هذا الأصل فضلوا وأضلوا
وقد أكثر علماء المسلمين في الحديث عن القدر لكثرة من زل فيه واخطأ في مقامه متبعا هواه وآرائه الفاسدة
وقد ضل في القدر طائفتان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطائفة الأولى : الجبرية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقالوا :
أن العبد مجبور على فعله
فمثلا : لو رفعت هذا الجهاز قالوا : أنت مجبور عليه وليست لك مشيئة فأنت لم ترد أن ترفعه وهذا ضلال وقد رده الله في كتابه
وقابلتهم في الضلال :
الطائفة الثانية :
القدرية :
ــــــــــــــــــ
وهم القائلون بأن العبد يخلق فعل نفسه دون أن تكون هناك مشيئة من الله
ولكن أهل السنة والجماعة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوم وسط معتدلون فقالوا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن للعبد مشيئة ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله
كما قال تعالى :
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
نفى أن تكون لهم مشيئة إلا بمشيئة الله لأنه قال قبلها {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ }
أثبت لهم مشيئة
ولكن حتى لا يظن أن مشيئة العبد مستقلة عن مشيئة الله قال : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
والقدر :
له أربع مراتب :
لابد من الإيمان بها وإلا يصبح العبد كافرا بهذا الأصل قد جمعها الناظم في قوله :
علم كتابة مولانا مشيئته
وخلقه وهو إيجاد وتكوينُ
أولا :
مرتبة العلم :
ــــــــــــــــــــــ
وذلك أن تؤمن بأن الله عالم بكل شيء :
ما كان
وما يكون
وما سيكون
لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء
وهذه المرتبة يرد بها على غلاة القدرية :
وغلاة القدرية يقولون : إن العبد إذا فعل شيئا يفعله من غير علم الله
المرتبة الثانية :
الكتابة :
ـــــــــــــــ
وذلك أن تؤمن بأن الله خلق القلم فأمره أن يكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة
ودليل : هاتين المرتبتين قوله – وهي آيات لكن منها قوله تعالى : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59
فذكر العلم ثم ذكر بعد ذلك الكتابة
ولذا : جعلها شيخ الإسلام في الواسطية مرتبة واحدة منقسمة إلى مرتبتين
يعني : جمع بين العلم والكتابة بمرتبة واحدة او في قسم واحد
المرتبة الثالثة :
المشيئة :
ـــــــــــــــــ
وهي أن يؤمن العبد بأن ما شاء الله كان ، وما يشاؤه يكون ، وما لم يشاء لم يكن
فتؤمن بأن الله إذا شاء شيئا كان
وإذا لم يشأ شيئا لم يكن
وأن مشيئته غلبت المشيئات
ودليل ما سبق ذكره : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
المرتبة الرابعة :
الخلق :
وهو أن يؤمن بأن الله هو الذي خلق كل شيء كما قال :
(( الله خالق كل شيء))
(( إنا كل شيء خلقناه بقدر ))
وفيه رد على عامية القدرية القائلين بأن العبد يخلق فعل نفسه
إذاً :
ـــــــــــ
ما يجري فهو بقدر الله
ومن ثم :
لا يجوز الاحتجاج بالقدر على معصية الله
يأتي إنسان ويفعل الزنى ويشرب الخمر ويقول : إن الله قد قدَّر عليَّ هذا
فيحتج بالقدر على فعله أو يحتج بالقدر على تركه للواجبات
فإن من ترك الصلاة محتجا بالقدر فقد ضل
صحيح أن ما يجري إنما هو بقدر الله
لو شاء الله كما قال : (( ولو شاء الله ما أشركوا )) ولكن لا يجوز أن يحتج بالقدر على معصيته عز وجل
يجوز أن يحتج بالقدر على المصائب
أما على المعصية فلا
والأدلة على عدم جواز، بل على شناعة من يحتج بالقدر على معصية الله كثيرة
فمن كتاب الله عز وجل قوله :
((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ))
هؤلاء الآن يحتجون بالقدر على شركهم :
((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ))
فماذا قال عز وجل؟
((كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ))
فأنزل الله عز وجل بأسه وعقابه على من احتج بالقدر على معصيته
وأما من السنة :
فإنه عليه الصلاة والسلام لما أقام الحدود على بعض أصحابه لم يحتج أحد منهم بالقدر على هذه المعاصي
وهو عليه الصلاة والسلام أيضا لم يقل لهم: لمَ لا يحتج أحدكم بالقدر ؟
فالوقائع التي حصل فيها تطبيق لحكم الله في الحدود وفي غيرها لم يكن فيها احتجاج بالقدر من الصحابة
وأما من الحس :
فيقال لمن يحتج بالقدر: لتعمم هذا الاحتجاج في كل شأن من شئونك :
إما أن يطرد هذا الحكم وإلا تكون متناقضا
كيف ؟
لو أن شخصا أعتدي عليه بضرب أو أعتدي على ماله بنهب أو غصب أو اختلاس أو سرقة
فيقال له :
لم لا تحتج بالقدر في تبرير ما فُعل بك ؟
فأنت ضُربت أو أخذ مالك لأن الله قدر هذا الشيء فلم لا تطرد هذه القاعدة ؟
لم تأخذون بها في جانب الدين وتدعونها فيما يتعلق بكم ؟
والحديث عن القدر يطول ولكن لعل ما ذكر فيه كفاية وغنية