الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الخامس

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الخامس

مشاهدات: 487

شرح ثلاثة الأصول موسع

والدليل على المسائل الأربع : سورة العصر

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذه المسائل الأربع :

كما قال ابن القيم :

 ” لا يكون العالم ربانيا إلا بهذه الأمور الأربعة :

أن تتعلم الدين

أن تعمل بهذا الدين

أن تدعو إلى هذا الدين

أن تتحمل ما تلاقيه من الأذى في سبيل الدعوة إلى هذا الدين

وشرف كبير وعظيم للإنسان أن يكون عالما ربانيا فهو ربّى نفسه على النصوص الشرعية

وربّى غيره بالنصوص الشرعية

لكن هذا لا يتأتى له إلا بهذه المسائل الأربع التي ذكرها الشيخ :

العلم

العمل

الدعوة

الصبر :

على ما يلاقيه من أذى ومن جهد في سبيل إيصال الخير إلى الناس

ــ ثم استدل هذا المؤلف على هذه المسائل الأربع بقوله تعالى

((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))

فلا يحق لأي إنسان مهما كانت منزلته ومهما كانت مرتبته

لا يحق له أن يقول في هذا الدين بمقتضى رأيه

بل لابد:

أن يبني أحكامه وعلمه على الكتاب  والسنة

فالقول الذي لا دليل عليه لا يقبل

ولذا المؤلف التزم بما ذكره مسبقا

فهو لما قال في أول كلامه قال :

 ” معرفة دين الإسلام بالأدلة “

لا بالأهواء ولا بالأذواق ، كلا

إنما القول المقبول :

هو ما كان مبنيا على الدليل

فالدليل هو عمدتنا وهو الأساس

ولذا :

إذا رأيت الشخص يتحدث وحديثه خال من النصوص الشرعية فاعلم بأنه حديث يشوبه ما يشوبه

ولذا قال بعض  السلف وهو الإمام مالك قال :

(( إن الدليل بمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا ومن لم يركبها هلك ))

وهنا نقطة أحب أن ألفت انتباه الجميع إليها وأن يحذر منها وهي :

” الفتيا بغير علم “

الفتيا بغير دليل

فالله قرن الإشراك به بالقول عليه بلا علم :

قال :

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

وقال في سورة النحل :

((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ{116} مَتَاعٌ قَلِيلٌ ))

يستمتع بأن يتصدر في المجالس يستمتع بأن يشار إليه بالبنان

يستمتع بأن تكون له وجاهة ومكانة بين الناس :

((مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))

فالمتعة الحقيقية ليست هنا في هذه الدار

المتعة الحقيقة أن تنالها يوم القيامة

والفتيا على الله بغير علم من التكلف المذموم :

قال تعالى :

آمرا النبي عليه الصلاة والسلام : {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }

وقال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود :

(( من أُفتي بغير علم فإثمه على من أفتاه ))

والفتيا بغير علم :

مخاطرها كبيرة ولاشك فإذا أفتيت شخصا بدون علم من تلقاء نفسك فهذا الرجل يستعين بهذه المعلومة وبهذا الحكم الذي أخبرته به ومن ثم يتعبد الله على ضلال

فالواجب على طالب العلم والمبتدئ:

أن لا يسارع في إصدار الفتوى

فهذه الأحكام الشرعية لها حصانتها ، لها سياجها الخاص

لا يجوز لمن ليس أهلا أن يتسلقها

الضعيف لا يجوز له أن يجتاز هذا السياج

بل يجب على المسلم أن يعرف قدره ومكانته

ولذا :

كان السلف يتورعون

بل كل منهم إذا جاءه السائل يصرفه إلى شخص آخر

وكان أحد التابعين مع عبد الله بن عمر وكان إذا سئل عن مسألة يقول :

 أسمعه كثيرا ما يقول : لا أعلم

فكان يلتفت إليه يقول هذا الرجل :

 كان عبد الله بن عمر يلتفت إليّ ويقول :

 أتدري ماذا يريد هؤلاء ؟

قال : لا

قال :

(( يريدون أن تكون ظهورنا لهم جسرا على متن جهنم يمرون عليها ))

ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام وهو نبي إذا سئل عن شيء قال :

لا أعلم

فما ظنكم بمن هو دونه ؟

((قل الله أعلم بما لبثوا ))

لما سئل عن تُبَّع هل أسلم أم لا ؟

قال : لا أعلم

حتى  أطلعه الله ، فلما أطلعه أخبر فقال :

(( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ))

وهذه أمثلة تجعل الإنسان مراقبا له سبحانه ،  وأنك حينما تصدر فتوى من الفتاوى أنك توقع عن الله

وكل سيحاسب وكل سيجد محصلة ما قدمته يداه  إن خيرا فخير وإن شرا فشر

فإذاً :

الدليل هو الأساس

قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :

 (( تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا كتاب الله ))

زاد مالك في موطئه :

( (وسنتي ))

من أراد العصمة والنجاة فعليه بهذين الأصلين :

الكتاب                                  والسنة

قوله :

[ والدليل ] :

ـــــــــــــــــــــــــــ

الدليل على ماذا ؟

على هذه المسائل الأربع

ما الدليل ؟

سورة العصر :

((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))

الواو : واو حرف قسم

والعصر : هو الدهر

وقد أقسم الله بالدهر مع أنه مخلوق

فكيف نوفق بين هذا وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من حلف بغير الله فقد كفر او أشرك )) ؟

كيف نوفق ؟

هذه مسألة عقدية

كيف يأتي في هذا الحديث بأن الحلف بغير الله شرك وفي  هذه الآية حلف وقسم بالدهر والدهر مخلوق ؟

التوفيق بينهما :

ــــــــــــــــــــــــ

أن المخلوق لا يجوز له أن يحلف إلا بالله

أنت كمخلوق لا يجوز لك أن تحلف إلا بالله

لأن الحلف تعظيم ، وهذا التعظيم لا يليق إلا بالله

والحلف بغير الله الأصل أنه شرك أصغر لكن قد يرتقي إلى الشرك الأكبر               متى  ؟

إذا اعتقد  الحالف أن المحلوف به مثل الله في  المرتبة ، وهي مرتبة التعظيم

هنا يصل إلى حد الشرك الأكبر

إذاً :

المخلوق  لا يجوز له أن يحلف بغير الله

أما الخالق :

فله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وقسم الله بمخلوقاته لعظمتها

وإذا كان المخلوق عظيما فالذي خلق أعظم

فيحلف الله بالدهر ، على أن جنس الإنسان كل إنسان لفي خسر ” لفي  خسارة “

كل جنس إنسان لفي  خسارة وفي ضياع وفي انحراف ولم يستثن الله إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع

وبقدر ما تنقص هذه الصفات الأربع بقدر ما يحصل للإنسان بقدر ما انتقصه من الخسارة

قال تعالى :

((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ))

الخصلة الثانية :

((وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))

الخصلة الثالثة :

((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ))

الخصلة الرابعة :

((وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}))

فإذا كان الإنسان في خسارة إلا من أتى بهذه الخصال الأربع ألا يكون تعلم والتمسك بهذه الخصال الأربع واجبا وجوبا عينيا ؟

بلى

فإذاً :

عندنا قوله : ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ))

هذه  دليل على المسألة الأولى وهي العلم

كيف يكون الإيمان علما ؟

اسمع إلى ما قاله بعض الصحابة قال :

 ” تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فزدنا إيمانا “

ما الدليل على صحة كون الإيمان دليلا للمسألة الأولى ؟

قول بعض الصحابة :

” تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فزدنا إيمانا “

فإذاً :

الإيمان يتعلم

دليل المسألة الثانية :

((وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))

الإيمان :

يكون في القلب ومغاريف ما في القلب العمل الصالح من الجوارح

القلوب:

أوعية وللأوعية مغاريف ، ومغاريف ما في القلوب الجوارح

ما كان في القلب صدقه العمل إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر

ولذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :

( (التقوى ها هنا التقوى ها هنا وأشار إلى صدره ))

إلى قلبه

قد يستدل بها البعض  على أن الإيمان في القلب لو أنكرت عليه منكرا قال : يا أخي لا تدقق فالتقوى ها هنا

وعليه مخالفات ظاهرة

فماذا يقال لهذا الرجل ؟

نقول :

لو كانت التقوى محققة في القلب لظهرت آثار هذه التقوى على جوارحك لأن ما في القلب تغرفه الجوارح

فقوله :

((وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))

هذا دليل للمسألة الثانية

والعمل الصالح لا يكون صالحا إلا بأمرين :

1ــ أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله

2ــ أن يكون هذا العمل على وفق ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام