الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (105 )
حديث ( من نذر أن يطيع الله فليطعه)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من نذر ان يطيع الله فليطعه ، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه ))
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
قوله : ” وفي الصحيح ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق وأن ذكرت لكم من أن كلمة الشيخ : ” وفي الصحيح ” لا يراد منها ما يذكره العلماء عند الإطلاق الذي هو صحيح البخاري
ولذا اصطلاحه في كلمة : ” وفي الصحيح ” هنا في هذا الكتاب : إما أن يراد منها أن الحديث في الصحيحين ، أو عند مسلم ، أو عند البخاري
فلا يلزم من قوله ” وفي الصحيح ” انه عند البخاري
وهذا الحديث في صحيح البخاري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( وفي الصحيح عن عائشة )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــ
ــ عائشة هي الصديقة بنت الصديق
ـــ تزوجها النبي ، وهي بنت ست سنين ، ودخل بها وهي بنت تسع سنين ، وتوفي عنها ,لها من العمر ثمانية عشر عاما ( 18 )
ـــ قال الذهبي في كتاب السير: ” أفقه نساء الأمة على الإطلاق “
ـــ وكان الصحابة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام يأتون إليها ويسألوها عما أشكل عليهم
ــــ وهي أحب النساء إلى النبي عليه الصلاة والسلام :
ولذا في الصحيحين لما قال : ” عمرو بن العاص ” : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟
قال : (( عائشة ))
قال : فمن الرجال ؟
قال : (( أبوها ))
ـــ وقال عليه الصلاة والسلام : (( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ))
ـــ وقال لزوجاته : (( لا تؤذونني في عائشة ، والله ما نزل الوحي في لحاف أحد منكن سواها ))
ــــ وهي التي أنزل الله فيها آيات تكريما لها ، وبيانا لفضلها ونزاهتها إذ رميت بالإفك من أنها قد زنى بها :” صفوان بن المعطل “
ـــ وقد نشر ذلك المنافقون ، ووقع في حبائلهم بعض الصحابة : كـ ” حسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ” :
فقال عز وجل : ((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ))
ـــ وتوفيت سنة ” سبع وخمسين للهجرة ” ( 57 هـ )
وقد اختلف العلماء : في أيهما أفضل عائشة أم خديجة ؟
بل قال بعض العلماء : أيتهن أفضل : عائشة أم خديجة أم فاطمة ؟
إذ قال النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيحين عن خديجة قال : (( أتاني جبريل فقال : هذه خديجة قد أتت فأقرئها من ربها السلام ، ويبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ))
ولما قالت عائشة : \ كما جاء في الصحيحين ، وكان يذكرها النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا عند عائشة ، فقالت : (( ما لك في امرأة حمراء الشدقين قد هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خيرا منها ؟
فقال : (( والله ما أبدلني الله خيرا منها : إنه كان لي منها ولد ، وكان لي منها كذا وكذا ………… ))
إلى غير ذلك من أحاديث واردة في فضل خديجة رضي الله عنها
ــــ و أما فاطمة :
فقد صح عنه أن : (( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ))
ــــ هذه فضائل لهؤلاء النسوة الثلاث :
فمنهي أفضل ؟
قال بعض العلماء : خديجة
وقال بعض العلماء : عائشة
ولكن الأقرب من ذلك أن يقال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ إن خديجة أفضل باعتبار البداية :
فكان لها من النصرة للنبي عليه الصلاة والسلام والدعم بالمال ما ليس لغيرها
فهي أفضل من هذه الحيثية في ابتداء الرسالة
ـــ وأما عائشة فهي أفضل من حيث النهاية :
إذ إنه استفيد من عائشة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فتلقت منه العلم ونشرته حتى صارت أفقه نساء الأمة
ــــ وأما فاطمة فهي أفضل من عائشة وخديجة من حيث نسبها وقربها من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال : (( إن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ))
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( من نذر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” من “ اسم شرط
وأسماء الشرط تفيد العموم
فيدخل في هذا كل من نذر سواء كان مسلما أو كافرا
ــ فمن نذر لله طاعة فيجب عليه أن يوفي بهذه الطاعة :
ويدل لهذا :
” أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال : (( أوفِ بنذرك ))
ـــ (( من نذر أن يطيع الله فليطعه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الجملة دليل على وجوب الوفاء بالنذر إذا كان طاعة لله ، سواء كان هذا النذر مطلقا ، كأن يقول : ” نذر عليّ أن أصلي ركعتين ” ، أو أن يكون نذرا معلقا ، كأن يقول : ” إن شفى الله مريضي فلأصلين ركعتين “
وقوله : (( فليطعه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو جواب الشرط
وهو فعل مضارع مجزوم بلام الأمر
وهذه هي صيغة أمر ضمن أربع صيغ ، فإن الأمر يأتي وله أربع صيغ :
صيغة أفعل
ـــ الصيغة الثانية : المصدر النائب عن فعله كقوله تعالى : (( فضرب الرقاب “)) يعني اضربوا الرقاب
ــ الثالث : اسم فعل الأمر :
كقوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ))
عليكم يعني : الزموا
الصيغة الرابعة : الفعل المضارع مع لام الأمر : كما في هذا الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول في ” مَنْ ” هنا كالقول في ” من ” السابقة
وقوله : (( فلا يعصه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشمل المحرم
وقال بعض العلماء : يشمل المكروه ، فيكون النهي في قوله : (( فلا يعصه )) يكون نهي تحريم إن كان هذا النذر محرما
ويكون النهي نهي تنزيه إن كان النهي مكروها
وهذه هي صيغة النهي ، فالنهي له صيغة واحدة ، وهو يختلف عن الأمر
فالأمر كما سبق له أربع صيغ
أما النهي فله صيغة واحدة ، وهي : (( الفعل المضارع المسبوق بلا الناهية “
فقوله : (( فلا يعصه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا ” هنا ناهية دخلت على الفعل المضارع
والأصل في النهي هو التحريم إلا إذا ورد دليل يصرف هذا النهي عن التحريم إلى الكراهة
وإلا فالأصل في النهي التحريم كما أن الأصل في الأمر هو ” الوجوب “