الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس (111)
قوله تعالى (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وقول الله تعالى :
((وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106} وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{107} ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ فقوله : ((وَلاَ تَدْعُ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا “ ناهية
” تدع “ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف حرف العلة
فقوله : ((وَلاَ تَدْعُ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستفاد من هذا النهي :
النهي عن دعاء غير الله :
ــــ دعاء عبادة
ــــ ودعاء مسألة
فكلا الأمرين منهي عنهما
فلا يجوز لأحد ان يدعو غير الله ، لا دعاء عبادة ، ولا دعاء مسألة
وقوله : ((مِن دُونِ اللّهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : سوى الله أو غير الله
وفي هذا : فصل وقطع وسد للشرك من جميع أبوابه ، إذ حًصرت هذه العبادة وهي عبادة الدعاء حصرت لله عز وجل ، إذ قال : ((وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ ))
فما سوى الله ليس له حق ان يُدعى
فيؤخذ من هذا : أنه لا يجوز أن تُصرف العبادة لغير الله لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل .
وقوله : ((مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((مَا لاَ يَنفَعُكَ )) ـــــــــــ لو عبدته
((وَلاَ يَضُرُّكَ )): ـــــــــــ يعني: لو تركت عبادته لم يضرك
فيفهم من هذا : ان الله هو الذي يضر وينفع
ولذا قال عز وجل آمرا نبيه : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً }
ثم قال : {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً }
ويفسر هذا حديث النبي عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس :
قال : (( يا غلام إني أعلمك كلمات ))
في مطلعها قال : (( احفظ الله يحفظك ))
إلى أن قال : (( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ))
فما يحصل من نفع من مخلوق فإنما هو بأمر الله إذ جعل هذا المخلوق سببا
وما يحصل من ضر وأذى من مخلوق إنما هو بأمر الله
ــــــــ وقوله:((فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((فَإِن فَعَلْتَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــ
يقول بعض علماء أهل اللغة : ” إن هناك فرقا بين الفعل والعمل :
بينما الفعل يدخل تحته القول والعمل ، وذلك لأن حركة اللسان فعل
فإذا كان كما ذكروا فإن قوله تعالى : ((فَإِن فَعَلْتَ )) يعني إن فعلت الشرك سواء كان هذا الشرك عملا أو قولا
ومن ثم : نعود إلى مطلع الآية : ((وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ ))
يشمل الدعاءين : دعاء العبادة ، ودعاء المسألة
ثم إن قوله : ((فَإِن فَعَلْتَ )) :
فعل ـــــــــ وهذا الفعل يحتاج إلى فاعل
فإن كان هذا الفعل متعديا فيحتاج إلى مفعول به ، فأين المفعول به ؟
أو ” فإن فعلت هذا الدعاء “
وفي هذا فائدة لغوية وهي :
أن حذف المعمول يفيد العموم
فيكون المعنى : ” إن فعلت أي صورة من صور الشرك إنك إذاً من الظالمين “ دون تخصيص
ثم يستفاد منها :
فإن من البلاغة ان يوجز المتحدث في الكلام ، فيأتي بكلمات تحتوي على معانٍ متعددة ، وهذا ما يسمى بـ ” إيجاز الحذف ”
فالإيجاز عند البلاغيين نوعان :
2 ـــ إيجاز قصر
ــــ إيجاز قصر :
ـــ أما إيجاز الحذف :
هو أن تحذف من غير إخلال بالمعنى :
وقد يكون الحذف حرفا
وقد يكون الحذف جملة
ولذا مر معنا في الأجرومية :
” أن ( إذا / و إذ ) يدخل عليهما التنوين ، فيكون هذا التنوين تنوين عوض
وهذا من البلاغة أن يكن هذا التنوين الذي هو بمثابة الشرطتين يكون عوضا عن جملة
وقوله : ((فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” إن “ تفيد التوكيد
ففيه توكيد لهذا الحكم :
فإن فعله وتاب منه فإنه ليس بظالم :
لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ))
وقال تعالى : ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ))
فقيد هذا الحكم بالموت
ومن ثم : فإن ” إذاً ” تدل على الحال فإنك والحالة هذه من الظالمين
ـــ * ـــ وهنا ” إذاً ” :
” وإذا “ كما أنها تدل على الحال فإنها تدل على جملة محذوفة ، وذلك لدخول التنوين عليها :
(( فإن فعلت فإنك إذا فعلت الشرك ووقعت فيه صرت من الظالمين ))
ومما يدل على أن ” إذا ” للحال أو لما يستقبل ، وأن ” إذ ” تكون للماضي :
قوله تعالى : ((وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ )) يعني مضى
لكن لما ذكر الصبح قال : ((وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ))
لكن قد تأتي ” إذا ” في سياق الماضي أو العكس
وذلك لفائدة لغوية : يراد منها التأكيد على وقوع شيء من الأشياء :
قال تعالى : (( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ{165} إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166} ))
كل هذا في يوم القيامة
ويوم القيامة لم يأتِ بعد ، فلماذا لم يأت بكلمة ” إذا ” ؟
أتى بكلمة ” إذ ” في هذا الموقع من أجل أن يبين أن يوم القيامة واقع لا محالة فكأنه وقع .
ولذا قال تعالى : ((أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ))
لا لم يأت
وإنما الغرض من ذلك التأكيد على أن هذا الشيء واقع لا محالة
وقوله : (( من الظالمين )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفيد أن هناك ظلمة :
وذلك لأن البعض لم يعلُ بفضل من الله لم يعلُ عن طبيعته الحقيقية إذ قال:((وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ))
ولذا الظلم هنا هو الشرك :
فإن فعلت ” يعني الشرك فإنك إذاً من الظالمين
فهذا الظلم هو أعظم أنواع الظلم ومر معنا في قوله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
قال الصحابة : يا رسول الله ، وأينا الذي لا يظلم نفسه ؟
قال : ليس ذاك ، وإنما قول العبد الصالح : ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))
والنصوص في هذا المعنى كثيرة في بيان الشرك ظلم
قال تعالى : ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ )) ثم ختم الآية بقوله : ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))
وليس الشرك وحده ظلما ، فإن شقيقه ونظيره وهو الكفر ظلم :
قال تعالى : ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))
ومما يدل على أن الظلم في الناس أكثر آيات كثيرة :
قال تعالى : {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
وقال تعالى : ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ))
وقال تعالى : ((مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ))
والنصوص في هذا المعنى كثيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه عز وجل لما نفى الضر والنفع من غيره أثبت قدرته وعظمته على أن ينفع ، وعلى أن يضر
ثم مع نفعه وضره لا يستطيع أحد أن يمنع نفعه أو ان يرد ضره
ـــ إذا حكم فلا راد لحكمه
ـــ وإذا حكم فلا معقب لحكمه عز وجل
ولذا قال : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” إن “ أداة شرط ، وهي من حروف الشرط ، وفعل الشرط ( يمسسك )
وقال : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أظهر هنا لفظ الجلالة ، لم يكن التعبير ” وإن تُمس بضر ” وقد سبق معنا أن الضر والشر لا يُنسب إلى الله ، ولا يضاف إليه تأدبا
لكن إذا كان السياق في مقام التحدي ، وبيان ضعف من عُبد من دونه عز وجل يأتي هذا الإظهار
وذلك حسب ما توصل إليه اجتهادي في هذا الإظهار والعلم عند الله
قال تعالى : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” الضر ” هو الذي لا يلائم الإنسان
ما لا يلائمك هو ضر :
من مرض
من فقر
من هم
من غمّ
من حزن
فكل ما لا يلائمك هو ضر
والضر هنا : ـــــــــــ نكرة في سياق الشرط فيعم
ــــ لو أُصيب الإنسان بوخزة شوكة ما استطاع احد ان يرفع ألمها
أو ما استطاع أحد أن يمنع الله في إيقاع الضرر بمن وخزته هذه الشوكة
فيكون عاما وشاملا
فإذا كان الضر ولو كان يسيرا لا يستطيع مَن سوى الله ان يرفعه أو أن يدفعه أو أن يمنعه فهذا يدل على ضعف هؤلاء المعبودين من دون الله حتى ولو كانوا أعظم الناس
ولذا قال تعالى في شأن الملائكة ، وهم الملائكة : ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ))
ولذا يقول تعالى عنهم : ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ{164} وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ{165} ))
وحتى لو كان هؤلاء المعبودون من الأنبياء والرسل هم ضعفاء
انظروا إلى ما جرى للأنبياء السابقين ، وما ذكره عز وجل عنهم في كتابه مما أصابهم من الضر والأذى ، وما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام
هذا يدل على ضعف المخلوق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : ((فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ )) :
الكشف هنا : يدل على أن هناك شيئا وقع ، فإذا نزل هذا الضر لا أحد يستطيع أن يكشفه وأن يرفعه إلا الله
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام مع أن هناك من تعلق به ورجاه وتوسل به واستغاث به ، ماذا كان يقول في رقية المريض ؟
(( اللهم رب الناس مُذهب البأس ، أذهب البأس )) كل هذا تفويضا لله
ـــ وقال عليه الصلاة والسلام : (( ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ))
وهذا يدل على أن الذي أنزل الضر هو ” الله ” ولا أحد يستطيع أن يرفع هذا الضر إلا هو عز وجل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عز وجل : ((وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : ((وَإِن يُرِدْكَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الضر قال : ((وَإِن يَمْسَسْكَ ))
هنا في الخير قال : ((وَإِن يُرِدْكَ ))
يستفاد من هذا أن الخير مخلوق لذاته ، الله خلق الخير لذاته لأنه يريد الخير لذاته ، لكنه خلق الشر لا لذاته ، وإنما باعتبار ما يكون فيه من خير .
لكن لا يعني أن هذا الخير الذي قدره الله عز وجل لا يعني أنه ليس في مقدوره
ولذا : انظروا إلى هذا الأسلوب في آية الأنعام :
قال تعالى : ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ))
عاد الفعل مرة أخري بنفسه :
قال : ((وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ))
فدل على أن الخير والشر مما قدره الله عز وجل ،لكنه قدر الشر لا لذاته وإنما باعتبار ما يترتب عليه من المصالح
وقدر الخير لذاته
ولذا قال هنا : ((وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والخير ــــــــــــ هو ما يلائم الإنسان :
من صحة
من غنى
من سعادة
فكل ما يلائم العبد فهو خير
وقوله تعالى : ((فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي هذا فائدة :
ـــــــــــــــــــــــــ
وهو الإيمان بقدر الله عز وجل :
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( فإن أصابك شيء فلا تقل لو أنني فعلت كذا وكذا لكان كذا ، ولكن قل : ” قدر الله وما شاء فعل ” ))
ولذا في الحديث الآخر :
في إحدى روايات هذا الحديث الذي أوصى النبي عليه الصلاة والسلام ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ))
ـــ ففيه وجوب الإيمان بقضاء الله وقدره ، كما ان الأصل في سياق هذه الآية : بيان عظم الله وقدرته مع بيان ضعف المخلوق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : ((يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا فائدة :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهي أنه عز وجل إذا قدّر شيئا فقد شاءه ، فلا يخرج شيء عن أمره ومشيئته جل وعلا
إذاً : ما يعتقده القدرية : ” من أن المخلوق يخلق فعل نفسه ” معتقد باطل بنص هذه الآية : (( يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ))
والمشيئة هي إحدى مراتب القدر المذكورة في قول القائل :
علمٌ كتابة مولانا مشيئته
وخلقه وهو إيجاد وتكوينُ
فهذا مما يؤكد على أهمية الإيمان بقضاء الله وقدره
وقوله : ((يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العباد هنا : ـــــــــــــ عام
فقد يراد منه الكافر ، وقد يراد منه غير الكافر
ومن ثم : فإن الضر قد ينزل بالمؤمن :
ــــ النبي عليه الصلاة والسلام نزل به الضر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ إذ شُجَّ وكسرت رباعيته في ” أُحد “
ـــــ ثم هو سُحِر
ـــــ ووقع عن فرسه فتأثر جنبه
هذا ضر ــــــــــــــــ من أجل ماذا ؟
من أجل أن يرفع الله درجته
وقد يصاب المؤمن بضر من أجل أن يمحو الله خطاياه
فأصبح هذا الضر ليس مرادا لذاته إنما هو مراد لغيره
ــــ وقد يصيب الكافر خير
وهذا فيه حكمة :
وهي ابتلاء المؤمن وامتحانه
هل يثبت على هذا الإيمان أم لا يثبت ؟
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن ))
وقوله : (( وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة ختام الآية – والله أعلم – ((وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) : أن هذا الفضل الذي ينزله الله عز وجل ببعض عباده قد لا يكونون له في الحقيقة مستحقين نظير أعمالهم التي يأتون بها ، وفيها من التقصير ما فيها ، أو قد يكون عندهم ذنوب ، لكن الله عز وجل بمغفرته ورحمته عفا وتجاوز
ــــ فيكون المقصود من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن صرف الدعاء لغير الله شرك :
ولذا قال تعالى : ((فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ