الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس ( 115 )
حديث ( إنه لا يُستغاث بي وإنما يستغاث بالله )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وروى الطبراني بإسناده : (( أنه كان في زمن النبي عليه الصلاة السلام منافق يؤذي المؤمنين ، فقال بعضهم : قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق .
فقال النبي عليه الصلاة السلام : (( إنه لا يُستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــ
لما ذكر المصنف النصوص من كتاب الله ختم هذا الباب بذكر ” نص نبوي ” :
فقال : (( روى الطبراني )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ ” الطبراني ” ـ :
ــــ هو الإمام الحافظ ” سليمان بن أحمد ”
ــــ صاحب المعاجم الثلاثة :
ـــ معجم الطبراني الصغير
ـــ والأوسط
ـــ وقد أخذ عن الإمام النسائي .
فقال : (( روى الطبراني بإسناده )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراوي : هنا كما صرحت به بعض الروايات هو : (( عبادة بن الصامت ))
(( إنه كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام منافق يؤذي المؤمنين )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ المنافق ] :
ــــــــــــــــــــــ
كما هو معلوم هو الذي يظهر الإسلام ، ويبطن الكفر ، وهذا هو النفاق الاعتقادي ، ويكون صاحبه خارجا عن الملة
وإن مات على هذا النفاق فهو خالد في نار جهنم .
ـــــ أما النفاق العملي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يكون صاحبه كافرا ولا خارجا عن الملة ولا مخلدا في النار
وذلك في مثل حديث النبي عليه الصلاة السلام : (( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد اخلف ،وإذا اؤتمن خان ))
ولذا لو تأمل المسلم الصفات التي ذكره النبي عليه الصلاة السلام في النفاق العملي لوجد أنها منطبقة على من به نفاق اعتقادي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : (( كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام منافق )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في زمن النبي :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
فالتنصيص على هذا قد يستفاد منه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الشرك لا ينعدم ، وأن الصراع بين الحق والباطل قائم حتى في أشرف العصور ، وهو عصر النبي عليه الصلاة والسلام
ومن ثم :
فإن الداعية في هذا العصر ان يتصبر ، وأن يحتسب في دعوته إلى الله ، ولا يهولنه ما يرى من كثيرة المخالفات الشرعية :
أو في السلوك
أو في المنهج
أو في نحو من ذلك
ولكن فشو المنكرات ، والمخالفات تختلف بحسب العصور والأزمنة
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ))
ــــ وهذا المنافق المذكور هنا أُبهم هنا :
وجاء في بعض الروايات أنه :
ــــ ” عبد الله بن أُبي بن سلول ” وهو رأس المنافقون كما تعلمون
ــــ ” وسلول ” ــــــ هو اسم أمه ،
ــــ وكان هذا الرجل على وشك أن يوضع على رأسه تاج الملك قبل أن يأتي النبي عليه الصلاة السلام ، فلما هاجر النبي عليه الصلاة السلام زال ما كان يؤمل
ــــ ومواقفه في الأذية للنبي عليه الصلاة السلام وصحابته شهيرة
ـــ وقد أخرج الله عز وجل من صلبه ابنا صالحا واسمه ” عبد الله ”
ـــ وهذا مصداق قوله تعالى : ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ))
* ولذا ” أبو لهب : أخرج الله من صلبه ” درة “ بنت أسلمت ، من الصحابيات الفضليات .
* وأخرج الله من صلب أبي جهل ” عكرمة “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( يؤذي المؤمنين )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأذية المنافق للمؤمنين تكون بالقول :
ولذا ذكر الله عز وجل صورة أذية هؤلاء المنافقين : أنهم كانوا يتناجون بالإثم والعدوان بحضور صحابة النبي عليه الصلاة والسلام ، ونحو ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : (( فقال بعضهم : قوموا بنا نستغيث برسول الله عليه الصلاة و السلام من هذا المنافق )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال بعضهم :
القائل هو كما جاء في بعض الروايات ” أبو بكر الصديق ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنه لا يستغاث بي ، إنما يستغاث بالله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن كان ثابتا فإن هناك بعض الإشكالات عليه
وإن كان غير ثابت فلا نعول على ما لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام
وعلى افتراض أنه ثابت فقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنه لا يستغاث بي )) فيه نفي من أن يستغاث بالنبي عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال ، فيما يقدر عليه ، وفيما لا يقدر عليه
ومن ثم :
ـــــــــــــــــــــ
فإن هذا الحديث يعارض ما ذكره العلماء أنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق بشروط ذكرت مسبقا فيا ترى ما المراد من قوله : (( إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله )) ؟
المراد :
ـــــــــــــــــــــ
ـــ إما أنه لا يستغاث بي في مثل هذه الحال لأن هذا المؤذي منافق
وقد كفّ النبي عليه الصلاة والسلام يده وسيفه عن المنافقين .
ولذا قال لما استأذنه بعض الصحابة بأن يضرب عنق بعض المنافقين قال : (( لا ، حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ))
فوكل النبي عليه الصلاة والسلام سرائر هؤلاء إلى الله عز وجل
ــ ولذا : (( لا يستغاث بي )) ليس على عمومه ، وإنما هو مقيد في هذه الحال
ـــ وإما وهو المعتمد لأن الأول يخالفه ما جاء بعده قال : (( إنما يستغاث بالله ))
فيكون المعتمد هو القول الثاني ، وهو : (( أن النبي عليه الصلاة والسلام نفى في قوله : (( غنه لا يستغاث بي ))
ولتعلم لن هذا النفي هو صيغة خبر
ولو قال قائل :
ــــــــــــــــــــــــ
لم يقل : ” لا تستغيثوا بي “
وإنما قال : (( لا يستغاث بي )) على صيغة الخبر ، ليس هناك نهي ؟
فنقول :
ـــــــــــــــــ
إن هذا النفي الوارد في هذا الحديث يراد منه النهي ، وذلك لأن النهي إذا جاء في صورة الخبر يكون أبلغ في الزجر
كأنه أمر قد فُرغ منه ، وانتهى منه فلا يستغاث إلا بالله
فيكون المعتمد هو القول الثاني :
وهو :
ـــــــــــــــ
أن النبي نفى أن يستغاث به في جميع الأحوال من أجل ان يعلق قلوب الصحابة بالله
ــــ ومن اجل ان يسد النبي عليه الصلاة والسلام – كما هي عادته ، وكما سيأتي معنا – من أجل أن يسد الباب المفضي إلى الشرك
فإنه لو استغيث به فيما يقدر عليه لربما يستغاث به فيما يستقبل فيما لا يقدر عليه إلا الله
ومما يؤكد صحة هذا القول أن القائل ” قوموا بنا ” هو ” أبو بكر “
ـــ ولا يمكن لما في أبي بكر من الإيمان والتقى الذي يمنعه أن يستغيث بالنبي عليه الصلاة والسلام فيما لا يقدر عليه لأنه يعرف عظمة الله عز وجل .
وقوله : (( إنما يستغاث بالله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه جملة تفيد الحصر :
لأن ” إنما ” من أدوات الحصر
فتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة الماضية : (( لا يستغاث بي )) ثم أكدّ بان الاستغاثة لا تكون إلا بالله
ثم إن من فوائد هذه الجملة الأخيرة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام لما سدّ بابا وهو عدم الاستغاثة به فتح الباب الآخر ، وهو الاستغاثة بالله عز وجل
فإذا سُدَّ بابٌ فُتح باب آخر
ولذا قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ))
نهى على أن يقولوا راعنا ، وأتى بالبديل : ((وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ))
ـــ والنبي عليه الصلاة والسلام أُتي له بتمر جنيب – وهو من أجود أنواع التمور قال : أكلُّ تمر خيبر مثل هذا ؟
قالوا : لا ، إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة
فقال : (( لا تفعلوا ، بع الجمع بالدرهم ))
الجمع ــــــــ هو التمر الرديء
(( بع الجمع بالدرهم واشتر بالدراهم جنيبا ))
فإنه لما أُغلق باب فتح بابا آخر
وقولوا : (( إنما يستغاث بالله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يقل : (( استغيثوا بالله ))
وإنما قال : (( يستغاث بالله ))
فدل على ان هذا الحكم شامل لجميع الخلائق ، وليس محصورا في هؤلاء الذين أتوه ، ولذا قال : (( إنما يستغاث بالله )) معمما