الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(169)
مسائل على باب (ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر)(3)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الثانية عشرة :
ــــــــــــــــــــ
ما بُريه به النبي عليه الصلاة والسلام في شدة النزع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــ
يدل على هذه المسألة أن النبي عليه الصلاة والسلام طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم كشفها
فلو قال قائل :
ـــــــــــــــــــــــ
كيف وصل النزع بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا الحد وكيف عانى منه ؟
ولذا ثبت عند البخاري قوله :
(( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ))
فكيف يعاني من شدة الألم ، ومن شدة سكرات الموت مع أنه ذكر في حديث البراء الطويل :
(( أن نفس المؤمن تخرج كما تخرج القطرة من في السقاء ))
ومعلوم أن الماء إذا فتح من فوة القربة من أعلى إلى أسفل نزل بسهولة .
فكيف يوفق بين الأمرين ؟
الجواب عن هذا من وجوه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ــ أن النبي عليه الصلاة والسلام زيد في معاناته في سكرات الموت من أجل أن ترفع درجته .
ولذا لما دخل عليه ابن مسعود وهو يوعك ، قال : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا فقال :
(( إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم ))
ولذا سُحر وعانى من السحر ما عانى في بدنه دون أن يمس هذا السحر شيئا من أمور النبوة
ـــ وسقط من على فرسه فتأثر جنبه
ـــ وشج رأسه في غزوة أحد وكسرت رباعيته
كل ذلك من أجل أن ترفع درجته
وشأنه كشأن بعض الأنبياء السابقين :
ولذا قال نوح :
(( إني مغلوب فانتصر ))
وقد أمر أمته أن يسألوا له الوسيلة قال :
(( فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو ))
2ــ أن في ذلك تسلية لبعض المؤمنين إذا جرى لهم مثل ما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام ، فإنهم إن أصباهم شيء من شدة السكرات :
فإنه راجع :
ـــــ إما إلى ر فع درجة لهم
ــ وإما إلى تمحيص ذنوب حتى يقبلوا على الله وهم أطهار
3ــ أن في هذا النزع الشديد الواقع على النبي عليه الصلاة والسلام يستبين الأمر جليا لعموم الناس من أن هناك سكرات للموت ، فإنهم وإن أخبروا بأن للموت سكرات فإنه ليس كاليقين بحصول هذا واقعا
وعلى من ؟
على النبي عليه الصلاة والسلام
فيجتمع بذلك ما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام في واقعه في سكرات الموت ، وما أخبر به حتى يستعد الناس لمثل هذا الأمر
4 ـــ أن في ذلك إيضاحا ، وفي نفس الوقت ردا على من زعم أن النبي عليه الصلاة والسلام يملك شيئا ،
فلو كان يملك شيئا لدفع عن نفسه هذه النزعات
فيه صفعة لأولئك الذين يزعمون ان النبي عليه الصلاة والسلام يملك ما لا يملك غيره
5ــ أن هذا النزع الشديد وقع في وضع يتعلق بالغلو
وبالتالي فإن من غالى في النبي عليه الصلاة والسلام يقال له :
[ انظر إلى ما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام ]
فلو كان له من الأمر شيء لرد هذا
ومن ثم :
ـــــــــــ
يكون ما ذكر في الحديث من التحذير من الغلو ، يكون من الأمر المحكم من حيث النظر إلى ما وقع للنبي عليه الصلاة والسلام ومن حيث ما أخبر به من التحذير
فانظروا إلى التوافق بين الأمرين
ـــــــــــــــــــــــــــ
الثالثة عشرة :
ـــــــــــــــــ
ما أكرم به النبي عليه الصلاة والسلام من الخلة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــ
وهذا يؤخذ من قوله :
(( فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ))
ولا شك أن هذا إكرام
ولذا الصحابة رضي الله عنهم لما قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما مر معنا في حديث سهل بن سعد قال :
(( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ))
فبات كل الصحابة كل منهم يرغب أن يعطاها
فيكون بحصول هذه الخلة التي هي أعلى درجات المحبة
الرابعة عشرة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصريح بأنه أعلى المحبة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــ
الدليل قوله عليه الصلاة والسلام :
(( ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ))
فيضاف إلى هذا ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث “ عمرو بن العاص ” لما سئل من أحب الناس إليك ؟
قال : عائشة
قال : فمن الرجال ؟
قال : أبوها
فأثبت لأبي بكر المحبة ، ونفى عنه الخلة
فدل على أن الخلة أعظم مراتب المحبة
الخامسة عشرة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــ
وذلك في قوله :
(( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ))
فلما خص بالذكر أبو بكر دون غيره من الصحابة حتى من أقرب الناس إليه كــ ” علي ” أو عمه ” العباس ” وغيرهما
فدل على أنه أفضل الصحابة على الإطلاق
وبالتالي فيه رد على الروافض
السادسة عشرة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإشارة إلى خلافته :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــ
يؤخذ هذا من قوله :
(( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا )) فتخصيصه بالذكر يدل على أنه هو الأفضل
ومعلوم من النبي عليه الصلاة والسلام أنه لن يعيِّن إلا الفضل لأن هذا من باب النصح لأمته
ومن هو الأفضل في ميزان الشرع ؟
الأتقى :
قال تعالى :
(( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))
بصيغة أفعل التفضيل
لم يقل : ” إن أكرمكم عند الله تقيكم “
قال : [ أتقاكم ]
فدل على أن الإنسان كلما ازداد تقى كلما كان كريما عند الله
إضافة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين ذكر الغلو ، وهو في آخر حياته مع ذكر الخلة ، وليست هناك مناسبة واضحة بين ذكر هذه مع هذه إلا كما أسلفنا وكما نقرر الآن ، من أنه بعد موته يكون فيه إشارة إلى الخليفة من بعده وهو أبو بكر
ـــ هنا قال : [ فيه الإشارة إلى خلافة أبي بكر ]
ــ وبعض العلماء يقول :” إن النص الصريح جاء بالتنويه على خلافة أبي بكر “
ـــ وهنا قال : [ الإشارة ] :
ومعلوم أن الإشارة تختلف عن التصريح
فيكون عند المصنف في تعبيره أن أبا بكر صار خليفة بالنص الخفي
بينما يرى غيره أن خلافته ثبتت بالنص الجلي
ــ وعند غير أصحاب هذين القولين أن خلافته ثبتت بالإجماع لا بالدليل الخفي ولا الجلي من النبي عليه الصلاة والسلام
ــ والذي يظهر أنها ثبتت بالدليل ، لكن أهو الدليل الخفي أم الجلي ؟
يحتمل هذا ويحتمل هذا
ومن الأدلة على هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ أن النبي عليه الصلاة والسلام ــ كما عند البخاري ــ قال لعائشة :
(( ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا ، يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر ))
ولذا اختلف العلماء : ما هو هذا الكتاب الذي سيكتبه ؟ ، لأنه عدل عن ذلك ؟
فمن بعض الأقوال :
ـــ أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن ينص على الخليفة من بعده ، لكنه علم أن الصحابة لم يختلفوا على أبي بكر فرأى أنه لا داعي إلى هذا الكتاب
2ــ أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فسألته حاجتها فوعدها أن تأتي إليه من العام القادم ،
فقالت : إن لم أجدك ؟ تعني الموت
قال : فأتي أبا بكر
3 ــ أنه لما أريد أني قدم عمر في الصلاة غضب مع أن عمر له منزلته
فدل هذا على أنه أراد أن يتولى هذا الأمر أبو بكر
ولذا فإن الإمامة إمامة صغرى
فهي تدل على الإمامة الكبرى ولاسيما في ذلك العصر
لم ؟
لأن في ذلك العصر الذي يتولى فيه الإمامة النبي عليه الصلاة والسلام ففيه دليل على أن أبا بكر هو المعنيُّ
4ــ قوله :
(( لا يبقى في المسجد باب إلا سُد إلا باب أبي بكر ))
وهذه مزية له
5 ـــ أنه قبل حجة الوداع في السنة التاسعة أرسل أبا بكر ليحج ويذيع في الناس أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ، وأن لا يطوف بالبيت عريان
ــــ وأما إجماع الصحابة عليه فهذا معلوم
لكن لو قال قائل :
إن الأنصار نازعوا أبا بكر ؟
فالجواب :
ــــــــــــــــــ
أن الأنصار حصل هذا منهم باجتهاد بناء على أن لهم منزلة ومرتبة كالمهاجرين
ولذا قال بعضهم : ” منا أمير ، ومنكم أمير ”
لكن أبا بكر لما أخبر أن الخلافة إنما هي في قريش أذعن الجميع فأًصبح إجماعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة متعلقة بالباب :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو اعترض معترض فقال : إن المصنف ذكر الباب فقال : [ باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده.]
فالمصنف ذكر العبادة ، والعبادة بمفهومها الواسع تتدعى إلى غير الصلاة
والنصوص الواردة في الباب نصوص نصت على الصلاة، وما ذكرت : ذكرا ، ولا دعاء ، ولا صدقة ، …….. إلخ
الجواب عن هذا من وجهين :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه الأول :
ـــــــــــــــــــــ
أن ذكر هذه النصوص ، وما ذكر فيها من الصلاة لا ينفي أن هناك نصوصا أخرى :
ومنها قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا عقر في الإسلام ))
والعقر هو الذبح
الوجه الثاني :
ـــــــــــــــــــــ
أن فعل المصنف فعل مبني على علة ، والعلة هي : ” مناط القياس “
فإن العلة من التحذير عند القبور هي العلة الموجودة في سائر العبادات
لماذا نهى عن الصلاة عند القبور ؟
حتى لا يفضي الأمر إلى تعظيم هؤلاء المقبورين ،
فكذلك الشأن في سائر العبادات
فيكون هذا من باب القياس ، والقياس واضح جلي
والقياس : هو إلحاق أصل بفرع في حكم واحد لعلة جامعة بينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ