الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (170) حديث ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبَدُ )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (170) حديث ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبَدُ )

مشاهدات: 503

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 170)

حديث ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبَدُ )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــ باب : [[ ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله ]]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما قلت لكم : إن المصنف عنده حسن ترتيب

ولتعلم :

ــــــــــــــ

أن الإنسان كلما تمكن من المعلومة أو من العلم الذي يلقيه كلما كان أحسن ترتيبا وكل بحسبه

فإذا كان التمكن قويا كان الترتيب والأسلوب أحسن

وهلم جرا

فإذا  نظرنا إلى هذا الباب وإلى الأبواب السابقة :

فهنا ذكر المصنف هذا الباب بعد البابين السابقين :

فإنه لما ذكر الأدلة على تحريم الغلو بيَّن في هذا الباب سبب التحذير من الغلو

ما هو السبب ؟

ــ أن الغلو في الصالحين يصير قبورهم أوثانا تعبد من دون الله عز وجل

فالحديث عما سبق في الغلو وفي حكمه وفي أنواعه

وهنا ما يُتوصل بالغلو إلى أمر فظيع في الدين ، وهو :

[ الشرك بالله ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــ قال المصنف :

روى مالك في الموطأ :

أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :

(( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبَدُ ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــ

ــ [ الموطأ ] :

ــــــــــــــــــــــــــــ

هو كتاب للإمام  : مالك بن أنس

ـــ إمام دار الهجرة

ـــ هذا الكتاب فيه أحاديث للنبي عليه الصلاة والسلام ، وفيه تعليق من الإمام مالك عليهما

ـــ وقد شُرح شروحا متعددة كــ ” التمهيد ” لابن عبد البر

ـــ وقد قال الإمام الشافعي عن هذا الكتاب : ” ليس هناك كتاب تحت أديم السماء أصح من موطأ الإمام مالك “

ـــ فقول الإمام الشافعي هنا لا يعني أن الموطأ مقدم على صحيح البخاري ، لأن الأمة مجمعة على أن أصح الكتب هو كتاب الإمام البخاري

لأن مقوله الشافعي سابقة لتصنيف كتاب البخاري فإنه أسبق من البخاري

ــ ولذا فإن من شيوخ البخاري :  ” الإمام أحمد “

والبخاري لما عرضه عرضه على الإمام أحمد فاستحسنه

فيكون قول الشافعي قبل أن يصنف كتاب البخاري

ـــ ويمتاز هذا الكتاب  : بأنه عالي السند

فهناك علو في السند ونزول في السند

ـــ فكلما كثر الرجال في السند كلما كان السند نازلا ، ويكون الضعف إليه أقرب من الضعف إلى السند العالي

والسند العالي : ” هو قلة الرجال “

وإذا قلّ الرجال كان الخطأ أقل

ـــ فهو من حيث علو السند أعلى من سند البخاري

ولذا يقول البخاري : أصح الأسانيد :

[ مالك عن نافع عن ابن عمر ]

كم بين مالك والنبي عليه الصلاة والسلام ؟

اثنان :

ـــ نافع

ــ وابن عمر

ــــ وقد أخذ العلم عن الإمام مالك الشافعي ، فالشافعي أحد طلاب الإمام مالك

ـــ ومعلوم أن الإمام مالك قد نشر علم النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة ، حتى إن العلماء يقولون في مصطلحاتهم وفي أصولهم : ” هذا قول أهل المدينة “

وذلك لأن لأهل المدينة مرتبة وفضلا

ـــ ومما يدل على سلامة نية هذا الرجل – نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا – أن الله جعله إماما في الآخرين

فانظر إلى ما بيننا وبين عصره من السنين ، ومع ذلك أُبت الله مكانته وسطر اسمه في التاريخ ، وسطر موطأه في التاريخ

ـــ وذلك لأنه لما أراد أن يؤلف الموطأ قيل له : إن هناك موطأت فلا معنى لأن تؤلف

فقال : أؤلف ،  وما كان لله سيبقى

وسبحان الله لم يبق موطأ ظاهرا وواضحا إلا موطأ الإمام مالك

فهذا يدل على أن العبرة بما في القلب

ـــ ولذا أشار عليه الخليفة أن يجعل كتابا يتحاكم الناس إليه ، فرفض حتى لا يعول الناس على كتابه ويدَعوا كتاب الله

ولذا قال قولته المشهورة :

[ كلٌ يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر ]

يعني بذلك النبي عليه الصلاة والسلام

ـــ ومما يدل على أن هذا الرجل بقي ذكره واسمه عند العرب والعجم ، وعند المسلمين والكفار :

ـــ أن أحد الأشخاص يحدثني هذا اليوم حديثا عابرا : كنا في مكتبة ، وكان على الطاولة كتابا اسمه ( كيف  تحبب أطفالك في القراءة )

فقال المتحدث لي : إني عندي كتابا عنوانه : ( كيف تكون سريع القراءة سريع استيعاب )

قال : وهو كتاب  مترجم لشخص غير عربي وغير مسلم ، لكنه يقول : مما ذكره في  هذا الكتاب من الآثار عن الإمام مالك ، قال : [ كان الإمام مالك سريع القراءة سريع الفهم والاستيعاب ]

فذكر الإمام مالك مع أن الكاتب غير عربي

ــ وهذا الإمام من الأئمة الأربعة في الفقه ، وهم :

ـــ ” أبو حنيفة ــ

ـــ مالك

ـــ الشافعي

ـــ أحمد بن حنبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( أن رسول الله …. )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الحديث مرسل ، لأن سنده ينتهي إلى ” عطاء بن يسار ” عن النبي عليه الصلاة والسلام

ـــ وإذا كان مرسل فإنه مرسل تابعي

ومراسيل التابعين ضعيفة ، ليست كمراسيل الصحابة في حكم المرفوع

فيكون هنا علة في هذا الحديث ، وهو علة الإرسال ، لكن جاءت طرق تدل على أن ” عطاء ” سمعه من ” أبي سعيد الخدري ” عن ” رسول الله صلى الله عليه وسلم “

ـــ وجاء أيضا مثل هذا النص أو قريب منه من حديث ” أبي هريرة ” فارتفع بحمد الله الإشكال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( اللهم …. )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أصلها : يا الله :

فحذفت ” يا ” من أجل أن يُبدأ باسم الله ، وعوض عنها بالميم وجعلت الميم في آخر الكلمة

ولماذا كان البدل الميم ، ولم يكن حرفا آخر ؟

الجواب :

ـــــــــــــ

لأن الميم حرف جمع :

لأنه إذا نطق به تجتمع الشفتان : الشفة العليا والسفلى فيكون أنسب للدعاء

ــ وذلك لأن الداعي إذا جمع قلبه بدعاء الله ناسب أن يجتمع لسانه وشفتاه على هذا الدعاء فيكون هناك اجتماع معنوي وحسي

فائدة :

ـــــــــــــ

يستفاد من هذه اللفظة ، ومن غيرها من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : [ اللهم ] :

يستفاد منها :

الرد على من غلا في النبي عليه الصلاة والسلام ودعاه واستغاث به :

فمن يقول : يا رسول الله ـــــــــــ داعيا له

يرد عليه : بأن النبي عليه الصلاة والسلام محتاج إلى ما عند الله محتاج إلى ان يدعوه

فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام محتاجا إلى هذا فغيره من باب أولى

ويكون الرد عليهم إذا استغاثوا بغير النبي عليه الصلاة والسلام أو دعوا غير النبي عليه الصلاة والسلام يكون الرد عليهم أوضح وأصرح ، لأن هؤلاء المدعوين من الصالحين ليسوا بأرفع درجة من النبي عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك دعا ربه ، فيكون دونه من المدعوين من باب أولى

وقوله : (( لا تجعل )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ لا ] ــــــــ هنا ناهية لأنها جزمت الفعل المضارع

لكن لتعلم : أن النهي عند علماء الشرع وعلماء اللغة أنه هو : [ طلب الترك من الأعلى إلى الأدنى على وجه الاستعلاء ]

كما يقول الوالد لولده : لا تفعل هذا

هنا نهي له ، لأن مرتبة الأب أعلى من مرتبة ابن

لكن هنا هو : هو طلب من المخلوق

والمطلوب : الله الخالق

أيوجه طلب الترك من المخلوق إلى الخالق ؟

من الأقل إلى الأعلى ؟

لا يمكن

ومن ثم :

فإن أهل البلاغة يقولون : ” قد يخرج النهي عن هذا لعدة اعتبارات :

منها : الدعاء

من بين هذه الاعتبارات :

الدعاء

إذاً ال ” لا ” هنا دعائية ليست ناهية

وإن كانت تأخذ حكم النهي من حيث الإعراب : فهي تجزم الفعل المضارع

لكن هنا ليس نهيا من المخلوق لله ، وإنما هو [ دعاء ]

وهذا كقوله تعالى :

((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ))

فيكون النهي خارجا عن أصله لعدة اعتبارات ذكروها لكن الذي يهمنا هنا ” الدعاء ”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تجعل قبري )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أكلُّ دعوة يدعو بها النبي عليه الصلاة والسلام تستجاب له ؟

ليس كل  دعوة يدعو بها النبي عليه الصلاة والسلام تستجاب له

فقد ثبت عند مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( سألت ربي ثلاثة فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة ))

ـــ وهل استجاب الله عز وجل دعاء النبي :

(( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد )) ؟

يقال : نعم اُستجيب له

وقد ذكر ابن القيم ونص على أن القبر لم يتخذ وثنا بل أُحيط بثلاثة جدران تمنع أحدا أن يتخذ قبره وثنا

وهذا ظاهر من قول النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه : (( قبري ))

نص على القبر

ولم يقل :

(( اللهم لا تجعلني وثنا يعبد ))

ولذا : فإن النبي اُتُخِذ معبودا وإلها من دون الله عز وجل

ولذا :

ــــــــ

ترى من بعض الصوفية أو الروافض من يتوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام ويدعوه دون الله ، لكنه لم يتخذ القبر وثنا

والوثن يختلف عن الصنم :

ـــ فالوثن : أعم

أما الصنم فأخص

فالصنم : يطلق على المعبود الذي له صور

وأما الوثن : فيشمل المعبود من دون الله

سواء كان منحوتا على صورة أو لم يكن

ولذا : فإن الصنم يطلق عليه وثنا ، بينما الوثن لا يطلق عليه صنما

وقوله : (( يُعبد ))  :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه صفة ، ولكنها ليست صفة عند النحويين

أو في اعتبار عرف النحويين ، وإنما هي صفة عند علماء الأصول ويسمونها بــ ” صفة كاشفة “

بمعنى : أنه لا مفهوم لها ، وإنما يكون هذا من باب بيان الواقع ، وذلك لأن الوثن متخذ من أجل أن يُعبد

ولذا لو قال : (( اللهم لا تجعل قبري وثنا )) لكان الحكم هو نفس الحكم لأن الوثن يُتخذ من أجل العبادة

فهذه لا مفهوم لها

ـــ والنصوص الشرعية الأصل فيها أن لها مفهوما

والمفهوم له اعتباره في الحكام الشرعية

فإذا قلنا : يفهم من النص كذا

فإن هذا المفهوم يعتد  به

كقول النبي عليه الصلاة والسلام في الغنم السائمة :

(( في كل أربعين شاة شاة ))

فهم من ذلك : أن الغنم التي ليست سائمة ، وهي المعلوفة ليس فيها زكاة

هذا هو المفهوم

وهذا هو الأصل : أن المفهوم يُعتد به ويُعتبر ، لكن قد تأتي موانع تمنع الأخذ بهذا المفهوم

ذكر الأصوليون منها ثمانية ، لكن الذي عليه الأدلة أو ما جاء في النصوص الشرعية حسب علمي أربعة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـــ إذا كان النص قد جاء ” لبيان الواقع ” فلا مفهوم له مثل ما نحن فيه الآن لبيان الواقع

وكقوله تعالى :

((وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً )

أيفهم من ذلك أنه يجوز أن تركه الأمة على الزنا إذا لم ترد تحصنا ؟

لا يؤخذ بهذا المفهوم

لم ؟

لأن الآية جاءت في بيان حالة واقعة :

وهو أن ” عبد الله بن أُبي ” كان يكره أمتين له على الزنا

وكقوله تعالى :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ))

أيفهم منه أنه يجوز أن يؤكل الربا من غير تكون هناك مضاعفة ؟

لا  ، لأنه جاء لبيان واقع الكفار

2ـــ إذا جاء النص في سياق الامتنان فلا مفهوم له :

كقوله تعالى :

((وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ))

اللحم المقدد الذي يؤخذ من البحر أيجوز أكله ؟

يفهم من كلمة (( طريا )) أن المقدد ليس داخلا في الحكم ، وأنه لا يجوز أكله

لكن هذا المفهوم غير معتبر ، لأن ذكر اللحم الطري من باب ” الامتنان ” لأنه هو الأفضل

3 ــ إذا جاء النص للغالب فلا مفهوم له :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كقوله تعالى :

((وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ))

مطلع الآية  :

((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ))

إلى أن قال :

((وَرَبَائِبُكُمُ ))

الربيبة : بنت الزوجة من غيره ، فلا يجوز الجواز بها

لكن هنا ذكر : ((فِي حُجُورِكُم ))

أيفهم منه : أن الربيبة التي ليست في حجر وتربية زوج الأم يجوز لزوج الأم أن يتزوج بها ؟

الجواب :

ــــــــــــ

لا يجوز

لأن النص جاء لبيان الغالب

وأن الغالب أن البنت تكون مع أمها عند زوج أمها

4 ــ إذا جاء النص للتوكيد والحث فلا مفهوم له :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كقوله تعالى :

((وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))

الزوجة التي ليست مسلمة كالكتابية أيجوز لها ان تكتم ما في رحمه ؟

الجواب : لا

لكن ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر من باب الحث والحض

فقوله : (( يعبد )) صفة كاشفة فلا مفهوم لها

وقوله : (( اشتد غضب الله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشتد : أي عظم

غضب الله : فيه إثبات صفة الغضب لله بما يليق به

وفي هذا رد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة 

وشبهة هؤلاء أنهم قالوا : ” لو أثبتنا صفة الغضب لشبهناه بالمخلوق  ، وإذا شبه بالمخلوق في هذه الصفة فإن غضب المخلوق ليس محمودا ، فإن أثار غضب المخلوق أثار سيئة :

ــ قد يطلق زوجته

ـــ قد يقتل خصمه

ــ قد يضرب ولده

ــ قد يكسر أواني بيته

ــ قد يلعن ، قد يسب

وهؤلاء في الحقيقة – كما قال بعض العلماء – : ( إن كل معطل ممثل ) هم المعطلة

لكن ما الذي جرهم إلى هذا التعطيل ؟

التمثيل

وإلا فقد قال تعالى :

(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))

فنفى أن يكون له مثيل ، وأثبت السمع والبصر

مع أن المخلوق له سمع وبصر :

قال تعالى :

(( فجعلناه سميعا بصيرا ))

فأثبت للمخلوق السمع والبصر ، وأثبت لنفسه السمع والبصر

لكن ما الذي قبلها ؟

(( ليس كمثله شيء ))

إذاً يسمع لا كسمعنا

يبصر لا كبصرنا

وهلم جرا

وما يرد عليهم أنه يقال لهم :

” ماذا تقولون في صفة الغضب المذكورة في الكتاب والسنة ؟

فيقولون : معناها [ الانتقام ]

أو [ إرادة الانتقام ]

(( اشتد غضب الله )) على قولهم : ” اشتد انتقام الله “

أو ” اشتدت إرادة انتقام الله “

ويرد عليهم فيقال :

أأنتم أفصح كلاما من كلام الله ؟

فإن قالوا : نعم ــــــــــــ فقد كفروا

وإن قالوا : لا  ، فيقال لهم : ” ألم يقل الله : ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ))

آسفونا : أي أغضبونا انتقمنا منهم

إذاً فرق بين الغضب وبين الانتقام ،

فجعل الانتقام أثرا من آثار الغضب

[[ فائدة ]] :

ـــــــــــــــــــ

ويستفاد من قوله :

(( اشتد غضب الله ))

يستفاد منه :

أن غضب الله متفاوت ليس في درجة واحدة ، فكلما عظم ذنب المخلوق كان الغضب أشد

وجه ذلك من دليلين :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدليل الأول :

ـــــــــــــــــــــــ

قوله : (( اشتد غضب الله )) ولم يقل : (( غَضِبَ الله ))

الدليل الثاني :

ــــــــــــــــــ

أنه مر معنا في حديث الشفاعة ، ومن بين جملة قول الأنبياء :

(( إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده ))

فدل على أن الله يغضب دون هذا الغضب

ـــ ** : وإذا  كان الأمر كذلك فإن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد من أعظم الجرم ، ومن أعظم الذنب

 ــــــــــــــــ لم ؟                

لأنه قد اشتد غضب الله ، ولم يقل : غضبً الله “

لماذا اشتد غضب الله ؟

لأن الجرم الذي أتى به هؤلاء جرم كبير خطير عظيم

ــــ وقوله : (( على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مر معنا : أن اتخاذ القبور مساجد نوعان :

ـــ إما حسي

ـــ وإما معنوي

حسي : وهو بالبناء عليها

ــ ومعنوي : وهو بالتعبد لله عند هذه القبور

لو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــــ

ما علاقة هذا الحديث بالباب ؟

فنقول :

ــــــــــ

علاقته ظاهرة وواضحة :

أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الجملة الأولى :

(( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ))

وثنى بالجملة الثانية :

(( اشتد غضب الله على قوم اتخذا قبور أنبيائهم مساجد))

ثنى بهذه الجملة لأنها سبب في جعل القبر وثنا

(( اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ))

هل عبدوها في هذه الجملة ؟

لا ، عبدوا الله عندها

فأودى بهم هذا الأمر إلى أن يجعلوها وثنا ، فجاءت الجملة الأولى : (( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ))

لو نظرت إلى عنوان الباب :

[ باب ما جاء في أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ