الدرس ( 25 ) الشرح الموسع لكتاب التوحيد
( باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
أورد رحمه الله هذا الباب عُقيب الباب السابق ، وهو باب : “ كتاب التوحيد ” ليبين رحمه الله ثواب وفضل من وحد الله عز وجل .
ففي الباب الأول : في مجمل نصوصه تقرير وتأكيد على أهمية التوحيد
ثم ثنَّى في هذا الباب بذكر فضل من قام بهذا التوحيد
فقوله رحمه الله ( باب )
باب : خبر لمبتدأ محذوف :
أصل الكلام : هذا باب فضل التوحيد
فالمبتدأ محذوف ، وهو هذا وخبره باب
والباب في اللغة : هو المدخل للشيء
وفي الاصطلاح : ” جملة من العلم يدخل تحته مسائل “
وقوله رحمه الله : ( فضل التوحيد )
التعبير بالفضل لا يدل على عدم وجوب التوحيد
فقد يكون الشيء واجبا ويُوصف بالفضل والخيرية
والأمثلة كثيرة :
قال عز وجل : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10} ))
ثم بين هذه التجارة ، فقال : ((تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ))
ثم قال : ((ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11} ))
فهل لقائل أن يقول : إن الإيمان ليس بواجب؟!
الجواب : لا يقال هذا
وكذا قوله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ))
ما الذي بعدها ؟
قال : ((ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9} ))
وقوله رحمه الله : (( التوحيد )) :
مر معنا بيان التوحيد لغة وشرعا ، فلا معنى لإعادته
وقوله رحمه الله : (( وما يكفر )) :
” الواو ” عاطفة
فتكون جملة ما يكفر من الذنوب معطوفة على الجملة التي قبلها
والعطف ليس على كلمة التوحيد ، وإنما على كلمة ” الفضل “
فيكون معنى العطف : (( هذا باب فضل التوحيد ، وباب ما يكفر من الذنوب ))
ولو قال قائل : أليس تكفير الذنوب فضلا وخيرا ؟!
الجواب :
بلى ، هو فضل وخير
فلو قال : فلماذا عطف ؟
الجواب على هذا العطف :
أنه من باب عطف البعض على الكل ، وذلك للاهتمام بهذا البعض :
كقوله تعالى : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ))
والصلاة الوسطى على أصح التفاسير : هي صلاة العصر
والعطف أصله يقتضي المغايرة ، فيكون المعطوف غير المعطوف عليه
والعطف ينقسم إلى أربعة أقسام :
النوع الأول :
عطف يقتضي التباين بين المعطوف والمعطوف عليه
وهذا هو الغالب في العطف :
قال عز وجل : (( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ))
فالأرض غير السموات
النوع الثاني :
عطف البعض على الكل
كما في آية البقرة :{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى )) وقد يُعبر عنه البعض بـ” عطف الخاص على العام “
النوع الثالث :
عطف التلازم :
ويمثل له بقوله عز وجل : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))
والعمل من الإيمان على القول الصحيح من قولي أهل السنة عند إطلاق الإيمان .
فإذا أطلق الإيمان فيدخل فيه القول والاعتقاد والعمل فيكون من لوازم الإيمان العمل الصالح .
النوع الرابع :
عطف الشيء على نفسه لتغاير الصفة :
كقوله تعالى : (( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ))
وعلى كل حال فالعطف الذي معنا هو : (( عطف خاص على عام ))
أو عطف جزء على كل
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ” وما يكفر”
فـ ” ما ” هنا :
إما أن تكون موصولة فيكون المعنى :
“باب فضل التوحيد وما يكفره من الذنوب “
وإما أن تكون مصدرية ، فيكون المعنى :
” باب فضل التوحيد وتكفيره الذنوب “
وكونها مصدرية أحسن حتى لا يحصل وهم ان التوحيد يكفر بعض الذنوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ” يُكفِّر ”
الكفر في اللغة : هو الستر
كفرتُ الشيء : يعني : سترته وغطيته
ولذا يُسمى ” المزارع ” كافرا من حيث اللغة : لأنه يستر ويغطي البذر :
قال عز وجل : ((كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ))
الكفار : أي الزراع
فهذا التوحيد يغطي ويستر الذنوب :
ولذا صاحب البطاقة الذي نُشر له من السجلات ما جعله يستشعر بهلاكه ، يقول الله عز وجل له : ” لك عندنا حسنة “
فيقول : وماذا تصنع هذه الحسنة عند هذه السجلات ؟
فتُخرج له بطاقة فيها ” لا إله إلا الله ” فتوضع في كفة فتطيش السجلات كلها
ـــــــــــــــــــ
وقوله : (( من الذنوب )) :
” من ” هنا للبيان
و ” الذنوب ” قد يراد منها السيئات والخطايا عند الإطلاق
لكن إذا اجتمع الذنب مع السوء او مع الفحش فيختلف المعنى