الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (37)حديث(إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (37)حديث(إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله )

مشاهدات: 887

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 37 )

حديث(إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولهما في حديث عتبان : (( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ))

ولهما أي البخاري ومسلم

في حديث عتبان :

ويجوز أن يكسر حرف العين عِتبان أو يضم عُتبان ، ولكن المشهور كسر العين .

وهو أحد الصحابة من الأنصار ، وهذا الصحابي رضي الله عنه له قصة في هذا الحديث .

ولذا قال المصنف : ” ولهما في حديث عتبان “

فدل على أن هذا الحديث مختصر فاختصره المصنف وأتى بما يتناسب مع هذا الباب

وقصة عتبان  :

أنه رضي الله عنه كان يؤم قومه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن المطر إذا نزل حال بيني وبين أن أؤم قومي وإنه قد كف بصري فلتأت فتصلي في بيتي حتى أتخذه مسجدا وكان ذلك يوم الجمعة فأتاه صلى الله عليه وسلم يوم السبت وكان عتبان قد صنع له طعاما فأتى النبي مع عدد من الصحابة ومنهم أبو بكر الصديق فلما دخل النبي قال أين تريد أن أصلي لك ؟ ))

وهذا الحديث فيه فوائد متعددة  :

ولكن من الفوائد التي قد تكون خفية :

 أن من السنة أن الإنسان يبدأ فيما من أجله أتى  :

(( فإتيانه عليه الصلاة والسلام للصلاة ولم يقدم للطعام فقدم الصلاة بينما لما دعته الصحابية مليكة دعته لطعام فقدم الطعام ثم صلى بعد ذلك-  كما جاء في معنا في عمدة الأحكام ))

قال أنس : ” فصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من خلفنا

(( فقال عليه الصلاة والسلام : أين تريد أن أصلي لك ؟

فأشار إليه فصلى عليه الصلاة والسلام ، وكان ذلك في نصف النهار، فلما فرغ من الصلاة حبسه عتبان على هذا الطعام ، فلما جاء أهل المحلة أي أهل الحي فقال بعضهم: ”  أين مالك بن الدخشم ؟ “- وضبط الدخشن بالميم والنون – فقال أحدهم : ”  إنه منافق يأتي المنافقين ، فقال عليه الصلاة والسلام : ” لا تقل هذا ألا تراه يشهد أن لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله “

قالوا يا رسول الله : ” إنه يأتي المنافقين ” فقال عليه الصلاة والسلام هذه الجملة من هذا الحديث :(( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) )

وقد جاء في حديث حسنه ابن حجر: (( أنه قال عليه الصلاة والسلام : ” ألم يشهد بدرا ))

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( فإن الله حرم على النار ))

التحريم سبق معنا  :

تحريم شرعي وتحريم كوني ، والتحريم هنا تحريم كوني قدري .

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( فإن الله حرم )) :

فيه إثبات صفة  التحريم لله عز وجل  وكما سبق أن الصفة تشتق من الفعل فالفعل منه عز وجل تشتق منه صفة  .

وكلمة حرم تفيد أن التحريم نوعان :

  • تحريم لم يسبقه عذاب

2-                                        تحريم سبقه عذاب

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله :” إن قوله: (( يبتغي بذلك وجه الله )) تستلزم العمل وذلك بأنه إذا ابتغيت شيئا طلبته وعملت لتحصيله فإن كانت بغيتك كاملة كان التحريم من النار كاملا وإن كانت البغية ناقصة كان التحريم ناقصا “

وقد قال شيخ الإسلام : ”  إن قول لا إله إلا الله جاءت في بعض الأحاديث أنها تدخل الجنة وأنها تحرم قائلها على النار ، جاءت أحاديث أن بعض قائليها يدخلون النار فوجه الجمع بينها أن يقال : ”  إن كانت البغية كاملة دخل الجنة وان كانت البغية ناقصة دخل النار ثم مآله إلى الجنة “

ولو قال قائل :

إن هناك حديثا عند الترمذي وهو قول النبي : (( أن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول الله عز وجل له ألك عذر ؟ أظلمك ملائكتي ؟ فيقول لا .

فيقول الله عز وجل : ((  إن لك عندنا حسنة ، فقال وماذا  تصنع هذه الحسنة عند هذه السجلات فقال الله عز وجل : لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فتطيش معها هذه السجلات فلا يثقل مع اسم الله شيء ))  فهذا الحديث كيف يجاب عنه ؟

فقال رحمه الله :” إن البعض من الناس قد يقول : ”  لا إله إلا الله خالصا من قلبه فيعقبها بسيئات تضعف هذا الإخلاص فترجح هذه السيئات على حسنة التوحيد فيموت مصرا على هذه الذنوب فيدخل النار ، والبعض قد يقول : ”  لا إله إلا الله وله أعمال من الذنوب قبلها فيقولها مخلصا بها وجه الله ولا يعقبها بذنوب فترجح حسنة التوحيد التي لم يعقبها بذنوب فترجح حسنة التوحيد ، وهذا كحديث صاحب البطاقة فإن لديه ذنوبا ولكنه قال هذه الكلمة مخلصا بها لله عز وجل ولم يتبعها بذنوب ثم قال رحمه الله وإن كانت درجته في الجنة تقل فليس كغيره ممن لم يعمل الذنوب أصلا وقد قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية إن لا إله إلا الله نور ، فكلما قوي هذا النور في قلب العبد أحرق الشبهات والشهوات ومن الناس من يقولها ويحرق نور هذه الكلمة كل ما في قلبه ، وبعضهم يقولها ليس كالأول والناس في ذلك يتفاوتون “
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( على النار ))

جاء في الحديث: (( أن النار اشتكت إلى ربها عز وجل أن عجل بأهلي لقد أكل بعضي بعضا ))

وجاء في حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : ((تحاجت الجنة والنار فقالت الجنة : يدخلني الضعفاء ، وقالت النار : يدخلني الجبارون ، فقال الله عز وجل : إن لكل واحدة منكما علي ملؤها ))

فقد حكم عز وجل بأن الجنة والنار ستملأن

ويكون من فوائد التوحيد  :

أنه لا نصيب للنار من الموحدين إذا كان التوحيد كاملا ، وإذا كان ناقصا بالذنوب فليس لها نصيب من الموحد أبد الآباد فلها نصيب منه وقتا يشاؤه الله عز وجل .
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( من قال ) ) :

 فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يزك مالك وإنما أتى بصيغة العموم  : (( من قال لا إله إلا الله )) :

و( ( من ) ) :

هنا من صيغ العموم فتعم الكل ممن يقول هذه الكلمة ابتغاء وجه الله وقوله عليه الصلاة والسلام  🙁 ( قال )  ) يلزم في صحة التوحيد في الدخول في الإسلام أن يتلفظ بهذه الكلمة ولم يقل من اعتقد وإنما قال : ( ( من قال ))

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا إله إلا الله )) سبق الحديث عن هذه الجملة مستوفاة في الحديث السابق حديث عبادة

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( يبتغي )) أي يطلب وهذا تقييد لهذه الكلمة فإذا قرأت وسمعت نصوصا أطلقت دخول الجنة بقول لا إله إلا الله فاعلم أنها مقيدة بمثل هذا الحديث ،

ومن بينها ما جاء في الصحيح : (( حرمه الله على النار )) فهو نص مطلق مقيد بمثل هذا الحديث ،

ومما يدل على الإطلاق والتقييد انه جاء عند  البخاري في حديث معاذ رضي الله عنه السابق قال عليه الصلاة والسلام ( ( من شهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله مستيقنا بها دخل الجنة ))

وجاء في رواية عند البخاري : (( من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار ))  

فانظر في إحدى الروايات التقييد

وفي الرواية الأخرى : ” الإطلاق مع أن الحديث واحد وهذا يدل على أن لا إله إلا الله لها شروطا “

وشروط لا إله إلا الله سبقت وهي ثمانية شروط :

وقلنا : ”  إن من شروطها الإخلاص والدليل على الإخلاص هذا الحديث : (( من قال لا إله إلا الله يبتغي )) أي يطلب فهذا هو شرط الإخلاص :(( يبتغي بذلك وجه الله ))                     بعض العلماء يقول – وهو ابن شهاب الزهري-  قال حول هذا الحديث قال  : ” لا يغتر مغتر بهذا الحديث فإن هناك فرائض بعدها فرضت “

ولكن الجواب الشافي هو جواب شيخ الإسلام رحمه الله : ” من أن البغية كلما كانت كاملة كان التحريم كاملا وكلما كانت البغية ناقصة كان التحريم من النار ناقصا  “

فقوله عليه الصلاة والسلام  : (( يبتغي بذلك وجه الله ))

فيه إثبات صفة الوجه لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته وإثبات صفة الوجه وهي صفة خبرية .

قوله عليه الصلاة والسلام :(( يبتغي بذلك وجه الله )) :

فيه إثبات صفة الوجه لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته

وإثبات صفة الوجه وهي صفة خبرية هو معتقد أهل السنة والجماعة خلافا للمعطلة الذين نفوا عن الله عز وجل هذه الصفة بحجة أن في إثباتها تشبيها له عز وجل بالمخلوق .

ولو أنهم نظروا إلى دليل السمع والعقل لما اعتقدوا هذا المعتقد ودليل السمع قوله عز وجل :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }

ودليل العقل /  :

أن الخالق عز وجل لا يقاس بخلقه .

وصفة الوجه حرفوها فقالوا : ”  إن وجه الله عز وجل يعني ذات الله .”

وبعضهم قال : ” إنه ثواب الله  “

وهل يمكن أن يتصور عقل أن هناك ذاتا من غير صفات  ، محال أن تكون هناك ذات خالية من الصفات ولذلك معنى هذا الحديث عندهم يبتغي بذلك وجه الله ، وصفة الوجه من الصفات الخبرية ،

وسبق أن العلماء يقسمون صفات الله الثبوتية إلى ثلاثة أقسام :

[ صفة خبرية – ذاتية  – فعلية ]

وبعضهم يجعلها قسمين فيدخل الخبرية في الذاتية

وصفة الوجه :

من صفاته الخبرية عز وجل وهي بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء ، ولكننا لا نقول أنها أبعاض وأجزاء لله عز وجل لعدم ورود الخبر بذلك

وإنما نقول : “هي خبرية باعتبار أن الخبر أتى بها ولا يجوز للعقل أن  يدخل في أسماء الله عز وجل وصفاته ولذا أهل الكلام لما أدخلوا عقولهم في أسماء الله عز وجل وصفاته ضلوا ضلالا مبينا .”

وأما حديث :

(( إن الله خلق آدم على صورته )) :

 فالجهمية : أعماهم الله عز وجل فنفوا أن يكون لله أسماء وصفات خروجا في نظرهم من التشبيه

وهذا الحديث من المتشابه  .

ولتعلم :

أن هناك نصوصا متشابهة الله عز وجل ابتلاء واختبارا فمن ينظر بعين الأعور فقد زلت قدمه وعمي قلبه وبصره :

قال عز وجل : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصله { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ} لكن { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} أي المحكم والمتشابه : { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا  } الآية

وهذا الحديث أن الله عز وجل خلق آدم على صورته بمعنى:

أنه كما أن له عز وجل وجها وسمعا وبصرا فكذلك خلق آدم له صفات ولا يليق بعاقل فضلا عن مسلم أن يقول إن آدم صفاته كصفات الله.

إذن يكون هذا الحديث : ”  فيه بيان فضل من فضائل التوحيد وهو أن الموحد قد حرم على النار:

إما تحريما كاملا

وإما تحريما ناقصا

وفي هذا الحديث رد على المرجئة والمرجئة كما سبق يرون : ”  أن العمل لا يدخل في الإيمان وعندهم أن الإيمان قول واعتقاد “

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( يبتغي بذلك وجه الله )) رد عليهم فيكون العمل من الإيمان .

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( يبتغي بذلك )) فيه دليل على أن العمل من أركان الإيمان

وفيه رد على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: ” إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار “