الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(75)
حديث (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام :أنه قال : (( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــ
قال المصنف :
” وفي الصحيح “ :
لتعلم :
أن العلماء اصطلحوا فيما بينهم في الغالب إذا قيل : ” وفي الصحيح ” المراد صحيح البخاري
فهو الجامع الصحيح المسند من أقوال وسنن الرسول صلى الله عليه وسلم
لكن قاعدة الشيخ هنا في عبارة : ” وفي الصحيح ” :
قد يراد منها عند التحقيق قد يراد منها ” صحيح مسلم ”
وقد يراد منها ” البخاري ”
وقد يراد الصحيحان
وسيأتي معنا بعض النصوص ما يدل على هذا
وقوله هنا : (( وفي الصحيح )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراد منه صحيح مسلم
ولمك يذكر الرواي : فهو أبو مالك الأشجعي :
وهو سعد بن طارق الأشجعي
وطارق الأشجعي لم يرو عنه إلا ابنه ” سعد “
فالرواي هنا : هو سعد بن طارق الأشجعي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قال لا إله إلا الله ))
من ــــ اسم شرط
وأسماء الشرط تفيد العموم فتشمل الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير
وقوله عليه الصلاة والسلام : ” قال “ يستفاد منه أن الاعتقاد لا يكفي فلابد من النطق بكلمة التوحيد
وقوله ” لا إله إلا الله “ سبق الحديث عنها في نصوص سابقة
وقوله : (( وكفر بما يعبد من دون الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : (( وكفر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكفر هو الجحود والتغطية والستر
هذا من حيث المعنى العام للكفر
ولذا وصف عز وجل في كتابه المزارعين بأنهم كفار ، قال : ((كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ))
يعني : يعجب الزراع نباته
لماذا سموا كفارا ؟
لأنهم يسترون ويغطون البذر بالتراب
والناظر في كلمة الكفر و في معناها الذي هو الستر والتغطية يرى أن هناك شيئا مغطى أن هناك شيئا مستورا
فهل يمكن أن تغطي هكذا ؟
أو لابد أن تغطي شيئا ؟
لابد أن تكون التغطية لشيء ، وإلا لما يكن لهذه التغطية أثر بل لا يصدق عليها اسم التغطية والستر ،ومن ثَمّ – والله أعلم – لأني لم أر أحدا تكلم فيها : ” أرى أن كل آية في الكفر تدل على الفطرة ، وهي فطرة الله لخلقه على التوحيد
لأن هؤلاء الكفار غطوا وستروا الفطرة التي فطر الله الناس عليها
قال تعالى : ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ))
ثم قال بعدها : ((مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ))
وختم الآية بقوله : ((وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( بما يُعبد من دون الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباء : ـــــــــــــ حرف جر
و ” ما ” : ــــــــــ اسم موصول
واسم الموصول يعم
فيشترط في صحة التوحيد وسلامته ان يكفر من قال ” لا إله إلا الله ” أن يكفر بجميع ما يُعبد من دون الله سواء كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا ، ومن هم دونهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : حرُم ماله ودمه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو جواب الشرط ، كأنه يقال : ” من قال ” لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله “
ما الثمرة ؟
ما الحاصلة ؟
(( حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ))
فيستفاد من هذا :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن من قال ” لا إله إلا الله ” ولم يكفر بالأديان الموجود انه مشرك
فدل على أن قول ” لا إله إلا الله ” مع الكفر بجميع ما يعبد من دون الله هو التوحيد وانه بهذا يحرم ماله ودمه ، والذي يحرم دمه وماله هو المسلم
ومن ثم :
ـــــــــ
فإن القول بتقريب الأديان والسعي في توحيدها والتقريب بينها دعوة كفرية .
وذلك بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
وقال تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )) :
فدل على أن ما سواه من الأديان باطل ويجب ان يكفر به .
ولذا :
لو قال قائل : ” أنا أقول لا إله إلا الله ” لكنني لا أقول : ” إن النصارى ولا إلا اليهود لا على باطل ولا على حق أكون محاربا ؟
أقول :
ـــــــــــ
” لا إله إلا الله ” لكنني لا أقول ببطلان ما هم عليه ، ولا بأحقية ما هم عليه ، فماذا يقال عنه ؟
يقال عنه إنه كافر
فلابد أن يوجد اليقين بان هذه الأديان الموجودة أديان باطلة
ولذا النصارى واليهود يقولون : ” لا إله إلا الله ” هل تنفعهم ؟
لا ، لن تنفعهم
وقوله : (( حرم ماله ودمه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا كحديث النبي في الصحيحين : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : ” لا إله إلا الله ” فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل))
وقوله : (( وحسابه على الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسابه على الله ؟
لماذا أتت هذه الجملة في نهاية الحديث ؟
القول فيها كالقول في الحديث الذي أوردته ، وهو حديث ” ابن عمر “ : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ” لا إله إلا الله ” فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ))
يستفاد من هذا :
ــــــــــــــــــــــــ
أن المسلم يجب عليه أن يأخذ بالظاهر ، أما البواطن والسرائر فهي إلى الله
فمتى ما قال الإنسان : ” لا إله إلا الله ” وكفر بجميع ما يُعبد من دون الله فهو ” المسلم ” له مالنا ، وعليه ما علينا يحرم دمه وماله
وأما سريرته فهي إلى الله عز وجل
فنحن نحكم في الدنيا بأنه مسلم ، أما عند الله فالله أعلم بشأنه
وقوله : (( عزَّ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يؤخذ منه ” صفة العزة لله ” فهو جل وعلا عزيز ، ومن صفاته العزة
والعزيز ـــــــ هو الغالب القوي الممتنع
فهو جل وعلا عزيز ــــــــــ لم ؟
لأنه قوي لا يُغلَب
ولم ؟
لأنه هو الغالب الذي لا يُهزَم ، ولأنه الممتنع الذي لا ينال بسوء
ولذا ابن آدم قد يكون قويا لكنه يغلب
وقد يكون قويا لا يغلب لكن يصاب بسوء
وقوله : (( وجلَّ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي عظم :
قال تعالى : ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27} ))
ذو الجلال : ــــــــــ يعني ” ذو العظمة “
قال المصنف : (( وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
قول المصنف : هو الإمام المجدد رحمه الله :
قال : (( وشرح هذه الترجمة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
هو التفسير والتوضيح والبيان :
شرحت الدرس : بمعنى : وضحته وبينته وفسرته وفصلته
وقوله : (( الترجمة )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترجمة : ـــــــــ هو التعبير عن لغة بلغة
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ))
يعني : من يعبر عنه
لكن مقصود المصنف رحمه الله ليس هذا المعنى وإنما مقصوده في الترجمة : أي هذا الباب
وشرح هذه الترجمة : ـــ يعني : هذا الباب أو هذا الدرس أو هذا العنوان
وليس المقصود التعبير عن لغة بلغة أخرى
قال : (( وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هو عنوا هذا الباب ؟
وما هو هذا الباب؟
(( باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ))
فهو يقول : ” ما ذكرته في هذا الباب ليس إلا شيئا يسيرا فلا يُكتفَى به ، فقد ذكرت بعده أبوابا هذه الأبواب تبين هذا الباب ، فتضيف إلى ما ذكر في هذا الباب تضيف إليه فوائد أخرى “
ولذا عنون المصنف لكتابه فقال : (( كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ))
فدل على أن جميع الأبواب تتعلق بالتوحيد وتفسيره وإيضاحه .