الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (84 )
حديث
( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن مسعود رضي الله عنه سبق معنا بيان شيء من سيرته وفضائله
وهذا النص مختصر وأما لفظ أبي داود :
( فإن ابن مسعود رضي الله عنه دخل على زوجته وفي عنقها خيط فقال ما هذا ؟ قالت قرئ فيه فقطعه ، فقال إن بيت ابن مسعود لغني عن الشرك وقالت إن عيني تدمع وإنه إذا رقاها يهودي أمسكت فقال ذاك من الشيطان ينخسها بأصبعه فتدمع فإذا رقيت برقية هذا اليهودي لم ينخسها ، فقال قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الرقى والتمائم والتولة شرك )
قوله عليه الصلاة والسلام ( إن الرقى )
” إن “ من أدوات التوكيد فهو أبلغ من قوله الرقى والتمائم والتولة شرك
وقوله ” الرقى ” المراد منها الرقية الشركية
وعندنا ثلاثة أنواع من الرقى :
الأولى : الرقية الشرعية التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام كقوله عليه الصلاة والسلام ( اللهم رب الناس مذهب البأس أذهب البأس اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما )
النوع الثاني : الرقية المباحة التي لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولكن الشروط قد انطبقت عليها وذلك كأن يقول الراقي اللهم اشفه ، اللهم عافه ، اللهم أذهب ما به ، اللهم ألبسه لباس الصحة والعافية
فهذه لم ترد عن الرسول عليه الصلاة والسلام لكن حكمها الجواز
النوع الثالث: الرقية الشركية وهي التي اختل شرط من شروط الرقية الشرعية
دليل الأول : فعل النبي صلى الله عليه وسلم
دليل النوع الثاني : هو قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم
( اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا )
فدل على أن المنهي عنه فقط هي الرقية الشركية وأما ما عداها مما لم يكن فيها شرك فجائز ولو لم ترد عن الرسول عليه الصلاة والسلام
وأما الرقية الشركية فدليلها : قوله عليه الصلاة والسلام ( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا )
وكذلك هذا الحديث ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )
ولو قال قائل : ما هي الرقية الشرعية الجائزة ؟
نقول هي التي توفرت فيها هذه الشروط الآتية :
أولا : أن تكون باللغة العربية فلا تجوز الرقية من غير اللغة العربية ولو عرف معناها فليس من شعائر المسلمين أن تتخذ ألفاظ العجم في المحادثة بين الناس فضلا عن استخدامها في الرقية
ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( من تشبه بقوم فهو منهم ) كما جاء عند أبي داود
ثم إن كلماتهم وألفاظهم قد تتغير في حين من الأحيان فيراد من هذه الكلمة معنى في وقت دون وقت آخر ، فهي ليست منضبطة كما هي اللغة العربية
فاللغة العربية باقية ، لم ؟ لأنها مرتبطة بالقرآن
قال تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
فتشرفت اللغة العربية بهذا الشرف لأن القرآن نزل بلغة العرب
الثاني : ألا يكون فيها شرك كأن يستغاث بغير الله أو أن يتبرك في ثنايا الرقية بشيء لم يجز الشرع التبرك به ، قال النبي عليه الصلاة والسلام
( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا )
الشرط الثالث : أن تكون مفهومة فلو كان يرقى باللغة العربية لكن جملها التي يقولها في الدعاء غير مفهومة فإنه لا يجوز
لأننا لا نأمن أن يكون فيها شيء من الشرك ولذا الرقية التي فيها طلاسم سواء كانت مكتوبة أو متحدثا بها فلا يجوز الرقية بها
الشرط الرابع : إذا توفرت الشروط السابقة فلا يجوز له أن يعتمد عليها بل يجعلها سببا مع اعتماد قلبه على المسبب وهو الله فيعتمد على الله ويأتي بها على أنها سبب لا أنها مؤثرة بذاتها
ومن ثم فإن بعض العزائم وهو ما يمسى عندنا بعزائم وهي الآيات أو الأدعية النبوية المكتوبة بزعفران يجب في استخدامها أن تكون واضحة فلو كان معظمها واضحا إلإ نذرا يسيرا فلا يجوز
كل ذلك من باب سد الذرائع
فقوله عليه الصلاة والسلام ( إن الرقى ) المراد منها الرقية التي اختل فيها شرط من شروط الرقية الشرعية
وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه وكان جبريل يرقيه أيضا فكان يرقي ويرقى عليه الصلاة والسلام
وسبق معنا هل تطلب الرقية أم لا ؟
مر في باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب
قوله عليه الصلاة والسلام ( السبعين الألف هم الذين لا يسترقون )
وقوله عليه الصلاة والسلام ( إن الرقى ) ” ال ” إذا دخلت على الكلمة فالأصل أنها تفيد العموم فلولا ورود أدلة تخرج الرقية التي اشترطنا لها شروطا لكانت كل الرقى شرك شركا لكن هذا العموم مخصصا بالأحاديث الواردة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
قوله عليه الصلاة والسلام ( والتمائم ) :
التمائم سبق معنا تعريفه و” ال ” هنا تفيد العموم ومن هنا يستدل بها على أن كل التمائم سواء كانت من القرآن أو لم تكن من القرآن فإنها محرمة لعموم النص وسيأتي معنا خلاف العلماء في هذا في قول إبراهيم النخعي
” كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن “
وسأذكر عندها بإذن الله النزاع الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم
وقوله ( والتولة ) :
التولة : شيء يصنع يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها وهذا ما يسمى بالعطف ، وهناك ما يسمى بالصرف ، فالصرف كما قال عز وجل {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } فهذا هو الصرف يفعل عمل لكي تصرف الزوجة عن زوجها والزوج عن زوجته فلا يبغي أحدهما الآخر
وأما العطف فكما ورد في هذا الحديث وذلك كأن تكون المرأة مصروفة أو الزوج مصروفا عن زوجته وليس هناك وفاق بينهما فأرادت المرأة أن يكون تحت إمرتها وفي تصرفها فتعلق هذا الشيء حتى يحصل لها مقصودها
هذا هو معنى التولة وسيعرفه الشيخ رحمه الله
ويدخل ضمن التولة ” الدبلة ” وهي دبلة الخطوبة عند البعض إذا قصد منها أن بقاء هذه الدبلة يكون بقاء للمودة بينهما وإن لم تكن هذه النية موجودة فإن فيها تشبها بالنصارى ، ولذا يضعون أعني النصارى يضعون الدبلة على الإبهام ويقولون بسم الأب ثم يضعونها على السبابة ويقولون بسم الابن ثم يضعونها على الوسطى ويقولون بسم روح القدس
ثم يضعونها في البنصر وهو الذي بين الوسطى والخنصر
فهي محرمة فإن أضيف إليها هذا المعتقد فهو شرك فإن أضيف إلى هذين الشيئين كون هذه الدبلة من الذهب زاد التحريم تحرميا لأن الذهب لا يحل للرجال
وقوله عليه الصلاة والسلام ( شرك )
أوضحنا المقصود من هذا الشرك هل هو شرك أكبر أم شرك أصغر ؟
كأن المصنف يهدف إلى أن الرقية محرمة ” إلا في العين والحمة ” أو أن النهي وإن لم يكن تحريما إنما هو ما لم يكن من عين أو حمى ومرت معنا هذه المسألة قوله عليه الصلاة والسلام ( لا رقية إلا من عين أو حمة ) في باب من حقق التوحيد دخل الجنة من غير حساب ولا عذاب
وذلك لأن بعض العلماء يرى أن الرقية لا تطلب إلا في العين والحمى استدلالا بحديث ( لا رقية إلا من عين أو حمة )
وقوله عليه الصلاة والسلام ( هم الذين لا يسترقون ) يخرج منها الاسترقاء للعين والحمة لهذا النص
ولكننا أعجبنا بأنه فرق بين فعل الرقية وبين طلبها
الحديث وهو حديث ( لا رقية إلا من عين أو حمة ) ليس فيه دليل على الطلب والحديث الذي في باب من حقق التوحيد فيه الطلب ( لا يسترقون ) يعني لا يطلبون الرقية
التمائم كما ذكر يعلقونها على الصبيان حتى لو علقوها على أنفسهم فالحكم باق وأما التمائم التي من القرآن أو من الأذكار الواردة عن النبي فقد اختلف فيها السلف
ــــ بعض السلف من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام كـ” عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو ظاهر ما يروى عن ” عائشة رضي الله عنها من أن هذا جائز .
ولذا جاء عند الترمذي :
أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يعوِّذ أبناءه بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو ” دعاء الفزع ” :
وهو : ((” أعوذ بالله من غضبه ، وعقابه ، وشر عباده ، ومن همزات الشياطين ، وأن يحضرون ” ))
فإذا لم يكن بالغا كتب هذا الدعاء ، وعلقه على صبيانه الصغار
ـــــ وبعض السلف كـ ” عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ” يرون أن الحكم هو ” التحريم ”
وهذا هو الصواب ، وهذا هو الرأي الراجح ، وذلك لاعتبارات :
1ـــ عموم النصوص الواردة في النهي عن التمائم فلم تستثن التمائم من القرآن أو من غيرها
2 ـــ أن تعليق هذه التمائم ، ولو كانت من القرآن قد تجر إلى مفسدة في المستقبل ، تلك المفسدة ، هي : ” أن تعلق التمائم من غير القرآن ”
وسد الذرائع من القواعد العظيمة في الشرع
3 ــ أن القرآن ما نزل ليعلق ، وإنما نزل للقراءة ، والتدبر ، والعمل به ، والاستشفاء به
4 ــ أن هذه التمائم من القرآن قد تمتهن ، ولاسيما إذا علقت على الأطفال ، فقد يسيل لعاب الطفل على هذه الآيات ، أو ربما يتبول فيقع شيء من بوله على هذه الآيات
واحترام القرآن وتقديسه مما هو معلوم من دين الله بالضرورة
ولو قال قائل :
ــــــــــــــــــــــ
ماذا تقولون في فعل عبد الله بن عمرو بن العاص ؟
نقول :
ـــــــــــــ
إن هذا الذكر الوارد ثابت كما جاء عند الترمذي ، لكن فعل عبد الله لم يصح من حيث السند :
فقد ضعف الألباني فعل ” عبد الله بن عمرو بن العاص ” وقال : ” إنه لم يثبت إنما الثابت الذكر الوارد “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ