الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (94)
قوله تعالى ( فصل لربك وانحر )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــ
قال المصنف :
ــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــ
هذا هو النص الثاني الذي ذكر المصنف تحت هذا الباب : ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ))
ــــ ” الفاء ” هنا متعلقة بما قبلها
والذي قبلها : ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{2} ))
ما بعدها ؟
((إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3} ))
فقوله : ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” إنّا “ صيغة جمع يراد منها التعظيم ، لأن علمنا اليقيني واعتقادنا الجازم بأن الله واحد
ولذا عند الترمذي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لما جاء المشركون وقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام : (( انسب لنا ربك )) فأنزل الله سورة الإخلاص :
((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ))
فتأتي ضمائر الجمع ، ويراد منها التعظيم
وهذا مشاهد في واقع الملوك ، ولله المثل الأعلى – كأن يصدر بيان فيقال : (( نحن ))
ويذكر الملك أو الرئيس نفسه مع أنه فرد واحد
وهذا يراد منه التعظيم
وقوله : ((أَعْطَيْنَاكَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى : ــــــــــــ أتيناك
ولتعلم : أن هناك فرقا بين : ” أتى / وآتى “
أتى : يعني : أقبل
آتى : ـــ يعني أعطي
وهذا يُتنبه إليها في ثنايا قراء كلام الله أو كلام رسوله
و (( الكوثر )) :
ــــــــــــــــــــــــــ
فسره النبي عليه الصلاة والسلام بأنه نهر أعطاه الله إياه ، كما جاء بذلك الأحاديث الصحيحة
وهذا الكوثر له ميزابان ، هذان الميزابان يمدان الحوض الذي يكون في عرصات القيامة
فيكون الكوثر بتفسير النبي عليه الصلاة والسلام هو النهر الذي يعطاه في الجنة
لكن جاء عند البخاري أن ابن عباس قال : ” إن الكوثر هو الخير الكثير ”
فقيل لسعيد بن جبير : كيفي كون هذا التفسير من ابن عباس والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ” هو نهر في الجنة ” ؟
قال : إن النهر من الخير الكثير الذي أعطاه الله لرسوله ولا منافاة بين القولين
ـــ فإعطائه الكوثر الذي هو نهر هو من الخير الكثير منحة ونعمة
ومن ثم :
يستفاد من ” فاء السببية ” [ فصل ] :
يستفاد منها :
ـــــــــــــــــــ
وجوب الشكر له على ما أنعم به عليك
وذكر في هذه الآية ركن من أركان الشكر الذي هو الشكر بالأركان
لأن الشكر ثلاثة أركان :
شكر باللسان
وشكر بالقلب
وشكر بالجوارح
التي هي الأركان
فتكون الفاء تعطي معنى للآية [ بسبب إعطائنا لك الكوثر صل لربك وانحر ]
والصلاة والنحر من الشكر لله بالعمل
وركنا الشكر الآخران موجودان ، وذلك من خلال التطبيق العملي منه عليه الصلاة والسلام
إذ إنه في صلاته وفي القيام بها والحرص عليها شكر لله بقلبه وبلسانه
ثم إن ذكر العبادة في مقام الشكر يدل على أن الشكر بالجوارح مؤكد عليه ، لا لأنه هو الأفضل لا
وإنما لأن كثيرا من الناس يشكرون بألسنتهم لكنهم لا يشكرون الله بجوارحهم
ما أسهل ما يقول العبد : الشكر لله ، الحمد لله
ولذا قال تعالى : (( اعملوا آل داود شكرا ))
ولم يقل قولوا : (( وقليل من عبادي الشكور ))
والصلاة :
ـــــــــــــ
هنا هي الصلاة بجميع أنواعها
وبعض العلماء يجنح إلى أن الصلاة هنا هي صلاة العيد
ومن ثم فإنها قدمت على النحر يعني صلاة عيد الأضحى ؛ وذلك لأن التضحية لا تصح ولا تجئ إلا بعد الصلاة
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – : (( من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ، ومن ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى ))
وقال لأبي بردة : (( شاتك شاة لحم ))
وهذا القول وغن دخل في مضمون الآية لكن الآية لا تقيد به
كما هو الشأن في سورة الأعلى :
قال تعالى : ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} ))
قال بعض المفسرين : ” هي في صلاة عيد الفطر “
وذلك لأن الزكاة هنا هي زكاة الفطر وتسبق صلاة عيد الفطر
ولذا : ابن عمر كما جاء في الصحيحين يقول : (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نخرجها قبل خروج الناس إلى المصلى ))
لكن الآيتين لا تقيد بهاذ فهي اعم وأشمل
وقوله : (( لربك )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقتضي كما سلف الإخلاص لله
بمعنى : لا تصلي لغيره
وذكر الرب بعد العبادة كما هو الشأن في الآية الأولى يقتضي أن الرب هو الذي يستحق العبادة .
ومن ثم : نذكر ما يذكره العلماء من أن : ” توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية “
وقوله : (( وانحر )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النحر : يختلف عن الذبح
فالذبح : يكون في الحلق ، وهذا يكون في الغنم :
كما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام انه ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الشرفة
وكذلك يكون في البقر :
قال تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ))
وأما النحر فيكون في الإبل
وذلك بأن تطعن في ” الوهدة “
والوهدة “ هو المكان الذي بين أصل الصدر والعنق “
وذلك لأن رقبة الإبل طويلة ، فلو ذبحت من الحلق لتأخر خروج روحها ، ويكون في ذلك تعذيب لها
لكن في طعنها في الوهدة أسرع لخروج روحها
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام _ كما في صحيح مسلم – : (( إن الله كتب الإحسان في كل شيء ، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ))
ـــ ويجوز أن يذبح ما ينحر ، وينجر ما يذبح
يجوز الأمران ، لكن الأفضل كما سبق
ولذا قالت أسماء كما في الصحيحين : (( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ))
وهنا لفتة بلاغية :
ـــــــــــــــــــــــــ
وهي ما تسمى بــ ” الإيجاز ” الذي يقالبه ” الإطناب ” :
إن كنتم تذكرون في حديث أبي واقد الليثي قال : (( ونحن حدثاء عهد بكفر )) جملة اعتراضية لو حذفتها لتم الكلام ، فزيد في الكلام هذه الجملة ، وهذا من باب الإطناب لتقوية الكلام
يقابله الإيجاز الذي هو الاختصار
لكن الاختصار الذي لا يؤدي الغرض لا يعد اختصارا وإيجازا في عرف البلاغيين ، وغنما يعد قصورا
وحاشا كلام الله أن يكون فيه قصور
ــــــــــ فهذا إيجاز :
فالأصل : ((إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر لربك ))
فحذفت لدلالة ما قبلها عليها
ويستفاد من هذا أيضا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوب النحر لله عز وجل وإلا لو لم يكن هذا موجودا لما ناسب أن يذكر المؤلف هذه الآية تحت هذا الباب
فيكون النحر لله
فإذا نُحر لغير الله فهو الشرك بعينه
ــــ ولو تأملت معنا لوجدت أن هذه الآية ذكرت عبارتين هما نفس العبارتين المذكورتين في قوله تعالى : (( قل إن صلاتي ونسكي ))
فالصلاة والذبح الذي هو النسك مذكوران في هذه السورة (( فصل ــ وانحر ))
قوله 🙁 إن شانئك هو الأبتر )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشانئ : هو المبغض
ومن يبغض النبي عليه الصلاة والسلام في عصره كثر حتى بعد عصره ممن أضل الله قلبه وأزاغه
ومما يدل على أن الشنآن هو البغض قوله تعالى : ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ))
شنآن : بغض
قوله : (( هو الأبتر )) :
ــــــــــــــــــــــ
أي : هو الأقطع
ولا شك أن من أبغضه عليه الصلاة والسلام فقد قطع الله دابره
وقطع الدابر والبتر له يندرج تحته أنواع كثيرة من البتر والانقطاع
فبعضهم أهلكه الله من صناديد قريش
وبعضهم أسلم أبناؤه فأصبحوا عونا للنبي عليه الصلاة والسلام على آبائهم وأجدادهم
فموضع الشاهد من هذه الآية : (( وانحر ))
فدل على أن النحر يجب أن يخلص فيه لله
وان من أشرك معه غيره في هذه العبادة فهو مشرك بالله شركا أكبر