الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 23 ) ( صفة الحج ) الجزء الخامس

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 23 ) ( صفة الحج ) الجزء الخامس

مشاهدات: 1358

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 23 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

 ثم يحلق أو يقصر، والنبي حلَق

 وسبق معنا تفاصيلُ الحلق والتقصير، لكن على المسلم أن يحرص على الحلق حتى يحظى بفضل الحلق وهي: المغفرة ثلاثاً وله بكل شعرةٍ حسنة وتُمحى عنه سيئة.

 

سؤال / من حلق بماكينة الحلاقة هل يحصل على فضل الحلق المذكور في الحديث؟

الجواب / إذا قلنا الحلق فالحلق هو ما يكون بالموسى وهو ما يعبر عنه عندنا بالموس، أما الماكينة فهي التقصير.

والحلقُ أو التقصير نُسُك على القول الصحيح وليس إطلاقاً من محظور.

وما ورد من أحاديث من عدم ذكره إنما استغناء لمعرفةِ الصحابة به ولذلك ورد في أحاديث أخرى.

ويترتبُ على هذه المسألة: هل له أن يتحللَ بدون الحلق أو لابد له من الحلق؟

الصحيح: أنه لا بد في التحلل من عمرةٍ أو من حجٍّ على القولَ على أنَّ:

 الحلقَ يحصلُ به التحلل مع الرمي، فلا بدَّ من الحَلق لأنه نُسُك.

 

ولو قال قائل: الأصلع الذي لا شعرَ به ماذا يصنع؟

قال بعض العلماء: يستحب له إمرار الموسى، وقيل: يجب.

 والذي يظهر أنه إن تؤكِّدَ عدم وجود شُعَيراتٍ قصيرةٍ جداً فإنه لا يجب وأيضاً لا يستحب له لأنه لا فائدة في ذلك.

لكن لو كان به لو شعره واحدة لأن بعض الصُلَّع فيه شعرة أو شعرتان وقد تكون شعيراتُهُ قصيرة جداً فهذا يجب عليه “إذا تُؤُكِّدَ أنه أصلع فلا يجب

“.

 

ويستحب لمن حلق أو قصر أن يقلم أظفارَهُ ويقصر شاربَه: لثبوته عن النبي

كما قال ابن المنذر، وقد رُوِيَ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما. ا.هـ

وهذا يدل على أن الترفُّه كما سبق في مسألة قياس غير شعر الرأس على شعر الرأس أنه ليس بمعناه العام.

 

فإذا رمى وحلق أو قصَّر حَلَّ له كل شيء إلا النساء.

وهل التحلل الأول يحصل بالرمي مع الحلق أو يكفي الرمي؟

قال بعض العلماء: يكفي الرمي لقوله ﷺ:

” إذا رمَيْتُم الجمرةَ حَلَّ لكم كُلُّ شيءٍ إلا النساءَ “.

 

وبعض العلماء يرى: أنه لابد من الحلق أو التقصير، لحديث:

” إذا رمَيْتُم وحَلَقْتُم حَلَّ لكم كُلُّ شيءٍ إلا النساءَ “

ولكن زيادة ( الحلق ) ضعيفة عند جَمْعٍ من المُحققين.

 

وبعض العلماء: يرى ثبوتَها ويقول: يعضُدُها أنَّ عائشةَ رضي الله عنها قالت:

” طَيَّبْتُ رسولَ اللهِ ﷺ لإحرامِه قبلَ أن يُحرِم، وَلِحِلِّهِ قبلَ أن يطوفَ بالبيت “

وهذا هو موضع الشاهد: ” وَلِحِلِّهِ قبلَ أن يطوفَ بالبيت “

فلو كان التحلل يحصُلُ بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق.

 

والمشهورُ عند الحنابلة: أنه إن فعل اثنين من ثلاثة فقد حلَّ التحللَ الأول

 هذه الثلاثة هي:

  1. الرميُ. 2. الحلق. 3. الطواف.

مثلا: فلو [ رمى وطاف] حلَّ.

ولو [ طاف وحلق ] حلَّ.

 

 

 

 

ولو قال قائل: ما الأحوط هل التحلل يحصل بالرمي أو بالرمي والحلق؟

الجواب: يمكن أن يكون الأحوط الرمي فقط، ويمكن أن يكون الأحوط الرمي والحلق،

 لأنه إن جامع بعد الرمي فعلى القول الأول بأن التحلل الأول لابد فيه من الحلق يكون حجُّهُ فاسدا.

وعلى القول بأن التحلل يكون بالرمي فحجه ليس بفاسد.

وإذا قلنا إن التحلل يحصل بالرمي فأراد أن يتطيب فالأحوط أن نقول:

 له إن التحلل يحصل بالرمي والحلق.

ورأي الحنابلة: أنه لو جامع بعد الرمي وقبل الحلق أنه لم يحصل له التحلل الأول.

وحديث عائشة رضي الله عنها قوي قالت: ” وَلِحِلِّهِ قبلَ أن يطوفَ بالبيت “.

ويمكن أن يُرَدَّ عليه فيقال: إنَّ الطيب ليس للحلق حتى تقول ولحله قبل أن يحلق

 إنما الطيب من أجل الطواف.

والأقرب عندي: أنه لابد من الحلق لورود هذه الرواية: ( إذا حلقتم ) ويسعفها

” وَلِحِلِّهِ قبلَ أن يطوفَ بالبيت “.

ولذا فإنه لو فعل اثنين من ثلاثة فإنه يحصل له التحلل الأول.

وقد قال ابنُ قدامة رحمه الله: “أنه لو جامع بعد الرمي لا يفسُدُ حَجُّهُ وعليه شاة، ويُحرِمُ من الحل” كأنه رحمه الله يميلُ إلى أنَّ التحللَ الأول يكونُ بالرمي فقط.

لكن لو أنه وطئَ قبلَ الرمي وبعد طواف الزيارة يعني بعد طواف الإفاضة.

فقال رحمه الله: لا يفسد حجه، لأن الحج قد تمت أركانه.

 وهناك فرقٌ بين المسألتين، قلنا فيما سبق:

 لو جامع قبل التحلل الأول: يفسُدُ حجه

 ولو جامع بعد الرمي والحلق: لا يفسد حجه وإنما يفسد إحرامُه فيلزمُه أن يذهبَ إلى الحل ويحرم.

وقد قال بعض العلماء: إنه لا يلزمه أن يذهب إلى الحل ولا يفسد إحرامه.

قال ابن قدامة: والصحيح إنه يفسد، لأن الوطء صادف إحراماً فأفسده كما يفسد الوطء الإحرام التام.

ثم قال رحمه الله: وإذا كان قبل الرمي وبعد طواف الزيادة فلا يفسد إحرامه لأن الرمي ليس بركن.

 

فلو قال قائل: متى تفسد العمرة بالجماع؟

الجواب: إذا جامع قبل الطواف: فسد نسك العمرة، وكذلك إن جامع بعد الطواف وقبل السعي.

أما إن جامع بعد الطواف والسعي وقبل أن يحلق: فلا يفسد.

وفي جميع هذه الأحوال عليه دم، الدم: شاة

 

لكن في المسألتين الأولتين إذا قلنا فسدت عمرته فإنه: يأثم وعليه الدم وإكمال العمرة والقضاء، فيحرم من الميقات الذي أحرم فيه بالأولى للقاعدة [ القضاء يحكي الأداء ].

 

ولو قال قائل: القران عبارة عن حج وعمرة فلو أنه جامع بعد الرمي والحلق فما الذي يفسد عليه هل يفسد حجه وهل تفسد عمرته لأن هذا الجماع حصل قبل الطواف والسعي؟

الجواب: حجه لا يفسد وعمرته لا تفسد لأن الحكم للحج، ولذا لا يحل من عمرته قبل الطواف، بينما إذا كان قارناً فيحل من إحرامه بعد الرمي والحلق فدل على أن الحكم للحج

 

 والنبي في يوم النحر كان يرسل رسله لبعض التوجيهات ومن بينها أنه أرسل من يقول: ( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ).

فذهب إلى البيت ضُحى وطاف به وهو طواف الحج ولم يسعَ لأنه سعى أولَ قدومه لأنه كان قارناً، وهذا فيه ردٌ على من قال إن القارن يلزمُه طوافان وسعيان

 والصحيح: أنه لا يلزمه إلا طواف وسعي لقوله لعائشة:

 ( طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك ) .

 

 

فإذا طاف فإنه يتحلل التحلل الثاني.

فيحل له كل شيء حتى النساء

 هذا إن كان مفرداً أو قارناً سعى أول قدومه بعدَ طواف القدوم

أما إن كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسعَ المفردُ والقارن أول قدومه:

فتحلله يكون بعد السعي.

 

 وَلْتَعلَم أن طواف الإفاضة لا يصح إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.

 

فلما طاف أتى إلى زمزمَ فاستسقاهم منه

فأمر العباس ابنَهُ الفضل أن يأتيَ إلى النبي بماء من البيت، قال: يا رسول الله إن الناس قد خلطوا فيه أيديهم فأبى فشرب وقال: ( إنكم على عمل صالح ولولا أن يغلبكم الناس لنزعت معكم ) وهذا تشجيعٌ منه لمن يقوم بعمل صالح.

 

ولم ينقل عنه أنه صلى ركعتين بعد طواف الإفاضة، لكن إن فعلها فلا بأس

 لأنه جاء عند البخاري أن ابنَ عمر رضي الله عنهما ركعهما وكان يقول رضي الله عنهما: ( على كل سُبْع ركعتان ).

 

وقد اختلفت الروايات هل صلى الظهر يوم النحر بمكة أو بمنى؟

جاءت أحاديث صحيحة تقول بهذا وأخرى تقول بهذا، والله أعلم أين صلى، ويمكن الجمع فيقال: إنه صلى بمكة الفرض وصلى بمنى أي: أعادها، فتكون في منى نفلاً.

 

ويستحب لمن تيسر له ذلك أن يدخل البيت ويكبرَ في نواحيه ويصلي ركعتين ويدعو لفعله كما في الصحيحين، ولهذا عائشة رضي الله عنها لما سألته أن تدخل البيت قال كما عند أبى داود: ( صلي في الحِجر ) فمن لم يتمكن من الدخول في البيت فيصلي في الحِجر تطوعا، ويُكَبِّر.

 

وإذا شرِبَ من ماء زمزم قال بعض العلماء يستحب له التضلع

 والتضلع هو: أن يشرب من ماء زمزم حتى لا تجد أضلاعه مسلكاً له.

والمراد ليس على طواف الإفاضة، لا، وإنما متى ما شَرِبَهُ.

 واستدلوا بحديث عند ابن ماجة لو صح لاستُحب ونص هذا الحديث:

 ( آية ما بيننا وبين المنافقين التضلع من ماء زمزم )

 ووجه التفريق: لأن ماء زمزم طعمُه غيرُ مستساغ فلا يشرَبُ منه هذا الشُّرب حتى يصِلَ إلى ضلوعِهِ إلَّا من آمَنَ بفضلِ هذا الماء.

 

مسألة: أن السنة في أعمال يوم النحر أن تكون مرتبة على النحو التالي:-

[ الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي ]

لكن لو أنه قدم وأخر؟

 فقد قال بعض العلماء: إن كان متعمداً فلا يُجزئ، وإن كان ناسياً فيجزئ

ودليلهم: أن الذي سأل النبي قال: ( ما شعرتُ يا رسول الله فحلقت قبل أن أرمي فقال افعل ولا حرج ) فقوله: ( ما شعرت ) يدل على النسيان.

والصحيح: أنه لو قدم أو أخر متعمداً فيجزئ لأنه قال: ( افعل ولا حرج )

 فلو قال: ( لا حرج ) لاستقام لهم هذا الاستدلال ولكن لما قال ( افعل ) فهو فعلُ أمرٍ يدل على الاستقبال، يعني: افعل فيما يُستقبل ولا حرج.

 وكان من يأتيه فيقول: ( قدمت وأخرت ) فيقول ﷺ: (افعل ولا حرج  إنما من اقترض عِرضَ مُسلم فهذا الذي حَرِج وهلك).

 

فلو قال قائل: إن قدم سعي الحج على طواف الحج فهل يجزئه ذلك؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا، فبعضهم قال: لا يجزئه.

 والصحيح: الإجزاء لأنه جاء عند أبى داود: (قال رجلٌ: سعيتُ قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج ) ولعل تقديمَ سعيِ الحج للمفرد والقارن على الطواف يدلُّ على الجواز.

 

 

ولو قال قائل: هل يجزئ تقديم سعي العمرة على طوافها؟

الجواب: بعض العلماء عمم الحكم فقال: لو سعى سعي العمرة قبل طوافها أجزأ قياساً على تقديمه في يوم النحر.

والصحيح: أنه لا يُجزئ لعدم الدليل

فالصواب: أن الأصل أن الطواف هو المُقدم إلا إذا أتى دليل، ولم يأتِ دليل إلا في الحج في يوم النحر.

 

لكن لو قال قائل: لو أنه أخَّرَ الطواف والسعي إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فهل له أن يقدم السعي على الطواف؟

الجواب: نعم له ذلك لعموم إطلاقه ،

ولكن هناك رأيٌ آخر يراه الألباني رحمه الله: أنه لو أخر طواف الإفاضة عن يوم النحر فإنه يطوف مُحرِماً، وقد استدل بحديث عند أبى داود يصححه:

 ( أن من لم يطف يومَ العيد قبل أن تغرب الشمس عاد حراماً ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن ما عليه علماء الأمة وجماهيرُها قديماً وحديثاً يدل على ضَعفِ هذا الحديث.