بسم الله الرحمن الرحيم
تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري
ـ من حديث (33) إلى (38) ـ
[الدرس الحادي عشر]
الشيخ زيد البحري
11/4/1446 هـ
(24) بَابٌ: عَلَامَات الْمُنَافِقِ
33 – حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.
فقد ذكر البخاري رحمه الله بابًا فقال: باب علامة المنافق
البخاري رحمه الله ما أجمل ما يرتب، وما أجمل ما يذكر في هذا السِّفْر الذي هو الكتاب العظيم رحمةُ الله عليه، لما ذكر ما يتعلق من أن الكفر دون كفر، وأن الظلم دون ظلم، وأن الجاهلية دون جاهلية، ذكر أن النفاق ليس في درجة واحدة ما يصل العالم إلى هذه المرحلة إلا لأنه دقيق الفهم؛ عنده عمق ولا يحصل له مثل هذا إلا لأنه مرتبط دائمًا بفكره وبعقله بالنصوص الشرعية
باب علامة المنافق، ثم ذكر حديث أبي هريرة
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ) وهو ابن داود العتكي البغدادي من الثقات
(قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) المدني البغدادي وهو ثقة ثبت
(قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ) المدني من الثقات
(عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ) الآية هي العلامة، وأُفردت لأن المقصود جنس الآيات، وليس المقصود إرادة واحدة، ولذلك في رواية علامات المنافق عند أبي عوانة
(آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ) والنفاق وصف ذميم، فإذا كان كذلك فليحذر المسلم أن يقع فيما ذُكر من هذه العلامات حتى لا يكون منافقًا، وهذه الآيات المذكورات والعلامات المذكورات للمنافق إنما هي للنفاق العملي، وليس النفاق الاعتقادي، لأن النفاق نفاق دون نفاق، فنفاق الاعتقاد هوالذي يُظهر الإسلام، ويُبطن الكفر، وهؤلاء أصحاب النفاق الاعتقادي بهم هذه الصفات اقرأ سورة التوبة اقرأ ما ذكر الله عنهم تجد أن هذه الصفات فيهم
وأما النفاق العملي هو ما يتعلق بهذه الصفات، لكن لو قال قائل: هو قال هنا: (ثَلَاثٌ) وورد “أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا” فما الجواب عن هذا؟
فالجواب: أن الحصر هنا غير مقصود، وإنما المراد منه أن يُحصر الذهن لضبط بعض هذه العلامات، وإلا فعلامات النفاق العملي ليست محصورة في الثلاث بدليل أنه جاءت رواية: “مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ” هذه تدل على التبعيض، تدل على التبعيض
(آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ) إذا حدث يعني أخبر عن شيء، فهو يكذب فيه، والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وصاحب الكذب ليس بأمين وثقة عند الناس، ولذلك كثير من الأئمة قَبِلوا رواية من به بدعة لصدقه وحفظه، لأن المعوَّل على الرواية الصدق
(وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ) يعني وإذا وعد وفي نيته أنه يخلف، لكن لو وعد وحصل له أمر منعه من إتمام هذا الوعد، فلا يدخل في الذنب، لما جاء عند أبي داود وغيره “إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ، فَلَمْ يَفِ وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعَادِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ”.
(وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ) وعد ماذا؟
إذا وعد في الخير، لكن إذا وعد في الشر، فيجب عليه أن يخلف هذا العهد لأنه مضرة ومفسدة
(وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) إذا أؤتمن خان، وهذا يشمل الأمانة على القول، وعلى المال، فالأمانة في الأموال معلومة، الأمانة في الأقوال السر، فالسر أمانة، ولذلك قال ﷺ: “إذَا حدَّثَ الرَّجُلُ بالحديثِ ثمَّ التفتَ فَهيَ أمانَةٌ” يعني هو ما التفت وهو يحدثه، إلا لأنه لا يريد أن يسمع حديثه غيرك، فيجب أن تحافظ عليه هذه قرينة، فكيف إذا قال: يا فلان هذا السر أمانة.
ثم ذكر رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو:
34 – حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ, عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ, وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ, وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”
قال: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ) الكوفي صدوق
(قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي إمام حجة ثقة حافظ
(عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران ذكرناه بالأمس كان عالمًا مع قوة حفظه، عالمًا بالقراءات
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ) أيضًا كوفي ثقة
(عَنْ مَسْرُوقٍ) مسروق بن الأجدع الكوفي ثقة وفقيه وعابد
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بن العاص
(أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “أَرْبَعٌ) يعني أربع خصال
(مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا) يعني إذا اجتمعت هذه العلامات كان منافقًا خالصًا، والخلوص هو الوصول إلى الشيء والانفراد به
إذًا هذه الأربع تبلغه إلى النفاق، لكن المقصود هنا من النفاق العملي يمكن أن يكون المقصود هنا هو النفاق الاعتقادي، إذا كان في كل شأن من شئونه “وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”، ومن ضمن الأمانة التي اؤتمن عليها الدين، “إذَا حَدَّثَ كَذَبَ”، من ضمنها أن يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يكذب على الله، “وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ” يدخل فيه ترك ما أمر الله به من العهد المتعلق بالدين
فقال هنا: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ) يعني هذه الخصال النووي رحمه الله يقول: هذه الخصال كلها قد توجد في ماذا؟
في المسلم المصدق الذي ليس عنده شك، ومن كان مصدقًا بقلبه وبلسانه وأفعاله، فلا يحكم عليه بنفاق، لكن الجواب أنها خصال نفاق وصاحبها شبيه بأهل النفاق ومتخلق بأخلاقهم
(كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا) الخلوص كما سبق هو الوصول إلى الشيء
(وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ) وفي رواية: ” خَلَّةٌ ” الخلة هي الخصلة، لكن الخلة يعني أنها متمكنة فيه، لأنها من حيث الاشتقاق اللغوي من تخلل الشيء يعني إذا دخل فيه
(وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا) يعني حتى يتركها، وهذا يدل على ماذا؟
يدل على أن طبيعة الإنسان يمكن أن تتغير، فلا يقل والله إني من الصغر على هذه الخصلة، أو على هذه الصفة، مثلا صفة غضب، أو صفة بخل، أو ما شابه ذلك، أو كان على معصية فقال: أعجز على أن أتركها، فليس هذا بحجة، لأنه قال: (حَتَّى يَدَعَهَا) دل على أن لديه قدرة، لكن الموفق من وفقه الله
(إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) مرت هذه الجملة معنا
(وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ) مرت هذه
(وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ) يعني إذا عاهد غيره غدر، غدر به وخانه ونقض عهده، وهذا يدل على أن نقض العهد غدر،
(وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”) خاصم غيره
(فَجَرَ”) يعني بالغ في الخصومة، وزاد فيها
قال: (تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ) وسبحان الله هنا حُسْن ذِكر البخاري للأحاديث، كان بإمكانه أن يكتفي بحديث أبي هريرة، فالخصلة الواحدة من النفاق العملي، من اجتمعن فيه كان منافقًا خالصًا فهو هنا أتى بحديث أبي هريرة، ثم ثنى بذكر حديث عبد الله بن عمرو، لأن حديث عبد الله بن عمرو يبين لك أن النفاق العملي ومع أنه نفاق عملي فهو درجات، لأنه قال: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا)
(25) بابٌ: قِيامُ لَيْلةِ الْقَدْرِ مِنَ الْإِيمَانِ
35 – حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ, قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ, عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”
ثم ذكر المصنف رحمه الله بابًا فقال: بابٌ: قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
بعد ما ذكر علامات الإيمان، ذكرها سابقًا ذكر بعدها أبوابًا، ثم عاد مرة أخرى رحمه الله إلى ذكرها مرة أخرى، لأنه رحمه الله لما بين علامات النفاق القبيحة، ناسب أن يعود، فيذكر ما هو ضد النفاق: الإيمان، فذكر علامات الإيمان ذكر علامات الإيمان وحُسْنها فقال:
(حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) وهو الحكم بن نافع الحمصي ثقة ثبت مر معنا
(قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) بن أبي حمزة أيضًا من الثقات، وهو من العباد
(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان القرشي، فقيه وثقة
(عَنِ الأَعْرَجِ) هو عبد الرحمن بن هرمز، ثقة ثبت
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) الإيمان الذي هو التصديق بما أخبر الله عز وجل به، لأن الإنسان لا يمكن أن يقدم على فعل شيء، إلا لأنه مؤمن به ومصدق به، لكن عليه مع ذلك الاحتساب ما هو؟
أن يكون لوجه الله، فلربما أن بعض المؤمنين مؤمن بفضل ليلة القدر، لكن قد يقومها رياء وسمعة أو لأمر آخر من أمور الدنيا
قال: (“مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) من فضائلها
(غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.) هو أورده هنا من باب الدليل على أنه من علامات الإيمان، لكن سيورده مستقبلًا، وسيكون الحديث مُستفاضًا في محله.
(26) – بَابٌ: الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ
36 – حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ, قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ, ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ”.
ثم ذكر رحمه الله بابًا فقال: (٢٦ – بَابٌ: الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ)
سبحان الله لماذا أتى بالجهاد بعد ليلة القدر؟
أتى بها لأنها تحتاج إلى مجاهدة، لا سيما أنها ليست محددة على الصحيح بعينها حتى لو قيل: إنها محددة فإن الإنسان لا يضمن أنه أدركها مئة بالمئة إلا إذا اجتهد في كل ليالي العشر، وهذا يحتاج إلى مجاهدة
ولذلك قال رحمه الله: (بَابٌ: الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ)، فقيامها يستدعي المحافظة والاجتهاد والحرص، فذكر رحمه الله حديث أبي هريرة
قال: (حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ) البصري ثقة
(قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) ابن زياد البصري وهو ثقة
(قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ) عمارة بن القعقاع الكوفي ثقة
(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) من الثقات كوفي
(قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “انْتَدَبَ اللَّهُ) بعض العلماء قال: سارع الله بثوابه، وقال بعضهم: أجاب الله كما يقال: ندبت فلانًا فانتدب يعني أجاب، يعني انتدب الله يعني أمره فاستجاب، لكن الصحيح أن الروايات الأخرى تبين، “انْتَدَبَ اللَّهُ”، في رواية “تَكَفَّلَ اللَّهُ”، وفي رواية “تَوَكَّلَ اللَّهُ”.
إذًا معنى الانتداب هنا الضمان، وهذا يدل على ماذا؟
يدل على أن ما وعد الله عز وجل به، فإنه لا يخلفه فليطمئن العبد
(لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ) لمن خرج في سبيله يعني لإعلاء كلمته عز وجل، ومن باب التأكيد على الخروج في سبيل الله إيضاحًا له
قال: (لَا يُخْرِجُهُ) يعني لم يكن هناك سبب آخر يستدعيه أن يخرج، لأن خروج الإنسان من بلدته أمر ليس باليسر، ما يقدم عليه إنسان إلا لأنه يرى أن هناك خيرًا ومغنمًا، فبعضهم قد يخرج لمغنم دنيوي، لكن الموفق هو الذي يخرج من أجل الغنيمة الكبرى، غنيمة الثواب والدين
(لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي) قال هنا: وتصديق برسلي لأنهم هم المبلغون عن الله عز وجل، فما أقدم على الخروج إلا لإيمانه بالله عز وجل، وتصديقه برسل الله عز وجل، وهذا يدل على أن الجهاد موجود في الأمم السابقة، لأنه قال: وتصديق برسلي.
(لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي) طبعا أن يخرج إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده، وأيضًا يخرج تصديقًا بما قاله الرسل على وفق ما أمرهم الله به من الجهاد، فيكون بذلك من باب المتابعة
وقال هنا: (لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي) كأن في هذا اللفظ ما يدل على تقرير شيخ الإسلام رحمه الله لما قال: إن الإيمان هو الإقرار وليس التصديق، ولي بحث في اليوتيوب في مقطع بينت ذلك تبينًا أوضح من هذا المقام، لأنه غاير بين اللفظين، فذكر الإيمان، وذكر التصديق، لكن المشهور أنه هو التصديق، لكن لعله أتى هنا وتصديق برسلي من باب التأكيد بتغاير الألفاظ
(أَنْ أُرْجِعَهُ) يعني إن رجع وسلم
(أَنْ أُرْجِعَهُ) يعني إلى بلدته
(بِمَا نَالَ) أي بما حصل
(مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) وهذا الحديث بإذن الله سيأتي له تفصيل أوضح في مقامه
(أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) يعني إذا قُتِل ولم يرجع
(وَلَوْلَا) سبحان الله يعني من باب إرداف ما أمر الله به عز وجل هو عليه الصلاة والسلام سيفعل، مع أن الخطاب موجه للجميع لعموم الأمة، لكن هنا من باب الإيمان والتصديق منه عليه الصلاة والسلام بما تكفل الله به
قال: (وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) أي أُتعب
(وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ) السرية هي القطعة من الجيش لما يشق عليهم؟
لأن الصحابة رضي الله عنهم لن يبقوا وقد خرج عليه الصلاة والسلام، ولأن أهل الإيمان حتى بعد وفاته إلى قيام الساعة، لو علموا بحاله لما قعدوا، ولذلك قال مبينًا فضل الجهاد
(وَلَوَدِدْتُ) الود من أعظم درجات المحبة
(أَنِّي أُقْتَلُ) يعني ما يصل به إلى هذه الدرجة العالية من المحبة إلا لعظم الأجر، لأن الإنسان حريص على حياته محب لها
(وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ”.) والحديث إن شاء الله هذا الحديث المذكور سنشرحه أكثر وأوسع في بابه.
(27) – بَابٌ: تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ
37 – حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.)
ثم ذكر رحمه الله فقال: ٢٧ – بَابٌ: تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ
ذكر قيام ليلة القدر، ثم أتى بالجهاد، لماذا لم يذكر هذا بعده قيام رمضان؟
لأن من قيام رمضان أن يقوم ليلة القدر، هو فصل بينهما لمزيتها ولسر خفائها تحتاج إلى مجاهدة، وتَحَرٍّ وضبط، ثم أتى بعد ذلك من باب عطف العام على الخاص أتى بذكر بيان فضل قيام رمضان، لأن من ضمن قيام رمضان ليلة القدر
قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) وهو إسماعيل بن عبد الله ابن أخت الإمام مالك بن أنس، طبعا هو صدوق يخطىء في أحاديث من حفظه، لكن لماذا أخرج له البخاري ومسلم؟
ما أخرج عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات
(قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ) مالك بن أنس الإمام المشهور
(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مر معنا المدني محمد بن مسلم المتفق على جلالته وإمامته وإتقانه
(عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) المدني ثقة
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) هنا قال: من قام رمضان ولم يقل من قام شهر رمضان، لأن بعض العلماء كره أن يقال: رمضان بدون إسباقه بكلمة شهر، لكن هذا الحديث يَرُدُّ عليه، وقد وردت أحاديث أخرى أيضًا من غير ذكر شهر، فلو قال الإنسان: دخل رمضان فلا إشكال في ذلك
(إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) يعني إيمانًا بالله عز وجل وبصدق موعوده، واحتسابًا أي: إخلاصًا طلبًا لثوابه
(غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.) وسيأتي له إن شاء الله مزيد حديث.
(28) – بَابٌ: صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ
38 – حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”)
ثم ذكر رحمه الله فقال: ٢٨ – بَابٌ: صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ.
أردف بذكر صوم رمضان لأنه متعلق بالنهار ما سبق متعلق بالليل، فأوضح هنا من أن رمضان هو شهر زيادة الإيمان في نهاره، وفي ليله، في نهاره في الصوم، في ليله بالقيام
ثم ذكر حديث أبي هريرة
(حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ) وهو محمد بن سلام ثقة ثبت
(قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) الكوفي صدوق
(قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) المدني القاضي ثقة ثبت
(عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أبوه عبد الرحمن بن عوف قيل: إن اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وهو ثقة ثبت مكثر للأحاديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”) وسيأتي له حديث إن شاء الله تعالى، وأيضًا قال هنا: من صام رمضان، ولم يقل شهر رمضان.