الشيخ زيد البحري تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري ـ حديث ( 46 ـ 47 ) ـ الدرس (15)

الشيخ زيد البحري تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري ـ حديث ( 46 ـ 47 ) ـ الدرس (15)

مشاهدات: 106

 بسم الله الرحمن الرحيم

تقريب شرح السنة لعامة الأمة

صحيح البخاري ـ حديث ( 46 ـ 47 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

[ الدرس الخامس عشر]

15/4/1446

 

(34) – بابٌ: الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ

وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.

46 – حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ”. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “وَصِيَامُ رَمَضَانَ”. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”).

 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد:

 

فقد ذكر البخاري رحمه الله بابًا فقال:

 (بابٌ: الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ) وذكر الدليل من القرآن، ولم يذكر ما يتعلق بالصلاة، لأنه سبق وأن ذكرها فيما مضى، فالمقصود هنا في هذه الترجمة المقصود التنصيص على الزكاة، فكما أن من الإسلام ما يتعلق بالأعمال البدنية كالصلاة أيضًا منها ما يتعلق بالأعمال المالية.

(وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}) حنفاء: يعني لما أَمَر بالعبادة على وجه الإخلاص، وضح أن تلك العبادة لا تكون سليمة إلا بالبعد عن الشرك، والميل عنه

قال: ({حُنَفَاءَ}) أي مائلون عن الشرك

({وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ}) مجموع ما سبق

({وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}) أي المستقيمة فهو الدين المستقيم

ثم ذكر رحمه الله حديث طلحة بن عبيد الله

(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو إسماعيل بن عبد الله الأصبحي ابن أخت الإمام مالك ومر معنا كثيرًا

(قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) الإمام المعروف، وهنا لم يقل: حدثني خالي فلا ضير في ثنايا نقل العلم ألا يذكر قربه من الراوي، وقد فعل ذلك بعض الصحابة يعني من أنه يذكر اسم أبيه، ولم يقل أبي.

(قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ) واسمه نافع، وهو ثقة

س: إذًا هو عمُّ من؟

ج: الإمام مالك

(عَنْ أَبِيهِ) أبوه من؟

مالك بن أبي عامر

(أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) التيمي المكي وهو مدني أيضًا هذا الحديث من حيث السند مسلسل بالأقرباء، كما أنه مسلسل بالبلد، يعني رواية مدني عن مدني عن مدني عن مدني، وأيضًا من حيث الأقارب، فهنا رواية إسماعيل عن خاله عن عمه عن أبيه عن حليفه، هو حليف لطلحة رضي الله عنه.

(أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -).

س: الرجل هذا من هو؟

ج: من ترتيب الإمام مسلم أنه لما ذكر حديث طلحة هذا، ذكر بعده حديث ضمام بن ثعلبة، فقال بعض العلماء: إن الرجل هو ضمام بن ثعلبة، البعض يقول: لا، لأن الأسئلة اختلفت، لكن من الدلائل التي يُستدَلُّ بها على أنه ضمام بن ثعلبة أنه جاء في هذين الحديثين، لا أزيد على هذا ولا أنقص، وفيهما جاء رجل بدوي

وعلى كل حال سواء كان ضمام أو لم يكن، فالعبرة بالنفع والاستفادة من الحديث.

(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ) النجد هو المكان المرتفع، ونجد المدينة العراق كما جاءت بذلك الأحاديث التي بينت من أن نجد المدينة العراق

(مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ) صفته؟ ثائرُ الرأس ويصح أن تنطق ثائرَ الرأس منصوبة على الحال، حالة كونه ثائرَ الرأس

وقوله: (ثَائِرَ الرَّأْسِ) أي متفرق ومتشتت الرأس، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أنه لما قال: (مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ) دل على أنه قريب عهد بسفر، فحال السفر -الله المستعان- نسأل الله أن يرحمنا، وألا يؤاخذنا بما نحن فيه من النعم، السفر آنذاك كانت آثاره تظهر، أما في هذا الزمن فترف، فكأنه لم يسافر إذا قَدِم.

(ثَائِرَ الرَّأْسِ) وقال: ثائرُ الرأس يعني أن تفرق شعره قد أصيب بالثوران كله، لأنه لم يقل: ثائر الشعر

قال: (ثَائِرَ الرَّأْسِ) أضيف الثوران إلى الرأس مبالغة من أن كل شعره لم تلتئم بصاحبتها، وأيضًا أضيفت لأن منبت الشعر الرأس، ولذلك زكريا عليه السلام ماذا قال؟

{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] مبالغة

(ثَائِرَ الرَّأْسِ) هذا من حيث هيئته، ومن حيث بلده، من حيث البلد من أهل نجد، ومن حيث هيئته ثائرُ الرأس، من حيث قوله:

(يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ) دويُّ الصوت هو الصوت المرتفع المتردد الذي لا يُفهم، ذلك بأنه كان بعيدًا أثناء نطقه بالكلام، ومما يدل على البعد ما أتى هذا الدويُّ إلا لأنه بعيد ما دليلنا؟

أنه قال بعدها: (حَتَّى دَنَا) دل على أن الدويُّ سببه البعد

(يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ) وضُبِطَت: “نسمع” بالجمع: “نَسْمَعُ دُوِيَّ صَوْتِهِ ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ” ، وهذا الكلام الدويُّ الذي تكلم به يدل على حرصه، يدل على حرصه على ما أراد أن يسأل عنه

(يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ) أي: ولا يفهم (مَا يَقُولُ) وهذا يدل على ماذا؟

يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة ما يُقال للنبي عليه الصلاة والسلام

ولذلك قال طلحة: (حَتَّى دَنَا) أي قَرُبَ من النبي ﷺ.

 دوي الصوت الذي سُمِع ولم يُفْهَم وُضِّحَ

ولذلك قال: (فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ) يعني وهو بعيد ذلكم الدوي من الصوت أنه كان يسأل عن الإسلام.

(فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ) وهذا يدل على أن الرجل لحرصه من بُعْدٍ إلى دُنُوٍّ من أنه كان يكرر هذا السؤال وهو قادم إلى النبي عليه الصلاة والسلام

(فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ) يعني عن شرائع الإسلام، ولذلك لم يُذكر هنا ما يتعلق بالشهادة، سؤاله كان عن الأعمال، يعني عن شرائع الإسلام.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ”) يعني هذا هو الواجب عليك من الصلوات اليومية والليلية خمسٌ، ومن رحمة الله عز وجل بالعبد -وإن كان البعض يظن أن فيها مشقة- من رحمته عز وجل حتى لا يفقد الإنسان غذاء قلبه بين الفينة والأخرى في يومه أنه فرَّق الصلوات في اليوم والليلة، ليكون على صلة بالله عز وجل

ولذلك كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة ما بين كل صلاة وصلاة تُكفَّر الذنوب هذا من المزايا

(فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ) [على]: من صيغ الوجوب من حيث الأصل

(فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا) وهذا يدل على أنه ليس هناك واجب من الصلوات غير هذه الخمس، قد تجب صلوات لوجود سببها، فنعم، لكن من حيث الأصل هو لذلك ماذا قال؟

(“خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ”) هذا هو الواجب، ولذلك لم يتعرض للصلوات التي هي ذوات سبب متى ما وُجِد السبب، وُجِد الوجوب

(فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا) وهذا يدل على أن المفتي إذا استفتي قد يختصر، فيقول: لا، إذا كان الاختصار وافيًا

ولذلك تلك المرأة الخثعمية “فَقالَتْ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ” لم يزد فاختصار الفتوى أو الإسهاب فيها بحسب ما تقتضيه المصلحة من حيث الأشخاص، ومن حيث الأحوال. 

(قَالَ: “لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”) وضُبِطَت:  “إلا أن تَطَوْع” بالتخفيف

قال: (إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”).

(فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا) لا نافية، أتى بعدها الاستثناء (إلا) وأتى بعد الاستثناء كلمة (أن تطوع) والقاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات يعني كأن هنا بالاستثناء

(قَالَ: “لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”) فإذا تطوعت كان واجبًا عليك، ولكن لم يقل أحد بوجوب النافلة

إذًا قال بعضهم: إلا أن تشرع في طاعة، فإذا شرعت في طاعة تطوعية، فيلزمك الاستمرار فيها، هذا بناء على أن الاستثناء متصل، لكن الصحيح لا شك هذه قاعدة أن الأصل في الاستثناء هو الاتصال، وليس الانقطاع، لكن هنا منقطع، أولًا لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ذاك واجب، وهذا تطوع

والأمر الثاني أنه ورد عند النسائي وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام شرع في الصيام، ثم أفطر، فدل على أنه لا يلزم، لأنه أتى بعدها بكلمة “وَصِيَامُ رَمَضَانَ”. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”

فالدليل أوضح لنا أن الاستثناء منقطع مع أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه

س: ما هو المستثنى منه الفرض؟

ج: المستثنى التطوع

(قَالَ: “لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”) طبعا إلا الحج هو لم يذكر الحج هنا، ما ذُكر الحج، لكن الحج بعضهم يقول: لم يُذكر الحج، هل هو لم يُفرض؟

الجواب: أنه أتت رواية فيها: “فأخبره بشرائع الإسلام” فيدخل في ذلك الحج وغيره، لكن الحج والعمرة إذا شرع فيهما يجب أن يُكمَل حتى لو كان نافلة {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، ولحديث شُبرمة مع أنه لم يحج وحج عن قريب له فقال: “حُجَّ عن نفسِك ثم حُجَّ عن شُبرمةَ”.

(فقَالَ: “لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “وَصِيَامُ رَمَضَانَ”) وفي هذا دليل على جواز أن يُذكَر رمضان من غير تقديم كلمة شهر عليه، خلافًا لمن قال: لا بد أن يقول: قبلها شهر رمضان، وما ورد من حديث من أن رمضان اسم من أسماء الله، فليس بصحيح، فليس من أسمائه رمضان.

(قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”) ما ذكر له الأنصبة؛ نصاب بهيمة الأنعام، ونصاب الذهب والفضة إلى آخر الأموال الزكوية، فرواية: ” فأخبره بشرائع الإسلام” يعني كلها؛

 تدل على ذلك، وجاءت رواية: “أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ” هذا دليل واضح

(قَالَ: “لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ” قَالَ: فَأَدْبَرَ) يعني انصرف موليًا ظهره

(فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ) سبحان الله يدل على أنه عنده حرص، هو أول ما قدم يسأل عن بعد، ولصوته دوي، ولما انصرف جلس يتكلم

(قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ) لا أزيد على هذا ولا أنقص: لكن كيف يحلف على أنه لا يزداد من الطاعة؟ذلك أن في حلفه هذا دليل على مبالغة في قبول ما قاله عليه الصلاة والسلام في تلك الحال، في ذلك الوقت

ولذلك جاءت رواية قال: ” وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا” هذا يدل على ماذا؟

يدل على أنه يقول: لن أعمل شيئًا إلا الواجب، فكيف يحلف، كما قلت لكم: هذا يختلف باختلاف الحال، في تلك الحال حلف، لكن لا يعني أنه فيما يُستقبل أنه يفعل، ومن حلف على ألا ينقص من الواجب فهو محمود، ومن حلف على ألا يزيد على الواجب من التطوعات، لا يُذم

 وفيه أقوال ولذلك أنا لم أذكرها

قال: (وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا) يعني إنني لا ابتدع.

(وَلَا أَنْقُصُ) هذا من النقصان، لكن الرواية التي فيها لا أزيد من التطوع ولا أنقص من الفرض، دل على أنه أراد هذا

على كل حال الحلف هذا لا يُقاس عليه باعتبار الحال، ولربما أنه عليه الصلاة والسلام لم يُنكِر عليه أنه حلف، لأنه أعرابي فكونه يقبل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يُدبر وهو يقولها، ففي هذا تأنيس وتأليف له بالبقاء على ما افْتُرِض

(وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”) ولعل هذه يعني تؤكد ما ذكرته

قال: (إِنْ صَدَقَ) إن صدق فقد أفلح، ولذلك لم يُنكِر عليه الحلف من أجل أنه بمجرد ما قَبِل الفريضة، وحلف على ألا يزيد عليها من التطوع، فهذا مغنم

ولذلك قال: (“أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”) أفلح إن صدق؛ ودل ذلك على أن من أتى بالواجب ولم ينتقص منه فقد أفلح

ولو قال قائل: أين نهيه عليه الصلاة والسلام له عن المحرمات؟

نقول: دخل في رواية:  “فأخبره بشرائع الإسلام” ومن شرائع الإسلام ترك الذنوب.

فقال: (“أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”) دل على أن من أتى بالواجب، أفلح، ومن أتى بما هو زائد على الواجب من باب أولى، وفي هذا رد على المرجئة لأنه علَّق فلاحه على صدقه إن قام بتلك الأعمال، لأن المرجئة لا يرون أن العمل من الإيمان.

فقال: (“أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”) قال: أفلح إن صدق وفي رواية لمسلم إسماعيل بن جعفر من الثقات، ثقة ثبت رواها عن عمه عن عم مالك بزيادة “أفلَحَ وأبيهِ إن صدقَ” فكيف يقول: وأبيه؟ يقسم بالأب وقد نهى عن ذلك، على وجه الخصوص نهى عن القسم بالآباء، وعلى وجه العموم نهى عن الحلف بغير الله؟ للعلماء فيها كلام كثير -طبعا أنا لي مقطع في شرحي لصحيح البخاري الموسع قرابة أربعين دقيقة أو نصف ساعة تقريبًا، لكن حتى لا نطيل لأن هذا مختصر- “أفلَحَ وأبيهِ إن صدقَ” الصحيح أنها شاذة لمَ؟

لأن الثقة خالف من هو أوثق منه، الإمام مالك أوثق من إسماعيل بن جعفر هذا أمر.

الأمر الثاني أن إسماعيل بن جعفر روى هذا الحديث بدونها، فدل على أن الاختلاف من طلابه عليه، من طلاب إسماعيل بن جعفر، وأيضًا الذي يتأمل أهذا الأعرابي يقول حالفًا بالله والله لا أزيد، وفي رواية والذي أكرمك يحلف بالله، والنبي عليه الصلاة والسلام يحلف بغير الله، مما يجعلها شاذة،

ولذلك لو قال قائل: أنتم الآن تخالفون قاعدة زيادة الثقة مقبولة، نقول: نحن لا نخالفها، رددناها هنا لأنها خالفت النصوص الأخرى التي أتت بتحريم الحلف بغير الله على وجه العموم، وتحريم الحلف بالآباء على وجه الخصوص، لمن أراد الرجوع يرجع.

قيل: تصحيف من أن اللامات وقيل هذا قبل النهي، وقيل: هناك شيء محذوف ورب أبيه، لكن هذا واضح ما يحتاج.

سبحان الله قال: (“أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”) الفلاح الحقيقي هو القيام بحق الله، وليس الفلاح هو جمع الدنيا.

 

 (35) – باب: اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

47 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ المَنْجُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ”

تَابَعَهُ عُثْمَانُ المُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – نَحْوَهُ.).

 

ثم ذكر رحمه الله بابًا فقال: (بابٌ: اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ) هذا من أواخر الأبواب كذا؟ من أواخر الأبواب في كتاب الإيمان، وهذا يدل على أنه أراد بذلك رحمه الله من أن الإنسان يغتنم حياته، لأن الموت آتٍ، فما مضى طاعات وعبادات

 وهذا ما قاله ابن حجر رحمه الله قال: جعله آخر ما يكون مع أن هناك بابًا من أن إخراج الخمس من الإسلام، ومن الإيمان يعني قبل هذا، هذا ليس آخر باب، فيما يتعلق بالأعمال التي من الإسلام أو الإيمان، لكن الذي يظهر لي أنه لما ذكر حديث طلحة، وذكر “أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ” يعني ليبقى الإنسان على عمل ما ذُكِرَ في هذا الحديث حتى يأتيه الموت، فإن أتاه الموت وهو على ذلك، فقد تم له الفلاح، لأن العبرة بالخاتمة، نسأل الله أن يحسن خاتمتنا وخاتمتكم.

وذكر حديث أبي هريرة

قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ المَنْجُوفِيُّ) البصري

(قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ) وهو رَوح بن عُبادَة ثقة، والمنجوفي صدوق

قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ) ابن أبي جميلة، ويعرف بالأعرابي، ولم يكن أعرابيًا لا،

فإذًا كلمة الأعراب ليس معنى ذلك أنها تطلق دائما على من يسكن في البادية لا، وإنما طبعا هو بصري رحمه الله، أُطلِق عليه الأعرابي لِعِظَمِ فصاحته، فالأعرابي يعني يستطيع أن يُعرَب عما في نفسه بأفصح ما يكون من الجمل والكلمات

(عَنِ الحَسَنِ) وهو الحسن بن أبي الحسن البصري معروف ثقة يعني فقيه ومشهور

(وَمُحَمَّدٍ) وهو ابن سيرين مولى أنس بن مالك ثقة ثبت عابد،

و لاهتمامه بالحديث؛ فهو مهتم به إلى درجة أنه لا يرى أن الحديث يُروى بالمعنى

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) سبحان الله إذًا الحسن البصري ومحمد بن سيرين رويا هذا الحديث عن أبي هريرة

 لماذا جمع بينهما؟

لِيُعلم أن سماع محمد بن سيرين من أبي هريرة ثابت، أما كون الحسن سمع من أبي هريرة، فخلاف بين أهل العلم، الكثير يرى أنه لم يسمع من أبي هريرة

إذُا المُعَوَّل هنا فيما يتعلق بالسند في رواية من؟

ابن سيرين، وللحديث تتمة في آخره، فيما يتعلق بالسند

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “مَنِ اتَّبَعَ) وتُضبط مَن تَبِعَ.

(“مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) إيمانًا ماذا قلنا فيما مضى؟

تصديق بوعد الله وبثوابه (وَاحْتِسَابًا):  الإخلاص طلبًا للأجر، سبحان الله أتت هذه الجملة خصوصًا جملة واحتسابًا، لِيُذَكِّر عليه الصلاة والسلام بالنية في اتباع الجنازة، لأن البعض ربما أنه يَتَّبِع الجنازة من أجل أقارب الميت تأنيسًا لهم أو لأي أمر آخر، أو أنه يَتَّبِعُها للأمرين، فليحرص على أن يجعل النية خالصة لله عز وجل في اتباع الجنازة، وهذا من حق المسلم على المسلم كما جاءت بذلك الأحاديث

(“مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ) مع مَن؟

مع الميت، وفي رواية: “وكان معها ” مع الجنازة

(حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا) ظاهرها أنه لو تَبِعَها، فصلى غَيرُه عليها، ولم يصلِ هو أن الأجر حاصل، لأنه قال: (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا)، ولم يشترط أن يصلي هو، وهذا يدل على عظم اللغة العربية، لكن ضُبِطَت (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا)، يعني لا بد أن يصلي هو، لكن الرواية التي هنا (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا) الضبط هنا مقبول، يعني يُوَجَّه فيما لو أن الإنسان تَبِعَها، ثم حصل له عذر، فَفُرِغ من الصلاة عليها؛ يحصل له (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا).

فإذًا ضَبْطُ (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا) وهو لم يصل إذا حال بينه وبين الصلاة لما تبعها حال بينه وبينها عذر

قال: (وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا) دل على مشاركته أنه يشارك، وضُبِطَت: “ويُفرغْ” من دفنها يعني أن غيره يقوم بالدفن، ومعلوم أن تحصيل القيراطين لا يلزم أن يَدْفِن، حضوره للدفن، والفراغ من الدفن ولو قام به غيره حصل له هذا، فدل هذا على ما قُلْتُهُ من أن قوله: (حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا) لو حال بينها وبينه عذر حصل له.

قال: (فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ) القيراط هو الأجر الكبير، طبعا هذا الحديث لا نُفَصِّلُ فيه كثيرًا، لأن مَحَلَّهُ ليس هنا، هنا أراد فقط أن يثبت أن اتباع الجنازة من الإسلام، وأما قضية القيراط مثل الجبل مثل جبل أحد، سيأتي له تفصيل إن شاء الله

(كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ) أي جبل أحد

(وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ) فقط صلى

(ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ”)، ومن صلى عليها يدل على أن الأصل أنه يصلي، (ومن صلى عليها): يدل على أنه يصلي.

(ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ”) لن أشرح كثيرًا في الحديث، سيأتي في باب الجنائز، ونتحدث في قضية القيراط وما يتعلق به، وأُحُد لماذا مُثِّلَ بِأُحُد

قال: (تَابَعَهُ عُثْمَانُ المُؤَذِّنُ) هو مؤذن؟

نعم هو مؤذن مسجد جامع البصرة ثقة، سبحان الله مع ثقته في آخر حياته تغير حتى إنه أصبح يتلقن

(تَابَعَهُ عُثْمَانُ المُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ) يعني تابع عثمان المؤذن تابع من؟

روح في هذا الحديث، سبحان الله عثمان المؤذن هو شيخ للبخاري، لماذا لم يذكره حتى يكون الإسناد عاليًا أعلى من السابق؟

ذلك لأن روح أوثق

(تَابَعَهُ عُثْمَانُ المُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) محمد بن سيرين لم يذكر الحسن، ليبين أن المعول في صحة سند هذا الحديث رواية ابن سيرين عن أبي هريرة وليس عن الحسن.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – نَحْوَهُ) نحوه: يعني بمعناه لمَ؟

لأنه قال هنا: ” وكان معها ” في هذا السند الذي فيه شيخ البخاري فَلَزِمَهَا وهنا قال: “وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا”، في رواية عثمان المؤذن “وَتُدْفَنَ”، هنا ماذا قال في القيراط؟

(فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ) في الرواية التي هنا: “فَلَهُ قِيراطٌ”.

إذًا هذا ما يتعلق بهذا الحديث.