تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس التاسع والثلاثون حديث 413- 415

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس التاسع والثلاثون حديث 413- 415

مشاهدات: 409

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس التاسع والثلاثون

حديث  413- 415

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب في وقت صلاة العصر

حديث رقم -413-

( صحيح ) حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال : دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام يصلي العصر فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة أو ذكرها فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” تلك صلاة المنافقين ، تلك صلاة المنافقين ، تلك صلاة المنافقين ، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني الشيطان ، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا )

من الفوائد :

أن كلمة ( تلك ) اسم إشارة ، وهي إشارة إلى مذكور حكما ، لأنه قد يشار إلى غير مذكور ، فتكون الإشارة راجعة إلى صلاة العصر ، لأن هناك قرينة تدل على ذلك ، وهي اصفرار الشمس .

ومن الفوائد :

تأكيد الجملة من باب أهميتها ، كما كرر هنا ( تلك صلاة المنافقين ) .

ومن الفوائد :

أن تأخير الصلاة من شأن المنافقين ، فتأخيرها عن وقتها هو صنيع المنافقين ، وذلك لأنهم لا يقومون إليها رغبة فيما عند الله ، وإنما يفعلونها خوفا على أنفسهم وعلى أولادهم وعلى أموالهم ، قال تعالى { وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء142 ، وهذا هو فعلهم كما ذُكر في هذا الحديث ( فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ) ولذلك حث ابن عباس رضي الله عنهم المسلم إذا قام إلى الصلاة أن يقوم نشطا حتى لا يتشبه بالمنافق من حيث الصورة إذا قام وفيه شيء من الكسل .

ومن الفوائد :

بيان أن آخر وقت صلاة العصر المختار هو اصفرار الشمس

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لقول بعض السلف ( إذا أردت أن تعرف قدر دين الرجل عند نفسه فانظر إلى صلاته ) فإن الدين يعظم عند الإنسان إذا اهتم بهذه الصلاة وقام بها حق القيام .

ومن الفوائد :

أن ( النقر ) يدل على الخفة والسرعة ، كما ينقر الغراب الحبة .

ومن الفوائد :

بيان فضل الإكثار من ذكر الله عز وجل ، وأن الصلاة أحق بهذا الذكر ، فالإطالة في الصلاة دليل على حب الإنسان لذكر الله عز وجل .

ومن الفوائد :

أن ما يفعله المنافقون من تأخير الصلاة مما يحبه الشيطان ، لأن الشمس إذا كانت بين قرني شيطان قاموا فنقروها أربعا ، وهذا يدل على أن للشيطان قرنين ، هذا إذا حملنا القرن هنا على معناه الحقيقي كما قاله بعض العلماء .

وقال بعض العلماء : إن القرنين هنا يراد منه جانبا الرأس ، يعني جانبا رأس الشيطان .

وقال بعض العلماء : إن القرن هنا معناه القوة ، كما قال تعالى {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }الزخرف13 { مُقْرِنِينَ } يعني قادرين مطيقين ، فالقرن المذكور في الحديث عبارة عن أن الشيطان يقوى أمره في ذلك الوقت .

وقال بعض العلماء : إن القرن هنا يراد منه الحزب والطائفة ، يقال ” قرن أتوا بعد قرن مضوا ” يعني طائفة أتت بعد طائفة مضت ، فيكون في هذا كناية عن أن جنود الشيطان وحسبه يكثرون ويعظمون في ذلك الوقت ، ولعل هذا مؤيد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ( بإمساك الصبيان عند غروب الشمس ) قال ( فإن للشياطين انتشارا وخطفة )

وقال بعض العلماء : إن القرن هنا راجع إلى ما يفعله هؤلاء من تأخير الصلاة ، فهو مأخوذ من ذوات القرون التي تدفع الشيء بقرونها ، فإنهم لما دفعوا هذه الصلاة إلى هذه الساعة المنهي عنها شابهوا ذوات القرون في دفع الأشياء بقرونها .

وهذه الأقوال وإن كان لبعضها شيء من الوجاهة إلا أن حمل الحديث على ظاهره هو الأولى ، فيكون الشيطان يضع قرنيه عند الشمس حتى إذا صلى هؤلاء كأنهم يصلون له ، ولذلك جاء في الحديث عند مسلم ( تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وحينها يسجد لها الكفار ) ولا شك أن سجودهم للشمس هو سجود للشيطان .

حديث رقم -414-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله ” )

قال أبو داود : وقال عبيد الله بن عمر ( أتر) واختلف على أيوب فيه وقال الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وتر ) .

حديث رقم -415-

( ضعيف مقطوع ) حدثنا محمود بن خالد ثنا الوليد قال قال أبو عمرو يعني الأوزاعي : وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء )

من الفوائد :

أن من تفوته صلاة العصر فكأنما فقد أهله وماله ، وفوات صلاة العصر يكون باصفرار الشمس كما ذكر الأوزاعي رحمه الله وإن كان ضعيفا من حيث السند  .

فيكون الفوات هو فوات الوقت ، لكن هل هو فوات الوقت المختار كما ذكر الأوزاعي ؟ أو أنه هو غروب الشمس كما قال نافع رحمه الله لما سئل أيكون ذلك بعد غروب الشمس ؟ فقال نعم ؟

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أنه جاء حديث أنس رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة ( من فاتته صلاة العصر من غير عذر حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله )

فنخلص من هذا إلى أن فوات صلاة العصر بخروج وقتها سواء كان المختار أو وقت الضرورة فإن فيه هذا الوعيد ، وهو أنه يوتر أهله وماله أي يسلب أهله وماله ، فيجتمع على هذا الموتور يجتمع عليه غمان ، الغم الأول تحصيل ما فقده ، يريد أن يحصل ما فقده ، وإيقاع الانتقام بمن وتره ، فكذلك من فاتته صلاة العصر يجتمع عليه غمان ، الغم الأول فوات الأجر ، لأنها صلاة مباركة فهي الصلاة الوسطى وتجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار ، والغم الثاني يحصل له العقاب ، ومن أعظم هذا العقاب أنه يشابه المنافقين ، فدل هذا على فضل صلاة العصر .

ومن الفوائد :

يصح النطق فتقول ( وُتر أهلُه ومالُه ) بالرفع إذا أسندته إلى الأهل والمال ، أما إذا أسندته إلى الرجل فيصح نصبهما ( فكأنما ( وُتر أهلَه ومالَه ) فكأنما وتر من ؟ الرجلُ .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ( فكأنما وُتِر ) بالواو في أوله ، وهذا ما عليه أكثر الحفاظ ، بينما عند بعض الحفاظ ( أتر ) فأبدلت الواو همزة ، فالأصل ( وتر ) فأصبحت ( أتر ) كقوله تعالى {  وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ }المرسلات11 ، فالهمزة هنا أبدلت من واو ، ولذلك قرأ أبو عمرو { وإذا الرسل وقتت ) بالواو .

لكن المرجح هنا ما عليه أكثر الحفاظ أنه بالواو ( فكأنما وتر أهله وماله ) .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث أطلق فيه هذا الحكم لاسيما وأنه أتى بالاسم الموصول وهو يفيد العموم ، لكن عند ابن أبي شيبة كما ذكره ابن حجر رحمه الله عن أنس رضي الله عنه ( من فاتته صلاة العصر من غير عذر حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله ) فإذا كان هناك عذر فلا يدخل ضمن هذا الحديث

ومن الفوائد :

أن كلمة ( فاتتنا الصلاة ) لا يذم صاحبها ، لأن هناك من كره قول ( فاتتنا الصلاة ) وهذا الحديث دليل على جواز قول هذه الكلمة شريطة ألا تنبئ عن تقصير ، ويدل لها ما جاء في الصحيحين ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )

 

ومن الفوائد :

أن أهل اللغة يقولون ” إن الأسماء الموصولة تشبه أسماء الشرط ” ولذلك أتي بالفاء هنا ( فكأنما ) ما سبب مجيئها ؟ لأنهم يجعلون الأسماء الموصولة شبيهة بأسماء الشرط ، فكأنه قال ( من تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله )

كما قال تعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة274

ومن الفوائد :

أن فيه بيانا أن أفضل وأعظم ما لدى الإنسان الأهل والمال ، لأنه ذكر الأهل والمال ، فهذا يدل على عظم هذين النوعين من الدنيا ، فواجب على المسلم أن يحافظ عليهما محافظة شرعية لأنهما ثمينان ، فلو لم يكونا ثمينين لما ذكرا .

ونكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم على نبينا محمد .