تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الثامن والستون
حديث 489
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة )
حديث رقم – 489-
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا )
( صحيح )
هذا الحديث ذكر منه أبو داود رحمه الله جملة ، وإلا فهو يحتوي على جُمل ، وهذا الحديث في الصحيحين ومر معنا في سنن النسائي وشرحناه شرحا كاملا مفصلا ، من حيث الخصال التي تميز بها النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة وذكرنا كل جملة ، قال صلى الله عليه وسلم :
( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي )
ومن بين الجمل هذه الجملة ، ولا مانع من إعادة ما يتعلق بهذه الجملة من فوائد :
( من الفوائد )
أن من خصائص هذه الأمة التي امتازت بها عن الأمم السابقة ” أن التيمم مشروع لها ”
ولذا في أول الإسلام ما كان التيمم مشروعا .
( ومن الفوائد )
أن من خصائص هذه الأمة أن من أدركته الصلاة في أي مكان فليصل ( فعنده مسجده وطهوره )
بينما الأمم السابقة كانوا لا يصلون إلا في مواضع عبادتهم من البِيع والصوامع ، فلو أدركت أحداً منهم الصلاة ما جاز له أن يصلي في هذا الموضع .
( ومن الفوائد )
أن هذا الجملة استدل بها بعض العلماء : على أن أي بقعة في الأرض تجوز الصلاة فيها سواء كانت مقبرة أو حماما أو كنيسة أو في معاطن إبل .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصص من هذا العموم مواطن كالمقبرة ، والحمام ، ومعاطن الإبل ، والحش ، وغير ذلك .
( ومن الفوائد )
أن في هذه الجملة ( الأرض ) فيها دليلها لمن قال من العلماء : إن كل ما تصعد على وجه الأرض يجوز التيمم به سواء كان رملا ، أو ترابا ، أو حجارة أو حصباء أو نحو ذلك مما هو من نجس الأرض ، فكل ما تصعد على الأرض من جنسها فيجوز التيمم به ، وهذا هو القول الصحيح .
بينما يرى بعض العلماء : حصر التيمم بالتراب لحديث حذيفة عند مسلم :
( وجعلت تربتها لنا طهورا )
والجواب / أن يقال : إن أحسن ما يتيمم به التراب ولا يمنع أن يتيمم بغيره ، والقاعدة الأصولية التي أسلفنا ذكرها مرارا :
[ أن ذكر بعض أفراد العموم لا يدل على التخصيص وإنما يدل على الاهتمام ]
ولو كان التيمم لا يجوز إلا بالتراب ما كان لأهل الحجاز أن يتيمموا ، لأن أرضهم جبال وصلبة وصخور ، وهم المعنيون بهذا الأمر في الحديث ، ومن بعدهم يتبع حالهم .
( ومن الفوائد )
أن ” الطُهور “ عرفه الفقهاء ” هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره “
ودليل هذا التعريف هنا ، قال ( طهورا ) لم؟
لأن التيمم لا يكون إلا على الطاهر ، ولذلك في رواية :
( وجعلت لنا كل أرض طيبة )
فدل هذا على أن هذه الأرض تطهر من تيمم عليها ، فاشتراط طهارة الأرض من النجاسة أمر مفروغ منه ، فدل على أنه لابد أن تكون طاهرة وهي مطهرة لغيرها .
( ومن الفوائد )
أنه جاء حديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
( تمسحوا بأمكم فإنها بكم برَّة )
والمقصود من الأم ” الأرض “
هذا الحديث صححه الألباني رحمه الله ، ليس فيه دليل لمن قال بالتبرك المذموم ، كأن يتبرك بالحطيان والأرض ، وإنما المقصود أن يتمسح بها أثناء فقدان الماء بالتيمم ، وكذلك تمكين أعضاء السجود من السجود عليها .
( ومن الفوائد )
أن هذه الجملة تدل على أن بناء المساجد نوعان :
” بناء حسي وبناء معنوي “
فالبناء الحسي : أن يبنى مسجد من طين أو حجر ، كما هو حال هذه المساجد .
والبناء المعنوي : وهو التعبد في المكان ، فالتعبد في المكان كالصلاة فيه يجعله مسجدا ، ولذلك قال :
( مسجدا وطهورا )
فأي بقعة يصلى فيها فهي مسجد ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال :
( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يشمل الأمرين ، فلو أتى شخص وبنى مسجدا على قبر يصدق عليه الحديث .
لو أتى شخص ولم يبن مسجدا على القبر ولكنه عَبَدَ الله جل وعلا عند القبر ، أو صلى لله عند القبر ، فيكون من اتخاذ القبور مساجد ، ما الدليل ؟
هذه الجملة التي معنا ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام
( ألا فلا تتخذوا القبور مساجد )
ولذلك في حديث عائشة :
( لكنه خشي أن يتخذ قبره مسجدا )
هل يمكن للصحابة أن يبنوا مسجدا آخر غير مسجده على قبره ؟
لا ، فدل هذا على أنهم لن يبنوا ، ولكن خشي من أن لو أظهر وأبرز قبره أن يصلى لله عنده ، أو يذكر الله عنده ، ولذلك ما يفعله بعض الناس من تخصيص الصدقة في المقابر ، فهذا من البدع ، وقد نصَّ شيخ الإسلام على هذا ، ومن يتحين بالدعاء عند القبور فلا يجوز ، الذكر عند القبر لا يجوز ، قراءة القرآن عند القبر لا تجوز ، لم ؟
لأن في هذا الفعل اتخاذا للقبور مساجد .
ولا يلزم من اتخاذ القبور مساجد أن يبنى عليها البناء الحسي – لا – لأن البناء هنا نوعان حسي ومعنوي .