تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الحادي والخمسون من حديث 438-443

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الحادي والخمسون من حديث 438-443

مشاهدات: 434

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس الحادي والخمسون

من حديث 438-443

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب في من نام عن صلاة أو نسيها

حديث رقم -438-

( شاذ ) حدثنا علي بن نصر ثنا وهب بن جرير ثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن شمير قال قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة وكانت الأنصار تفقهه فحدثنا قال حدثني أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء بهذه القصة قال فلم توقظنا إلا الشمس طالعة فقمنا وهلين لصلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” رويدا رويدا ” حتى إذا تعالت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما ، فقام من كان يركعهما ، ومن لم يكن يركعهما فركعهما ،ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة ، فنودي بها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا ، فلما انصرف قال ألا إنا نحمد الله أنا لم نكن في شيء من أمور الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ، ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل فأرسلها أنَّى شاء ، فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها )

من الفوائد :

هذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله وغيره من أنه شاذ ، والشذوذ يكمن في كون خالد بن سُمَير الراوي عن عبد الله بن رباح أنه ذكر ثلاث جمل تخالف ما جاء في الصحيحين وفي غيرهما ممن روى هذا من الصحابة غير أبي قتادة مما يقرب من أربعة عشر صحابيا لم يذكروا هذه الجمل ، ولذا ثابت البناني لما ذكره عن عبد الله بن رباح لم يذكر شيئا من هذا ،  والجمل الثلاث :

أن خالد بن سمير ذكر أن هذه الوقعة وقعت في جيش الأمراء يعني في غزوة مؤتة ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر أمراء ثلاثة في غزوة مؤتة ، وهذه إنما وقعت – كما جاء في الصحيحين – وقعت لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر .

وقد جاءت روايات أخرى من أن هذا كان في زمن الحديبية ، وجاء كما عند الطبراني أنه في غزوة تبوك ، ومنهم من قال يحتمل تعدد القصة من أن هذه حصلت في أكثر من موطن .

والشاذ : هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه .

والمنكر : هو ما خالف فيه الضعيف الثقة .

الجملة الثانية :

أنه عليه الصلاة والسلام قال عن ركعتي الفجر ( من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما ) وهذه توحي بأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يصلون ركعتي الفجر في الحضر .

ومنهم من قال باحتمال توجيه هذه الرواية من أن هذا الوقت هو وقت سفر ، فكان منهم من يركعهما في السفر ومنهم من يدعها من باب الرخصة في السفر ، وقال هذه الجملة باعتبار رخصة السفر وليس لكونهم رضي الله عنهم يدعون سنة الفجر في الحضر .

الجملة الثالثة :

قوله عليه الصلاة والسلام ( فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها )

وهذه توحي بأنه يلزم من فاتته الصلاة أنه إذا جاء اليوم التالي فصلى الصلاة الواجبة عليه أن يصلي صلاة القضاء مرة أخرى لكي يصادف وقتها .

وقال بعض العلماء : يحتمل أن توجه هذه الرواية من أن قوله عليه الصلاة والسلام ( فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها ) أنه عليه الصلاة والسلام لما صلاها بعدما طلعت الشمس لا يعني أن وقتها تغير عن السابق ، فإذا جاء اليوم التالي فعليكم أن تصلوها كما كنتم تصلونها قبل ذلك .

إذاً هذه الجمل الثلاث هي التي حكم بها كثير من العلماء على شذوذ هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن قوله ( وَهِلين ) يعني فزعين ، تدل عليها الرواية الأخرى ( ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم )

وقد قال الخطابي رحمه الله : يمكن أن يكون إعادة الصلاة مرة أخرى استحبابا ، ولكن لم يقل أحد بالوجوب .

لكن ابن حجر رحمه الله قال عن هذه الرواية أنها غير صحيحة ، وقد جاء عند الدارقطني ( قالوا يا رسول الله أنقضيها من وقتها في الغد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم )

ولعل هذه الجملة الأخيرة التي ذكرت لعلها أن تكون مستندا لما نسمعه من العوام من كبار السن من أن الصلاة إذا فاتت أحدهم لم يصلها وإنما انتظر وقتها من الغد فيصليها مع صلاة الغد ، ولذا يقولون نصلي كل صلاة في وقتها من اليوم التالي – وهذا خطأ – فالواجب على المسلم إذا  فاتته الصلاة أن يبادر بأدائها .

حديث رقم -439-

( صحيح ) حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن بن أبي قتادة عن أبي قتادة : في هذا الخبر قال فقال إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء قم فأذن بالصلاة فقاموا فتطهروا حتى إذا ارتفعت الشمس قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس )

من الفوائد :

أن النائم إذا نام فإن روحه تصعد ، وهذه المفارقة وهي مفارقة الروح للبدن تختلف عن مفارقة الروح للبدن عند الوفاة الكبرى ، أما هنا فهي وفاة صغرى ولذلك قال عز وجل { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الزمر42

 

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ذكر ارتفاع الشمس ، يعني لما ارتفعت الشمس صلاها عليه الصلاة والسلام ، وهذا يقوي رواية ( فلما تعالت الشمس ) يعني أصبحت في العلو ، وضبط ( فلما تقالت الشمس ) يعني استقلت الشمس في السماء .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ذكر الأذان ، فدل هذا على أن ما اقتصر في الحديث السابق على الإقامة لا يعني أنه لم يؤذن للفائتة .

حديث رقم -440-

( صحيح ) حدثنا هناد ثنا عبثر عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : بمعناه ، قال فتوضأ حين ارتفعت الشمس فصلى بهم )

من الفوائد :

أن الفائتة تصلى جماعة ، فإذا فاتت الصلاة مجموعة فإنهم يصلونها جماعة ، وهل صلاة الجماعة واجبة في حقهم أم لا ؟

الصحيح أنها واجبة في حقهم لعموم الأدلة التي أوجبت صلاة الجماعة على من كان من أهل الحضر أو من كان مسافرا ، على من أدى الصلاة وقتها وعلى من أدى الصلاة بعد فوات وقتها

حديث رقم -441-

( صحيح ) حدثنا العباس العنبري ثنا سليمان بن داود وهو الطيالسي ثنا سليمان يعني بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى )

من الفوائد :

أن النوم عذر ولا يكون الإنسان مفرطا أو ملاما إذا فاته شيء من الواجبات بسبب النوم ، شريطة ألا يكون متهاونا ، ولذلك كما مر معنا في سياق رجوعه عليه الصلاة والسلام وفوات الوقت أن بلالا رضي الله عنه أسند ظهره إلى راحلته حتى لا يستغرق في النوم ، فدل هذا على أن المسلم يجب عليه أن يتخذ الأسباب التي توقظه للصلاة ، أما ما يحتج به من أن النوم عذر ويوقظ الإنسان ويسمع من يوقظه ، فإن هذا ليس بنائم ، هذا متناوم ، وفرق بين النائم والمتناوم .

ومن الفوائد :

الحذر من التفريط في طاعة الله عز وجل ، ولذلك أهل الشر ذكر عز وجل عنهم أنهما يقولون { يَا وَيْلَنَا } يدعون على أنفسهم بالويل والثبور على ما فرطوا في هذه الدنيا فيما يجب لله عز جل { قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }الأنعام31 ، يعني ما فرطوا في هذه الدنيا فيما يجب لله عز وجل ، وقال تعالى {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }الزمر56 .

ومن الفوائد :

أن حديث أبي قتادة استدل به على أن صلاة العشاء لها وقتان وقت اختياري ووقت اضطراري ، فالوقت الاختياري إلى نصف الليل كما جاء عند مسلم ، والوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر الثاني ، ولذا قال ( أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى ) فدل على أن هناك وقتا اضطراريا لصلاة العشاء .

ولكن يجاب عن هذا من أن العشاء له وقت واحد إلى نصف الليل ، كما جاء عند مسلم ، وأما حديث أبي قتادة فليس على إطلاقه ، لأن صلاة الفجر خرجت من هذا الحديث ، فصلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ، ولا يمتد وقتها إلى الظهر ، فدل على أن هذا الحديث ليس على إطلاقه ومن الفوائد :

وجوب الإتيان بالصلاة على أي حال يكون عليه المسلم ، فمن كان على حالة نجاسة وليس معه ما يزيل به هذه النجاسة ، أو معه ولم يستطع فترك الصلاة في وقتها من أجل هذا الأمر ،فإنه يعد مفرطا ، ولذا قال عز وجل { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103، يعني فروضة في وقتها لا يجوز للإنسان أن يدعها ، ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم حال الحروب ما كان يؤخر الصلاة عن وقتها ، مع أنها حالة حرب ، بل لو أن الحرب اشتعلت ولم يتمكن المسلم من الصلاة على وجهها المعتاد ، فإن الواجب عليه أن يصلي كيفما استطاع { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }البقرة239، حتى لو كان يكر أو يفر فإنه يصلي ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يدع الصلاة .

اللهم إلا في حالة ذكرها بعض العلماء وهي مسألة أيضا خلافية ، وهي فيما لو أن المسلمين في حال الحرب لم يتمكنوا من الصلاة بأي وجه من الوجوه ، يعني اشتغلوا بالحرب فأصبحت الصواريخ والمدافع تتلقفهم من كل جهة ولم يتمكنوا بأي طريقة أن يصلوا ، هنا يجوز لهم أن يؤخروا الصلاة ، على قول بعض العلماء وله وجه ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم لما أرادوا أن يفتحوا مدينة تستر وهي من جهة أفغانستان ، لم يتمكنوا من الصلاة بسبب اشتعال الحرب ، فلم يتمكنوا من الصلاة إلا ضحى ، فأخروا الصلاة بسبب هذا الأمر ، لكن في حالة يكون الإنسان مستطيعا لأداء الصلاة في حال الحرب على أي وجه من الوجوه ، سواء كان ماشيا أو راكبا ، فإن الواجب عليه أن يصليها ولا يجوز له أن يدع الصلاة إلى أن يأتي وقت الصلاة الأخرى .

حديث رقم -442-

( صحيح ) حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ” )

من الفوائد :

أن الصلاة الفائتة إذا كانت أكثر من واحدة أنها تصلى مرتبة على القول الراجح ، ولذا قال ( فليصلها ) ومعلوم أن هذا الحديث ورد على صلاة واحدة ، فدل على أنه إذا ورد على صلوات متعددة يلزم فيها الترتيب كما يلزم في التي لم يفت وقتها ، ولذا جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انشغل بالحرب قبل أن تفرض عليه صلاة الخوف ففاتته أكثر من صلاة ، فصلاها عليه الصلاة والسلام مرتبا ” لكن هذا الحديث يدل على الوجوب ، قال ( فليصلها ) وهذه هي الصلاة المعتادة التي اعتادها المسلم وهي التي تؤدى مرتبة .

ومن الفوائد :

أنه قال ( لا كفارة لها إلا ذلك ) فدل على أنه لا يلزم المسلم بأن يصلي هذه الصلاة من اليوم التالي إذا جاء وقتها ، فتدل هذه الجملة ، على أن من صلاها حينما يذكرها أو حينما يستيقظ من نومه فإنه قد أتى بالواجب وبرئت ذمته ، فتكون هذه الجملة مضعفة للرواية التي مرت معنا .

ومن الفوائد :

أن قوله عليه الصلاة والسلام ( فليصلها ) دل على أن هذه الصلاة تؤدى على ما هي عليه ، مثلا لو أنه فاتته صلاة جهرية فلم يذكرها إلا في النهار فإنه يصليها جهرا ، قال ( فليصلها  ) يعني هي بعينها ، فلو أنه فاتته صلاة العشاء ولم يتذكر إلا ضحى ، فإن المشروع في حقه أنه إذا صلاها أنه يصليها جهرا ، وكذلك لو كان العكس ، لو أنه فاتته صلاة سرية ثم تذكرها بعد أن غربت الشمس فإنه يصليها سرا .

حديث رقم -443-

( صحيح ) حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس ثم أمر مؤذنا فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام ثم صلى الفجر )

من الفوائد :

أن المسلم إذا فاتته الصلاة فالمشروع في حقه أن يصلي معها سننها ، فإنه لما فاتته صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر صلى سنة الفجر ، فلو فاتت الإنسان أكثر من صلاة فإنه يصلي معها السنن ، لكن لو كثرت هذه الصلوات أيصلي السنن معها ؟

الأقرب أنه لا يصلي السنن، لم ؟

لأنه عليه الصلاة والسلام لما فاتته أكثر من صلاة في غزوة الأحزاب صلاها ولم يصل معها السنن ، ثم إنه لو كثرت الفوائت يترتب على ذلك إذا صلى سننها أن يشتغل بها عن الفوائت التي تليها ، فهنا نقول من فاتته صلاة أو صلاتان أو ثلاث فالأفضل له أن يصلي معها السنن ، لكن لو كانت كثيرة فإنه يقتصر على الفرائض التي فاتته ولا يأتي بسننها .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .