تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الحادي والستون 470- 471

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الحادي والستون 470- 471

مشاهدات: 433

تعليقات على سنن أبي داود  ـ الدرس الحادي والستون

470- 471

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في فضل القعود في المسجد

حديث رقم – 470-

( صحيح ) حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )

هذا الحديث هو من حيث الجملة يتوافق مع ما مضى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ويستفاد من هذا الحديث زيادة على ما ذكر في الحديث السابق يستفاد منه ما يلي :

بيان فضل انتظار الصلاة ، وأن المنتظر لها يظفر بثواب وأجر من صلى ( ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ) ويكون في حكم الصلاة من حيث الحكم الأخروي ، وليس معنى ذلك أنه في صلاة حقيقية ، لأن الصلاة الحقيقية لها صفات ، لكن هنا من حيث الأجر ، وهذا إن دل يدل على عظم هذا الدين وأن طرق تحصيل الأجور والحسنات سهل ميسر على من يسره الله عز وجل عليه .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث يتوافق مع ما جاء في الصحيحين في شأن السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، ذكر منهم صلى الله عليه وسلم ( ورجل قلبه معلقٌ بالمساجد ) وهذا الحديث يصدق على من قلبه معلق بالمساجد ، كما أنه يصدق على شخص يخرج من المسجد وقلبه ينتظر حضور الصلاة الأخرى ، فهو يشمل النوعين ، لكن دخول هذا الصنف من باب أولى ” من أن قلبه معلق بالمسجد “

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث يبين أن الأنس والراحة إنما تكون للعبد في المسجد ، ولذلك جاء حديث صححه الألباني رحمه الله  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المسجد بيت كل تقي ) ومن ثم فإن الإنسان إذا لم يجد الراحة والأنس في بيته الحقيقي فعليه أن يذهب إلى بيت الله عز وجل ، لأنه من المعلوم أن البيت الذي يسكنه الإنسان هو سكن ، كما قال عز وجل {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً }النحل80 ، فإذا لم يكن بيتك سكنا وراحة لك عليك أن تذهب إلى بيت الله عز وجل فستجد الراحة والسعادة ، وقد قال بعض المفسرين مما يتوافق مع هذا الحديث الذي صححه الألباني رحمه الله أن قول نوح عليه السلام في دعائه { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً }نوح28 ، فالبيت هنا هو المكان الذي يتعبد فيه ، أضاف البيت إليه باعتبار أنه من الأتقياء الذين يبقون في المسجد ، ولذا فسَّر بعض العلماء هذا التفسير .

ومن الفوائد :

بيان فضيلة الإخلاص ، فإنه ما منعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ، فإنه قد يجلس في المسجد لغرض آخر ، فإن جلس لغرض آخر من باب اجتماع الزملاء للتآنس معهم كما يفعله كثير من الشباب – هداهم الله – يحرصون على الاعتكاف لا لذات الاعتكاف من حيث الأصل ، هم يريدون الاعتكاف لكنهم يخطئون في تطبيق هذا الاعتكاف ، فهذا الاعتكاف في ذلك المسجد فيه فلان وفلان إذا به يأتي إلى هذا المكان من أجل أن يأنس بهم ، ولذا نرى أصنافا من المطاعم والمشارب ونسمع كثيرا من الكلام الذي لا طائل من ورائه إن لم يكن في ضرر على هؤلاء ، لأنهم لم يشعروا بحقيقة معنى الاعتكاف ، ولذلك ما منعه من أن يذهب إلى بيته إلا الصلاة .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( لا يزال ) تفيد الاستمرار ، وإذا أفادت الاستمرار في مثل هذا الحديث فإنه إذا استمر على هذه العبادة فإن الثواب مستمر ، وهذا يؤكد ويقرر أن العبد كلما قرب من الله عز وجل زاده خيرا ، ولذلك في الحديث القدسي ( من تقرَّب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن تقرَّب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) وهذا سبيل إلى الوصول إلى محبة الله عز وجل  ، لأن البقاء في المسجد من السنن ، ولذا في صحيح البخاري في الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم ( قال الله عز وجل ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ولا شك أن البقاء في المسجد يعطي الإنسان راحة ونورا وخيرا ، وهذا شيء مشاهد عند من يأتي إلى المسجد برغبة تحصيل الثواب فإنه يجد من الراحة والسعادة ما الله به عليم ، ولذلك أُثر عن كثير من السلف مثل الشعبي وابن المسيَّب رحمهم الله ، كان بعضهم لم تفته تكبيرة الإحرام من أربعين سنة ، وبعضهم من خمسين سنة ، يعني من حين ما يؤذن المؤذن وإذا بابن المسيب رحمه الله في المسجد من أربعين سنة ، وهو علم من الأعلام ، من كبار التابعين ، ومع ذلك كما أنه حريص على العلم حريص على العبادة ، وهذا الجانب يغفل عنه بعض طلاب العلم ، لا شك أن العلم خير وفائدة وهو عبادة في تحصيله ، لكن لا ينس الجانب الآخر ولاسيما المسارعة إلى ما أكد عليه الشرع ، فإن الشرع أكد على المسابقة إلى الصفوف الأُول ، قال صلى الله عليه وسلم ( ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه ) وهذا هو شأن الصحابة رضي الله عنهم ، فالصحابة رضي الله عنهم علماء وكانوا أسبق الناس إلى الخير .

حديث رقم – 471-

حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة ، تقول الملائكة اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث ، فقيل ما يحدث ؟ قال يفسو أو يضرط )

هذا الحديث تابع من حيث المعنى إلى الحديثين السابقين ، ويستفاد منه :

أنه ذكر العبد ، فدل على أن مقتضى العبودية أن يكون الإنسان حريصا على الخير وأن هذا الفعل الذي يفعله وهو بقاؤه في المسجد من زيادة عبوديته لله عز وجل ، وهذا شيء مشاهد ما تجد إنسانا حريصا على الحضور إلى المسجد والبقاء فيه وانتظار الصلاة إلا وتجد بينه وبين الآخرين فروقا عظيمة ، ويجد من الإيمان ما لا يجده غيره .

ومن الفوائد :

أنه يحصل على دعاء الملائكة ، وكما مر معنا أن دعاء الملائكة ” الصلاة ” والصلاة فسرت بأنها قول ( اللهم اغفر له ، الله ارحمه ) فدل على أن صلاة الملائكة على العبد إنما هو الدعاء له بالمغفرة والرحمة ودل على ذلك قوله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا }غافر7 .

ومن الفوائد :

أن أبا هريرة رضي الله عنه صرَّح هنا بأن الحدث هو ( الفساء والضراط ) فدل هذا على أن العبد لا يزال يأخذ الأجر إذا انتظر الصلاة إلى أن يحدث فإذا حصل حدثٌ وهو الفساء  أو الضراط توقف الأجر ، فعليه أن يبادر إلى الوضوء ثم العودة مرة أخرى ، وهذا إن دل يدل على فضل الوضوء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله سببا في بقاء استمرار صلاة الملائكة لمن انتظر الصلاة ، وهذا يتوافق مع وصفه بالعبودية ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في السنن ( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) وعند مسلم ( الطُهور شطر الإيمان ) فهذا يدل على فضل الوضوء .

ومن الفوائد :

أن التنبيه والتوضيح لشيء قد يكون غير مفهوم بالتورية يجوز فيه التصريح ، لأن أبا هريرة رضي الله عنه صرَّح تصريحا واضحا قال ( فساء أو ضراط )

والفساء : هو خروج الريح من الدُّبر من غير صوت .

والضراط : هو خروج الريح من الدُّبر بصوت .

وهذا الحديث يتوافق مع حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن الرجل شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يجده في بطنه ؟ قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) يسمع ماذا ؟ الضراط ، يجد ماذا ؟ الريح ، ولذلك قال ( يجد ) وحسب تتبعي – ولكن عدم العلم لا يدل على العدم – أني لم أجد أنه قال ( يشم ) مما يدل على أنه لابد أن يكون هذا الريح قد امتلك عليه كيانه كله فلم يشعر به أنفه فقط وإنما شعر به جسمه كله من باب تثبيت اليقين وأنه لا ينصرف من صلاته ولا يجوز لأحد أن ينصرف من صلاته إلا بيقين ، لكن قد يقول قائل : قد يحصل حدث متيقن من غير أن يسمع أو يشم ، ولذلك لما تمكن حب يوسف من قلب يعقوب عليهما السلام قال { إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }يوسف94 ، لم يقل ” إني لأشم ” دل على أن كيانه كله مرتبط بيوسف عليه الصلاة والسلام ، فقد يخرج شيء متيقن من غير سماع صوت ومن غير شم رائحة ، فيقال هذا الحديث أتي به لبيان الغالب من أن الريح لا يخرج إلا بصوت أو بوجود رائحة [ والنص إذا جاء في سياق الغالب لا مفهوم له ] فلا نفهم أن ما عداه لو خرج متيقنا أنه لا ينقض الوضوء – لا – فهذا من باب الغالب .

ومن الفوائد :

أن من كثرت عليه الوساوس نأتي إليه بهذا الحديث وبالأحاديث الأخرى فنقول لا تنصرف من صلاتك حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا ، لو قال إني متيقن لكثرة الوساوس عنده ، نقول لا تلتفت .