تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والعشرون من حديث 382- 387

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والعشرون من حديث 382- 387

مشاهدات: 450

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والعشرون

من حديث 382- 387

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله  :

باب في طُهور الأرض إذا يبست

حديث رقم -382-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال قال ابن عمر  ” كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزَبا وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ” )

من الفوائد :

أن النوم في المسجد جائز .

ومن الفوائد :

أن ابن عمر رضي الله عنهما كان ينام في المسجد لما كان لا أهل له .

ومن الفوائد :

أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم آنذاك لم يكن له أبواب مؤصدة ، لأن إقبال وإدبار الكلام يدل على أنه لا أبواب مؤصدة .

ومن الفوائد :

أن مرور هذه الكلاب على وجه الندرة ، لأنه لا يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة رضي الله عنهم لا يليق بهم أن يدعوا الكلاب تسرح وتمرح على وجه الاعتياد والكثرة .

ومن الفوائد :

أن الحديث السابق في بول الأعرابي غسل بوله مع أن بوله أخف من بول الكلاب ، لأن بول الآدمي من النجاسة المتوسطة ، بينما بول الكلب من النجاسة المغلظة ، فخالف هذا الحديث ذاك الحديث فغسل بول الأعرابي ولم يغسل بول الكلاب ، ومن ثمَّ وقع النزاع بين العلماء :

فقال بعض العلماء : إن النجاسة لا تزول إلا بالماء بناء على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يصب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء .

وقال بعض العلماء :  أن جفاف الأرض ويبسها تطهر النجاسة ، فمتى ما زالت النجاسة بالجفاف بالرياح أو بالشمس فإن النجاسة تطهر ، لأن النجاسة عين مستقذرة متى ما طهرت وزالت زال حكمها ، وقد استدلوا بهذا الحديث ، فيا ترى ما الصواب ؟

هل الصواب مع من لا يرى إلا غسلها بالماء ؟ أم الصواب مع من قال بأن تطهيرها يمكن أن يكون بالجفاف واليبس ؟

الجواب عن هذا : أن هذين الحديثين يضم أحدهما إلى الآخر ، لأن القاعدة الشرعية تقول [ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]

فيمكن أن يقال إن تطهير الأرض النجسة يكون بأحد أمرين إما بصب الماء عليها وإما بجفافها بدلالة هذا الحديث ، ومن ثم يزول الخلاف والنزاع .

ومن الفوائد :

أن ظاهره يؤكد أن الصحابة رضي الله عنه ما كانوا يتتبعون بول هذه الكلاب بالماء ، ويؤكد ذلك أنه ذكر الرش ، فإذا انتفى رش الصحابة رضي الله عنه الماء على بولها ، إذاً من باب أولى أن ينتفي غسلها ، ولذلك قال ( فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك )

( شيئا ) يعني من الماء ( من ذلك ) يعني من الإقبال والإدبار والبول ، وأكد ذلك بإتيان كلمة ( يكونوا ) لأنه لو حذف ( فلم يكونوا ) حصل المقصود من المعنى ، لكن لما أتى بكلمة ( يكونوا ) دل على التأكيد ، فيمكن أن يقول ” فلم يرشوا شيئا من ذلك ، كما قال تعالى { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33 من باب التأكيد ، ولو كان في غير القرآن لصح أن يقال ” وما الله ليعذبهم وأنت فيهم ” .

باب في الأذى يصيب الثوب

حديث رقم -383-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهره ما بعده )

من الفوائد :

أن السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا يتساءلون فيما بينهم عن العلم ، لا في محيط الرجال فحسب بل في محيط النساء ، وذلك ليعملوا بما جاء به الشرع حتى يعبدوا الله عز وجل على بصيرة ، ولذلك سألت هذه المرأة أم سلمة رضي الله عنها ولم تسأل غيرها ، وهذا يؤكد على أن العبد عليه ألا يسأل إلا أهل العلم ، لأن بعضا من الناس إذا حصل له أمر اشتبه عليه في دينه سأل أي شخص وهذا خطأ ، لأن الذي يُسأل هم أهل العلم ، سواء من الرجال أو من النساء .

ومن الفوائد :

أن الناس تغيروا في هذا الزمن ، فالزمن هو هو ، ولكن المتغير هم أهله ، فكان لباس النساء آنذاك إطالة الثياب إلى درجة أن ذيل المرأة ينجر من خلفها حتى يصيب الأرض ، بينما انعكس الحال في هذا الزمن فأصبح الرجال وللأسف يطيلون ثيابهم حتى تنجر من خلفهم ، وأما النساء فإنهن أصبحن يلبسن القصير من اللباس ، وهذا يدل على أن النقص دخل على هذه الأمة في دينها فلا تسأل عن الشرور التي تأتيها ، ولذلك أم سلمة رضي الله عنها لما قالت في لبس المرأة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ترخي شبرا ) فماذا قالت رضي الله عنها ؟ ( قالت إذاً تنكشف أقدامهن ، فقال ذراعا لا يزدن عليه )

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث يدل على أن ذيل المرأة إذا مس الأرض النجسة فمرت بأرض طاهرة فإن مرورها بتلك الأرض الطاهرة كافٍ في تنظيف ما تلوث من ذيلها من ذلك المكان القذر .

لو قال قائل : ماذا يقول من لا يرى تطهير النجاسة إلا بالماء عن هذا الحديث ؟

الجواب / قالوا إن هذا الحديث هو مرور المرأة بذيلها على الأرض النجسة اليابسة التي لا يعلق قذر بثوبها .

والجواب عن هذا التوجيه : أن يقال كيف يخرج الشيء المعتاد ويسلَّط الحكم على شيء غير معتاد ، لأن المعتاد أن الذي يعلق بالثوب النجاسة الرطبة وليست اليابسة ، فكيف تخرجون الرطب المعتاد ؟

ولكن ليتنبه لأمر ذكره الإمام أحمد رحمه الله وهو ” أن الحكم متعلق بالنجاسة التي تمر المرأة بذيلها على الأرض ثم تمر بالأرض الطيبة الطاهرة ، أما لو أصاب ثوبها شيء من النجاسة من غير الأرض فمرت بذيلها المصاب بهذه النجاسة على أرض طيبة ، فإن هذا الحكم لا يدخل ” لأن الشرع أراد أن يرفع الحرج عن الناس ، فإذا أصاب الثوب نجاسة من غير نجاسة الأرض فلا يجزئ في تطهيرها إلا الماء .

حديث رقم -384-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا ثنا زهير ثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت : يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا ؟

قال أليس بعدها طريق هي أطيب منها قالت قلت بلى قال فهذه بهذه )

من الفوائد :

أن هذا الحديث يؤكد ما قررناه ، من أن الحديث السابق ينصب على النجاسة المعتادة وهي الرطبة ، لأن هذا الحديث بين أنها أرض منتنة وتصاب بالمطر ، فإذا نزل عليها المطر وهي أرض منتنة تكون رطبة ، فدل على أن النجاسة اليابسة لا حكم لها إذا لم تلوث الثوب ، ولذلك ذكرنا ضابطا ذكره الفقهاء وهو [ جاف على جاف طاهر بلا خلاف ]

مثاله : ثوب يابس مر على نجاسة يابسة فهذا الثوب طاهر ، وهذا الحديث دليل لهذا الضابط ، لأنها قالت ( أرض منتنة فماذا نفعل إذا أصابها المطر ؟ )  فلما ذكرت المطر دل على أن الحكم ينصب على الرطب لا على اليابس .

ومن الفوائد :

أن أفعل التفضيل لا يدل على أن المفضل عليه يكون متصفا بتلك الصفة التي في المُفَضل ، ولكن الأصل في أفعل التفضيل أن المفضل عليه فيه صفة مثل صفة المفضل .

مثال :”  محمد صلى الله عليه وسلم أشرف المرسلين ” إذاً الرسل عليهم الصلاة والسلام شرفاء ، لكن فاقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصفة ، هذا هو الأصل في أفعل التفضيل .

لكن أحيانا يخلو المفضل عليه من الصفة كما في هذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم ( أليس بعدها أرض أطيب منها ) أطيب هنا بمعنى الطيب ، فالأرض التي قبلها ليس فيها طيب ، لأنها أرض قذرة ، فلو أبقينا أفعل التفضيل على ما هو عليه صار في الحديث تناقض كبير.

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( هذه بهذه ) فدل هذا على تنويع العبارة ، لأن المشهور عندنا ( هذا بتلك ) لكن جاءت السنة ( هذه بهذه ) كما في هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( طريق ) تؤنث وتذكر ، تقول ” هذه طريق ” وتقول ” هذا طريق ” .

باب في الأذى يصيب النعل

حديث رقم -385-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن حنبل ثنا أبو المغيرة ح وثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي ح وثنا محمود بن خالد ثنا عمر يعني بن عبد الواحد عن الأوزاعي المعنى قال أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور )

من الفوائد :

أن الشريعة يسرت في هذا الجانب ، فإن من وطئ بنعله الأرض يكون تطهيرها بالدلك ، تدلك بالتراب ، إذاً لو أصاب النعل شيء من النجاسة من غير الأرض فالواجب الغسل .

ومن الفوائد :

فيه تأكيد لما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من أن يسير النجاسة معفى عنه ، لأن النعل إذا وطئت الأذى فدلكت بالتراب لا شك أنه سيبقى أثر ، ومثل ذلك ذيل المرأة ، فمثل هذا الأذى يعفى عنه .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث لا يدل على إباحة إلقاء الأذى في الأرض ، أو التغوط والتبول في طريق الناس ، وإنما لو حصل مثل هذا فعليه أن يدلك نعليه بالتراب ، لأن الأحاديث الأخرى حرمت هذا الفعل .

حديث رقم -386-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير يعني الصنعاني عن الأوزاعي عن بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال ” إذا وطىء الأذى بخفيه فطهورهما التراب ” )

من الفوائد :

هذا الحديث في الخف ، والحديث السابق في النعل ، والخف ما صنع من الجلد ، وقد قال ابن القيم رحمه الله ” ولا يضر بقاء شيء من النجاسة في الخف بعد دلكها في الأرض “

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لمن قال إن الخف المشقق يجوز المسح عليه ، بخلاف من منع ذلك كما اشتهر عند فقهاء الحنابلة ، ووجه الدلالة أن هناك طائفة من الصحابة رضي الله عنهم لا يلبسون إلا الخفاف ، ومعلوم أن السير على الخفاف المصنوعة من الجلد لا تخلو من كثرة المرور والسير  ومن ثم فلا تخلو من الخروق ، فلم يكونوا يتورعون عن المسح عليها ولم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح عليها

حديث رقم -387-

( صحيح ) حدثنا محمود بن خالد ثنا محمد يعني بن عائذ حدثني يحيى يعني بن حمزة عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد أخبرني أيضا سعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : بمعناه .