تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس السادس والستون
حديث 486
( 1 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد )
حديث رقم – 486-
( صحيح ) حدثنا عيسى بن حماد ثنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول : دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم فقلنا له هذا الأبيض المتكئ فقال له الرجل يا بن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال له الرجل يا محمد إني سائلك وساق الحديث )
( من الفوائد )
” أن هذا الحديث دليل لمن قال من العلماء :
والمسألة خلافية : لأن هذا الحديث يعارض من حيث الظاهر ، وإلا فلا تعارض بين النصوص الشرعية ، لأنها :{ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }النمل6
{ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ }النساء78 ، فلا يكون فيه تناقض ، ولكن التعارض من حيث الظاهر يرجع إلينا نحن ، إما لقصور في أفهامنا ، أو لتقصيرنا في البحث عن الجمع بين النصوص .
هذا الحديث يعارض من حيث الظاهر بقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }التوبة28
فاختلف أهل العلم :
قال بعض العلماء : إنه لا يجوز للمشرك أن يدخل جميع المساجد لأي غرض من الأغراض ، لا المسجد الحرام ولا سائر المساجد .
واستدلوا بقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }التوبة28
ثانيا : قول الله عز وجل :
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ }النور36
وليس من رفعها وتعظيمها أن يمكن المشرك من دخولها .
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا القذر )
ومعلوم أن المشرك لا يسلم من الأقذار .
رابعا : أن الحائض والجنب إذا نهيا عن المكث في المسجد فمن باب أولى أن يكون المشرك .
ودليلهم / الأخذ بالآية وبحديث الباب ، فإن هذا الرجل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك في قصة ثمامة بن أثال لما ربطه الصحابة في سارية من سواري المسجد قبل أن يسلم .
القول الثالث / أنه يجوز في الجميع للحاجة ، سواء في المسجد الحرام أو المساجد الأخرى .
القول الرابع / من يخصص اليهود والنصارى ، قالوا لهم الحق أن يدخلوا المساجد ، أم من سواهم فلا .
والصواب / أنه لا يجوز أن يمكن المشرك من دخول الحرم ، ومن باب أولى المسجد الحرام ، أما المساجد الأخرى فإنه لا يجوز أن يمكنوا إلا إذا كانت هناك حاجة ، كإصلاح شيء في المساجد لا يتمكن مسلم أو ينعدم وجود مسلم لإصلاح هذا الشيء .
وبالنسبة إلى المسجد النبوي لا إشكال في ذلك ، لكن المسجد الحرام فلا يجوز أن يمكَّن مشرك من الدخول فيه إلا عند الضرورة .
( ومن الفوائد )
أن ظاهر هذا الحديث أن هذا الرجل وهو “ضمام بن ثعلبة ” ظاهره أنه أدخل جمله في المسجد .
لكن أتت الرواية التي تلي هذا الحديث مبينة أنه ( عقله خارج المسجد )
لكن هل يجوز أن يدخل بالجمل أو بالبهائم مأكولة اللحم ، أيجوز أن يدخل بها في المسجد ؟
الجواب / نعم ، والدليل ( طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبعير في المسجد الحرام )
لكن هذا إذا أمن من أن يحصل تلويث من هذه الدواب للمسجد .
( ومن الفوائد )
بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم على الالتفاف حول النبي صلى الله عليه وسلم “ حتى كان ( بين ظهرانيهم ) والألف والنون هنا زائدة ، ولذلك يصح أن تقول ( بين أظهرهم )
ففي اللغة العربية : ( بين ظهرانيهم ) أو ( بين أظهرهم ) يعني أنهم عن يمينه وعن شماله ، لكن توسع في هذا الباب من حيث اللغة فأطلقت هذه اللفظة على من جلس في القوم ، فكل من جلس في القوم يقال ” جلس بين ظهرانيهم “
وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على الإقبال على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إنه عليه الصلاة والسلام ما كان يعرف من قِبل الغريب إذا دخل وهو جالس بين أصحابه – عليه الصلاة والسلام – .
جاء عند أبي داود :
( أشار بعض الصحابة عليه صلى الله عليه وسلم أن يجعل له مكانا بارزا من أجل أنه إذا أتى الغريب أنه يعرف أنه الرسول صلى الله عليه وسلم )
ولذلك هنا ، قال ( أيكم محمد ؟ )
( ومن الفوائد )
بيان ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق الرفيع “
فإن هذا الرجل في ظاهر كلامه أنه لم يوقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التوقير ، حتى قال بعض العلماء إنه عليه الصلاة والسلام قال :
( قد أجبتك ) كأنه كره طريقته في السؤال .
لكن مع هذا عليه الصلاة والسلام لم يعنفه ، وهذا مما يجب على المسلمين أن يتأسوا به فإن المسلمين بمثابة الأطباء للناس ، ولاسيما طلاب العلم ، فإنه إذا لم يصبر على أذية من يؤذيه إما بقول وإما بفعل فأين الفرق بينه وبين غيره ؟ وأين ما حمله من علم حرم منه غيره ؟
ولذا كلما علت مرتبة الإنسان من حيث العلم ، كلما كان في نفسه أكثر طمأنينة ورفقا .
( ومن الفوائد )
” أن قوله ( أجبتك ) يعني ” سمعتك ” لأنه لم يجبه ، مما يدل على أن الإجابة تتضمن السماع ، فمن لوازم الإجابة ” السماع ” فعبَّر باللازم عن الملزوم ، وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية .
( ومن الفوائد )
أنه نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جده الكافر “
ولذا قال بعض العلماء : إن قوله صلى الله عليه وسلم ( قد أجبتك ) كأن كره أن ينسبه إلى جده .
لكن هذا فيه ما فيه ، لم ؟
لأنه صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين قال :
( أن النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )
وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى .