تعليقات على سنن الترمذي ( 17 ) من حديث ( 270-278)

تعليقات على سنن الترمذي ( 17 ) من حديث ( 270-278)

مشاهدات: 446

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس السابع عشر

من حديث 270-278

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف

حديث رقم – 270-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا فليح بن سليمان حدثني عباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي :   أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه )

من الفوائد :

أن السجود يشترط فيه أن يكون على الأعضاء السبعة ، ومن بين هذه الأعضاء السبعة الجبهة والأنف ، فيكون هذا الحديث فيه رد لما ذهب إليه بعض العلماء من أن أحدهما يجزئ عن الآخر، فلو سجد على أنفه دون جبهته صح سجوده، وإن اقتصر على السجود على الجبهة دون الأنف صح سجوده .

وكذلك فيه رد لمن قال لو سجد على الجبهة فقط ، لأن القول الأول يقولون هو بالخيار ، أهم شيء أن يسجد على أحدهما ، أما هذا القول فيشترطون أن يكون السجود على الجبهة ولا يشترطون أن يكون السجود على الأنف .

ولكن الصواب كما أوضحنا أنه لابد من السجود على الجبهة وعلى الأنف ، لو أنه ترك أحدهما لم يصح سجوده .

ومن الفوائد :

أن السنة في السجود أن يجافي عن عضديه بحيث يظهر إبطاه ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يشفقون عليه من شدة مجافاته في السجود ، وهذا من السنة ، لأن المجافاة تدل على أن هناك رغبة في الصلاة ، بينما لو انكمش فإن فيه علامة على كسله ، وعلى عدم رغبته في السجود .

ومن الفوائد :

أن السنة في السجود أن يضع كفيه حذو منكبيه ، فتكون الكفان على الأرض ولكن أين موضعهما ؟ حذو المكبين ، ولذلك من ذهب إلى أن رفع اليدين عند الافتتاح للصلاة عند التكبير حذو المنكبين يذهب إلى هذا القول ، من أنه يجعل كفيه حذو منكبيه .

باب ما جاء أين يضع الرجل وجهه إذا سجد ؟

حديث رقم – 271-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا حفص بن غياث عن الحجاج عن أبي إسحاق قال قلت للبراء بن عازب :   أين كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع وجهه إذا سجد ؟ فقال بين كفيه )

من الفوائد :

أنه ذكر صفة أخرى لوضع اليدين في السجود ، ففي الحديث الأول أوضح أن الكفين تكونان حذو المنكبين ، أما هنا فإنهما تكونان عند الأذنين بحيث يكون الرأس بينهما ، ولذا من ذهب من العلماء إلى استحباب رفع اليدين عند الأذنين عند افتتاح الصلاة يذهب إلى استحباب هذه الصفة دون غيرها في حالة السجود .

ولكن الصواب أنهما صفتان واردتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفعل ذلك مرة ويفعل تلك مرة أخرى .

فخلص من هذا الحديث ومن الحديث السابق إلى أن الكفين أين موضعهما في السجود ؟

أن تكون حذو المنكبين أو أن تكون عند الأذنين بحيث يكون الرأس بينهما .

باب ما جاء في السجود على السبعة أعضاء

حديث رقم – 272

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه )

من الفوائد :

أن ( الآراب ) هي الأعضاء ، كما بينت ذلك الروايات الأخرى .

ومن الفوائد :

أن العبد يلزمه أن يسجد على سبعة أعضاء ، ما هي ؟

[ الكفان – والركبتان – والقدمان – والجبهة وأشار إلى الأنف ] فيكون الأنف تابعا للجبهة من حيث الحكم الشرعي ، لا من حيث الحس والواقع ، فإن الأنف يختلف من حيث الواقع يختلف عن الجبهة ، لكن من حيث الحكم الشرعي فإن الأنف يكون تابعا في الحكم للجبهة .

ومن الفوائد :

قال بعض العلماء : إن لم يسجد على العضو كله إنما سجد على بعضه كفى ، فلو سجد على أطراف أصابع الكفين أجزأه ذلك ، ولكن الصواب التعميم ، لأن الحديث عمم ، فلابد أن يكون العضو كله في محل السجود .

ومن الفوائد :

أن هناك رواية وردت بالأمر ، يعني أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسجود على هذه الأعضاء السبعة .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث أتى بصيغة الخبر ويراد منه الطلب ، يعني يراد منه الأمر ، فكأنه أمر متحتم على العبد أن يفعله وليس له فيه خيار كأنه واقع ، وإلا فالأصل أنه يراد منه الأمر .

حديث رقم – 273-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال :   أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم ولا يكف شعره ولا ثيابه )

من الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بالسجود على الأعضاء السبعة ، ولم يذكر الفاعل للعلم به ، لأن الآمر للنبي صلى الله عليه وسلم معلوم أنه الله عز وجل كما قال تعالى {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ }الأنبياء37 ،أُبهم الفاعل ، يعني خلق الله الإنسان من عجل ، لأن الخالق هو الله سبحانه وتعالى ، وهذه من فوائد حذف الفاعل ، أن الفاعل معلوم فلا يحتاج إلى ذكره .

ومن الفوائد :

أن الأمر يدل على الوجوب ، فدل على أن هذا أمر واجب .

ومن الفوائد :

أن المصلي منهي عن أن يكف شعره وثوبه حال الصلاة ، وهذا شامل لما قبل الصلاة وفي أثناء الصلاة ، لا كما قال بعض العلماء أن النهي إذا فعل ذلك قبل أن يدخل في الصلاة ، بل الصحيح أنه لا يكف شعره ولا ثوبه لا قبل الدخول في الصلاة ولا في ثنايا الصلاة ، لم ؟

قال بعض العلماء : لأن هذا الفعل فعل المتكبرين .

وقال بعض العلماء : لأن مثل هذه الأشياء من الثوب والشعر يسجد مع العبد فيكون شاهدا له .

وكف الثوب : أن يكمم ثوبه ، كأن يرفع ثوبه عند وسطه ثم يربط الثوب ، أو كما يفعل بعض الناس حينما يفرغ من الوضوء فهو يرفع أكمامه لغسل يديه ثم يدع هذه الأكمام فيدخل في الصلاة على هذه الحال ،هذا من الكف المنهي عنه ، وكذلك الحال في الشعر ، فلا يربط شعره إذا دخل في الصلاة بل يجعله مسترسلا ، وسيأتي لهذه المسألة مزيد كلام إن شاء الله في موضعه .

باب ما جاء في التجافي في السجود

حديث رقم – 274-

( صحيح ) حدثنا أبو كريب حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود بن قيس عن عبيد الله بن عبد الله بن الأقرم الخزاعي عن أبيه قال :   كنت مع أبي بالقاع من نمرة فمرت ركبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي قال فكنت انظر إلى عفرتي أبطيه إذا سجد أي بياضه )

من الفوائد :

أن هذه الصلاة وقعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في نمرة التي هي قرب عرفة ، في موضع منبسط من الأرض .

ومن الفوائد :

أن السنة في السجود أن يجافي مجافاة بالغة ، هذا إذا كان منفردا أو كان إماما ، وكذلك الشأن إذا كان مأموما شريطة ألا يؤذي من عن يمينه ومن عن شماله ، فلا يطلب سنة في مقابل أذية من حوله .

ومن الفوائد :

أن ( العفرة ) المقصود منها اللون الأبيض غير الخالص ، ويشبهونه بلون الأرض ، فإن الأرض بيضاء لكنها ليست ناصعة البياض ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق القربان ( دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ) يعني دم يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من ذبيحة لونها أعفر خير من أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذبيحتين لونهما أسود  ، وفي كل خير ، لكن العفراء أفضل .

باب ما جاء في الاعتدال في السجود

حديث رقم – 275-

( صحيح )  حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب )

من الفوائد :

أن الاعتدال في السجود مطلوب من العبد ، فإنه لما كانت السنة أن يجافي لا يعني أنه يبالغ مبالغة يصل إلى حد المنبطح ، ثم في المقابل لا ينكمش انكماشا بالغا ينبئ عن كسله ، وإنما يكون معتدلا بحيث يرفع ذراعيه عن الأرض ويرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، هذا هو الاعتدال في السجود ، ولذا أشار إلى ما يخالف الاعتدال ولا تحصل معه  مجافاة أن يفترش افتراش الكلب ، وذلك أن يضع ذراعيه على الأرض .

ومن الفوائد :

أن هذا الافتراش محرم فعله ، خلافا لما اشتهر عند الحنابلة من أنه مكروه ، فوجه تحريمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه الافتراش بافتراش الكلب ، وهذا في مقام الذم ، ثم إن النهي واضح ، لأن النهي في الأصل يقتضي التحريم .

حديث رقم – 276

( صحيح )  حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب )

من الفوائد :

أنه  بين أن الافتراش هو البسط ، وأن البسط هو الافتراش ، فإن الروايات يوضح بعضها بعضا ، فلو سئلت عن البسط ؟ فقل هو الافتراش ، وإن قيل ما الافتراش ؟ فهو البسط .

باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود

حديث رقم – 277-

( حسن ) حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه :   أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع اليدين ونصب القدمين )

حديث رقم – 278-

( حسن بما قبله ) قال عبد الله وقال معلى بن أسد حدثنا حماد بن مسعدة عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد :   أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع اليدين فذكر نحوه )

من الفوائد :

أن العبد مأمور برفع كفيه عن الأرض ، ففيه تأكيد لما سبق من أنه لا يفترش افتراش الكلب في سجوده ، لأن عدم الافتراش يدل كما سلف يدل على النشاط ، كذلك عليه أن ينصب قدمه ، فإن نصب القدمين يدل على حرص العبد على السجود وعلى رغبته في السجود ، ونصب القدمين أن يرفعهما بحيث تكون أطراف الأصابع على الأرض .

ومن الفوائد :

أن اليدين إذا أطلقتا في النصوص الشرعية دون تقييد فالمقصود الكفان ، إذ لو كان المقصود اليد كلها لكانت هناك مناقضة بين هذا الحديث والأحاديث التي قبله .