تعليقات على سنن الترمذي ( 34 ) حديث ( 330 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 34 ) حديث ( 330 )

مشاهدات: 496

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الرابع والثلاثون

حديث  330-

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل  

حديث رقم – 330 –

( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها ، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ما لم يحدث ”

فقال رجل من حضرموت وما الحدث يأبا هريرة ؟ قال فساء أو ضراط )

قال وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن مسعود وسهل بن سعد قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح 

من الفوائد :

فضل من انتظر الصلاة وأنه يكون في صلاة بمعنى أنه ينال ثوابها، لا أنه يكون في حكمها ، فإن من جلس وانتظر الصلاة لا يلزم ما يلزم به المصلي داخل الصلاة ، وإنما المقصود أنه ينال صواب المصلي .

ومن الفوائد :

أن فضل الله عز وجل كبير ، لأن كلمة ( لا يزال ) تدل على الاستمرار ، فإذا مازال العبد في انتظار الصلاة فإن ثواب الله عز وجل يتصبب عليه ، ولذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي ( ما من مسلم يدعو بدعة إلا استجاب الله له ، قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله إذاً نكثر ، فقال صلى الله عليه وسلم الله أكثر ) فلا ينقطع عطاؤه جل وعلا .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث يدل على معناه أحاديث كثيرة ، من بينها قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله ) فذكر منها ( وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط )

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ( إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة تغسل الخطايا غسلا )

ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ذات يوم إلى شطر الليل ، فقال عليه الصلاة والسلام ( ما زلتم في صلاة منذ انتظرتموها )

ومن الفوائد :

أن انتظار الصلاة طريق بإذن الله تعالى إلى أن يصدق عليه ما جاء في الصحيحين ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ذكر منهم ( رجل قلبه معلق بالمساجد )

والمتأمل والمطبق يجد أن المكث في المساجد لانتظار الصلاة يزيد به الإيمان إضافة إلى ما ذكر من ثواب ، كيف لا وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( المسجد بيت كل تقي ) فيشعر المنتظر للصلاة في المسجد بروحانية وإيمان وخير

ومن الفوائد :

أن المنتظر للصلاة ينال صلاة الملائكة ، من هم هؤلاء الملائكة ؟ أهم الملائكة السيَّارون الذي يسيرون ويبحثون عن مجالس الخير ؟ أم أنهم الحفظة ؟ أم أنهم أعم من ذلك ؟

كل ذلك محتمل ، ويكفي في ذلك أن بعضا من الملائكة تصلي عليك .

ومن الفوائد :

أن صلاة الملائكة مفسرة هنا ( اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ) فصلاة الله على العبد الأقرب من أقوال العلماء أنها ثناء الله عز وجل على عبده .

وأما صلاة الملائكة على العبد فهي الاستغفار ، كما دل على هذا الحديث هنا ، وكذلك قوله تعالى { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا }غافر7 .

وأما صلاة العبد على العبد ، فإنها بمعنى الدعاء ، قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } التوبة103، يعني ادع لهم .

ومن الفوائد :

أن المغفرة قدمت على الرحمة ، وهذا ما يسمى عند العلماء بـ [ التخلية قبل التحلية ] لأن المغفرة إذا اجتمعت مع الرحمة انفردت كل كلمة بمعنى آخر، بينما إذا انفردت إحداهما بالذكر فإن المغفرة تدخل فيها الرحمة والرحمة تدخل فيها المغفرة ، لكن إذا اجتمعتا كما هنا فالمغفرة هي إزالة الذنب ، والرحمة هي حصول الخير ، فيكرم العبد بأمرين :

أن الله سبحانه وتعالى يزيل أوساخه وأدرانه من الذنوب ، إذا خلا منها حلي بالخير عن طريق الرحمة ، وهذا معنى قولهم [ التخلية قبل التحلية ]

ومن الفوائد :

ان هذا الدعاء من الملائكة مربوط ببقاء المصلي في المسجد ، إذاً لو فرغ من الصلاة فانتقل من مكانه إلى مكان آخر من المسجد ينال هذا الخير ، لأن كلمة ( المسجد ) تشمل الموضع الذي صلى فيه والموضع الذي انتقل إليه منه .

ولكن يشكل على هذا رواية البخاري وهي قوله ( ما دام في مصلاه الذي صلى فيه )

فكأن هذا الثواب باقٍ ببقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه

والذي يظهر أن بقاءه في مكانه الذي صلى فيه أفضل ، ولكن لو انتقل لا يعدم هذا الخير ، لما مر معنا حديث ( إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة تغسل الخطايا غسلا ) ولم يذكر المكان الذي صلى فيه ، وكذلك ما أوردناه من أحاديث أخرى ، فيكون قوله ( ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ) على وجه العموم لا المكان الذي سجد فيه ، لاسيما وأن فضله عز وجل واسع إضافة إلى ما يعضد هذا القول من أحاديث أخرى عامة ، ويؤكد هذا أن هناك قاعدة عند الأصوليين تقول [ إذا خصص أحد أفراد العام بذكر دون بقية الأفراد الأخرى فلا يدل على التخصيص وإنما يدل على الاهتمام والفضل ]

مثاله : لو قال شخص ” أكرم الطلاب ” فالإكرام يعمل الطلاب ، ثم قال ” أكرم زيدا ” وزيد من الطلاب ، أقوله ” أكرم زيدا ” يمنع إكرام بقية الطلبة ؟ الجواب لا ، وإنما يدل على الاهتمام بزيد وبيان فضله .

وكذلك هنا أليس المصلى الذي هو موضع السجود من المسجد أليس من المسجد ؟ بلى ، فرواية ذكرت المسجد ورواية ذكرت المصلى .

ومن الفوائد :

أن هذا الثواب وهو دعاء الملائكة ينقطع بأمرين :

إما بخروجه من المسجد ، وإما بالحدث والأذية ، كما جاءت رواية أخرى ( ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه ) كما في الصحيحين ، فالأذية تشمل الأذية بالقول وبالفعل ، فإذا آذى غيره أو آذى المسجد مثلا بفعل لا يليق بالمسجد انتفى عنه هذا الفضل ، وكذلك إذا أحدث ، ما هو الحديث الذي أطلق في رواية الصحيحين ؟ أهو الابتداع  ؟ أهو الحدث الذي ينقض الوضوء ؟

لما كان الحدث محتملا لهذا أو لهذا أتى السائل فسأل ،قال ( وما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال فساء أو ضراط )

فإذاً قوله في الصحيحين ( ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه ) تبينه هذه الرواية وما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال فساء أو ضراط ) لدلالة رواية الترمذي رحمه الله .

ومن الفوائد :

أن الحدث يكون إما بخروج ريح من غير صوت فيكون فساءً  وإما أن يكون بصوت فيكون ضراطاً ، فدل هذا على أن الريح متى ما خرجت على أي طريقة خرجت فإنها ناقضة للوضوء .

ومن الفوائد :

بيان فضل بقاء المسلم على وضوء ، فإنه إذا انتقض وضوؤه حجب عنه هذا الدعاء من الملائكة ، وحري بدعاء الملائكة أن يستجاب ، لأنهم عباد مكرمون  لا يعصون الله عز وجل .

ومن الفوائد :

أن الملائكة لهم أعمال ، وأعمالهم متنوعة بحسب ما أقدرهم الله عز وجل عليه وأراده منهم .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء إن صالحي البشر أفضل من الملائكة ، ووجه الاستدلال أن الملائكة يدعو لهؤلاء الصالحين ، ومسألة أفضلية الملائكة على صالحي البشر أو صالحي البشر على الملائكة مسألة متنازع فيها ، ولكل من الرأيين أدلة ، وهي كما قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ” من فضول العلم ” لأنه لا يترتب على معرفة الراجح منهما مزيد عمل وعبادة على المسلم .

وهناك رأي يمكن أن يجمع بين القولين وهو منسوب لشيخ الإسلام رحمه الله من أن الملائكة أفضل باعتبار الحال لا باعتبار المآل ، فباعتبار حال البشر في الدنيا فإن الملائكة أفضل ، لأنهم لا يعصون الله عز وجل مطلقا ، وأما باعتبار المآل فصالحي البشر أفضل ، لم ؟ لأن الملائكة يوم القيامة يحتفون بصالح البشر في الجنة ويقومون على شؤونهم كما دلت على ذلك الأدلة منها { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24}

ولتعلم أن أكثر الأدلة التي استدل بها من قال إن صالح البشر أفضل من الملائكة قلبت عليهم من قبل من يقول إن الملائكة أفضل من صالح البشر ، ولعل قول شيخ الإسلام هو الأقرب

ومن الفوائد :

أن على طالب العلم ألا يأنف من أي سؤال يستفيد منه أو يستفيد منه إخوانه المسلمون ، فإن هذا الرجل سأل عن الحدث فأجابه أبو هريرة رضي الله عنه بجواب صريح حتى لا يحتمل معنى آخر ، فقال ( فساء أو ضراط )

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء حرَّم الضراط والفساء في المسجد متعللا بأنه يحرم من هذا الدعاء من الملائكة ، هذا إذا كان قادرا يمكن أن يكون وجه قوله رحمه الله إذا كان قادرا على إمساكه حتى يخرج من المسجد ، أما إذا سبقه فلا يمكن أن يدخل ضمن هذا القول ، لكن لو كان قادرا على أن يحصل حدثه خارج المسجد فيقول بعض العلماء يحرم عليه .

والأقرب أنه لا يحرم عليه ، لأنه لا دليل على ما ذُكر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن فعل الشيطان لابن آدم، لما سئل كما في حديث أبي هريرة وغيره ( الرجل يشكل عليه هل خرج منه شيء أو لا ، قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وهذا عام ، سواء كان في صلاة في المسجد أو في غيره ، سواء سبقه الحدث أو لم يسبقه .