تعليقات على سنن الترمذي ( 49 ) من حديث ( 361 ) الجزء الأول

تعليقات على سنن الترمذي ( 49 ) من حديث ( 361 ) الجزء الأول

مشاهدات: 507

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس التاسع  والأربعون 

حديث 361 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا

حديث رقم – 361

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش فصلى بنا قاعدا فصلينا معه قعودا ثم انصرف فقال :   إنما الإمام أو إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ” )

قال : وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وجابر وبن عمر ومعاوية قال أبو عيسى وحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش حديث حسن صحيح وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث منهم جابر بن عبد الله وأسيد بن حضير وأبو هريرة وغيرهم وبهذا الحديث يقول أحمد وإسحاق .

وقال بعض أهل العلم إذا صلى الإمام جالسا لم يصل من خلفه إلا قياما فإن صلوا قعودا لم تجزهم وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبن المبارك والشافعي .

من الفوائد :

أن الرسول عليه الصلاة والسلام سقط من الفرس فجُحِش شقه ، ومعنى هذا أنه قُشِر جلده الأيمن وجاء في رواية أن كتفه جحش ، فبوقوعه عليه الصلاة والسلام أصيب في شقه الأيمن فانقشر جلد هذا الشق .

وجاء حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم (سقط من فرسه على جذع نخلة فانفكت قدمه ) فحمل ذلك ابن حجر رحمه الله على تعدد القصتين ، فيكون وقوعه عليه الصلاة والسلام من الفرس مرتين .

وهذا الوقوع الذي حصل منه التأثر يدل دلالة واضحة على أنه عليه الصلاة والسلام بشر يصيبه ما يصيب البشر ، لا لذنب وإنما لرفعة الدرجة ، كما كان يوعك كما يوعك الرجلان ، وكما شدد عليه في سكرات الموت ، وكما أصيب بالسحر كما مر معنا في توجيه سحره عليه الصلاة والسلام في كتاب التوحيد ، وأن هذا لطبيعته البشرية ، فهو لا يختلف عن البشر إلا أن الله عز وجل أوحى إليه بالرسالة وأعطاه من الصفات الحميدة أعظمها وأكثرها من بين المخلوقين .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء إن الإمام إذا صلى قاعدا لعذر فإن من خلفه يصلون خلفه قعودا ولو كانوا قادرين على القيام ، ولكن هل هذا القعود الذي أمر به هؤلاء المأمومون على سبيل الوجوب أم على سبيل الندب ؟

قال بعض العلماء : إنه على سبيل الوجوب .

ويشكل هذا الحديث أن هناك حديثا آخر وهو( أن الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس صلاة الظهر، فوجد عليه الصلاة والسلام خفة ، فأتي به يهادى حتى أجلس عليه الصلاة والسلام عن يسار أبي بكر ، فصلى قاعدا وكان أبو بكر يصلي قائما ومن خلفه عليه الصلاة والسلام يصلون قياما )

إذاً هذا الحديث الذي معنا يأمر المأمومين إذا صلى الإمام قاعدا لعذر أن يصلوا خلفه قعودا ، والحديث الآخر الذي في مرض موته عليه الصلاة والسلام فيه بيان أنهم صلوا خلفه قياما ، ولذلك الحديث قال من قال من العلماء – وهو القول الثاني – قال يجب على المأمومين إذا صلى الإمام قاعدا أن يصلوا قياما ، فإذا صلوا جلوسا فإن صلاتهم باطلة .

القول الثالث : أن الصلاة خلف الإمام والناس قعود على سبيل الندب جمعا بين الحديثين ، هو أمرهم في هذا الحديث بالقعود، وصلوا خلفه عليه الصلاة والسلام في مرض موته قياما ، فيحمل هذا الأمر على الندب ، ويحمل فعلهم في مرض موته عليه الصلاة والسلام على الجواز ،إذاً ليس بواجب ، فالإنسان مخير ، لكن الأفضل أن يصلي قاعدا ، فإن خالف فصلى قائما فلا حرج عليه .

القول الرابع : أن هذا الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا صلى قاعدا فإن من خلفه يصلون قعودا ، أما ما عداه عليه الصلاة والسلام فلا ، بمعنى أنهم يصلون قياما .

القول الخامس : وهو قول للإمام أحمد ورجحه جمعا بين الأدلة ، قال ” إن ابتدأ الإمام الصلاة وهو قاعد لزم من خلفه أن يصلوا قعودا ، وإن ابتدأ الصلاة قائما ثم طرأ عليه عذر أجلسه فيصلون قياما ، لم ؟ لأن أبا بكر رضي الله عنه ابتدأ الصلاة بهم وهو قائم ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى قاعدا ، فبقي الناس على ما هم عليه ، وهذا رأي للإمام أحمد رحمه الله، لكن اشترط –كما هو المشهور من المذهب – اشترط أن يكون هذا الإمام هو الإمام الراتب ، وأن تكون علته يرجى زوالها ، فهذان شرطان ، وإما إذا لم يكن إماما راتبا فلا يأخذ هذا الحكم ، فمعنى أنهم يصلون خلفه قياما ، وكذلك لو كان إماما راتبا ولكن علته لا يرجى زوالها بحسب كلام الأطباء ، فيقولون يصلون خلفه قياما ، لم ؟ لأنهم لو صلوا خلفه قعودا ظلوا على ما هم عليه طيلة حياتهم يصلون قعودا فيسقطون ركنا .

هذه هي الأقوال ، نأتي إلى أدلة القول الأول :

القول الأول : أن المأمومين يصلون قعودا إذا صلى الإمام بهم قاعدا ودليهم حديث أنس الذي معنا ، وأكد ذلك ( بأن الإمام إنما جعل ليؤتم به ) وذكر أمثلة مما يؤتم به ، قال ( فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ) فـ ( أجمعون ) تأكيد لـ ( واو الجماعة ) في قوله ( فصلوا ) ومعلوم أن ( واو الجماعة ) هنا في محل رفع فاعل ، والتأكيد يأخذ حكم المؤَكَد ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( لما صلى قاعدا فصلى من خلفه قائما ، أشار إليهم ، فقال إن كنتم تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم ) فذكر العلة وهي أن صلاتهم خلفه وهم قيام وهو قاعد يشبه فعل الأعاجم .

 

 

أدلة القول الثاني :

القول الثاني أنهم يصلون قياما على وجه الإطلاق ، إذا صلى إمامهم قاعدا ، ودليهم ما جرى في مرض موته عليه الصلاة والسلام إذ أجلس على يسار أبي بكر رضي الله عنه .

وكونه يجلس عن يسار أبي بكر يدل على أنه هو الإمام ، وفيه رد على القرطبي رحمه الله الذي قال إن موضع النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر لا يدرى أهو عن يمينه أم عن يساره ، وهذا يدل على أن ابن آدم مهما بلغ من العلم فإنه يخفى عليه ما هو واضح في الصحيح .

فيكون عليه الصلاة والسلام هو الإمام ، فلو كان مأموما لجلس عن يمينه أو لجلس مع الناس في الصف .

وقد اختلفت الروايات هل كان الإمام أبا بكر أم كان الإمام الرسول عليه الصلاة والسلام ، في سنن النسائي وغيره ( أن الإمام هو أبو بكر ) وفي رواية أخرى ( أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم )

فهذه الروايات اختلف العلماء كما قال ابن حجر رحمه الله فقال بعض العلماء : إن أبا بكر كان هو الإمام .

وقال بعض العلماء : إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام .

وقال بعض العلماء : بالجمع بين الروايات فقال بتعدد القصة ، فمرة حصل ما حصل فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام ومرة حصل ما حصل فكان أبو بكر رضي الله عنه هو الإمام ، قال رحمه الله وأقرب الأقوال أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام وأن أبا بكر رضي الله عنه كان مأموما ، ويدل لذلك ما جاء عند مسلم ( يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع من خلفه التكبير ) يعني أن أبا بكر كان لصريح هذا الحديث عند مسلم كان يقتدي برسول الله عليه الصلاة والسلام ويبلغ لضعف صوت النبي صلى الله عليه وسلم من شدة المرض ، يبلغ تكبيره لمن خلفه .

فتكون الرواية الأخرى شاذة لأن القصة واحدة وأن الإمام هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، فما عند مسلم يضعف ما سواها من الروايات .

فإذا قلنا لهم ماذا ترون في حديث أنس الذي أمر بالقعود ؟

قالوا إنه منسوخ ، ما وجه النسخ ؟

قالوا لأن الصلاة خلفه من الصحابة وهم قيام كان في آخر حياته فيكون ناسخا ، فعلمنا المتقدم من المتأخر .

ولكن يرد عليهم : من أن الجمع ممكن كما قال الإمام أحمد رحمه الله ، وكما قال غيره من أن القعود على وجه الاستحباب .

ثم لو قلنا بالنسخ لترتب على ذلك أن يحصل النسخ مرتين ، ولا دليل ، كيف ؟

لأن الأصل أن يصلي المصلي قائما ، فأتى حديث أنس الذي معنا فنسخ هذا الأصل وهو وجوب القيام ، ثم أتى نسخ آخر ينسخ الأمر الثاني وهو ما ذكرتم من أن هذا في آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا دليل على ذلك .

أدلة القول الثالث :

وهو استحباب الجلوس من المأمومين إذا كان الإمام يصلي قاعدا ، ودليلهم هو الجمع بين الأدلة .

أدلة القول الرابع :

أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأدلتهم كالتالي :

أولا :  قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }الحجرات، فالأصل أن المصلي يصلي قائما ، لكن لم اختص النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر ؟ لأنه لا يجوز لأحد أن يتقدم عليه ، فيمكن أن يقال لغيره صل مأموما ولا تصل إماما ، بينما النبي عليه الصلاة والسلام لا يتقدم عليه أحد .

ولكن هذا مردود من أنه صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف .

ثانيا : ما جاء عند الدارقطني وغيره ( لا يؤمَّنَّ أحد بعدي جالسا )

ولكنه حديث ضعيف جدا ، فلا يصح بأي وجه من الوجوه ، بل يدفعه ويزيد من ضعفه ما جاء عند أبي داود ( أسيد بن حضير كان يؤم قومه فمرض فاستفتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إذا صلى قاعدا فصلوا خلفه قعودا )

لكن قال أبو داود إن هذا الحديث ليس بمتصل .

ونحن نقول جاء عند عبد الرزاق بسند قال عنه العراقي صحيح عن قيس بن فهد قال ( كان لنا إمام يشتكي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى قاعدا فصلينا خلفه قعودا ) وكلمة ( على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذه كما قال أهل الحديث تدل على أن الحديث مرفوع حكما ، ويؤيده أيضا من أن هذا ليس بخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ما جاءت الفتوى عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم كأبي هريرة رضي الله عنه .

أدلة القول الخامس :

وهو قول الإمام أحمد وهو الجمع بين الأدلة ، ولكن اشترط شرطين أن يكون إماما راتبا وأن تكون علته يرجى زوالها “

لأن هذين الشرطين يصدقان على واقع النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الإمام الراتب وعلته يرجى زوالها ، لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يعلمون أن هذا المرض هو مرض موته ، وعلى كل حال فالشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول ” إن اشتراط فقهاء الحنابلة هاذين الشرطين لا دليل عليه ، لأن الحديث عام ولم يقيد ولا يلزم أن الإمام الراتب إذا كانت علته مستمرة لا يلزم أن يصلوا حياتهم خلفه قعودا ، فقد يتخلفون فيصلون في مسجد آخر ، وقد يتخلف هو فيصلي غيره “

فإذاً الراجح هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله جمعا بين الأدلة .

والحديث له فوائد نرجئها إن شاء الله تعالى إلى الدرس القادم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .