تعليقات على سنن الترمذي ( 54 ) حديث ( 369 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 54 ) حديث ( 369 )

مشاهدات: 496

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الرابع و الخمسون  

حديث 369

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء

حديث رقم – 369-

( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ” )

قال وفي الباب عن علي وسهل بن سعد وجابر وأبي سعيد وبن عمر ، وقال علي ” كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح ”

قال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق 

 

من الفوائد :

هذا الحديث تبينه أحاديث أخرى جاء في صدرها ( من نابه شيء فليسبح فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء )

وهذا عام في كل شيء ، فلو أن الإنسان طرق عليه الباب فيسبح إن كان رجلا ، وتصفق إن كانت امرأة ، أو إذا نودي فليفعل هذا .

ومن الفوائد :

أن بعض الروايات جاءت ( التصفيح للنساء ) فهل بين رواية ( التصفيح ) وبين رواية ( التصفيق ) فرق ؟

قال بعض العلماء : لا فرق بينهما ، وجزم بذلك ابن حزم رحمه الله من أن التصفيق هو التصفيح والتصفيح هو التصفيق .

بل نقل بعض العلماء الاتفاق على ذلك ، وذكر هذا الاتفاق لا يوافَق عليه ، لأن هناك من يقول :

بأن التصفيق أن تضرب المرأة باطن إحدى يديها بباطن الأخرى .

وأما التصفيح : أن يضرب ظاهر إحدى اليدين على ظاهر الأخرى .

وقال بعضهم : إن التصفيق يكون بالكف على الكف بجميع الأصابع .

وأما التصفيح : فيكون بأصبعين فقط .

وسواء قيل بهذا أو بهذا ، فإن المرأة عليها أن تضرب إحدى يديها بالأخرى تنبيها لمن ناداها .

ولو قال قائل : لو أن المرأة عدلت عن التصفيق إلى التسبيح ؟

فيقال : الأولى بها أن تقتصر على ما ورد ، وهذا يدل على أن الإسلام حرص على ستر المرأة ، فإن التسبيح وإن كان جنسه من الصلاة إلا أنه عدل عنه إلى التصفيق من باب المبالغة في التستر، لكن لو سبحت جاز .

ولو قال قائل : لو أن الرجل عدل عن التسبيح إلى التصفيق ؟

فيقال : هذا لا يجوز في حقه في الصلاة ، لم ؟ لأنه نوع من العبث ، بل إن التصفيق خارج الصلاة في الزمن المعتاد مختلف فيه بين أهل العلم منهم من يرى جوازه ، لأن النهي الوارد فيه إنما هو نهي عن تصفيق الكفار عندما يأتون بالعبادة كما قال تعالى {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء } هو الصفير { وَتَصْدِيَةً } التصفيق .

وهذا يختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى جواز التصفيق ، والمراد خارج الصلاة .

ومنهم من يرى أن التصفيق خارج الصلاة أقل أحواله الكراهة ، لم ؟ لأن فيه نوعا من التشبه بالكفار لقوله تعالى {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً }الأنفال35 ، وهذا رأي الشيخ ابن باز رحمه الله .

فإذا كان المسلم لا ينبغي له على أحد هذين القولين أن يصفق خارج الصلاة فكيف داخل الصلاة ؟

ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة كما جاء في الصحيحين ( لما تأخر عليه الصلاة والسلام في بني عمرو بن عوف وقال بلال لأبي بكر رضي الله عنه أتصلي بنا ؟ فصلى بهم أبو بكر ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فصفقوا لكي يعلموا أبا بكر رضي الله عنه بمجيء النبي عليه الصلاة والسلام فلما فرغ من الصلاة بين لهم أن التصفيق للنساء والتسبيح للرجال )

ومن الفوائد :

أن التسبيح هنا مطلق ، يعني لو قال ” سبحان الله ” أو ” سبحان الله وبحمده ” المهم أن ينبه من يدعوه بصيغة التسبيح .

ومن الفوائد :

أن الانشغال عن شيء من الصلاة من أجل مصلحة هذه الصلاة لا يلام عليه الإنسان ، فإنه إذا نودي فسبح أو نوديت فصفقت فيه إشغال للقلب بعض الشيء ، فلا يكون الإنسان ملاما على ذلك لأن الشرع أباح ذلك ، بل ورد عن عمر رضي الله عنه ( أنه كان يجهز الجيوش وهو في الصلاة ) وقد حمل العلماء هذا على واحد من أمرين :

إما أنه كان يجهز الجيوش في الصلاة لأن تجهيز الجيوش مصلحة عامة ، بينما لو ذهب شيء من خشوعه مصلحة خاصة قد فاتته ، فتقدم المصلحة العامة على الخاصة .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى إن تجهيزه للجيوش يشبه من هو في صلاة الخوف إذا قابل الكفار ، فيكون هذا الفعل محمودا من عمر رضي الله عنه .

ولو قال قائل : أيمكن أن ينبه بغير التسبيح ؟ أو تنبه المرأة بغير التصفيق ؟

الجواب : نعم ، لما جاء في حديث علي رضي الله عنه أنه ( إذا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي تنحنح )

وهذا الحديث لو صح لكان كما ذكر الفقهاء من أن له أن ينبه غيره بغير التسبيح  ، لكن هذا الحديث مختلف في صحته فوقع الاضطراب في متنه وفي سنده ، ولذلك ورد ( أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا استأذنه علي وهو يصلي سبح )

ولكن هذا الحديث فيه ما فيه من المقال ولا يستند عليه ، لكن لو أنه نبه غيره بغير التسبيح جاز ، شريطة ألا يكون هذا التنبيه كلاما ، فإن كان كلاما بطلت صلاته ، لكن الاقتصار على الوارد أفضل .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث لو صح ( أنه عليه الصلاة والسلام يتنحنح في صلاته ) فهو دليل لشيخ الإسلام رحمه الله إضافة إلى أدلة أخرى من أن الأصوات الحلقية لا تبطل الصلاة ، لأن المشهور من مذهب الإمام أحمد أن الأصوات الحلقية إذا بان منها حرفان فأكثر عدت كلاما فبطلت الصلاة ، قالوا لو أنه بكى فبان منه حرفان بطلت صلاته ، لو أنه تنحنح فبان منه حرفان بطلت صلاته .

والصواب : أن الصلاة لا تبطل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تنحنح،  إن صح هذا الحديث ، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينفخ في سجود الكسوف ، فنفخ عليه الصلاة والسلام في السجدة الثانية ، ولذا فالأصوات الحلقية لا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت ، فإذا كثرت فهنا انتقلت إلى العبث والخروج عن الصلاة .

ومن ثم فإن المأموم إذا أخطأ إمامه فعليه أن ينبهه بالتسبيح ، ويمكن له أن ينبهه بغير التسبيح فيما لو لم يفقه الإمام ما يريده هذا المأموم ، كأن يختلف الأمر على الإمام فلا يدري أيقصد المأموم الركوع أو السجود ، بإمكانه أن يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا }الحج77 ، وإذا كان يقصد السجود أن يقول { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } لأن هذا من جنس الصلاة ، وقالها لمصلحة الصلاة ، لكن إن كان قوله ” سبحان الله ” يكفي فالاقتصار على ما ورد هو المطلوب .

لكن لو أن الإمام لم يعرف مقصود المأمومين فلا يدري ماذا يريدون ، هل يريدون أن يجلس أو يقوم أو يركع ؟ فالتبس عليه الأمر ، فهنا لو نبه بالكلام فقيل له ” يا فلان اركع أو اسجد ” أتبطل صلاته ؟

قولان لأهل العلم ، قيل ببطلانها لأن هذا كلام ، وقيل بعدم بطلانها لأن هذه ضرورة ، ولذلك قالوا لو أن المصلي رأى شخصا سيقع في حفرة فعليه أن ينبهه كلاما وتكون صلاته صحيحة ، لأن هذا للضرورة .

بينما بعض العلماء يقولون لا يتكلم ، لكن أيدع الصلاة كأنها لعبة ؟ أو يدع هذا الشخص يقع في هذه المهلكة ؟

يقولون يتكفل أحد المأمومين ويتكلم وتبطل صلاته ويكون له بذلك أجر ، لأنه أراد أن يحقق مصلحة العامة على مصلحته الخاصة ، وكذلك الشأن فيما لو أنه رأى ضريرا سيقع في حفرة فيتكلم ويستأنف الصلاة .

وقيل لا يستأنف الصلاة لأنها ضرورة تشبه الحركة الكثيرة في حال الضرورة ، ولذلك في حال الخوف لما أمر الإنسان بالصلاة قال تعالى { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }البقرة239 ، فهو يتحرك ويفر ويقبل ويدبر ، ومع ذلك صلاته صحيحة .

لكن لو احتاط الإنسان في هذا الأمر فهذا خير له بأن يستأنف الصلاة .

ثم من يقول بأنه لو تكلم أحد لا تبطل صلاته ، لا شك أنه قول قوي ، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سها في صلاته كما في حديث أبي هريرة وقال له ذو اليدين أنسيت يا رسول الله أم قصرت الصلاة ؟ قال لم أنس ولم تقصر ، فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة وتكلم ذو اليدين وهو يعلم أنه ما زال في الصلاة ، بل مما يقوي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن ذلك ، ففي رواية ( فأشارا إليه ) وفي رواية ( أنهما قالا نعم ) فهما تكلما وهما يعلمان أنهما لا يزالان في صلاة ، واستمر الحال على ما هو عليه ولم يعد عليه الصلاة والسلام ، فالقول بعدم بطلانها قول قوي ولا شك في ذلك .

سؤال : ما الحكم فيما لو ذكر الله في الصلاة أو استرجع ؟

الجواب : هذه مسألة أخرى ، لو أن الإنسان قال ذكرا مشروعا لا تتأثر به الصلاة ، قال ” الحمد لله ” قال ” إنا لله وإنا إليه راجعون “

قال بعض العلماء : يكره له ذلك .

وقال بعض العلماء : يجوز له ذلك ، لأن هذا لا يؤثر في الصلاة .

والصواب أن مثل هذه الأذكار إذا كان لها سبب فلا بأس بها ، مثال ذلك ” لو أن شخصا أخبر بأن فلانا من الناس قد مات ، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ” فهنا هذه الجملة أتت لسبب ، فلا إشكال في ذلك .

لو أنه عطس فحمد الله في صلاته ، فهذا أيضا له سبب ، ويدل له ما جاء عند الترمذي ( أن أحد الصحابة رضي الله عنهم عطس فحمد الله عز وجل وهو في صلاته ، وكان حمده في صلاته وافق حمده بعد أن رفع من الركوع ) ولم ينكر عليه .

وكذلك ما جاء في صحيح مسلم في قصة معاوية بن الحكم ( أنه لما عطس بعض الصحابة شمته )

أو سمع رجلا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهنا نقول  هو دخل في شيء واجب سبق وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليشتغل بهذا الواجب الذي هو فيه عن الواجب الذي أتى ، لكن لو صلى فلا إشكال في ذلك ، لكن هل يلزم لحديث ( البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ) وحديث ( رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي ) هل يلزم بذلك أو لا ؟

الصحيح أنه لا يلزم ، لم ؟ لأن دخوله في الصلاة واجب سبق وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره .