تعليقات على سنن الترمذي ( 55 ) حديث ( 370- 371 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 55 ) حديث ( 370- 371 )

مشاهدات: 413

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الخامس و الخمسون  

حديث 370- 371

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة

حديث رقم -370-

( صحيح ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” التثاوب في الصلاة من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ” )

قال وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وجد عدي بن ثابت قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد كره قوم من أهل العلم التثاوب في الصلاة قال إبراهيم أني لأرد التثاوب بالتنحنح 

 

من الفوائد :

أن التثاؤب نسب إلى الشيطان ، وقيد هنا التثاؤب في الصلاة ، وجاء عند البخاري الإطلاق ( التثاؤب من الشيطان ) وهذا لا يعني أن التثاؤب مخلوق من الشيطان ، وإنما نسب إليه من باب التحذير منه ، وإلا فالعطاس والتثاؤب والحُلُم المزعج والرؤيا الصالحة وأضغاث أحلام ، فكل هذا من الله سبحانه وتعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49 ، فما يحصل من حركة أو ما يكون من سكون ، إنما هو بقدر من الله عز وجل

وإنما من باب التأدب مع الله أن الشيء المكروه لا ينسب إليه كما هنا ، وكما في الحديث الآخر ( الحُلُم من الشيطان ) وكما قال تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }ص41 ، مع أن المرض الذي نزل به إنما هو من الله سبحانه وتعالى  ، وقالت الجن {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً }الجن10 ، فأظهروا أن الرشد من الله سبحانه وتعالى ، وكذلك قال الخضر { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا }الكهف79، ولم يقل إن هذا بأمر من الله ، والنصوص في هذا كثيرة .

وليعلم أن الشر مخلوق لله عز وجل ، ولكنه جل وعلا لا يخلق شرا محضا ، يخلق الخير المحض ويخلق الشر الذي تترتب عليه مصالح ، لكنه لا يخلق الشر لذات الشر ، ولذلك كما أسلفنا لا ينسب الشر إليه عز وجل ، ولذا في دعاء الاستفتاح في حديث علي رضي الله عنه عند مسلم ( الخير بيديك والشر ليس إليك ) يعني لا ينسب إليه تأدبا مع الله عز وجل ، ولذلك المرض إذا نزل بالإنسان هو شر باعتبار هذا المريض ، لكن قد يكون فيه خير إما له وإما لغيره ، فقد يكون هذا المريض من أفسق الناس ومن أفجر الناس فإذا نزل به هذا المرض تواضع ورجع إلى الله عز وجل ، وكم من شخص نعرفه كان من أفجر الناس فلما أصيب بمرض عضال عاد  إلى الله عز وجل ، فأصبح هذا المرض خيرا له ، أو إذا رأى بعض من الناس أن هذا المريض الذي هو فلان من الناس ويملك ما يملك من المليارات أو من الملايين ولم يستطع أن ينفع نفسه بها عاد إلى الله عز وجل وأن هذه الدنيا ليست بشيء ، خلاصة القول أن كل شيء يجري في هذا الكون إنما هو من الله عز وجل ، لكن ينسب الشر إلى غيره تأدبا معه عز وجل كما هنا .

ونسبة التثاؤب إلى الشيطان للتحذير من سببه ، ما هو سبب التثاؤب ؟

سبب التثاؤب كثرة الأكل ، والانهماك في الدنيا ، فإذا انهمك فيها وملأ بطنه حصل هذا التثاؤب ، فكان في هذا تحذير لما يوجب التثاؤب ، لأن الإنسان إذا كسل كسل عن طاعة الله عز وجل، فكيف إذا كان هذا التثاؤب في الصلاة التي ينبغي للمسلم إذا دخلها أن يدخلها بجد ونشاط .

ومن الفوائد :

أن هذا التثاؤب قد يعرض للإنسان وإذا عرض للإنسان فإنه بين أمرين :

أولا : جاء في الحديث ( فليكظم ما استطاع ) بمعنى أنه يغلق فمه ويرد ما استطاع من هذا التثاؤب .

ثانيا : جاءت الروايات الأخرى أنه يضع يده على فمه .

وجاءت الأحاديث بالتحذير من ترك كظم التثاؤب ، لأن الإنسان إذا قال ( ها ) كما هو حاصل من المتثائبين أو من بعضهم ممن لم يتقيد بالسنة ( ضحك منه الشيطان ) لأن الشيطان يضحك ويفرح إذا رأى ابن آدم مصابا بالكسل والخمول ، وفي حديث آخر ( فإذا قال ها دخل الشيطان ) فيكون دخول الشيطان في جسد ابن آدم يدل على تمكنه منه ،إذاً كيف نتخلص منه ؟ نتخلص منه بكظمه ما استطعنا .

وقد قال بعض العلماء : إن كظم التثاؤب ليس بوضع أعلى الفم على أسفله وسد الفم وإنما بأن يضع يده على فمه كما جاءت الروايات الأخرى .

ولكن ما ذكرناه فيه أخذ بجميع الأدلة .

 

ومن الفوائد :

أن كراهية التثاؤب في الصلاة ليس من أجل حصوله ، لأنه إذا وقع وقع من غير اختيار الإنسان ، وإنما يكره له في الصلاة أن يدع هذا التثاؤب فلا يكظمه ، فإذا كظمه زالت الكراهية .

ومن الفوائد :

هل الأنبياء يتثاءبون  ؟

ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح حديثا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما تثاءب نبي قط ) فالأنبياء من خصائصهم أن التثاؤب لا يصدر منهم .

ومن الفوائد :

أن كثيرا من الناس إذا تثاءب قال ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” هل هذا وارد أم لا ؟

الناظر في الأحاديث يرى أن الاستعاذة بالله من الشيطان عند التثاؤب لم يرد فيها دليل ، ولذا قال بعض العلماء يمكن يستدل به بقوله تعالى {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فصلت36.

ولا شك أنه من حيث ظاهر هذا الدليل قد يقال بما قال به ، ولكن عند التأمل نرى أنه ليس هناك دليل له في هذه الآية ، لم ؟

لأن هذا النزغ من الشيطان لابن آدم نزغ استقبله ابن آدم ورغب فيه ، لأنه إذا رده ما صار نزغا ، بينما التثاؤب يأتي ابن آدم رغم أنفه وليس له اختيار .

فخلاصة القول أن قول ” أعوذ بالله من الشطيان ” عند التثاؤب لا دليل عليه ، وعلى المسلم أن يقتصر على الوارد فإذا تثاءب عليه أن يكظم ما استطاع أو أن يضع يده على فمه ، ونظير هذا أن كثيرا من الناس إذا ” تجشأ ” وهو صوت يخرج من المعدة عند الامتلاء بالطعام يسميه بعض الناس ” الشكرة ” بناء على أنه امتلأ البطن فعلى المسلم أن يشكر الله عز وجل ، أو من السمنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن حال البهائم في زمن المهدي ( تشكر البهائم ) يعني تسمن  ، الشاهد من هذا أنه إذا تجشأ حمد الله ، فلا دليل على قول الحمد عند ذلك ، ولذلك في السنن لما ( تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، قال كُفَّ عَنَّا جُشاءك فإن أكثركم شبعا في الدنيا أطولكم جوعا في الآخرة ) وهذا الحديث يحمل على سبب هذا الشبع من هذا الإنسان الذي أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يشبع وإخوانه المسلمين الفقراء محتاجون إلى الطعام .

فالحمد عند التجشؤ  ،قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب لا دليل عليهما .

ومن الفوائد :

أن على المسلم إذا أتى إلى الصلاة أن يأتي إليها بجد ونشاط ولا يقوم إليها وهو كسلان ، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهم ينكر على من استثقل نفسه أثناء القيام إلى الصلاة ، هو مسلم ويحب الخير ويحب الصلاح ، لكنه هو رضي الله عنه لا يريد أن يكون المسلم شبيها بحال المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة  { وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى }النساء142 ، ولذلك في صحيح البخاري ( أن عائشة رضي الله عنه سئلت عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا أتت الصلاة قام إلى الصلاة ) يعني يقوم إليها المسلم بجد ونشاط )

سؤال : هل النهي عن تغطية الفم في الصلاة يعارض هذا ؟ الجواب : ليس هناك تعارض بين وضع يده على فمه في الصلاة ، وبين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن يغطي الرجل فاه في الصلاة ، لأن هذا لعارض طرأ عليه ، والسنة لما نهت عن تغطية الفم في الصلاة خصصت من ذلك التثاؤب .

 

 

 

باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم

حديث رقم -371-

( صحيح ) حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد ؟ فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد )

قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأنس والسائب وبن عمر قال أبو عيسى حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح  .

من الفوائد :

اختلف العلماء هل هذا الحديث في صلاة الفرض أم في صلاة النفل ؟

والذي عليه الجمهور أنه في صلاة النفل ، لم ؟

لأن العاجز عن القيام في الفرض والقادر على القيام في صلاة الفرض هو والقائم سواء في الأجر ، فلماذا أتى هنا باختلاف الأجر بين القاعد والقائم وبين النائم والقاعد ؟

لأنه إن كان معذورا فيصدق عليه حديث أبي موسى رضي الله عنه كما عند البخاري ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما يعمل وهو صحيح مقيم ) فدل على أن أجره تام .

وإذا كان كذلك فإن من صلى النفل قائما فهذا خير وبركة ، والمقصود أنه يصلي النفل قاعدا وهو قادر على القيام ، لكن إذا كان يصلي النفل قاعدا وهو عاجز عن القيام فإن أجره تام كأجر القائم ، فيجوز للمسلم أن يصلي قاعدا في صلاة النفل مع قدرته على القيام في الفرض ، فإذا وقع مثل هذا فإن أجره على النصف من أجر القائم .

وهل هذا يصدق على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب : لا ، في صحيح مسلم ( دخل عليه عمرو بن العاص وهو يصلي قاعدا ، فقال يا رسول الله ألم تقل صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم إني لست كهيئتكم ) فمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلى قاعدا فإن أجره تام كما لو صلى قائما .

ومن الفوائد :

أن الصلاة حال الاضطجاع يكون أجرها على النصف من أجر القاعد ، وقد رأى بعض العلماء أن هذه اللفظة لا تصح ، والصواب أنها صحيحة ، بل قال الخطابي رحمه الله لم ينقل عن العلماء أنهم أجازوا الصلاة حال الاضطجاع ، وما ذكره رحمه الله رد عليه العراقي رحمه الله من أن المسألة فيها نزاع في مذهب الشافعية وفي مذهب المالكية .

فالصواب أن صلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد وهذا الحديث كما أسلفنا يرى الجمهور أنه في صلاة النفل ، بينما الخطابي رحمه الله يرى أنه في صلاة الفرض ، لكن إذا قيل بما قاله الخطابي رحمه الله وسوغ ابن حجر رحمه الله هذه الصورة التي ذكرها الخطابي وقال لا يمتنع أن يدخل الفرض فيها ، فكيف يفسر الحديث بأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ؟

قال الخطابي رحمه الله هذه تصدق على شخص يشق عليه القيام في الفرض ، فلو صلى قاعدا فإن صلاته كصلاة القائم ، لكن لو أنه تحامل على نفسه وصلى قائما فإن أجره أفضل من أجر من صلى قاعدا مع عجزه “

قال ابن حجر رحمه الله لا يمنع أن تصدق هذه الصورة ، وإن كان فيها ما فيها ، لكن لو دخلت هذه الصورة فالحديث في ظاهره أنه في صلاة النفل .

لكن لو صلى مضطجعا ما صفة هذا الاضطجاع ؟

صفته كما جاء عند الدارقطني من حديث علي رضي الله عنه ( أنه يضطجع على شقه الأيمن ووجهه مستقبل للقبلة )

 

ومن الفوائد :

أن ذكر حال القعود وحال القيام وحال الاضطجاع يدل على أن الإنسان متى ما عجز عن القيام فليصل قاعدا ، فإذا عجز عن القعود فليصل مضطجعا ، فإذا عجز عن الاضطجاع – والسنة أن يكون الاضطجاع على شقه الأيمن ولا يلزم – فإن عجز عن الاضطجاع فإنه يستلقي بظهره ورجلاه تجاه القبلة ، لأنه لو تصور أنه سيقوم فقام لكان مستقبلا للقبلة ، فتكون رجلاه إلى القبلة مستلقيا على ظهره .

فإن عجز عن الاستلقاء على الظهر ، قال بعض العلماء تسقط عنه الصلاة ولا يلزم بشيء لأن الأحاديث إنما أتت بالقيام ثم القعود ثم الاضطجاع ثم الاستلقاء .

والصواب أنه يومئ برأسه ، والإيماء بالرأس يكون إلى الصدر ، بمعنى أنه يخفض رأسه يسيرا إلى الصدر ينوي بذلك الركوع ، ويكون الإيماء أكثر إذا كان المقصود هو السجود ، وهذا يحصل لمن به شلل للبدن كله ولا يتحرك منه إلا رأسه .

فإن عجز عن الإيماء بالرأس فإنه كما قال بعض العلماء يومئ بطرفه – يعني بعينه – والإيماء بالرأس جاءت به أدلة ، فيومئ بطرفه ، ولكن الوارد فيه أي الطرف حديث ضعيف .

ومن ثم فإنه إذا عجز عن القيام يعدل إلى القعود ، فإن عجز عن القعود يعدل إلى الاضطجاع والأفضل أن يكون على شقه الأيمن ، فإن عجز عن الاضطجاع يكون مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة ويومئ برأسه ، فإن عجز عن الإيماء بالرأس تسقط عنه الأفعال ولا يومئ بطرفه ، وما يظنه كثير من الناس أنه يومئ بأصبعه هذا لا دليل عليه – وهذا خطأ – فإذا عجز عن الإيماء بالرأس تسقط عنه الأفعال وهنا تبقى في حقه الأقوال ، فيكبر تكبيرة الإحرام وينوي أنه في القيام ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ثم يقول سبحان ربي العظيم ناويا الركوع ، لأن جسمه لا يتحرك ، فإن عجز عن الأفعال والأقوال هنا يصلي بقلبه ، فما دام أن العقل موجود فالصلاة لا تسقط ، ونسأل الله عز وجل ألا يوصلنا ولا إخواننا المسلمين إلى هذه الحال .

وإذا صلى قاعدا فالسنة في حقه – وهي مسألة خلافية – هل يفترش أو يتورك أو يتربع ؟

الأقرب أنه يتربع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

فنأن