تعليقات على سنن الترمذي ( 64 ) حديث ( 385-386 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 64 ) حديث ( 385-386 )

مشاهدات: 442

تعليقات على سنن (  الترمذي  )

الدرس الرابع والستون

385-386

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في التخشُّع في الصلاة  

حديث رقم – 385-

( ضعيف ) حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا الليث بن سعد أخبرنا عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن وتذرع وتقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك ، وتقول يا رب يا رب ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا )

قال أبو عيسى وقال غير بن المبارك في هذا الحديث ( من لم يفعل ذلك فهي خداج )

قال أبو عيسى سمعت محمد بن إسماعيل يقول روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد فاخطأ في مواضع فقال عن أنس بن أبي أنس وهو عمران بن أبي أنس وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد وحديث الليث بن سعد هو حديث صحيح يعني أصح من حديث شعبة .

هذا الحديث سنده ضعيف وعلى اعتبار صحته ، لأن ذكر الفوائد المتعلقة بالحديث ولو كان ضعيفا مما يذكره هؤلاء الأئمة ينفع طالب العلم ، فإنه إذا مر به هذا الحديث يعرف هذا الحديث ويعرف ما تضمنه من فوائد وما تحدث عنه العلماء ، فيختلف شرحه لطلاب العلم عن غيرهم ، وهذه الفوائد لو لم تندرج تحت هذا الحديث لضعفه ، لكن هذه الفوائد تفيد الإنسان في أحاديث أخرى .

فمن فوائد هذا الحديث :

أن بعض العلماء يقول إن الجمل المذكورة هي جمل اسمية ( تخشُّع وتضرُّع وتمسْكن )

وقال بعضهم : إنما هي أفعال فيكون النطق ( تخْشَعُ ) وهكذا في باقي الجمل ، وقالوا إن هناك بعض الروايات أتت بصيغة ( أن تخشع ) فمنهم من يرى أنها أسماء ومنهم من يرى أنها أفعال .

ومن الفوائد :

أنه ذُكر هنا ( التخشُّع ) مما يدل على أن الخشوع مطلب في الصلاة ، قال عز وجل { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} والأحاديث الواردة في فضل الخشوع كثيرة ولا تعد ولا تحصى .

فإن فاتك الخشوع فلتجاهد نفسك عليك وتظهر نفسك في صورة الخاشع ، لأنه قال ( تَخشُّع ) مما يدل على أن هناك فعلا صادرا من الإنسان لفعل هذا الخشوع ، وليس هذا الخشوع حاصلا له بيسر وسهولة ، مثل قضية البكاء والتباكي في بعض الأحاديث .

ولو قال قائل : أهناك فرق بين الخشوع والخضوع ؟

قال بعض العلماء : هما بمعنى واحد ، الخشوع هو الخضوع والخضوع هو الخشوع .

وقال بعض العلماء : إن الخشوع في الباطن والخضوع في الظاهر ” خشع فلان ” فهمنا من ذلك أن الخشوع في باطنه ، نقول ” خضع فلان ” فهمنا أنه خضع ببدنه .

والشهير : أن الخضوع يكون في البدن فقط ، لقوله تعالى {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }الشعراء4 .

وأما بالنسبة إلى الخشوع فيكون ” في الصوت ويكون في البصر ويكون في البدن “

أما الخشوع في البصر فدليله قوله تعالى {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ }القلم43 .

وأما الخشوع في الصوت فدليله { وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ }طه108 .

وأما الخشوع في البدن فدليله قول ابن المسيَّب ، وروي مرفوعا لكنه لا يصح ، ولكنه مأثور عن ابن المسيَّب رحمه الله ( لما رأى رجلا يتحرك في صلاته قال ” لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ” ) فنسب الخشوع إلى الجوارح .

والخشوع هو سكون القلب، ويختلف عن الطمأنينة ، فالطمأنينة إذا فقدت بطلت الصلاة ، أما الخشوع فلا ، وضابط الطمأنينة ما جاء في بعض روايات حديث المسيء في صلاته ( أن يعود كل عظم إلى موضعه ) هذه هي الطمأنينة ، أما الخشوع فيختلف ، وإن اطمئن في صلاته بمعنى أنه أعطى كل عضو ما يستحقه ولكنه لم يخشع في صلاته بمعنى أن صلاته كلها من حين ما دخل إلى حين ما خرج وهو لم يلتفت إليها ، فهل تبطل صلاته أم لا ؟

الصحيح أنها صحيحة وتكون مبرئة له في الذمة من حيث الإتيان بالواجب ، لكنه معرض للعقاب ، فما هو الطريق والخلاص لهذا الرجل ؟ عليه أن يكثر من النوافل كما مر معنا في حديث أبي هريرة وأبي تميم الداري رضي الله عنهما

ومن الفوائد :

أن ( التقنع ) أن يرفع يديه بالدعاء ، كما قال عز وجل

{  مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ }إبراهيم43 ، يعني رافعي رؤوسهم .

و ( التمسكن ) هو إظهار المسكنة والذل .

فخلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن هذه الفوائد تندرج تحته ، ولو كان صحيحا لأضفت فوائد أكثر وأكثر ، ولكن أقتصر على هذا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب ما جاء في كراهية التَّشبيك بين الأصابع في الصلاة

حديث رقم – 386-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان عن سعيد المقبري عن رجل عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة ” )

قال أبو عيسى حديث كعب بن عجرة رواه غير واحد عن بن عجلان مثل حديث الليث وروى شريك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث وحديث شريك غير محفوظ .

من الفوائد :

أن هذا الحديث صحيح بشواهده ، وهناك من العلماء من يضعفه بالنظر إلى سنده مفردا ، بمعنى أنه لما نظر إلى حديث كعب من حيث السند قال إنه ضعيف ، ولم ينظر إلى الشواهد الأخرى كحديث أبي سعيد في مسند الإمام أحمد ، والذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم العلة من النهي عن التشبيك ( أن التشبيك من الشيطان )

وبعض العلماء : يرى أنه ضعيف باعتبار أنه خالف ما جاء في الصحيحين ، ما الذي جاء في الصحيحين ؟ حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلَّم من صلاتي الظهر أو العصر من ركعتين قام إلى خشبة معروضة في المسجد فشبك بين أصابعه ) قالوا إن هذا الحديث في الصحيحين وهذا الحديث وهو حديث كعب بن عجرة قد عارضه فلا يلتفت إليه فيكون التشبيك جائزا ولا يكون محرما ولا مكروها .

وبعض العلماء نظر إلى أن حديث كعب بن عجرة صحيح باعتبار الشواهد ، وأن ما جاء في الصحيحين لا شك في ثبوته ، فأخذ بالحديثين ، فقال بعضهم إن التشبيك جائز في حق النبي صلى الله عليه وسلم  لأنه فعل هذا ، فيكون خاصا به ، وأما بالنسبة إلى الأمة فإنهم لا يشبكون بين أصابعهم إذا خرجوا إلى الصلاة أو إذا أرادوا انتظار الصلاة أو في أثناء الصلاة، وهذا القول لا شك أن فيه ما فيه ، لم ؟ لأن الأصل أن النصوص يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراق إلا إذا وجد دليل ينص على أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصص بهذا وإلا فالأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم والأمة سواء .

وبعض العلماء قال إن هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام يدل على الجواز مع ترك الأولى ، بمعنى أن النهي الوارد هنا في حديث كعب ليس للتحريم وإنما هو للكراهة ، وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز .

وبعض العلماء – وهو القول الصواب والمتعين – قال إن النهي باقي في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق الأمة ، وهذا الفعل الوارد منه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين إنما هو شبَّك باعتبار ظنه من أنه انصرف من الصلاة ، ولذلك لما سأله ذو اليدين قال ( يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيتَ ؟ قال لم تقصر ولم أَنسَ ) مما يدل على أنه يعتبر نفسه خارج الصلاة ، وهذا يفيدنا بفائدة أن التشبيك المنهي عنه يكون حال خروج المسلم من بيته إلى الصلاة ، وحال انتظار الصلاة ، وفي أثناء الصلاة ، أما بعد الصلاة فجائز ، والدليل فعله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين .

لو قال قائل : ما العلة في النهي عن التشبيك حال خروج المسلم من البيت إلى الصلاة ؟

العلة مذكورة في مسند الإمام أحمد ، وهذا الحديث وهو حديث أبي سعيد أيضا اختلف فيه منهم من أثبته ومنهم من ضعفه ، ولكن باعتبار الشواهد قالوا هو ثابت ، لكن المشكل في العلة ، قال ( إنه من الشيطان ) فإما أن تكون العلة من الشيطان ، وإما أن تكون العلة أن حضور المسلم إلى الصلاة وهي صلاة الجماعة يراد منها اجتماع القلوب ، والتشبيك في الظاهر أنه لا ينبئ عن اجتماع من حيث الصورة ، لم ؟ لأن الأصابع هنا أصبع وهنا أصبع ففيها اختلاف من حيث الصورة ، وهذا لا يتناسب مع صلاة الجماعة .

لو قال قائل : حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ” وشبك بين أصابعه ) فوصف المؤمن مع المؤمن بأنه بمثابة البنيان ، فالبنيان يمسك بعضه ببعض ؟

يقال : إن هذا من حيث الأصل أن التشبيك يدل على القوة والتماسك والحث على الترابط بين المسلمين ، لكن بالنسبة إلى التشبيك حال الصلاة يتنافى من حيث الصورة مع ظاهر هذه الصلاة التي شرعت من أجل اجتماع القلوب ، ومن ثم فإنه صلى الله عليه وسلم حذَّر وعظَّم النهي في شأن من لم يسوِ الصف ، بمعنى يتقدم شخص على آخر ، فعظَّم هذا الأمر وشدَّد فيه حتى عدَّه بعض العلماء من كبائر الذنوب ، فإذا اجتمع الناس من حيث الصورة في المساجد في صفوفهم فإنه خليق وحري بهم أن يجتمعوا وأن تجتمع قلوبهم .

ومن الفوائد :

بيان فضل من توضأ في بيته وأتى إلى المسجد ، فهو يختلف عن حال من توضأ في دورات المسجد ثم أتى إلى الصلاة ، لا شك أن كلا منهما له فضل ، لكن الفضل إنما يكون إذا توضأ في بيته ، ولذا جاء حديث عند أبي داود يحسنه الألباني رحمه الله ( أن من توضأ في بيته ثم خرج إلى الصلاة كان كالحاج المحرم ) مما يدل على فضل الوضوء في البيت ، لكن لو أن الإنسان حصل له عذر أو أنه صادف وقت الصلاة أثناء ذهابه أو إيابه فلا إشكال ، لكن من لديه سعة في أمره فلا يخرج من بيته للمسجد إلا وهو متوضأ .

وصلى الله على نبينا محمد .