تعليقات على سنن الترمذي ( 65 ) حديث ( 387-388 ) الجزء الأول

تعليقات على سنن الترمذي ( 65 ) حديث ( 387-388 ) الجزء الأول

مشاهدات: 440

تعليقات على سنن (  الترمذي  )

الدرس الخامس والستون

387-388 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في طول القيام في الصلاة 

حديث رقم – 387-

( صحيح ) حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال :   قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال ” طول القنوت ” )

قال وفي الباب عن عبد الله بن حبشي وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى حديث جابر بن عبد الله حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن جابر بن عبد الله  .

من الفوائد :

الترمذي رحمه الله بوَّب لهذا الحديث ( باب ما جاء في طول القيام ) مع أن الحديث ما ذُكر فيه القيام ، إنما ذكر فيه القنوت ، وهذا إن دل يدل على أن القنوت له معاني متعددة من بينها ( طول القيام ) وكما أسلفت لكم تتبع الروايات والاحتواء لها مما يجعل طالب العلم أكثر إصابة للحق ، ولذا جاء عند أبي داود ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم طول القيام ) فهذا الحديث فسَّر القنوت الوارد هنا من أنه طول القيام .

والقنوت من حيث الأصل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : ” قنوت خاصة الخاصة “

القسم الثاني : ” قنوت الخاصة “

القسم الثالث : : قنوت العامة “

أما قنوت خاصة الخاصة : فهو قنوت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومن أمثلة ذلك ما قاله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام .

وأما ” قنوت الخاصة “: فهو قنوت المؤمنين العابدين ، قال عز وجل { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ }الزمر9 .

وأما قنوت العامة :” فهو قنوت جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم ، قال عز وجل يعني الجميع { بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }البقرة1، الإنس والجن ، سواءً كانوا كفارا أم مسلمين ، من كان في السماوات من الملائكة ، كلٌ هؤلاء خاضعون منقادون مستسلمون لأمر الله عز وجل ، فهم تحت سلطانه وقوته .

والمعنيان الأولان ” قنوت خاصة الخاصة وقنوت الخاصة ” معناه ” دوام الطاعة ” فإبراهيم عليه السلام وصف بأنه قانت لله لمداومته على طاعة الله عز وجل ، ووصف هؤلاء المؤمنون بدوام الطاعة ، وهذا هو أحد معاني القنوت ” دوام الطاعة “

النوع الثاني :  ( طول القيام )

كما جاء في هذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه ، النوع الثالث : ( الدعاء )

فيطلق القنوت ويراد منه الدعاء ، ويدل له حديث الحسن  رضي الله عنه قال ( علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ) يعني في دعاء الوتر .

النوع الرابع : ( السكوت والسكون ) .

لقوله تعالى { وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238 ، قال زيد بن أرقم رضي الله عنه كما في الصحيحين ( فلما نزلت الآية أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ) ولما جاء عند أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم ( اسكنوا في الصلاة ) .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء إن إطالة القيام في الصلاة أفضل من الركوع والسجود ، فلا يقصد في إطالة القيام إلا القراءة ، فإذا أطال القيام أكثر القراءة ، فقال بعض العلماء إن القيام في إطالته أفضل من إطالة الركوع والسجود .

وهناك من يعارض هذا القول – كما ستبينه الأحاديث الآتية بإذن الله تعالى .

ومن الفوائد :

أن طول القيام المعظَّم هنا هو ما كان في الصلاة ، أما طول القيام في غير الصلاة فإنه لا اعتداد به ، ولذلك السؤال هنا عن ( أي الصلاة أفضل ؟ ) يعني ما هو أفضل شيء في الصلاة ؟ قال ( طول القيام )

ومن الفوائد :

حرص الصحابة رضي الله عنهم على فعل الخير ، بل على فعل الأكمل من الخير ، فهم رضي الله عنهم محافظون على الصلاة ، فلم يأت السؤال عن الصلاة ، وإنما أتى السؤال عن شيء في الصلاة ، لأن المحافظة على الصلاة أمر مفروغ منه ، لكن ما هو الأفضل والأكمل في هذه الصلاة ؟ أجاب عليه الصلاة والسلام بـ ( طول القنوت ) يعني بطول القيام .

ومن الفوائد :

فضل الإكثار من قراءة القرآن في كل حال ، لكن أفضل ما يكون أن يقرأ القرآن في الصلاة ، لأنه لما ( سئل عن أي الصلاة أفضل ؟ قال ” طول القنوت ) ومعلوم أنه إذا أطال القيام أيطيله هكذا عبثا ؟ لا ، وإنما يطيله من أجل الذكر الحاصل فيه الذي هو القراءة .

باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود وفضله

حديث رقم – 388-

( صحيح ) حدثنا أبو عمار حدثنا الوليد قال وحدثنا أبو محمد رجاء قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني الوليد بن هشام المعيطي قال حدثني معدان بن طلحة اليعمري قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له :   دلني على عمل ينفعني الله به ويدخلني الجنة ؟ فسكت عني مليا ، ثم التفت الي فقال عليك بالسجود ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة ” )

من الفوائد :

أن ثوبان رضي الله عنه هو أحد خدَّام النبي صلى الله عليه وسلم ، خدَّامه كما مر معنا ثمانية من بين هؤلاء الثمانية ” ثوبان رضي الله عنه ” وكان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ليشرف هو ، وكان هذا الصحابي رضي الله عنه حريصا على الخير ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بأن كثرة السجود لها من الفضل ما ليس لغيرها  ، وقد سكن في أواخر حياته في الشام في حمص وتوفي فيها رضي الله عنها .

 

ومن الفوائد :

أن العلم الشرعي لابد من أن يُحمل ، يحمله جيل بعد جيل، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث صححه الإمام أحمد ( يحمل هذا العلم من كل خَلَف عُدُولُه ) فهذا العلم الشرعي ما أتانا من أنفسنا وإنما تلقيانه من علمائنا ، وعلمائنا تلقوه من علمائهم وهكذا إلى أن وصل الطريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون من بعدهم تلقوه من الصحابة رضي الله عنهم ، ومن ثم فإن على المسلمين ولاسيما في هذا الزمن أن يحرصوا على العلم الشرعي ، وأن يحرصوا على دروس العلماء وذلك لأن هذا الجيل الذي يعيش بيننا إذا لم يأخذ العلم الشرعي من هؤلاء العلماء في هذا الزمن فإن العلم الشرعي يضيع ، وإذا ضاع العلم الشرعي ضاعت الأمة ، ولذا لما تضعف النفوس في تلقي العلم الشرعي جيلا بعد جيل هنا تقرب الساعة وإذا قربت الساعة ارتفع العلم مع وجود علماء – كما قال ابن حجر رحمه الله – لكن الناس يعزفون عنهم إلى أشياء لا طائل من ورائها ، فإذا رفع العلم وترك العلماء ظهر الجهل وإذا ظهر الجهل حلَّت الفتن بالأمة وإذا حلَّت الفتن بالأمة حصل القتل ، فيكون الإنسان غير مرتدع بإيمان يحمله ، لم ؟ لأن الإيمان لا يمكن أن يكون في قلب الإنسان إلا عن طريق العلم الشرعي ، فإذا لم يكن لديه علم شرعي فكيف يتحصل على الإيمان ؟ ما هو العلم الشرعي ؟ العلم الشرعي هو ما جاء في الكتاب وفي السنة ، فإذا أعرض الناس عن تلقي العلم الشرعي الموجود في الكتاب وفي السنة فإنهم في مثل هذه الحال تحل بهم المشاكل والفتن ، ومن ثم فإن ما عليه أجيالنا في هذا الزمن من الانشغال بوسائل التقنية والانغماس فيها وقضاء الأوقات فيها دون أن يكون هناك ارتباط بالعلماء يُخشى على الأمة في الزمن القريب أن يحل بها من البلاء الشيء العظيم وذلك نتيجة عدم تلقي هذا العلم من العلماء الربانيين .

ثم إن هذا السائل لثوبان رضي الله عنه يدل على أن الأمة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنسى فضل المتقدمين ، ومن ثم فإن المتقدمين من العلماء إذا نسي فضلهم أو أريد أن يخفى أثرهم فإن الأمة تكون في مثل هذه الحال أمة متأخرة ، لأنه لا يمكن أن تنكر فضل العلماء المتقدمين ، نرى في مثل هذا الزمن انصراف الناس عن منهجية الشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليهما ، الناس – وللأسف – ولاسيما من هذا الجيل الآتي لا يعرف هذين الإمامين مع أنهما على منهج الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، ومن ثم يتعلق الناس بأشخاص في هذا الزمن ليسوا بأهل ، ومن ثم أتتنا هذه الفتاوى الشاذة مثل [ إباحة الأغاني ، جواز اختلاء الرجل بالمرأة ، جواز ترك صلاة الجماعة ] ما أتانا هذا إلا من أناس وجدوا في الساعة وغُيِّب أثر العلماء الربانيين ممن توفاهم الله عز وجل وكذلك ممن هم في هذا الزمن ، ولا يزال في الأمة خير ، ولكن هذه مشكلة يجب أن ينبه عليها أكثر من مرة وأن يتنبه الناس إليها ، لأنه لا علم صحيح إلا بما دل عليه الكتاب والسنة ، وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى .