تعليقات على سنن الترمذي ( 77 ) حديث ( 402 – 403 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 77 ) حديث ( 402 – 403 )

مشاهدات: 468

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس السابع والسبعون

حديث ( 402 – 403)

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد فقد قال الترمذي رحمه الله :

( باب ما جاء في ترك القنوت   )

( صحيح ) حدثنا حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي :  

(  يا أبة انك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ها هنا بالكوفة نحوا من خمس سنين أكانوا يقنتون ؟

قال أي بني : محدث )

 قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم وقال سفيان الثوري أن قنت في الفجر فحسن وإن لم يقنت فحسن واختار أن لا يقنت ولم ير بن المبارك القنوت في الفجر قال أبو عيسى وأبو مالك الأشجعي اسمه سعد بن طارق بن أشيم 

 

 

 

 

( و من الفوائد )

أن هذا الحديث يؤكد ما قررناه في هذه المسألة ، لأن هذه المسألة مرت معنا مفصلة في الباب السابق .

وخلاصة القول : أن الصواب ” أن القنوت لا يجوز في الفرائض ” لهذا الحديث الذي معنا ، لا في صلاة فجر ولا في صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء “

وما ورد من أحاديث :

( من القنوت في الفجر وفي المغرب )

فإنها كانت في أول الأمر ثم نسخ الأمر وبقي على ترك القنوت من غير نازلة ، أما إذا نزلت بالمسلمين نازلة فإنه يقنت في جميع الصلوات ، فالقنوت في الفرائض في غير النوازل بدعة لهذا الحديث .

وإذا نزلت نازلة أيجوز في الفرائض ؟

نعم يجوز ، ولكن لا يقتصر على القنوت في صلاة معينة ، وإنما في جميع الصلوات دون تخصيص صلاة عن صلاة .

( ومن الفوائد )

أن أبا مالك الأشجعي رضي الله عنه هو ” سعد بن طارق بن أشيب ” على وزن أحمر ، سأل أباه من أبوه ؟

طارق بن أشيب الأشجعي وهذا يدل على أن العلم يتلقاه الصغار من الكبار ، والآباء من الأبناء ، وهذا هو حال كثير من السلف رحمهم الله ، فإن تلك البيئة إذا كانت بيئة صافية ترجو الله والدار الآخرة ، والذي يقرِّب إلى الآخرة هو العلم الشرعي ، ولذلك كان مستساغاً عند الجميع الصغير والكبير ، عند الذكر والأنثى ، والإنسان ابن بيئته يتأثر بها ، ولذلك في هذا الزمن لما تأثرت البيئة بالتقنية أصبح همُّ الناس وشغلهم الشاغل إما حديثاً أو مجالساً أو شراءً أو بيعاً إنما فيما يخص هذه الوسائل ، لم ؟ لأن هؤلاء الصغار تربوا على بيئتهم ، لكن فيما مضى كان الواحد منهم ينفق كل ما لديه ، الأسرة بأكملها تهب وتقوم قومة رجل واحد من أجل أن يجهزوا هذا الابن للرحيل عنهم سنين ولا يدرون ما مصيره أثناء الطريق من قطَّاع الطرق ، ولا يدرون ما مصيره متى يرجع إليهم ؟ فيظل بعضهم خمس سنين أو عشر سنين ولم يأت إلى أهله ، وليس هناك وسائل تواصل ولا رسائل سريعة في مثل هذا الزمن ، ومع ذلك كانت نفوسهم طيبة ،لم ؟

لأنهم ما أقدموا على هذا الفعل إلا لأنهم يرجون ثواب الله ، ولذلك كان ينازع الابن أباه في قضية الجهاد أيهم يخرج ، حتى كان أحدهم يقول يا أبت لو كان غير الجهاد لأذنت لك ، لكن نحن أشغلنا بما لا شغل فيه ، تسأل بعضنا اذهب معي ، قال مشغول – مشغول ، ولو سبرت حاله ،ليس هناك شغل ، العلم بأيدينا في هذه الأجهزة ، المصاحف موجودة بتفاسيرها ، الأحاديث بشروحاتها ، اللغة ، كل فن موجود ، ومع ذلك يعجز أحدنا ، العلم يصل إلى البيوت عن طريق المشايخ صوتا وصورة ، فإذا أصلح الله عز وجل القلوب أصلح الله الأبدان ، في الصحيحين من حديث النعمان رضي الله عنه :

( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )

فنسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا وقلوبنا وأبناءنا وبناتنا ، وإلا فالوضع خطير فيما يخص هذه التقنية – الوضع جِدُّ خطير ، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم :

( من أشراط الساعة أن تتقارب الأسواق )

من تقاربها أن تبيع وتشتري وأن في بيتك ، أنت في السعودية تشتريه من أوروبا عن طريق التقنية ، فهذا من تقارب الأسواق  ، وقال عليه الصلاة والسلام ( يتقارب الزمان ) يعني الزمن يسرع من قلة البركة – كما قال ابن حجر رحمه الله – هذا في زمنه ، يقول” لقلة البركة ” فما ظنك بهذا العصر ؟ ! تذهب الأيام والليالي وما أسرعها بسبب هذه الوسائل، كل يشتغل بها ، هجر العلم ، هجر الخير ، هجر التواصل بين الناس ، أصيب الناس بالقلق ، وهذا مجرَّب ، فمن ابتلي بالدخول في هذه الأجهزة ، ولا شك أنها مجال خير ولكن إذا رأى الإنسان أن هذه الأجهزة تصرفه عمَّا فيه صلاح قلبه وفيه صلاح دينه وتؤثِّر عليه فأهم شيء صلاح قلبك ولو كنت عن طريق هذه الوسائل تدعو إلى الله ، فلا تنفع غيرك على حساب نفسك ، انتبه – قدَِّم نفسك أولا  {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } هذا أهم شيء أن نخلق من الإثم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164

فإذا تعارض عندك صلاح قلبك مع إصلاح الآخرين فاهتم بقلبك  .

وهذه الوسائل مثل السحر ، إذا دخلت فيها تقول ” فقط ربع ساعة ” وإذا بك تنظر إلى هذا  وإلى هذا ، وأنت في عمل خيِّر ، كيف بمن كان في أعمال آثمة ؟!

تقول ” ربع ساعة ” وإذا بالساعة تمضي ، وهذه الوسائل تصيب الإنسان بالقلق ، هذا قال ، وهذا قال قولا آخر ، تضعف حتى الإيمان بالقضاء والقدر ، لما أسمع كلام هذا ربما تحدث حادثة ، وأسمع كلام هذا تحدث حادثة ، ربما بقلبه مشغل وإذا بذهنه منصرف ، ولذا لو قرأ القرآن تجد أن نفسه وأن قلبه بعيد عنه ، ولذا من جرَّب ، وجرَّب أناس أنهم لما تركوها أسبوعاً اعتادوا على تركها ، فأصبحت سهلة الترك ، فهي سهلة الترك لمن أراد أن يتركها ، وهي صعبة الترك لمن لا يستغني عنها ، فالإنسان يتنبه لمثل هذا الأمر ، ونحن في هذا الزمن في معترك ، فالإنسان العاقل يقيس وضعه ، أنا لي شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر في هذه الوسائل ماذا استفدت ؟

هذا السؤال الذي يطرحه الإنسان على نفسه ” ماذا استفدت ” ؟ وهذه الوسائل ماذا صرفت مني أو ضيعت مني ؟

من العجائب قبل أيام بيان من الاتصالات تقول ” إن السعوديين أنفقوا في عام 2012م على الإنترنت والاتصال أنفقوا ( 94  مليار ) في سنة ، ونحن نشكو من الفقر ، ونشكو من القلة ، تصوَّر لو هذه المبالغ صرفت على الفقراء ، استغنى الناس في تلك السنة السكن ، لكن بلاؤنا من أنفسنا ، ولذلك عرف الغرب أننا أصحاب كلام ، ليس عندنا فعل ، وبالفعل ليس عندنا فعل ، يعني لما أتت هذه الوسائل تجد أن الناس يغردون بالليل والنهار ، أين الفعل الذي بعد هذه التغريدة ؟

ولذلك من كثر كلامه قلَّ علمه ، بل كما قال عمر رضي الله عنه :

( من كثر كلامه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به )

فعلى المسلم أن يلتفت إلى نفسه وإلى قلبه ، أما أن نبقى هكذا ولاسيما الأخيار ، وهذه الأجهزة بأيديهم ليل نهار ، صباح مساء .

حتى من التناقض أن بعض الشباب الخيِّر لما يذكر شخص على أن به عيباً واضحاً ، يقول له آخر اتق الله ، ثم هو في المجلس يغتاب آخرين قد يكونوا أرفع قدرا من هذا الشخص ، وهذا من التناقض ، وكلا الطرفين خطأ – ما الذي جعلهم هكذا ؟ وسائل التواصل ، هذا يقول وهذا يقول ، وإذا به في جهل ، ولا يعرف ، لماذا نهيته عن غيبة فلان ؟ وفعلك حسن ، وإذا بك تنشف في لحم فلان الذي هو أرفع قدرا عند الناس منه ؟ ما هذا إلا تناقض ، فنسأل الله عز وجل أن يصلح الحال والمآل ، والسلامة لا يعدلها شيء.